مقالات ودراسات

الكاتب والناقد ناصر عراق يكتب: يا يحيى الفخراني … مصر كلها تحبك.


المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات

ـ

ناصر عراق

كاتب ومثقف مصري

 

في سابقة نادرة، يحقق النجم المتفرد الأستاذ يحيى الفخراني إنجازا فنيًا لم يحققه ممثل مصري من قبل، وهو إقدامه على بطولة عمل مسرحي بعد أن تجاوز الثمانين – حفظه الله لنا ورعى أيامه ولياليه.
(الملك لير) رائعة شكسبير التاريخية تعرض حاليًا على المسرح القومي من إخراج شادي سرور، حيث يلعب الفخراني الدور الأول، أما الإقبال على مشاهدتها فبلا حدود، وقد حاولت مرارًا الحصول على تذاكر دون جدوى،
الأمر الذي يؤكد أن ذائقة الغالبية العظمى من الشعب المصري مازالت بخير، وأن المسرح الجاد الذي يخاطب العقل ويطرح الأسئلة ويمتع الوجدان مازال قادرًا على جذب الشباب والكبار… البنات والسيدات.
أحببت يحيى الفخراني منذ ظهر بشكل مدهش في المسلسل الجميل (أبنائي الأعزاء شكرًا) للمخرج محمد فاضل والمعروف باسم (بابا عبده). أتذكر أنه عرض في رمضان 1979، وعلى الرغم من أن بطل المسلسل النجم القدير الراحل عبدالمنعم مدبولي،
وعلى الرغم كذلك من أن المسلسل ازدحم بكوكبة معتبرة من فنانينا المتميزين، إلا أن الفخراني أثبت حضورًا لافتا جعل محمد فاضل يسند إليه البطولة المطلقة في مسلسله الثاني (صيام صيام)، فانطلق النجم إلى آفاق غير مسبوقة في فنون التقمص.
تعاطفت الملايين في البيوت مع يحيى الفخراني وأحبته الناس من كل الأعمار، نظرًا لتلقائيته الشديدة في الأداء، فهو يمثل وكأنه لا يمثل، فيضحك ويبكي وينفعل ويحتد ويكتم غيظه ويسخر ويعشق ويتوتر ويرتبك بأسلوب بسيط وعميق، وبشكل لا شبيه له في تاريخ التمثيل المصري باستثناء العبقري الفذ نجيب الريحاني.
تواصلت نجومية الفخراني في صعود من مسلسل إلى آخر، بل من قرن إلى آخر، حتى صار الورقة الرابحة في دراما رمضان كل سنة تقريبًا لمدة تزيد عن 35 عامًا، الأمر الذي يؤكد أن الفنان المثقف الموهوب الجاد الصادق الذي يحترم فنه ويحترم الناس سيلقى الحفاوة التي تليق به، وستضعه الناس في الركن الطيب من قلوبهم.
شاهدت يحيى الفخراني على المسرح القومي مرتين، الأولى في 1988 عندما لعب بطولة مسرحية (البهلوان) التي كتبها يوسف إدريس وأخرجها عادل هاشم، والثانية مسرحية (ليلة من الف ليلة) وقد عرضت بداية من عام 2015، في عهد مدير المسرح آنذاك الفنان الكبير الأستاذ يوسف إسماعيل، لكني شاهدتها بعد ذلك بعامين.
في كلتا المسرحيتين جال الفخراني وصال على الخشبة العتيدة فانتزع تصفيق الجمهور وحفاوته بنجمهم المحبوب، وفي كلتا المسرحيتين حطم الرجل الأكذوبة الشائعة (الجمهور عاوز كده) تلك الأكذوبة التي تبرر الابتذال الفني وتروج للتافه من الأعمال المسرحية.
أما المسرح القومي، هذا الصرح العتيد، فقد أسعدني الحظ بأنني رأيت رأي العين كبار نجوم التمثيل في مصر يتألقون على خشبته الرصينة. ويتعاملون معه بقدسية شديدة، حتى الجمهور القديم كان يرتاد المسرح في أبهى صورة، حيث يلتزم المشاهدة بصمت وخشوع.
أتذكر جيدًا كيف افتتنت برائعة يسري الجندي (رابعة العدوية) عام 1980، والتي لعبت بطولتها السيدة سميحة أيوب ويوسف شعبان ورشوان توفيق، وكذلك شاهدت مسرحية (الأستاذ) 1981 التي لعب الدور الأول فيها وأخرجها جميل راتب ومحسنة توفيق والدكتور حسن عبدالحميد.
ولا أنسى مسرحيات (سهرة مع الحكومة) لأشرف عبدالغفور ومحمود الحديني و(الفارس والأسيرة) لنور الشريف وفردوس عبدالحميد (عرضت عى مسرح الجمهورية)، و(واقدساه) لمحمود ياسين، و(أهلا يا بكوات) لحسين فهمي وعزت العلايلي ثم غادر عزت وحل محله محمود ياسين، و(ماكبث) لعبدالله غيث وفردوس عبدالحميد وغيرها من عشرات الأعمال المسرحية الجادة الممتعة.
من أهم الأعمال التي عزز بها المسرح القومي فنون المسرح الجاد، حين أقدمت السيدة سميحة أيوب عام 1979، وكانت مديرة المسرح في ذلك الوقت، أقدمت على تأسيس (نادي المسرح المصري) بالتعاون مع مجموعة مثقفي مصر ومبدعيها في ذلك الزمان أمثال الدكتور فوزي فهمي والدكتور سمير سرحان والدكتور أسامة أبوطالب وصفوت شعلان وحسن درويش.
كان هدف النادي تلقين الشباب الهاوي الأصول (الأكاديمة) لفنون المسرح المتنوعة، وكنت انضممت إلى هذا النادي في 20 أكتوبر 1979 نظير اشتراك قيمته أربعة جنيهات فقط في العام.
أذكر أننا تلقينا داخل أروقة المسرح القومي محاضرات وتدريبات ممثل على يد الدكتور نبيل منيب والأستاذ عبدالغفار عودة وغيرهما.
وأتخيل أن الشباب الذي شارك في هذا النادي امتلك رؤية جادة لمفهوم المسرح وأهميته الكبيرة في تطوير الشعوب.
من هنا يبنغي أن نشكر الدكتور الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح على محاولاته الدؤوبة لاسترداد بهاء المسرح القومي، من خلال تقديم أعمال عظيمة بنجوم كبار، كما أرجو أن يطور أساليب الحجز إلكترونيًا.
ويا أستاذ يحيى الفخراني… مصر كلها تحبك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
مقال أسبوعي في صحيفة [ القاهرة ].
غدد الثلاثاء الموافق:  29 من يوليو 2025

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock