المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
ـ
بقلم: د. حبيب ظاهر حبيب
كاتب وناقد أكاديمي عراقي
أساس وجود المسرح هو إقامة المهرجانات ، فقد كانت البداية الفعلية للعروض المسرحية لدى اليونان مهرجان المسرح في أثينا المتوافق مع الاحتفالات بالإله ديونيسوس ، ومنها انطلقت المظاهرات المسرحية مجتمعة (بصيغة المهرجان) أو عروض مسرحية منفردة.
المهرجانات بوجودها العام ظاهرة ثقافية تهدف إلى: لقاء الثقافات المختلفة – تبادل الخبرات بين المشاركين – الاطلاع على المستجدات في المجال الفني والأدبي في ضوء توجهات العروض المشاركة. وتحرص المهرجانات على ديمومة إقامتها في توقيتات دورية ، كأن تكون سنوية او كل سنتين ، مما يجعل التحضيرات للمشاركة ميسورة ، ويجعل المشاركين أكثر خبرة ، ويجعل إجراءات القائمين على المهرجان مكتملة من حيث التنظيم والإدارة.
انعقد مهرجان كركوك الدولي لمسرح الشارع بدورته الثامنة تحت شعار (تعايش) تضمن المهرجان واحد وعشرين عرضا مسرحيا خلال ثلاثة أيام، انطلقت الفعاليات يوم السبت الموافق ٢/ ١١/ ٢٠٢٤ واختتمت مساء يوم الاثنين ٤/ ١١/ ٢٠٢٤ ، الدول المشاركة (إيران – أسبانيا – تركيا – بلجيكا – اليابان – تونس – الجزائر – لبنان) وشاركت العاصمة بغداد ومحافظات النجف والانبار فضلا عن مشاركة أقليم كردستان، وقد صرح الفنان “نجاة نجم” مؤسس ورئيس المهرجان أن اللجنة الفنية المنوطة بمشاهدة العروض وفرزها قد أرسلت لإدارة المهرجان تقريرا يفيد أن اللجنة شاهدت ٨٠ عرضاً من ٢٤ دولة وكان المعيار الرئيس في اختيار العروض للقائمة القصيرة، هو الجودة الفنية العالية الدقة من خلال المفهوم الصحيح لممارسة هذا الفن برسالة إنسانية مشتركة تعزز الفهم بين الشعوب. وقد تضمن المهرجان:
المحور الفكري : أقيمت ندوة فكرية طرحت خلالها ثلاثة بحوث.
أصدر المهرجان ثلاث كتب اختصت بطروحات عن مسرح الشارع :
الكتاب الأول: مسرح الشارع والمسرح الملحمي في حركة المسرح الكردي – كيفي احمد و زيلوان طاهر.
الكتاب الثاني : مسرح الشارع والخلط الشائع – حسام الدين مسعد.
الكتاب الثالث: بحوث ودراسات معاصرة في مسرح الشارع – مجموعة من الباحثين.
انقسمت عروض المهرجان المسرحية إلى قسمين : عروض موجهة للكبار وعروض موجهة للاطفال ، مع الاشارة إلى أن مسرح الشارع الموجه للأطفال في جوهره عرض موجه للعائلات وليس للأطفال حصريا ، ذلك أن القضايا المطروحة تراعي بموضوعاتها ومفردات لغتها مستوى إدراك الأطفال وبالوقت نفسه تتضمن رسالة للكبار مفادها: عليكم أن توجهوا أطفالكم على وفق مضمون هذا العرض وأهدافه.
ويأتي الاهتمام بعروض مسرح الشارع عموما والعروض الموجهة للأطفال على وجه الخصوص، من أن صناعة الجمهور وزيادة عدد رواد المسرح ، تفترض الذهاب إلى الشارع لتقديم عروض مسرحية تتناول قضايا الناس ، ويفضل عرض المسرحيات الموجهة للأطفال وعموم أفراد العائلة في الشارع لكسب الجمهور وتنمية ذائقتهم.
وجاءت فعاليات المهرجان في اختيار وتقديم العروض منسجمة مع تعريف (باتريس باڤي) لمسرح الشارع في المعجم المسرحي: ص ٥٥٣-٥٥٤. بأنه ” مسرح يحصل في الأماكن الخارجية وفي مبان تراثية: شارع، ساحة، سوق، ميترو، جامعة … إلى آخره. إن الإرادة في ترك حرم المسرح تأتي من رغبة في الذهاب لمقابلة جمهور لا يذهب عادة لمشاهدة عرض مسرحي، ويأخذ مبادرة اجتماعية- سياسية مباشرة، ويشاركه بإحياء مناسبة ثقافية وتظاهرة اجتماعية، وينخرط في المدينة كمحرض وكضيف. لطالما كان هناك بين مسرح الشارع والمسرح السياسي (لسنوات العشرينيات والثلاثينيات في ألمانيا والاتحاد السوفياتي) ومنذ السبعينيات اتخذ مظهرا اقل سياسية وأكثر جمالية ” هذا مع الأخذ بالاعتبار أن موضوعات مسرح الشارع الموجه للأطفال تنأى عن الجانب التحريضي وتنحصر عادة بالجانب الثقافي الاجتماعي ، ومن العروض الموجهة للأطفال التي امتازت في موضوعاتها وتوظيف مفرداتها:
عرض مسرحية (دجاجة الجيران ليست وزة) – المصمم والكاتب والمخرج: مصطفى كوليفاندي – ايران
تمحورت فكرة العرض حول ضرورة الاعتزاز والتوافق مع الوطن الأصلي وعدم السعي للبحث عن أوطان أخرى لأن جذور الإنسان تمتد عميقا وينمو في وطنه وليس اوطان اخرى مهما كانت جاذبة. استند المخرج في تأسيس حكاية العرض وعرضها إلى مفردات يحبها الأطفال ، تمثلت بالبساط والمصباح السحري الذي ينتقل بطل العرض بواسطته إلى بقاع اخرى ، وذلك يتناغم إلى حد كبير مع خيال الأطفال وشغفهم بالوسائط والعوالم الخيالية، تجسد الصراع بين شخصية البطل الباحث عن بيئات اخرى وبين نفسه من جهة، وبين ما يصطدم به من معوقات تجعله لا ينسجم مع البيئة الجديدة، وقد استعان المخرج بمجموعة ممثلين متمكنين من إثارة تفاعل الجمهور بأدائهم إلى جانب الموسيقى والمؤثرات الصوتية والغناء التي حصلت استجابة الجمهور بأنغامها وايقاعاتها حتى وإن لم يتمكن معظم الحضور من فهم كلماتها ، وتوظيف تكوينات أجساد الممثلين في الإيحاء بمسار الرحلة والطيران على البساط السحري ، وكانت الصورة البصرية كفيلة بالتعبير عن أحداث العرض ورسم أجواء المرح التي سادت العرض.
فاز مسرحية (دجاجة الجيران ليست وزة) بالجائزة الأولى للعروض الموجهة للأطفال.
عرض مسرحية (عشرة على عشرة) تأليف ماجد درندش – إخراج حسين علي صالح – بغداد.
سبق وأن قدم هذا العرض في فضاء المسرح المغلق مرات عديدة وشاركت في مهرجانات، وتمت مشاركته في مهرجان مسرح الشارع، وعرض في فضاء مفتوح يحيط به الجمهور، وقد استثمر المخرج خبرته وخبرة الممثلين في تكييف العرض لفضاء مسرح الشارع وأقاموا علاقة بوشائج عالية مع الجمهور من خلال تقديم شخصية التلميذ المجتهد الذي يتمكن من إحداث تغيير في سلوك شخص كسول وضئيل المعرفة وجاهل بأبسط المعلومات حتى انه لا يفرق بين صوت البلبل وصوت الحمار، ولا يعرف كيفية عبور الشارع ، وأحدث المخرج صراعا دراميا بين التلميذ الشاطر والكسول الذي لا يريد أن يتعلم شيئا من خلال ترغيبه بالتعلم وجعله يتطلع الى جمال البيئة المحيطة به وينظر للناس والأشياء بمحبة، يحدث التغيير عندما يكتشف الجاهل متعة المعرفة وأن السعادة تكمن في التعاون مع الآخرين ، وقد وضع المخرج أحداث المسرحية في إطار من الكوميديا والموسيقى والغناء ، مما جعل إيقاع العرض بسبب عدم خروجه عن موضوعة واحدة وحدث محوري غير متشعب وبالنتيجة حققت الشخصيات حضورا بفعل الأداء الذي حرص على بناء علاقة مع الجمهور منذ البداية وعمل على تنميتها طوال زمن العرض. أسقط المخرج وفريق العرض فرضية عدم صلاحية العرض المصمم للمسرح التقليدي/ المغلق للعرض في فضاءات مفتوحة عندما عملوا على تكيف حركة الممثلين وإنشاء المنظر بصورة تتوافق مع مسرح الشارع دون ان تتأثر فكرة العرض وعناصره الجمالية.
فاز العرض بالجائزة الثانية للعروض الموجهة للأطفال.
عرض من مسرحية (من هي والدتي) اعداد واخرج هه ردى شيخ هادي – كردستان/ حلبجة.
فكرة العرض و أحداثه مقتبسة من مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) للكاتب برتولد بريخت، وعمل المعد/ المخرج على إجراء تغييرات في شخصية النساء في النص الأصلي إلى فتيات ، الفتاة الأولى مترفة – يتضح ذلك من أزياءها وسلوكها المتعالي ، الفتاة الثانية بسيطة فقيرة ، وحول الطفل المتنازع عليه بين الأم الأرستقراطية والمربية إلى دمية تتنازع على أحقية امتلاكها الفتاة المترفة التي أهملتها والفتاة الفقيرة التي وجدت الدمية مرمية في الشارع وعملت على العناية بها بخياطة ملابسها والمحافظة على نظافتها، يبدأ العرض بدخول رجل يبيع البالونات واشياء اخرى ينادي علي بضاعته تقاطعه الطفلة المترفة الغنية تحمل دمية ، تفزعه بصورة كوميدية وتسخر منه وتبعثر أشياءه … تهرب منه بعد اتصال هاتفي وتترك دميتها وتخرج ، تدخل فتاة فقيرة يتضح ذلك من ملابسها ، يعثر البائع على الدمية مرمية يعرض عليها أن تأخذ الدمية، تفرح بها تسميها لولو ، تعده أنها ستضعها بين عينيها وتعتني بها ، يغادر البائع ، تدخل امرأة عجوز تحمل صندوقا لغرض خياطة الملابس ، تغني هي والبنت الصغيرة الفقيرة ، تطلب منها البنت خياطة الجزء المعطوب من الدمية وتخرجً البنت الفقيرة الدمية بعد ان فرحت بإصلاحها ، تدخل البنت الغنية باحثة عن دميتها تلاقي الخياطة ، تخبرها أنها أصلحت دمية لإحدى الفتيات ، تطلب اعادة دميتها من الفتاة الفقيرة، تتشاجران ، يحضر البائع والأب ليحكم الاب بعد ان تحولت العربة إلى منضدة حكم ويكون الأب قاضيا ، وهنا وصل العرض إلى مرحلة ذروة الصراع بين الفتاتين، حين يضع الدمية في دائرة على الارض ويطلب القاضي من البنتين الإمساك بالدمية وكل من يسحبها بقوة اليه تكون من نصيبها، ترفض البنت الفقيرة سحب الدمية لأن عملية سحب الدمية ستمزقها ،حرص المخرج على مشاركة الجمهور بإصدار الحكم بأن تعود الدمية للفتاة الفقيرة ، لأن الفتاة الغنية عاملت الدمية بخشونة وقسوة ، تغادر الفتاة الغنية مستاءة وغاضبة، تفرح الفتاة الفقيرة ويشاركها الجميع سعادتها.
فاز عرض (من هي والدتي) بالجائزة الثالثة للعروض الموجهة للأطفال.
عرض مسرح (نوتا الدمى والأقنعة) من اسبانيا، ثلاث مسرحيات تحت عنوان (عوالم الاقنعة والدمى) إخراج (رافائيل ري) وقام بتحريك الدمى والاشياء الاخرى على طاولة واداء الأصوات ثلاث شبان يظهرون أمام المتلقي.
تظهر مع الموسيقى دمية امرأة عجوز تجلس في كرسيها، تكاد لا تقوى على المشي إلا بمعونة الآخرين إنها تنهض عندما تجد الورد حولها وتسعد به ، تبدأ بالعمل على تنظيف ما حولها بالمكنسة وترمي القمامة في مكانها الصحيح، يزداد نشاطها وترقص مع الموسيقى، يحدث صراع بين شيء من القمامة وبين المكنسة لتظهر من القمامة وردة حمراء تسعد بها المرأة العجوز، ذلك أن عملها ونشاطها انتج وردا جميلا. أن جمال الورد جمال يحيي في داخلها حب الحياة ويمنحها قوة وعزيمة، مغزى العرض وفكرته تتضمن دعوة صريحة للناس بجميع الاعمار للمحافظة على البيئة، والعمل على زيادة الورد في حياتهم. مفردات العرض الموسيقى والمؤثرات الصوتية ، دمية المرأة العجوز، ورد في سنادين، صراع يدور بين المرأة العجوز وقواها المتعبة من جهة ، وبين المكنسة والقمامة من جهة ثانية، تنتصر العجوز على قواها الخائرة عندما تنجح بتنظيف وتجميل حياتها، وتبدأ بالتحرك برشاقة وترقص فرحا.
العرض الثاني الذي قدمه مسرح (نوتا الدمى والأقنعة)
تناول موضوع حماية البيئة والكائنات مثل الطيور التي تأكل الأسماك ، والأسماك بدورها تأكل ما يرمى في الأنهار، من جماليات هذا العرض صناعة المفردة الأساسية (دمية طائر اللقلق) التي اعتمدها العرض من مخلفات البيئة ، بحجم كبير نسبيا ، شكل خزان ماء بلاستيكي أصفر بطن الطائر، قاعدة جهاز تلفزيون أقدام الطائر، وتشكل الجناحين من انابيب خضراء وقطع اسفنج حمراء وتكون ريش جناحي الطائر من أكياس بلاستيكية ملونة متدلية يمينا ويسارا ، أما المنقار فكان قنينة ماء مشطورة الى نصفين، والرأس يتكون من كرات ، وتربط الأجزاء أسلاك ، وكأن العرض يقول ان البلاستيك اخطر مخلفات البيئة ، أنه عرض صامت لقضية الضرر الذي يطال الإنسان وجميع الكائنات من المخلفات وهي قضية هامة للعالم والإنسانية جمعاء.
فازت الفرقة الاسبانية بتكريم خاص من قبل لجنة التحكيم وإدارة المهرجان.
امتازت العروض الخمسة الوارد تقديمها أعلاه بجملة من المقومات الفنية منها:
أولا: أتخذت مساحة جميع العروض شكل حدوة حصان، وليس إحاطة كاملة، وذلك لغرض فسح مجال لدخول وخروج الشخصيات. ومنحت فضاء لمشاهدة الجمهور بوضع مريح.
ثانيا: امتلكت العروض أهم مقومات تقبلها والتفاعل معها لأنها تناولت أفكارا موضوعات تتجاوز المكان والزمان المحلي وذهبت إلى عموم الانسانية (مسرحية دجاجة الجيران ليست وزة: لا توجد بيئة يمكن الانسجام معها والعمل فيها أفضل من بيئة الوطن) – (مسرحية عشرة على عشرة: يقود النشاط والتعلم والتعاون إلى الحصول على أعلى درجات المفاضلة ومن ثم الحصول على السعادة) – (مسرحية من هي والدتي: الأشياء لمن يحافظ عليها ويعتني بها) وتناول العرض الاسباني الأول: (فعالية الإنسان في أي عمر كان تزهر جمالا) وتناول العرض الاسباني الثاني: (الحفاظ على البيئة وحماية الكائنات)
ثالثا: شكلت الموسيقى والغناء عنصرا حيويا في العروض، ووظفت الملحقات (الأدوات والاكسسوار) من قبل المخرج والمؤدين بصورة لا زوائد فيها ولا ترهل، إلى جانب الابتعاد عن الخطابية والنصائح والمقولات المباشرة للجمهور.
رابعا: انطوت العروض على امكانية إثارة تفاعل الجمهور من الأطفال والكبار والسعي إلى مشاركتهم.
خامسا: تتضمن العروض الخمسة مقومات فنية وموضوعية وجمالية تهم جميع أفراد العائلة، ويصح ان يصطلح عليها وإدراجها ضمن عروض (مسرح العائلة) الذي يعني المسرح الذي يتوجه للأطفال والراشدين دون تمييز لا بالفئة العمرية ولا الطبقة الاجتماعية.