مقالات ودراسات
الاستوديو التحليلي المسرح العربي.. قراءة في عرض “الجلاد” الناقد د.شاكر عبد العظيم جعفر
ضمن عروض الدورة الـ 14 من مهرجان المسرح العربي 2024
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
إعلام الهيئة العربية للمسرح
#الاستوديو-التحليلي-المسرح العربي
تصوير: حيدر انجاد
يشتغل المؤلف أحمد الماجد في مدونته النصية (الجلاد ) على ثيمة قد تبدو مكرورة إلا أنَّ تناوله لهذه الثيمة هذه المرة يبتعد عن كونها استظهاراً لشخصية منبوذة اجتماعياً ومستبعدة من دائرة العلاقات الإنسانية لامتلاكه سلطة التعذيب والقهر ، فقد عمد المؤلف إلى رؤية الجلاد وهو يحاكم نفسه ويموقعها في موقع الارتجاع إلى الذات وتعذيبها أو ربما بسبب ما تعيشه من وابل التأنيب الذي تكتظ به ذاته التي وعت أخيراً فضاءها الذي يجب أن تكون فيه وهو الحاضنة الاجتماعية ، لأنه أساس مقذوف خارجها ،
وإلى جانب ذلك فهو ابن جلاد ، أي أنَّه وريث شرعي لآليات تراتبية وراثية ، فكان المتن النصي معالجاً لفكرة ملاصقة للوعي العربي عبر تاريخه الحديث وماعاناه الفرد العربي من قسوة الدكتاتوريات وجلادي السلطة الذين كانوا ينظرون إلى هذه الترسيمة بعدها نفوراً عن السير الإنساني نحو إنسانية الإنسان .
ويلاحق المتن النصي للعرض أهداف نص المؤلف مستمرئاً ومستأنساً بالخطوط التي رصفها المؤلف (الماجد) في طيات نصه (الجلاد) ، لتبرز ثنائية الجلاد الحاضر /ابن الجلاد / والجلاد الغائب (الأب / ثم حضور الضحايا في أفكار الجلاد الابن ، وسط صراع دائم بين الزوجة والجلاد الابن ، وهم يتناقضون في أنه يتوسل نستالوجياً بالماضي ويؤنب أباه على رحيله وتركه له في صخب المتراكم من القضايا التي جعلته منزوياً لا يخرج من كهفه (البيت ) مخافة الآخرين الذين يحملون فعلاً مناوياً نحوه ونحو ماضيه الممتد من إرثه اللا إنساني ، أما زوجته فتطمح لحياة قادمة أجمل مما هي عليه الآن إلا أنها ترنو الى قادم باقتطاع هذا الارث وازاحته للابد لذلك فهي توؤد احلامه بولد يحمل اسمه دون هذه الوظيفة ( الجلاد) .
يتوزع العرض تشكيلياً وفق مستويين الأول هو المنضدة التي تمظهرت بأشكال عدة منها ( سرير ، مسرح داخل مسرح حين يرتقيها الزوجان ويتحركان عليها ، ملجأ لهما حين يكونون أسفله ، مكان الإغواء بالنسبة للزوجة، الخ) والمستوى التشكيلي الثاني هو الأرجوحة التي تمرأت لنا على أنَّها مكان الوجد والمناداة الروحية والوجع، وكذلك الأحلام بكون الشخصية تشعر بالأسى من واقعها الحالي ، إلا أنَّ العرض لا يعد من العروض التي تتوسم بالأداء المتحول الذي يحتوي على الصور المسرحية المتحركة ويمكن عده من العروض الثابتة تشكيلياً وبصرياً لأنه يتعكز على الصورة البصرية الثابتة وكذلك بسبب حفاظ رؤيا الإخراج بشكل كلي على الخطاطة النصية .
حاولت المخرجة أن تكسر نمطية العرض / النص من خلال حضور مجموعة من الممثلين يقع على عاتقهم تفعيل الجوانب الأدائية التشكيلية من خلال الأداء ما بعد الدرامي ، إلا أنَّ استثمار وجودهم لم يكن موازياً لحضور الكلمة (الحوارات) فقد بقي الجسد تابعاً وفي أحيان ليست قليلة معطلاً ، إلا من بعض الأداءات في بداية العرض، ولقد حاولت الرؤيا الإخراجية الارتكاز على نصية النص، والشخصيتين واستبطان ذواتها ومن ثم البوح بما هم في وما خلفه لهم الماضي عبر تحققه حاضراً ، وجل أهدافهم هو الخلاص من هذه التركة المتراكمة لديهم.
ويمكن القول إنَّ مشاركة المجموعة المؤدية في بعض حالات العرض وتمرحلاته الزمنية كانت تزيد من قابلية التلقي والتواصلية مع الأداء التمثيلي للزوجين ، بحيث تمنح العرض جماليات وتحرك من سكونية ونسقية العرض الثابتة ، فقد كان وجودهم باعثاً حيوياً لو استثمر وجودهم في أكثر مواضع العرض ، كما يمكن القول وبسبب هيأتهم الشبحية أنهم ضحايا الجلاد أو هم أشباح موجودون في ذهنية الزوجين ولا سيما الجلاد ( الابن ) ، وهم في مطاردة دائمة له .
أما بخصوص التمثيل ، فقد امتلك الممثل ذاتاً متحررة من ثقل الجسد ، ممثلاً واعياً لشخصة الجلاد الابن ، ويمتلك حساً مثيراً لشهوة التلقي وحضوراً بارعاً أدائياً ، متحركاً باحترافية عالية على المسرح فهو يعي ما يتحرك من أجله ومنطوقات الشخصية وخبيراً بأسس التمثيل لذلك فهو باستحقاقه وحضوره استحق الجدارة .
أما الممثلة (الزوجة) فقد كانت تمثيلياً وأدائياً برشاقتها وخفة الظل لديها ممثلة جميلة بحيث منحت فضاءات العرض حيوية بالغة التأثير في المتلقي وكانت على دراية عالية بمقتضيات الفاعلية التمثيلية ، لذلك جاء أداؤها هارمونياً وشكل بعداً جمالياً ، فقد كانت مجسدة بدهشة للشخصية، ولم تتقوقع على أداء نمطي ، بل أدت بديناميكية حركت سكونية المشهدية المسرحية في هذا العرض .
حاول العرض بكافة مكوناته وتشكيلاته أن يتحايث مع الواقع العربي ويقدمه بصورة نقية تتماشى مع معاناة زمن طويل في ظل الحروب والمجابها السياسية مع الشعوب ، والجلاد إنَّما يشير إلى السلطة ، فلا يوجد جلاد بلا سلطة قهر وقمع للذات الاجتماعية ، ليكون الفرد على الدوام مع السلطة من خلال فرض ايديولوجيتها وديماغوجيتها ، لذلك كان العرض قريباً من المتلقي لأنه يقدم الواقع سواء أكان في الماضي القريب أم الآن . وقد نجح العرض في ذلك لمحاولته ضرب سلطات الأبوة على أشكالها والتمترس إلى جانب حرية الإنسان وكذلك المرأة ، بإزاحة ثقل القمع ومصادرة الذات ومحتواها الاجتماعي والحياتي .