أوهام التجديد (سلفنة الذات) قراءة (ذاتية) في نصوص شاكر عبد العظيم جعفر!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
كتابة: د. شاكر عبد العظيم جعفر
العراق/ 2024م
يقدم المسرحي شاكر عبد العظيم أوهامه الـ (ما بعد الحداثية) نتيجة تشبثه لهذا المفهوم وتعدد قراءاته له، وأن تراكيب ظنونه لما بعد الحداثة شكلت قمة المتعاليات الحياتية الراهنة،
فقد كان موهوما بشكل كبير بوهم بهجة هذا العالم وما يطلقه من مفاهيم الحرية والتحرر ، فهو عالم (مابعد الحداثة) يمتلك اغراءاته حين يصور الفضاءات الفسيحة الخالية من تابوات القوانين ،
وحين يعلي من شأن الفوضى واللاعقلانية والهامش وقبول كل المقترحات وكل المعروض مهما كان بسيطا او تافها ، لانه عالم يهتم بالتسليع والمال والصورة البصرية المدهشة والجاذبة للعين ، وتلك المدهشات لا تتعدى بؤبؤ العين ولا تستشعرها الذات وتشكيلاتها المعرفية ،
إذ حاولت مابعد الحداثة عبر فكرها ضرب العقلانية الامر الذي اثار استياء هابرماس فاسماها الحداثة المتجددة ، ويمكن القول بان زيجموند باومانت عمل عليها بكونها الحداثة السائلة ، ففيها كل شيء خاضع للسلفنة *
وحولت ما بعد الحداثة كل الاشياء بما فيها الانسان الى بضاعة يحتفظ الظاهر منها بجماليات مثيرة الا انه يحضر بباطن خاوي وأجوف ، ببساطة لانها ضد العمق وتهتم بالسطح وجذموريته على العكس من الحداثة التي تحتوي على خطابات راكزة وذات اعماق تحتوي ركوزات يتمسك الانساني بها . هذا إذا ما تجاوزنا علل ومشكلات ظهرت بفعل التمترس حول الذات وقطوعات كثيرة منها الماضي والتاريخ.
كتب عبد العظيم مسرحياته (عشر مسرحيات مشاكسة) وهو يعمل على تهديم اليات النص ونمطيته المتعالية ، محاولا بذلك التهديم الى رسم معالم نص جديد ومختلف يحتوي على (القصة والحكاية والشعروبعدها ومحادثة القاريء بشكل مباشر )
وكان الهدف من وراء ذلك حضور شخصية الكاتب (نفسه) / القاريء ، ثم القاريء (نفسه) / الكاتب ، لتتشكل ثمة جدلية بين من هو الكاتب ؟ ومن هو القاريء ؟ ويأتي المخرج الذي هو الكاتب نفسه / والقاريء نفسه ، ويمكن ان يكون ذلك من اجل ان يتم نقل العرض المسرحي الى الفضاء الورقي ، بحيث يجد القاريء / الكاتب نفسه في حوار مباشر مع الشخصيات وكذلك القراء ومن ثم مع الكاتب ، ويتجلى ذلك في معظم نصوصه العشرة المشاكسة .
إلا أن الكاتب شاكر عبد العظيم وهو الذي كان مهووسا بفراغات مابعد الحداثة التي على القاريء ملؤها ، لم يكن يدرك انه كان يسير في متاهة تفريغ النص من محتواه ، فانتج لنا نصوص لا افكار فيها ونجد ذلك في مدونته النصية المعنونة (لا على التعيين ) والتي لا تحتوي على اي شخصية مسرحية سوى سماع اصوات (انفاس ، شهيق ، زفير) مع اصوات بكاء وحوار يكاد ان يكون فارغا من اي معنى مع تدخل وادعاء الكاتب (عبد العظيم) بانه سيلقي خطابا ، واجد ان ذلك عبارة تفريغ شحنات الذات التي ترنو الى العبث بالنص لا اكثر .
وفي نص (خرساء ) يقوم عبد العظيم بمحو لسان الشخصية المونودراميه ومصادرته لصالح الخرس نفسه ، وهو افراغ قيم المونودراما الفكرية والفلسفية بتاريخه وحاضره ، فممثل الصوت الواحد يصبح بلا صوت ( اخرس) وممثل المونودراما الذي يسرد ويحكي ويستجلب تداعياته عبر نوستالوجيا متضخمة ، يتخلى عنها بسبب (عبد العظيم نفسه) فتصبح المونودراما لديه عبارة عن استظهار قهر الشخصية المستلبة وجنونها وعبثيتها .
وفي نصوص اخرى قد نجد نفس الاشياء بطرق مختلفة ، وهذا متأت من الوعي الذي انحاز وتبنى مفاهيم مابعد الحداثة وما بعد الدراما دون الوعي الكلي بها ودراسة مدياتها وعلاقاتها بالواقع الراهن الذي يمكن ان يكون رافضا لها وان انغمس فيها بفعل امتلاكها ثورية الادهاش وتكبيل المتلقي بفضائاتها المثيرة ،لاسيما وبرغم بعدها الفلسفي والفكري.
إلا انها تهتم بالهوامش والعالم الذي لا يؤثث الا لفراغات (الابطال الفارغين ) وهم أبطال الفيس بوك والتيك توك وغيرها من المواقع التي ازاحت ثقل الوعي بخفة اللاوعي ونظام التفاهة الذي اعلن عنه (الان دونو) منذ عقد من الزمن تقريبا ، وما عادت سيولة (باومنت ) اكثر قوة في الحضور .
إن عودة الذات التي يتم بنائها بطريقة امتلاء لوعي نافذ متجاذب مع الحياة والواقع الانساني والاجتماعي ، يتطلب التخلي من ازاحات مابعد الحداثة التي حطمت التلاقي الاسري ، وحميمية العلاقات وسوسيوــ انثربولوجيتها ، بفعل صعود الثقافة الجماهيرية التي أرادها (فرانسوا ليوتار) وتفكيكة ( دريدا ) وبنيوية (بارت) بإعلانه موت المؤلف ،
وهكذا اندحرت تلك العلائق ما بين الذات الكاتبة ومنتجها الكتابي ، الا ان الغريب ان بارت نفسه لم يتخل عن اسمه ككاتب كتب نصا اديبا ، ولم يعلن عن كونه كاتبا غائبا بفعل موته (موت المؤلف) ، وهنا لا اعلن نفسي ك(شاكر عبد العظيم ) الكاتب المسرحي ، بل كوني قاريء لهذه الافكار والنصوص التي كتبها (عبد العظيم المؤلف) ولست ادافع عن الحداثة ،
إلا ان قراءة متأنية للماضي الحداثي ، والحاضر / مابعد الحداثي ، يمكن الخروج بنتيجة ان كل ايجابيات ما بعد الحداثة لم تكن مع المجتمع والانسان برغم كل الحراك الحاصل في اصعدة الحياة كافة ، لانها لم تراعي انسانية الانسان ، ولم تكنحه حريته ، بل اوجدت له سلطان اكثر قمعا وحاصرته بفضاءات النت (الانترنيت) بكافة اشكاله ،
فأصبح الانسان عاريا بحسب (مارك دوغان وكريستوفر لابر ) في كتابها (الانسان العاري) وهما يحددان الاسرار الخفية للديكتاتورية الخفية للرقمية ، وبترجمة سعيد بنكراد ، ومن هذه المنطلقات تأسست نصوص الكاتب (عبد العظيم) التي كانت معبرة عن كل تلك الافكار ، فجائت كنصوص مسرحية مفرغة من قيم النص التي الذي خبرته ذائقة التلقي ،
وبرغم أنني مع التطور في كل شيء ولا اقف بالضد من ثقافة العصر مطلقا ومع كل ثقافة لاي فترة من الفترات ، ولكن مع ثقافة البناء الإنساني ،
فما حدث هو تهديم للثقافة نفسها وفق مفهوم انتقال الثقافة وتحولها الى ثقافة يومية أنثربولوجية وصورية ، بمفاهيم دولوز للجذمورية ، بيد انها ثقافة تعبر عن بساطتها وعدم قدرتها على التواصل الحياتي النقي والحقيقي بل هي ثقافة ذات تواصل مشوش وملوث ، أنتج لنا فوضى النص المسرحي ل (شاكر عبد العظيم جعفر ) والذي يتماشى ويتساوق مع الواقع بابطاله الفارغين من امثال الفاشينستات والبلوكرات وتفاهات المقاطع ذات الثواني لا تظهر الا تفاهة ابطالها وتفاهة متلقيها (تيك توك) .
وبذلك نلاحظ ان هذه النصوص ليست الا تمظهر من تمظهرات هذا الفضاء الكسيح معرفيا ، والذي ربما تخلى عنه الاخر بالذهاب الى بعد ما بعد الحداثة لارجاع ذاتية الانسان اليه وارجاع حقوقه التي عملت مابعد الحداثة على مصادرتها .
_______
* السلفنة تعني هنا تغليف البضاعة بمادة السليفان او الغطاء اللماع