د. رانيا عبد الرءوف تكتب: مسلسل ساعته وتاريخه.. عالم مجنون من ملفات المحاكم المصرية!
المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون
ـ
د. رانيا عبد الرءوف
أثار مسلسل ساعته وتاريخه جدلًا واسعًا نظرًا لما يطرحه من قضايا من ملفات المحاكم المصرية. وفي حقيقة الأمر أن المسلسل يحتاج إلى متلقي يتمتع بصلابة نفسية التي تؤهله لمشاهدة كل تلك الجرائم التي تدور في عالمنا المجنون اللا إنساني!
لكن ذلك لا يعني أن هناك ما يسيء إلى صناع العمل سواء فنيًا أو يُنقِص من ثِقَل وأهمية القضايا والتيمات التي يطرحونها.
فأنا لأول مرة، على سبيل المثال، أعلم ما يُعرف بالدارك ويب Dark Web، واتعرف على وجود مرضى نفسيين يتلذذون بمشاهدة فيديوهات القتل والتمثيل بالجثث؛ وهو أمر يفوق قدرتي الاستيعابية ولكن لا يمكنني سوى التسليم بأنه موجود! هذا كل ما في الأمر.
ومن ثم لا أعرف سبب السخط على مسلسل يعرض قضايا حدثت بالفعل في عالمنا! حتى وإن كان يهدف إلى الكشف عن أنسقة مجتمعية بهذا القبح الذي لا يُحتمل؟!
هل إنكارنا للأمر ووضع رؤوسنا كالنعامة داخل الرمال سيكون حلًا؟ هل سينهي ذلك كل ما حدث وما يحدث وما هو قادم؟! أم مواجهتنا للأمر وأن نكون أكثر وعيًا هو ما سيفعل؟!
وعلى صعيدٍ آخر ألا يُحتمل أن يكون ذلك الخوف الذي ينتاب المتلقي جرّاء مشاهدة العقوبة التي تعرض لها الجاني سببًا كافيًا لعدم تكرار تلك الأفاعيل الإجرامية مرة أخرى؟
ألم يتوصل أرسطو، منذ عصور ما قبل التاريخ، إلى أن مشاعر الخوف والشفقة التي تتولد داخل المتلقي جرّاء مشاهدته لمصير البطل التراجيدي إزاء أفعاله الإجرامية؛ تدفع المتلقي إلى تجنب تلك الأفعال وعدم تتبع خطوات ذلك البطل حتى لا يكون عُرضة لنفس المصير؟
الكثير من الأسئلة التي أوّد لو يطرحها الجمهور الغاضب على نفسه ويعيد التفكير مرة أخرى في أسباب غضبه، ويحاول ألا يكون مجرد نعامة تخفي رأسها في الرمال.
أما إذا توقفنا عند صناعة العمل فنيًا فأستطيع أقول إنه، على العكس مما تم الترويج له، أنه مسلسل تم صنعه على عجل.
حيث أن حبكة كل حلقة تتركز في حدث رئيس، وتعتمد على مكان واحد فقط الذي يتم التصوير فيه طوال الحلقة. مع اللجوء إلى مشاهد داخلية بإضاءة قاتمة، للإشارة إلى كشف المستور عما خلف الأسوار، وعما تتغاضى عنه المجتمعات الشرقية، وتسكت عنه التقاليد والأعراف.
وعن الأداء التمثيلي؛ فجميع الممثلين، على الرغم من كونهم ضيوف شرف في حلقة واحدة، إلا أنه تم رسم الشخصيات بشكل دقيق بالإضافة إلى دراسة الممثلين لأبعاد الشخصيات وتاريخها، مما جعلهم يكوّنوا صورة ذهنية وجسدية عنها وينقلوها للمتلقي بشكل سلس.
أضف إلى ذلك أن التيمات والقضايا التي التي تم طرحها في المسلسل بعيدة عن المباشرة والإقحام، وعلى الرغم من أنها تناقش قضايا وتابوهات مجتمعية حساسة جدًا، إلا أنه يتم طرحها في إطار فني ممتع وحبكة متماسكة.
وفي النهاية لا يمكننا إغفال عنصر التكثيف الذي اختاره صناع العمل كإحدى فنيات العمل الدرامي، وهو ما يتضح جليًا في عنوان المسلسل (ساعته وتاريخه). ورغم أن هذا الاختيار يُعدّ مخاطرة لا يستهان بها، إلا أنهم نجحوا في إثبات أنهم يقدمون عملًا فنيًا لائقًا يحترم عقلية الجمهور، ويطرح قضايا مجتمعية بالغة الحساسية، ضمن إطار يجمع بين الفن والإبداع والمتعة.