الناقد مجدي الحمزاوي يكتب: “جسر” “آمنة الربيع” ..سلطنة عمان.. ومحاولة جيدة لعبوره
مجدى الحمزاوي*
كاتب ناقد مسرحي مصري
ـ
واضح جدا من خلال المتابعة لفرق سلطنة عمان المسرحية المشاركة في دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دوراته الأخيرة ،أن هناك اهتماما من الدولة والمجتمع المدني بالمسرح والمسرحيين في السلطنة ومحاولة نشر هذا الفن في ربوع السلطنة وليس في العاصمة فقط . أتضح ذلك من خلال تنوع الفرق المشاركة في المهرجان وعدم اقتصار الأمر على فرقة أو فرقتين نراهما كل عام ؛ وأيضا لأن هذه الفرق المشاركة تنتمي إلى المناطق المختلفة في سلطنة عمان ولا تقطن العاصمة .
وقد قدمت فرقة مسرح الدن للثقافة والفن؛ التي تنتمي لولاية سمائل في المنطقة الداخلية ؛ في فعاليات المهرجان الأخير عرضا مسرحيا باسم ( الجسر) من تأليف آمنة الربيع وإخراج كلا من محمد النبهاني وسعيد البو سعيدي!.
واضح جدا أنها فرقة شابة ؛ ربما لا يملك أعضائها الخبرة الكافية بعد ؛ ولكنها أي الخبرة ستأتي مع الاستمرارية / وإن كنا نرجو ألا يطول الوقت لذلك ؛ كما أن التعلم من خبرات الآخرين خاصة الفنانين المسرحيين العمانيين الذين حققوا أنفسهم ليس عيبا ولا هو بعيد المنال.
واضح أن الكاتبة آمنة الربيع لها بعدها القومي العربي من ناحية التوجه ومرجعيتها الثقافية/ فهي أولا قد أهدت النص لذكرى الراحل عبد الرحمن منيف، بالإضافة إلى أن نص العرض لم يحمل هما عمانيا خاصا أو إنسانيا عاما ، ولكن يحمل دلالاته إلي تشير بوضوح إلى الواقع العربي ككل مع إمكانية أن تتماس بعض القضايا العمانية مع أطروحات النص نتيجة الاشتراك في البعد القومي العربي ؛ وأيضا بعض القضايا الإنسانية.
نقول هذا بالرغم من أن الثيمة الأساسية في نص العرض ؛ هي ثيمة مألوفة ومعادة ، وبالرغم من محاولات خلق الاشتباك بين هذه الثيمة وفضاءات الواقع العربي ، إلا أنك تشعر أنها مستوردة ، لأن هذه الاشتباكات مع الواقع جاءت كخطابات عامة ولم تدخل في متن التفاصيل اليومية المعاشة؛ تلك التفاصيل التي تشير بوضوح إلى خصوصية ما.
فالعرض بدأ مع أغية فيروز ( حبيتك بالصيف ) لنرى رجلا وامرأة وسريرا ؛ وتدرك أن هناك حالة من العجز تنتاب الرجل على كافة المستويات ، لتدرك أن هذا العجز ناتج عن الذكريات الأليمة لتي تعيش معه ؛ وخاصة حينما كان جنديا وأصدرت إليه الأوامر بالانسحاب دون أن يطلق رصاصة واحدة، والذكريات مع الذين استشهدوا وكيف استشهدوا، ويصل الأمر لذروته حينما يرى أن القمر قد وقع في البئر ولم يسعى أحد لإنقاذه.
ومابين شقاء الزوجة واصطناع الحمل الكاذب ؛ ومحاولة الرجل ان يخرج من هذه الكوابيس إلا أنك تجد فجأة أن هناك صديقا يدخل عليهم ؛ ويحاول ان يغوى الزوجة ؛ لتدرك أنه كان شريكا في وقت الجندية للزوج ؛ ولكنه استثمر الهزيمة وأصبح ثريا جدا ؛ وجاء ليعرض راء الزوج وتوظيفه في أمر ما ولكن الزوجي رفض ويقوم بطرده ؛ ولكن بعد لفت انتباه الزوجة وأصبحت هناك إشارات فيما بينهما ؛ هذه الإشارات التي تنبي بشيء عكس ما يريده المخرج والمؤلفة معا ، ثم حالة الإعياء التي تصيب الزوج ويدخل الطبيب الذي يقوم أيضا بمحاولة إغواء الزوجة ونعرف منه التاريخ المرضي لهذا الزوج ، ثم المونولوج الطويل للزوج الذي نعرف منه كل شيء تقريبا فهو البكاء والمبكي عليه .. الخ. ثم بعد هذا تأتي النهاية السعيدة؛ فبعد مواجهة صاخبة بين الزوج والزوجة يدخلان في صدر بعضهما ونعرف أن صفحة جديدة قد بدأت ، هذا طبعا مع بعض التكرارات الكثيرة لكلمة الجسر في نص العرض لنعرف أن الغرض من هذا الجسر والرغبة في بنائه أو تكوينه هي نفسها محاولة العبور من العجز أو الفشل للنجاح والحياة الطبيعية.
نعم كانت هناك رغب في أن يكون هذا الرجل معادلا للشعب كله تقريبا فجميع المنتفعين يعرفونه جيدا ولهم معه ذكريات بدءا من صري الحرب إلى الطبيب ؛ ثم أن الجميع يطمع في أخذ ما بيده من طيبات متمثلا في هذه الزوجة بكل رغبتها في الإنجاب ، ولكننا نلمح في نفس الوقت إشارات إلى أن الزوجة هي المعادل لما هو أكبر ، والتساؤل عما إذا كانت هي الجاني أم المجني عليه؟ صحيح أن هذا التساؤل كان من الممكن أن يقودونا إلى العلاقة المتوترة بين الوطن والفرد خاصة إذا كان من ينعم بخير الوطن هم مستغلوه . ولكن واضح من نص العرض أن هناك محاولات كثيرة في الاتجاهين. الاتجاه الأول هو خروج الشخصيات التي أمامنا إلي المجال الأرحب لتكون معادلا أو مؤشرا لما هو أكبر وأعم ، وفي نفس الوقت المحاولات الحثيثة بين اللحظة والأخرى لمحاولة تأكيد أن ما نراه أمامنا هو شخصيات من لحم ودم لها وجوها المنفرد المتعين الخاص.
والتعامل الإخراجي مع نص العرض كان أيضا يسير في الاتجاهين معا ؛ فالمشهد العام الغالب وهو مكان الزوج والزوجة الذي لا يشمل إلا سريرا فقط ودلوا يعطيك إيحاء بأنهما في سجن ما ، قم شكل هذا السرير نفسه الذي حوي القضبان على جانب منه يمنحك التأكيد بالإيحاء السابق وفي نفس الوقت الإشارة إلى وجود ما يعوق استخدامه بالشكل الأمثل فالقضبان من الممكن أن تكون إشارة للمكان الذي يوجد به هذا الفراش وفي نفس الوقت من الممكن أن تكون إشارة لاستحالة دخول شخص آخر إليه ؛ غير الشخص الذي يستخدمه ، ويتأكد هذا في مشهد النهاية حينما يقوم الزوج بتحطيم هذه الجدران/ بناء الجسر؛ وتحدث المصالحة/عبور الجسر؛ بين الزوج والزوجة فإنها تكون حيث تحطمت هذه القضبان. ولكن في نفس الوقت توجد الرحابة المتمثلة في خلفية هذا المشهد العام ححبق الستائر البيضاء المتشابكة في غير نظام ولكنها في نفس الوقت تسمح للشخصيات بالدخول والخروج منها × لتبتعد فكرة السجن الواقعي وتبقى فقط فكرة السجن الرمز التي بدورها تتحطم كثيرا من خلال محاولة المخرجان استخدام الستائر البيضاء كظ للخيال وإقامة مشهدورائها يعطى إيحاء بالواقع ؛ هذا الواقع الذي كان له وجوده المادي في كثير من الأوقات على خشبة المسرح × كما أن ماوراء هذه الستائر استخدم كامتداد لمنزل الزوج والزوجة حبث ورائها تخلصت الزوجة من حملها الكاذب وفامت بإصلاح هندامها.
بقي أن تعرف ان السينوجرافيا قام بها كل من محمد النبهاني وسعيد البوسعيدي وبدور الريامية !! صحيح أنهم أصابوا الكثير من التوفيق بكون اللون البيض هو لون كل الأشياء الموجودة بحيث تسمح للإضاءة أن تلعب دور البطل في تصوير الحالة النفسية والمزاجية للشخصيات الموجودة م وهذا يتناسب مع المدرسة الأولية التي من الممكن أن ينتمي إليها نص العرض ، وصحيح أيضا ان خطة الإضاءة التي اعتمدت كثيرا على الإضاءة السفلية الأمامية والإضاءة الجانبية ؛ بحيث يكون الآخر في الكثير من الأحيان موجود فيظل من يقوم بالحوار او الحدث ، نقول أن هذه الفكرة كانت موفقة ولكن عابها سوء التنفيذ وعدم استخدام منابع إضاءة كافية لهذا الأمر فخرج الأمر فقيرا إلى حد ما
. صحيح ان الطاقات التمثيلية في الفرقة جيدة وهم إدريس النبهاني الذي قام بدور الزوج، وأسعد السيابي الذي قام بدور ثري الحرب، وأحمد الشريفي الذي قام بدور الطبيب ؛ والرائعة منيرة الحاج التي قامت بدور الزوجة ؛ وهي ممثلة لو استمرت في نفس الطريق سيكون ها وجودها على خارطة المسرح العربي كله لا العماني فقط .
ولكن ما لا نفهمه هو وجود اثنان من المخرجين في عرض واحد ؛ مع أن كل الشخصيات الموجودة بالعرض هم أربعة فقط ومشهد واحد ثابت لا يتغير! وأيضا ثلاثة من مهندسي الديكور ؛ لعلك لاحظت معي أن الأسماء تتكرر خاصة محمد النبهاني رئيس الفرقة والمخرج الأول ومهندي الديكور الأول ؛ هذه الأشياء كنا نعاني منها في مسارح الهواة في مصر ؛ مع أننا كنا نعرف سببها ألا وهو المجاملة أو لضمان اشتراك بعض من نحبهم معنا في المهرجانات التي نذهب إليها بدعوى أنهم مشاركون في الأمر. فهل فهلا كان الإخراج وتصميم الديكور نتيجة عمل مشترك؟ وإذا كان هذا صحيحا فربما يكون هذا هو السبب في التضاربات الكثيرة التي حدثت بالعرض واشرنا إلى البعض منها . مع تأكيدي ان العرض رغم ما أخذناه عليه هو عرض اقترب كثيرا من الجودة ؛ ودليل على الخطوات الواسعة التي يخطوها المسرح في سلطنة عمان؟أحمد الشريفي الذي قام