السينوغرافي الكويتي د. خليفة الهاجري: ورشة “سينوغرافيا المونودراما” في مهرجان المنصورة بمشاركة الكاتبة صفاء البيلي.. تجربة جديدة خلال ورشاتي عبر عقدين من الزمان!
الورشة أقيمت في مهرجان المنصورة الإقليمي في الفترة من 8 إلى 15 فبراير 2023
المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات
ـ
حاورته: أمل جمال
السينوعرافي الكويتي الكبير د. خليفة الهاجري هو فنان وأستاذ أكاديمي حاصل على ماجستير و دكتوراه في الفنون الجميلة والمسرح – تخصص سينوغرافيا -جامعة ليدز -المملكة المتحدة، وقد ترأس قسم الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت زهو الآن رئيس رابطة أعضاء هيئة التدريس وأستاذ الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، له الكثير من الأعمال الفنية المسرحية، وفدم الكثير من الورشات التدريبية للشباب والمتخصصين في السينوعرافيا، وقد شارك مؤخرا في تقديم ورشة متخصصة جدا في السينوغافيا بمشاركة الكاتبة صفاء البيلي فيما يخص كتابة المشهدية البصرية في نصوص المونودراما وذلك أثناء انعقاد مهرجان المنصورة الإقليمي بمحافظة الدقهلية بمصر والتي انتهت فعالياتها في منتصف فبراير 2023 الحالي ..
إلى نص الحوار:
- تشاركون بمهرجان المنصورة المسرحي الإقليمي في دورته الثانية بورشة في السينوغرافيا – فما هو محتوى هذه الورشة ؟
ورشة السينوغرافيا المصاحبة للمهرجان هي تجربة جديدة بالنسبة لي في مجال إقامة الورش التي قدمتها طوال عقدين من الزمن، وهي عبارة عن ورشة مشتركة مع الشاعرة والمؤلفة الكبيرة د. صفاء البيلي، حيث اخذت ورشة السينوغرافيا اتجاها دقيقا بموضعها : كتابة المشهد البصري في نصوص المونودراما. كما قدمت د. البيلي ورشتها في المونودراما وعنوانها : فن كتابة الأنا والآخر وهي الورشة الرئيسية ضمن برنامج ورش المهرجان والتي ضمنتها ورشتي الخاصة بسينوغرافيا المونودراما.
كيف وجدت الاقبال من المهتمين على الورشة؟
الاقبال كان بالمستوى المطلوب واللائق وأتمنى ان نكون قد قمنا بتطوير المفاهيم الخاصة بهذا الفن، خصوصا وان هذه الورشة ستكون تأسيسا لنشاط مسرحي مستمر في مدينة المنصورة حول فنون المسرح يقوم به كل من انتمى لهذه الورشة والورش الأخرى.
- كيف ترون المسرح العربي الآن ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين؟
تتجلى جاذبية الفنون السمعية والبصرية بصورة عامة في تماهيها التلقائي مع المنجزات العلمية التكنولوجية والفكرية والجمالية وتوظيف هذه المنجزات في عالم الفنون الساحر واحالتها الى شكل فني متطور وجديد، لا نستثني من ذلك المسرح بصفته فنا سمعيا وبصريا بل هو جنس متغير غير ساكن يدأب باستمرار على التطور والتحول بحسب البيئة التي يجتاحها، اذ يتأقلم معها ، يمتص الوانها تارة وتارة اخرى يعكسها، فيتشابك مع الحضارات ويُمكِن ادواته في أن يكون جزءا تراكميا من ثقافتها.ولعل العالم العربي ليس بمنأى عن اقتحام المسرح لمكوناته الثقافية.
- وهل استطاع المسرح ان ينصب نفسه بالصورة اللائقة له كما هو الحال في أوروبا على سبيل المثال؟ وهل هناك خلل في تفسيره أو تنفيذه؟ وهل أن قراءتنا له كعرب قد اختلفت عن الآخر؟.
تقبل العرب المسرح بنموذجه الأوربي و بصورته الكلاسيكية المجردة كونه نوعا من الفنون الادائية، وان الفكرة المتعلقة بالامبريالية الغربية تلاشت تماما، بعد ان اتهم من قبل المفكر العربي بالأغلبية بانه أداة استعمارية واستشراقية في بداية ظهوره الأول على المشهد الثقافي العربي ، خصوصا بعد استقلال الدول العربية وتحررها الكامل من الاستعمار نستثني من ذلك بعضها، واصبح المشتغلون بالمسرح العربي يعملون على محاكاة النموذج الغربي وتقليده في اعمال مسرحية عديدة، وقد نشأت لدينا فرق مسرحية تأخذ من المسرح محترفا أساسيا لها يوفر لها وفرة مادية ملائمة للاستمرار وفي أوقات أخرى توفر لها الثراء . الا انها تقوقعت داخل النموذج الأوروبي وكان التفكير خارج الصندوق يعتبر مغامرة كبيرة بالنسبة لتلك الفرق ان لم تكن محاولة متهورة او غير مفهومة.
- هل وقعت سينوغرافيا المسرح النوعي في غواية الإبهار التكنولوجي؟
ان المسرح النوعي كسائر أنواع الفنون الأخرى،قد افتتن المشتغلون به بإمكانيات التكنولوجيا المعاصرة، وأصبحت اطروحاته تميل الى المبالغة في اظهار الجانب التقني على حساب مضامينه الفكرية، وهذه الحالة العامة في فنون القرنين العشرين الواحد والعشرين أصبحت تستعر كالنار في الهشيم كطبيعة متوقعة تتسق مع طبيعة القرن الحالي الذي يتسم بسمات ترسخ منهجا متواطئا مع هذا الافتتان العام الذي حسن من المظهر المعتاد للمسرح الذي عرفناه فيما قبل القرن العشرين ، ومن سمات العصر الحالي هو كونه عصر التكنولوجيا فقد أسس هذا العصر مفهوم البحث التكنولوجي والتجريب، واصبح لا يسلم بكثير من الحقائق الا اذا وضعها تحت الاختبار، وعليه اصبح المسرح ليس ببعيد عن التجريب المختبري، وقد ينجح بعضها وقد يفشل الآخر والمفاجأة اذا أظهرت التجارب بنتائجها مولودا جديدا اما ان يكون سليما او مشوها. كما يضيف العصر الحالي الى صفاته تطور السلع، فالتطورات المتسارعة للأجهزة التقنية والتكنولوجية الى درجة أننا لا نكاد ان نتمكن من تقنية حديثة الا وتم خلق تطوير لها او تقنية أخرى تلغيها تماما، وتولدت لدينا تخصصات جديدة في سائر العلوم والمعرفة لم نعرفها قبلا. والمسرح ليس بمنأى عن ذلك فقد أصبحت مكائن تحريك المناظر المسرحية وأجهزة الانارة والمؤثرات المسرحية أكثر تعقيدا مما يحتم ان تنشا لها تخصصات مهنية احترافية تقوم على تطويرها واستخدامها وصيانتها.
كما اتسم العصر الحالي وسابقه بالتغيير المستمر وفكرة الثبات تكاد تكون قصيرة نسبة الى العصور السابقة، ولم تعد هناك مسلمات ثابته او نظريات مطلقة غير قابلة للتشكيك. كما يوصف العصر الحالي بكثرة المهرجانات المسرحية التي مثلت مختبرا خصبا للتجارب الجديدة و كثافة في الإنتاج المسرحي وحالة من الإنتاج المتسارع الذي يسابق الزمن، فتجد المشتغلين بالمسرح دائما في حالة تأهب واستفزاز وجهوزية استعدادً للقادم من التظاهرات المسرحية التي تحتاج الى رؤى مجددة وحديثة لعل التكنولوجيا أحد هذه الرؤى والأدوات .
- بماذا نفسر ظاهرة استعارة المخرج مهام السينوغراف والعكس الصحيح؟
على ضوء متابعتنا للمنتج المسرحي العربي وخصوصا النوعي منها: فاننا نقترح عدد من المسببات التي أدت بالمخرج والسينوغراف الى استعارة مهام كل منهما للآخر ونوجزها بالأسباب التالية:
أولا: الافتتان بسحر التكنولوجيا الحديثة وتسارعها المطرد، والاعتماد على التقنيين المحترفين في توفير رؤى المخرجين المهتمة بالإبهار دون ادراك تأثيرها التسطيحي للعمل المسرحي وهشاشة مضامينه.
ثانيا : ارتباك المفهوم التخصصي للمشتغلين في المسرح وتشابك التخصصات بصورة غير منظمة قبل واثناء تنفيذ العمل المسرحي.
ثالثا: عدم ادارك مهنية الفن المسرحي وان صناعة المسرح ضمن الفنون الادائية الاحترافية لها نصيبها الجيد من الاقتصاديات العالمية المهمة مما يوجب استقلالية التخصصات وعدم تشابكها بصورة فوضوية.
رابعا: هيمنة فكرة “المخرج سيد العمل” مما قد يؤدي الى اغتصاب مهام السينوغرافي او تحول السينوغرافي الى مخرج ينفذ رؤيته الخاصة به بعيدا عن المخرج المتسلط.
خامسا: ندرة السينوغرافيين أصحاب الرؤى الفكرية التشكيلية المعاصرة.
سادسا : الثقة المفرطة لدى الطرفين في تولي مهام الاخر والاستغناء عن دوره في العمل المسرحي.
سابعا: كثافة المهرجانات التي تؤدي بالمخرجين الى الاستعانة بقدراتهم السينوغرافية المبنية على الخبرة والممارسة في التغلب على العامل الزمني في الاستعداد للمهرجانات.
- هنا نذهب للسؤال الأهم : هل تجدون تشابكا في مهام المخرج والسينوغراف ؟
بالنظر الى مهام السينوغراف والمخرج المسرحي لاحظنا تشابكها التنظيري والفلسفي في المعني المفسر للنص المسرحي الا انها تختلف اختلافا جذريا في مهاراتها وتقنياتها التنفيذية مما يفضي الى صعوبة سطو طرف على مهام طرف آخر حتى وان اتقن جزءاً مما يملكه الآخر اذ يتكئ على الممارسة والخبرة فقط، الا اننا الآن وفي هذا العصر كما اسلفنا تتجه به كل الفنون والتخصصات الى الحالة التخصصية حتى وان نجح المخرج في حلوله السينوغرافيا بصورة آنية او مؤقته معتمدا على الابهار او حتى بجماليات فلسفية، الا ان الاستعانة بسينوغراف متخصص قد يقنن الابهار الى مستوياته المعقولة و يؤكد جودة الجماليات الفلسفية والدلالات العمل والعكس الصحيح بالنسبة الى السينوغراف الذي يسطو على دور المخرج في العمل المسرحي، فالأدوات مختلفة هنا وقد لا تخدم الهدف وان خلصت النوايا.
- ما الذي توصون به للمسرحيين الشباب في مهرجان المنصورة المسرحي الأقليمي في دورته الثانية ؟
أقول للشباب – وهم شعلة وأمل هذا المهرجان – ان الفن المسرحي الآن بصورته المعاصرة لم يعد فنا بسيطا كما نشأ بل هو فن اصبح يميل الى التعقيد والتطور بصورة مستمرة، و كما عبر عن ذلك منصور نعمان في كتابه “تعددية نصوص العرض المسرحي” في تكون مستويات تراكبية عدة للعرض المسرحي و في تعددية قراءاته ورتبها : “بنص المؤلف و نص المخرج ونص الممثل والنص السينوغرافي (التقني) ونص المتلقي”، وعليه ادعو الشباب الى الالتفات الى هذه التعددية والاهتمام بتفاصيلها قبل الاقدام على أي فعل مسرحي على الخشبة، وأن يشكلوا فرقا تهتم بكل هذه المعطيات الدقيقة. فالعمل المسرحي إضافة الى كونه عملا فنيا ابداعيا فهو صناعة ابداعية تحت مسمى “مشروع” ذات مكون اداري و مالي في اغلب الأحيان يحتاج الى إمكانيات إدارية كإدارة الخشبة والإنتاج مثلا.
ـــــــــــــــــ
المصدر: نشرة المهرجان