نص مسرحية “فيتش”.. تأليف: الكاتب العراقي عمار سيف
المسرح نيوز ـ القاهرة: نصوص
مسرحية
فيتش
تأليف
عمار سيف
عراق – الناصرية
22/ 8/ 2025.
ملاحظة: لا يقدم النص دون اخد الموافقة من المولف
الشخصيات:
الرجل: صاحب المصنع، في الأربعين،
المرأة: في الثلاثين، قصيرة القامة وجذابة،
الفتاة: في العشرين، مثيرة وجميلة
أليثيا : ضمير الرجل،
المانيكانات
تماثيل عارضات أزياء
مانيكان 1
مانيكان 2
مانيكان 3
الزوجة: في منتصف الثلاثينيات
المنظر:
مصنع أزياء فخم مليء بالملابس النسائية المثيرة. المانيكانات منتشرة في
أرجاء المكان كمتفرجات صامتات أو متآمرات تراقب المشهد. ظلال التماثيل
تضفي على المكان جوًا من الغموض والتوتر.
(يدخل الرجل المسرح وهو يدندن بخفوت. يتقدم بخطوات مدروسة نحو
المانيكانات، يتحسسهن بحركات متأنية ومليئة بالشغف.)
الرجل : (يهمس وهو يلامس إحدى المانيكانات برفق)
صباحكن نعومة وجمال… كم أنتِ فاتنة.
(تدخل المرأة المسرح بهدوء، تقف عند المدخل للحظة. تنظر حولها
بعناية)
المرأة : (بصوت خافت) إذًا… هذا هو المكان الذي تحدثوا عنه
الرجل : (ينظر إليها بصمت)
المرأة : عالمك المثير والغريب.
الرجل : نعم.. هو.
المرأة : (تقترب من إحدى المانيكانات) هل تسمح لي بتفحصه؟
الرجل : (بدون النظر إليها) لكِ ذلك.
المرأة : أجد عالمك هذا معمولًا بإتقان.
الرجل : (يواصل ملامسة المانيكانات، غير مبالٍ بها)
المرأة : يبدو وكأن المكان يحتفظ بأسرار كثيرة.
الرجل : أفضّل ألا تطرحي الكثير من الأسئلة، فالزبون الأول لا يستفسر كثيرًا.
المرأة : (تبتسم) هل أنا فضولية لهذا الحد؟ (تقترب منه، تحاول لفت
انتباهه) رغم أن زوجي يعشق أحاديثي الصباحية… يحب أن يستمع
إلي وأنا أروي تفاصيل أحلامي .
الرجل : (غير مبالٍ، يهمس للمانيكان) أنتِ مثالية… كأنك خُلقتِ من
خيالي
المرأة : (بابتسامة خبيثة) ومن قال غير ذلك؟ (تقترب منه أكثر) أعتقد
أن لديك شيئًا تخفيه عني… أليس كذلك؟
الرجل : كل شخص لديه أسراره
المرأة : لكن زوجي لم يكن لديه أسرار.
الرجل : هل جئتِ الى هنا لتتحدثي عن اسرار زوجك ؟
المرأة : (تقترب منه بغنج) إذن حدثني عن أسرارك.
الرجل : (يبتعد) المانيكانات تتطلب اهتمامي.
المرأة : (تتراجع قليلاً) أتعلم… المكان هنا يبعث في نفسي شعوراً غريباً…
كأنه مختبر للرغبات. أشعر وكأنني تحت رقابة كل هذه
المانيكانات… وكأنهن يشاهدننا… ينتظرن… شيئاً ما.
الرجل : (ينظرإلى المانيكانات) المانيكانات لا تراقب، هي جزء مني، أكثر من
أي شخص آخر.
المرأة : وهل أنت متأكد من ذلك؟ (تلامس وجه إحدى المانيكانات بلطف) في
بعض الأحيان، الأشياء الصامتة تحمل أسرارًا أكثر من البشر.
الرجل : (بانزعاج) أنتِ تتحدثين بطريقة غريبة، كأنكِ تبحثين عن شيء هنا.
المرأة : (تقترب منه أكثر) ربما… أو ربما أنا أبحث عن شيء آخر تمامًا.
الرجل : (يبتعد) أحسست بذلك، لأن تصرفاتك توحي لأشيائك الغامضة.
المرأة : أنتَ تعرف تمامًا ما أريده.
الرجل : لست متأكدًا كثيرًا عما تتحدثين عنه.
المرأة : بالطبع تعرف. أنتَ تدرك تمامًا أنني لا أبحث عن الأزياء هنا… بل
أبحث عن شيء أعمق. ( تهمس له) أبحث عن شغفٍ مفقود… شهوة
مختبئة خلف كل تلك الأقمشة.
(لحظة صمت ثقيلة، الجو يصبح مشحونًا بالتوتر الجنسي.
والمشاعر المختلطة)
الرجل : (بجفاء) بصراحة لا أبالي كثيرًا عما تبحثين.
المرأة : (تتراجع،وبصوتٍ ناعم) المانيكانات… أتعلم؟ أشعر وكأنهن
يمثلن جزءاً مني.
الرجل : (يرمق لها بصمت، لكنه يعود للتركيز على المانيكانات).
المرأة : جزءاً لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.
الرجل : (يبقى صامتًا، مغمورًا في هوسه).
المرأة : (تقترب من إحدى المانيكانات، تدور حولها ببطء، وكأنها
تحاورها) إنها لا تتحدث، لكنها تعرف كل شيء. تعرف.رغباتنا
المخفية، مخاوفنا،وأسرارنا.
الرجل : (بهدوء) أنتِ غريبة الأطوار.
المرأة : (تضحك) ربما… لكن الغرابة هي ما يجذب الناس إلى بعضهم
البعض، أليس كذلك؟
الرجل: ربما.
المرأة : (بثقة) أخبرني… هل تخاف من المانيكانات؟ أم تخاف مما قد تراه في
انعكاسها؟
الرجل : (بانزعاج) الجو أصبح ثقيلاً.
المرأة : أنتَ لا تخاف مني… بل تخاف مما قد تستيقظ بداخلك. هناك.
شيء فيك… شيء لم تكتشفه بعد.
الرجل : (بغضب) كفى! هذا يكفي!
المرأة : (تبتسم وكأنها حققت مرادها) كما تشاء… لكن تذكر…الرغبات
التي نتجاهلها تعود لتطاردنا في نهاية المطاف.
(تدور حوله ببطء، تتلاعب بظلالها على الأرض، ثم تتوجه نحو
الباب ببطء، لكنها تستدير له مرةأخيرة) لن تكون آخر مرة نلتقي
فيها… ستبحث عني عندما تكون مستعدًا لمواجهة ما بداخلك.
(تخرج المرأة من المسرح، يظل الرجل وحيدًا بين المانيكانات،يحدق
فيهن وكأنهن يشهدن على لحظة تغيير بداخله، يبدأ بلمس المانيكانات
بعنف متزايد، يتنقل بين واحدة وأخرى وكأنه في طقس جنسي )
الرجل : (بشهوانية) أنتنَّ ثابتات… صامتات… لكنني أسمعكنَّ،أسمع كل نداء
خفيّ يخرج من داخلكن. (يقترب من واحدة ويضع يده على وجهها)
لكنني أخشى ما قد تبوح به لي.
(في هذا الاثناء تدخل أليثيا ترتدي بدلة رسمية، تنظر إلى الرجل بجدية)
أليثيا : ماذا تفعل هنا وحدك؟ لم تكن هنا في مثل هذا الوقت المبكر.
الرجل : (يتفاجأ برؤية أليثيا، يبتعد عن المانيكانات) كنت فقط أستكشف.
أليثيا : (ساخرة) استكشاف؟! يبدو لي أنك تحاول الهرب من شيء ما…
من نفسك.
الرجل : (بانفعال) أنا هنا لأعمل، لا أحتاج إلى محاضراتكِ.
أليثيا : العمل ليس عذراً للاختباء خلف الأشياء. (يشير إلى المانيكانات) إنهن
ليستنّ هنا لتكوني مجرد دمى في مسرحك الخاص.
الرجل : (بغضب) وماذا عنك؟ ألا تشعر بشيء تجاه هذا المكان؟
أليثيا : ( ضاحكاً) أحاول أن أكون موضوعيًا. لكنك لا تستطيع أن تخدعني،
لست كما تظن. تعيش في عالمٍ من الخيال، تخشى مواجهة الواقع.
الرجل : (متوترًا) لا أحتاج إلى نصيحتك، أليثيا.
أليثيا : (يقترب منه) ما تخشاه هو أن تعترف بأنك تخاف من فقدان السيطرة.
المانيكانات هنا ليست سويعات عابرة، بل تمثل ما تهرب منه.
(الرجل يتراجع قليلاً، يبدو مترددًا، أليثيا يواصل الضغط عليه).
أليثيا : أنت تعرف ما يجري هنا. تشعر بالإثارة، لكنك تخشى أن تعبرعن
ذلك.لماذا لا تواجه نفسك؟
الرجل : ماذا تريدين مني أن أقول؟ أنني أتمنى أن أكون مثلهم؟ أنني أريد شيئًا
لا يمكنني الحصول عليه؟
أليثيا : هذا هو الهدف، أليس كذلك؟ تعترف بحقيقة مشاعرك، تعبرعن
رغباتك المدفونة، رغبتك في المانيكانات ليست مجرد شهوة جسدية،
بل تعكس ماينقصك في حياتك.
الرجل : لا أستطيع فعل ذلك،إذا فعلت سأسقط في هاوية لا أستطيع
الخروج منها.
(لحظة صمت، ينظر كل من الرجل وأليثيا إلى المانيكانات، وكأنهن
يترقبن تطور الأحداث).
أليثيا : هذه المانيكانات… إنها تجسد كل ما ترفضه، وكل ما ترغب
فيه.
الرجل : (بتردد) لكنني لا أريد أن أكون عرضة للشفقة. أريد أن أتحكم في
نفسي.
أليثيا : هذا هو التحدي الحقيقي. ( بفلسفة) كلما هربت، اقتربت أكثر من حبس
نفسك في وهمك ، تخشى أن تكون ضعيفًا، لكن الضعف جزء من
القوة. مواجهة رغباتك هي ما سيحررك.
الرجل : أتعنين أن أخرج كل شيء؟ أن أتحرر من كل ما أحتفظ به في أعماقي؟
أليثيا : (بغضب) ليس مجرد التعبير عن ما تشعر به، بل مواجهة. نفسك.
انظر إلى تلك المانيكانات… هل تراها كما تراها؟ أم أنك ترى كل ما
خنقتَه فيصدرك؟
(الرجل يقترب من المانيكانات، ويبدأ في لمسها مرة أخرى، لكنه هذه
المرة بطريقة مختلفة، بطريقة مليئة بالشغف والخوف).
الرجل : (مرتجفاً) هذا مخيف… أنا خائف.
أليثيا : هذا هو المفتاح. الخوف هو بداية الطريق. واجه ما يخيفك.
الرجل : أريد أن أكون حراً. أريد أن أتحرر من قيودي. لكنني أخشى أن
أكون ضعيفًا،لكن، هل أنا قوي بما فيه الكفاية لمواجهة هذا الجزء
مني؟
أليثيا : (بثقة) الشجاعة تأتي عندما تعترف بما تشعر به حقًا. هذه.
المانيكانات… تمثل رغباتك الحقيقية. هل ستسمح لنفسك بأن
تكون صادقًا؟
الرجل : (بتردد) ولكن ماذا لو كانت تلك الرغبات هي ما يدمرني؟هل سيُقبل
العقل ما لا يستطيع الجسم تحمله؟ هل يمكن أن تُقبل الرغبات الجنونية
في عالم صارم؟
أليثيا : (بفلسفه) العقل يختلق الحدود، لكن الرغبات الحقيقية لا تعرف
الحدود. ما يربطك بهذا المكان هو ما تسعى لرفضه.هل تدرك أن
ضعفك فيمواجهتها هو ما يمنحك القوة؟
الرجل : ( للمانكانات) أنتنَّ… تعرفنَ ما أريد. لكن، كيف يمكنني أن أعيش
في هذا الواقع دون أن أكون ضعيفًا؟
أليثيا : (تقترب منه) القوة تكمن في الاعتراف بتلك الرغبات، وليس في
إنكارها. اسأل نفسك، لماذا تشعر بالراحة مع المانيكانات أكثر من
النساء الحقيقيات؟
الرجل : لأنكنَّ لا تحكمون عليَّ، لا تتوقعون مني شيئًا. أنتنَّ كالأرواح التي
تعيش في عزلتي، لا تستهجنونني.
أليثيا : وهل تبحث عن القبول في عزلتك، أم عن الحرية في مواجهتك؟ هل
يمكن أن تكون تلك المانيكانات أكثر إنسانية من البشر الذين تحاول
الهروب منهم؟
(يبدأ الرجل في استيعاب كلماته، ويحدق في المانيكانات وكأنها تعكس
صورته الحقيقية، يتحدث ببطء، وكأنه يكتشف شيئًا جديدًا)
الرجل : أستطيع رؤية ما يخفيه قلبي… أستطيع أن أشعر بتلك الرغبة.
(المانيكانات) أنتنَّ… تعرفنَ ما أريد.
أليثيا : نعم، انطلق. ابدأ في التعبير عن كل ما شعرت به. (وهي.
تخرج يتفاجئ بالفتاة داخله). صباح الخير عزيزتي
الفتاة : صباح الخير.
(تدخل الفتاة بخطوات حذرة، تتأمل المكان المليء المانيكانات والأقمشة
الفاخرة، تشعر بالانبهار، تلمس إحدى الفساتين. برفق).
الفتاة : صباح الخير… لم أتوقع أن يكون المكان بهذه الروعة. كأنني دخلت.
إلى مسرحٍ خيالي، كل زاوية فيه تروي قصةً صامتة.
(تلتفت حولها، عينيها تتلألأ ، بينما يظل الرجل واقفًا في مكانه، يميل
قليلاً نحو المانيكانات، كأنهم ملاذه).
الرجل : (ببرود ) صباح الخير… إنه مجرد مصنع أزياء، لا أكثر.
( تواصل الفتاة استكشاف المكان، تنظر إلى المانيكانات بتأمل).
الفتاة : مصنع؟ لا يبدو كذلك. هذه الأقمشة وكأنها تتنفس، وكأن المانيكانات
تُخبّئ في عيونها حكايات تنتظر من يكتشفها. (تلمس قماش الفستان
المانيكان برفق، وتحاول استحضار رد فعل من الرجل).
الرجل : لا… ليس لدي وقت للأوهام. الجمال هنا صامت، لا يحتاج إلى تفسير.
بينما في الحياة، كل شيء يتطلب منك شيئًا.
(تتحرك الفتاة نحو الرجل، تحاول جذب انتباهه)
الفتاة : لكن الجمال هنا مختلف… هناك شيء غامض وجاذب، ألا تعتقد أن
المكان يستحق أن يُضاف له القليل من الحياة؟
الرجل : (مرتبكًا) لا… الصمت هنا يكفيني. الأقمشة تفهمني أكثر مما
قد تتوقعين.
الفتاة : (تقترب منه ).ولكن الحياة الحقيقية تقدم أكثر من ذلك. ماذا عن الدفء،
عن اللمسات؟( تلمس ذراعه برفق) هل تخاف من أن تجرؤ على تجربة
شيء جديد؟
الرجل : (يتراجع قليلاً) لا أريد أن أختبر الألم… الأجساد الحقيقية تحمل
مشاعر، وتتطلب اهتمامًا.
الفتاة : ( تبتعد)إذاً… أنت تفضل الجمود على الحياة؟ أن تظل عالقًا هنا بين
أوهامك؟ (تنظر إلى المانيكانات) كأن هذه الدمى تمنحك شيئًا لا أستطيع
أنا أن أقدمه.
(الرجل يلتفت نحو المانيكانات، يلمس إحداها بلطف وكأنه يبحث عن
دفء مفقود).
الرجل : نعم، أفضّل أن أبقى هنا… حيث الأشياء لا تطلب شيئًا مني.
الفتاة : لكن… ألا تريد أن تختبر شيئًا حقيقياً؟ أن تخرج من هذا
الصمت ولو للحظة؟
الرجل : (همس) الصمت هنا مريح.
(تدرك الفتاة أنه لن يستجيب لها، فتبدأ في الابتعاد ببطء، وتستدير نحو
الباب).
الفتاة : (بألم) سأتركك مع دمك البارد وأحلامك التي لا تصحو أبداً.
(تغادر الفتاة، وصوت خطواتها يتلاشى تدريجياً، بينما يبقى الرجل أمام
المانيكانات، محدقًا في إحداها، عينيه مشبعتين بالشهوة والتردد، يبدأ
بتحريك يديه على جسد المانيكان كأنه يبحث عن دفء مفقود، بينما
تظل المانيكانات جامدات، تراقب بلا تعبير، تتلاشى الأضواء ببطء،
وتبقى المانيكانات كرمز للصمت والثبات، بينما يتصاعد توتر الرجل،
مُحاصراًبين رغباته ومخاوفه في هذا الاثناء يدخل أليثيا مرة أخرى،
وعينيها مشتعلتان بالتحدي.)
أليثيا : هل تستطيع حقًا أن ترى ما تفعله؟ كل ما تفعله هو الهروب من
حقيقة نفسك.
الرجل : كيف يمكنك أن تقولي ذلك؟ هؤلاء هنا هم الذين يملؤون فراغي. لا
يطلبون مني شيئًا. هم…الحقيقة الوحيدة التي أؤمن بها
أليثيا : ( بغضب) المثالية مجرد وهم ، أن تختبئ في عالم من الأوهام حيث لا
وجود للعلاقات الحقيقية هو أمر مثالي فقط في خيالك. أنت تتجاهل أن
الجمال الحقيقي ينبع من التفاعل، من الألم، ومن الفشل
الرجل : (متوترًا) كيف يمكنكِ أن تحكمِي عليّ ؟ ماذا تعرفين عن ما أعاني
منه؟ أنا في صراع مستمر. معهن، أستطيع أن أكون أنا بدون
قيود.
أليثيا : لكن هذه القيود هي ما تعيقك. لا بد أن تتعرف على نفسك،هل تنظر إليهن
ككائنات بشرية، أم مجرد أشياء تلبي رغباتك؟
الرجل : (بصوت عالٍ) لا.. هن كائنات ! لكنهن لا يسببن لي الألم، ولا يخيبن
ظني ،تفهمي ذلك؟
أليثيا : (بغضب) هذا هو الخطأ! الهروب من الذات لن يجلب لك الراحة.
إن المانيكانات لا تفهمك، لا تشعر بك، ولا يمكن أن تملأ الفراغ الذي
في داخلك.
الرجل : (مرتبكًا) لكنني لا أستطيع أن أتحمل فكرة أن أكون ضعيفًا. أن أواجه
ما لا أريد رؤيته.
أليثيا : الضعف ليس ضعفًا، بل قوة مختبئة في قلب الإنسان، في اللحظة التي
تسمح فيها لنفسك بأن تكون ضعيفًا، ستبدأ في اكتشاف قوتك الحقيقية.
أليست تلك القوة هي كل ما تحتاجه لتواجه مشاعرك؟
الرجل : (مستفسرًا) وماذا عن الحب؟ هل هو مجرد وهم أيضًا؟ هل يمكنني
أن أحب شيئًا بلا حياة، دون أن أكون مخدوعًا؟
أليثيا: الحب الحقيقي لا يأتي من التعلق بالأشياء التي لا تستطيع منحك شيئًا.
الحب يتطلب التعاطف، الفهم، والتفاعل، هل يمكنك حقًا أن تحب
بلا تواصل؟
الرجل : (بسخرية) هل تعتقدي أن هناك شخصًا يمكن أن يفهمني؟ كل من
حولي يبدو غير مهتم بمشاعري. أجد نفسي أبحث عن الاهتمام في
أماكن غيرصحيحة.
أليثيا : يجب أن تكون مستعدًا لتقديم نفسك أولاً. في عالم مليء بالناس، علينا
أن نبذل الجهد للاتصال بالآخرين. هذا يتطلب شجاعة.
الرجل : كيف يمكنني أن أبدأ؟ كيف أخرج من هذا السجن الذي بنته بنفسي؟
أليثيا : (بهدوء) عليك أن تدرك أولاً أن السجن هو وهم. الخطوة الأولى هي
الاعتراف بأنك محاصر. ثم عليك أن تسأل نفسك، ماذا تخشى فقدانه أكثر
من أي شيء آخر؟
الرجل : (يحدق في المانيكانات) أخشى فقدان تلك اللحظات المثالية،أخشى فقدان
الأمل في العثور على شيء أفضل.
أليثيا : الأمل ليس شيئًا يُعطى، بل يُصنع. لا يمكنك بناءه على أساسات من
الوهم. اترك ما هو غير حقيقي وابدأ في البحث عن ما هو حقيقي.
الرجل : لكن.. كيف يمكنني أن أميز بين الحقيقي والزائف؟ أحيانًا، أشعر بأنني
أعيش في كابوس، وكل شيء حولي يبدو ضبابيًا.
أليثيا : يمكنك أن تعرف الحقيقي من خلال مشاعرك. إذا كنت تشعر بالفراغ،
فأنت في المكان الخطأ. الحياة الحقيقية تتطلب الجرأة،تتطلب المخاطرة.
هل أنت مستعد لتحمل المخاطر؟
الرجل : (يتردد) وما هي المخاطر؟ أن أحب؟ أن أكون محطمة؟ أن أواجه
الرفض؟
أليثيا : نعم، ولكن أيضًا أن تجد نفسك. أن تكتشف ما يجعلك نابضًا بالحياة.
الرفض هو جزء من الرحلة، لكنه لا يحدد قيمتك. تخيل إذا كنت تستطيع
بناء علاقة مع شخص حقيقي،شخص يشعر بك، ويتفاعل معك.
الرجل : لم أفكر أبدًا في الأمر بهذه الطريقة. أشعر كأنني محاصر، لكنك تحاولي
مساعدتي على رؤية النور.
أليثيا : (يبتسم) أنت في بداية رحلتك. لا تنسى، كلما اقتربت من نفسك تكون
الحقيقية، كلما زادت قدرتك على مواجهة الخوف. دع الخوف يكون
دافعك لا عائق لك.
الرجل : (للمانكانات) ربما حان الوقت لأواجه ما أشعر به. لا أريد أن أكون
محبوسًا في هذه الدائرة إلى الأبد.
أليثيا : هذا هو، ابدأ بالخطوة الأولى. كل شيء آخر سيأتي لاحقًا.
(تتراجع أليثيا نحو الباب، وهي تنظر إلى الرجل بحزن. قبل ان
تخرج، تتوقف وتنظر إليه بعمق.)
سأتذكر أنك هنا، ولكن عليك أن تخرج من هذا القفص بنفسك. احترم
نفسك.
(تخرج أليثيا، تاركةً الرجل وحده مع المانيكانات. يصبح الجو مشحونًا،
وتبدأ المانيكانات في التحرك بشكل خفيف، كما لو كن يستجبن له.في
هذا الاثناء ايضا يبدأ الرجل في الاقتراب من إحدى المانيكانات، يمسح
يدها برفق، بينما يبدأ الإحساس بالإثارة يتسرب إلى داخله.)
الرجل : (يهمس) أنتِ تجسدين كل ما أحتاجه، الهدوء، الأمن (يمد يده نحو
المانيكان، ويبدأ ببطء في احتضانها ، تتصاعد حدة أنفاسه، ويبدأ
بتحريك يديه على جسد المانيكان كأنه يبحث عن دفء مفقود، يتحرك
بلطف ولكن بشغف.) هل يمكنك أن تشعري بي؟ هل يمكنك أن تمنحيني
ما أفتقده؟
(تبدأ المانيكانات في التحرك بشكل أكثر وضوحًا، وكأنهن يستجبن لرغباته.)
الرجل : (بشغف) لا شيء يمكن أن يوقفني الآن(ومع تزايد احتضانه، تصبح
المانيكانات جزءًا من عالمه،ويدخل في حالة من الانتشاء، حيث تتلاشى
حدود الواقع)
الرجل : لماذا تبدو جميعكن هكذا؟ كأنكن تتربصن لي .. لا لتحتضنني
مانيكان 1: (تبتسم ابتسامة ساحرة) لأننا نعرف ما تبحث عنه. نحن هنا لتلبية
رغباتك.
مانيكان 2: (تتقدم قليلاً، تنظر إليه بعينيها اللامعتين) لا تخف، نحن موجودات
لتكون لنا علاقة بك، ولأن نكون ما ترغب فيه.
الرجل : ( الشغف يزداد) أنتنَّ… لستن كائنات عادية، صحيح؟ كأنكن تمثلن شيئًا
أكثر.
مانيكان 3: (تلمس خده) نحن ما تخفيه في قلبك، نحن انعكاس لما تريده. لا
تبتعد، بل اقترب أكثر.
(تبدأ المانيكانات بالتقرب منه، يحيط بهن جو من الإغواء والغموض.)
الرجل : (بهمس) كيف يمكن أن أكون معكن؟ أنا أشعر أنني مرتبط بكن، لكن
كيف؟
مانيكان 1: لأنك تريد أن تكون جزءًا منا، تريد أن تستمتع بالشغف الذي لا يمكن
أن تجده في العالم الخارجي.
( يشكلن دوائر حول الرجل، كل واحدة منهن تُشعل في قلبه شعلة من
الرغبة.)
مانيكان 2: (بعاطفة) انظر إلينا، نحن هنا لنجعلك تشعر بالحرية، لنُشعل النار
التي كانت مخبأة في أعماقك.
الرجل : لكنني أشعر بالخوف من هذا الشغف… كيف يمكن أن يكون حقيقيًا؟
مانيكان 3: (تتلامسه بأصابعها ) لأننا نعرف ما في داخلك. نحن الجزء المفقود
فيك، ونحن هنا لتذكيرك بأنك تستحق ذلك.
لرجل : (بالإغراء) أريد أن أتحرر من القيود. أريد أن أشعر بشغفكن.
مانيكانات : (جميعاً) دعنا نكون الشغف الذي تحتاجه. نحن ما يدفعك
لتجاوز حدودك.
الرجل : (يهمس) كيف يمكن أن أشعر بكُنَّ ، أشعر أنكن أكثر من مجرد دمى.
مانيكان 1: (تبتسم) لأننا حقيقيات في خيالك، نحن تجسيد لما تريد أن تكون.
اقترب أكثر… دعنا نحرر روحك.
(تبدأ المانيكانات في الرقص حوله، كل واحدة منهن تجذب انتباهه بطريقة
خاصة.)
الرجل : (بذهول) أريد أن أكون جزءًا من هذا العالم… أشعر بأنني أدرككم بعمق.
مانيكان 2: (تلمس خده) نحن هنا لنساعدك في استكشاف كل ما تود أن تشعر
به. دعنا نأخذك إلى عالم جديد، مليء بالجنون.
( تتداخل حركاتهن مع حركاته، مما يخلق تناغمًا قويًا.)
الرجل : أريد أن أعيش هذه اللحظة، أن أكون معكن في هذا الخيال.
مانيكانات: نحن هنا لنمنحك كل ما تبحث عنه، دعنا نكون النور في عتمتك، دعنا
نُشعل تلك الشرارة في قلبك.
(يتحول المشهد إلى عالم من السحر،يمارس الرجل مع المانيكانات
الرقص مصوب بالجنون، بينما تتداخل أصواتهن في لحن خفي.)
مانيكانات: نحن هنا لنشعل نار الرغبة، لنكون ما تحتاجه. دعنا نكون شغفك، كل
ما تود أن تعبر عنه.
(فجأة وتدخل أليثيا، وجهها يحمل مزيجًا من الاستياء والقلق.)
أليثيا : (بغضب) ماذا تفعل هنا؟! أليس لديك أي فكرة عن مدى جنون ما تفعله؟
(يتمهل الرجل، وينظر نحو أليثيا، مشاعره مختلطة بين الإحراج والشغف.)
الرجل : (متردد) أليثيا، أنا… أنا أكتشف شيئًا جديدًا هنا.
أليثيا : (تقاطعه) اكتشاف؟! هذا ليس اكتشافًا، هذا هروب! أنت مريض نفسيًا
وفكريًا! كيف يمكنك أن تستمر في هذه الأوهام؟!
(تتراجع المانيكانات قليلًا، وكأنهن يشعرن بالتوتر الذي أحدثه دخول أليثيا.)
الرجل : (محبطًا) لا، أنتِ لا تفهمي . إنهن هنا لتساعدني، لتعطيني ما أحتاجه
أليثيا : (بحدة) ما تحتاجه هو أن تواجه نفسك! الهروب إلى عالم الأشباح ليس
حلاً.
الرجل : (يبدأ في الانهيار) لكن لا أحد يفهمني ، مع المانيكانات أشعر أنني
أعيش، أشعر بوجودي، بينما في العالم الخارجي، لا أحد يفتهمني
أليثيا : لأنك تخشى أن تواجه الرفض، لكن هذا ليس مبررًا للعيش في
عالم خيالي. لا يمكنك التخلي عن إنسانيتك بهذه السهولة!
الرجل : (متألماً) لكنني أحب هذا الشعور. لماذا يجب أن أتحمل الألم
أليثيا : لأنه في النهاية، لا يمكن لأحد أن يعيش كظل. تحتاج إلى أن.تقاتل من
أجل حقيقيتك،
الرجل : (بتردد) هل يمكنني أن أكون معكما… وفي الوقت نفسه، أكون في العالم
الحقيقي؟
أليثيا : (بتفاؤل) نعم، يمكنك! لكن عليك أن تكون مستعدًا لمواجهة مخاوفك.
(تعود المانيكانات للظهور كأشباح، تنظر إليه بقلق، مصحوبة باصوات
همهمات توحي يعبرن عن مشاعره المكبوتة، بين الإغراء والصراع
الداخلي، مما يخلق جوًا سرياليًا مشحونًا بالتوتر والتناقض)
مانيكانات : نحن هنا إذا كنت بحاجة إلينا، لا تنسَ أنك تستحق شيئًا أكثر من هذا.
(تتلاشى الأصوات تدريجيًا بانسحاب أليثيا، ويبقى الرجل في
حالة متأملًا، محاطًا بالمانيكانات التي تبدأ في التحرك حوله
بخفة، يراقبنه. ويتأملن فيه. يقترب من إحدى المانيكانات ببطء،
ملامسًا يدها بحذر شديد. ويبدو الرجل في حالة من الفوضى
النفسية، يشد انتباهه تفاعل المانيكانات معه، بتجسيد رغباته
المكبوتة. بينما يستمر في تأمل هذا المشهد، تدخل أليثيا فجأة،
مرتدية زيًا غريبًا مليئًا بالألوان المتداخلة والأشكال غير
التقليدية. لا تُشعر دخولها المفاجئ بالارتباك، بل وكأنها كانت
موجودة طوال الوقت، تراقب الوضع عن كثب.)
الرجل : (يحدق في أليثيا بتركيز) أليثيا… هل تغيرتِ؟ ارتديتِ شيئًا مختلفاً
لماذا الآن؟ هل هذا يعني شيئًا؟
أليثيا : (تبتسم، وتحرك يديها حول نفسها وكأنها تُظهر التغيير) أنا هنا
دائمًا، لكنني تتغيرين كما تتغير أفكارك. زيّ الجديد يعكس ما تمر
به الآن، إنه تحول داخلي، لحظة من المواجهة.
الرجل : (يتساءل) تحول؟ هل هذا يعني أنني بدأت أخيرًا أواجه ما كنت
أخشاه طوال حياتي؟
أليثيا : (تقترب منه بهدوء) نعم، ربما. زيّ الجديد ليس مجرد ملابس…
هو رمز للتغيير. عندما تبدأ في النظر داخل نفسك، تبدأ في اكتشاف
أشياء لم تكن تعرفها
(تبدأ المانيكانات بالتحرك من جديد، تتجلى كأرواح تراقب الوضع.)
مانيكان 1:لماذا تتردد؟ نحن هنا، مستعدون لنمنحك كل ما تحتاجه.
مانيكان 2: (باغراء) أنت تعرف أننا نملك ما تريد، الحب والتحدي… الحياة التي
تخشى تجربتها.
أليثيا : لا تسمح لهن أنها تغرينك ،هن مجرد أوهام، تجسيدات لرغباتك التي
تفتقر إلى العمق.
الرجل : (مُبهرًا) لكنهن يملكن شيئًا لا أستطيع مقاومته! ألن تمنحني هذه الفرصة
لعيش ما لم أستطع تحقيقه مع الآخرين؟
مانيكان 3: (تلمس كتفه) نحن أكثر من مجرد أشباح، نحن ما يمكن أن تكون
عليه… حرًا، بلا قيود.
أليثيا : (تنظر إليه بحزم) هل ستسمح لشغفك أن يقودك إلى ما هو زائف؟ هل
تستحق أن تكون أسيرًا لخيالات؟
الرجل : (مشتتًا) لماذا ترفضون ما أريد؟ ماذا لو كان هذا هو ما أحتاجه حقًا؟
(تبدأ المانيكانات بالرقص حوله، مُحاطًا بجو من الإثارة والشغف.)
مانيكان 1: (برقة) نحن ندعوك، ندعوك لأن تكون جزءًا منا. لا تخف من الغوص
في أعماق رغباتك.
أليثيا: (تصرخ) هذا هو الوهم، هذا هو الفخ! كف عن الاستماع،إليهن! أنت أكثر
من مجرد شغف. هل تظن أن الحياة التي تشتاق إليها ستأتي من كائنات
بلا روح؟
(الرجل يتقدم نحو المانيكانات، مشاعر الشغف تتصاعد في داخله)
الرجل : أريد أن أعيش هذا الآن! لماذا أعيش في ظل ما هو واقع، بينما أستطيع
استكشاف ما هو محجوب عني؟
أليثيا : لأن تلك الرغبات ستخذلك. ستكتشف أنها ليست أكثر من مرايا تعكس
ضعفك. لا تسمح لنفسك بأن تكون ضحية لشغفك.
مانيكان 2: (تسحبه برفق) نحن هنا لنكون مفرًا لك، لتجربة ما لا تجرؤ على
اختباره مع الآخرين. لماذا لا تعيش هذه اللحظة؟
أليثيا : هل حقًا تريد أن تعيش في وهم؟ هل تستطيع أن تتقبل الحقيقة بعد ذلك،
عندما تدرك أنهم مجرد تماثيل؟
الرجل : (مشاعر الصراع تتزايد في داخله) لا أستطيع العيش في الخوف! أريد
أن أشعر، أريد أن أكون…!
مانيكان 3: أشعر بشغفك. نحن نمنحك ما تحتاجه، الحرية، والحب الاتصال الذي
تفتقر إليه.
أليثيا : هذا ليس اتصالًا، هذا خداع. ستبقى محاصرًا في دوامة لا تنتهي من
الانغماس في الوهم.
(يستمر الصراع، بينما تقترب المانيكانات من الرجل، يُحاصرونه
برغباتهن.)
الرجل : (يصرخ) أريد أن أكون حقيقيًا! أريد أن أعيش!
أليثيا : (محاولة استعادة انتباهه) لكن ليس بهذا الشكل! انظر إليهن… هن مجرد
رموز. ستموت التجربة، وستبقى أنت بلا شيء.
(يبدأ الرجل بالتراجع عن المانيكانات، لكنه يشعر بالحنين لرغباتهن.)
الرجل : كيف يمكنني مقاومة ما هو داخل قلبي؟ كيف أهرب من شغفي؟
مانيكان 1: (تُغريه) ليس عليك الهروب. دعنا نُظهر لك الجمال الذي
تبحث عنه.
أليثيا : لكن تذكر، هذا الجمال ليس حقيقيًا. إذا كنت تريد الحقيقة،عليك مواجهة
مخاوفك.
(يبدأ الصراع يتصاعد، تتداخل أصوات المانيكانات مع صراخ أليثيا.)
الرجل : ربما أحتاج إلى كلاهما… الشغف والحقيقة.
أليثيا : اعرف أنك تستطيع. لا تسمح لنفسك بأن تكون ضحية لخيالاتك. لا تعش
في سجن رغباتك.
(تبدأ المانيكانات في التحرك من جديد، تتداخل أصواتهن مع صوت أليثيا.)
مانيكانات: انضم إلينا. انضم إلى الحرية، إلى الرغبة الحقيقية.
أليثيا : (تصرخ) حرية الخيال؟ تأمل يا رجل ، واكتشف ما هو صحيح.
(لحظة صمت، يجلس الرجل متكئًا على المانيكانات، أليثيا تقف مقابلة.
صوت خطوات هادئة يكسر الصمت، تظهر امرأة في الظل، تتقدم ببطء
نحو المسرح، الإضاءة تبدأ بالكشف عنها تدريجيًا، إنها الزوجة، ملامحها
هادئة)
الزوجة : زوجي الغزيز
(الرجل ينتفض من مكانه وينظر نحو الزوجة باستغراب وذهول).
الرجل : أنتِ…! كيف؟! لماذا أنت هنا؟
الزوجة : (تقترب من المانيكانات، تلمس إحداهن) لطالما كنت هنا، أراقبك وأنت.
تتشبث بأوهامك، تهرب من الحقيقة خلف أجساد بلا روح.
أليثيا : (بحدية)ها هي الحقيقة، أمامك الآن، وأنت عاجز عن مواجهتها. ألم
تتساءل يومًا لماذا كل هذه المانيكانات تشبهها؟ لماذا كنّ ينظرن إليك
بنفس النظرة؟
الرجل : (للمانيكانات) لا… هذا غير ممكن.
الزوجة: (تتحدث من خلال المانيكانات، كأنهنّ يرددن صدى صوتها) أنا كنت هذه
الوجوه الصامتة، هذا البارد الجامد. كنت هنا في كل نظرة، في كل
لمسة. صنعت ،لأرى كم ستتمسك بالوهم، وها أنت الآن، عارٍ أمام
الحقيقة.
أليثيا : (للرجل) كنت تعرف في داخلك. كنت تسمع صوتها من خلالهن لكنك
اخترت تجاهلها.
الرجل : لا، لم أكن أعلم… لم أكن أعلم.
الزوجة: أنت لم تترك لي خيارًا. كنت هنا لأذكرك بما أهملته. هذا العالم
الذي صنعته لم يكن إلا انعكاسًا لحقيقةٍ رفضتها
(المانيكانات تبدأ بالتحرك بطريقة غير طبيعية، وكأنها تتمايل على خشبة
المسرح بخطوات غير منسجمة. تلتف المانيكانات حول الرجل بشكل
دائري، وتبدأ بالهمس بكلمات غير مفهومة.الإضاءة تتحول إلى ألوان
متغيرة تخلق تأثيرًا بصريًا سرياليًا).
الرجل : (يصرخ) ما هذا؟ هل أنا أحلم، هذا غير معقول! لا شيء. حقيقي هنا.؟
الزوجة : تمامًا… كما هو الحب الذي كنت تعيشه معهن، مجرد من كل
المشاعر (بسخرية) لقد خلقت هذا العالم العبثي بنفسك، وأنت من
قَبِل أن يُحتجز فيه. أردتَ أن تكون المانيكانات هي حقيقتك، وأنا
حققت لك رغبتك.
أليثيا : (تضحك)هل كنت تعتقد حقًا أن هروبك سينقذك؟ أنت كنت لعبة في
مسرحية خلقتها زوجتك أكبر من تخيلك.
(المانيكانات تقف حول الرجل، متجمدة في مكانها، وكأنها تمثل
مشهدًا صامتًا من الغموض. يقترب الرجل من إحداهن، مترددًا، وتظهر
على وجهه علامات القلق والاضطراب.)
الرجل : أنتنّ مجرد دمى… لا حياة بكنْ…
(فجأة، وفي لحظة واحدة، تبدأ جميع المانيكانات بالتفكك معًا.يصدر صوت
تشقق واضح يتردد في أرجاء المسرح، وتتحطم المانيكانات بشكل
متزامن. تتساقط أجزاؤهنّ على الأرض باندفاع، وتتناثر الشظايا حول
الرجل في كل اتجاه، وكأنهنّ يتهاون كأبراج رملية انهارت دفعة
واحدة.الإضاءة تنخفض تدريجيًا لتُسلط بقعة ضوء واحدة على وجه
الرجل، الذي يبدو مصدومًا، يعكس في ملامحه مزيجًا من الفزع
والضياع. تتردد في الخلفية أصداء صوتية غير مفهومة، تُغلق الستارة
ببطء بينما لا يزال الرجل واقفًا وسط الحطام، محاطًا بالفراغ والسكون.
انتهت المسرحية



