الأردني “رسمي محاسنة” يكتب: مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي “24”.. يعبر بقوة وثقة إلى دورة اليوبيل الفضي 2018
المسرح نيوز ـ الأردن| رسمي محاسنة
ـ
ان مهرجانا بحجم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، لا ينتهي الحديث عنه باقفال ستارة الختام، فهو مهرجان محمول على تاريخ وريادة المسرح المصري، وعلى تجربته الذاتية في لحظات تجلياته، وتراجعة وانقطاعة، وعودته مرة اخرى بقوة فكر القائمين علية، وارادة التغيير المنسجمة مع طبيعة المسرح الذي لايتوقف عند شكل او فكر معين.
ان ماقدمته الدورة 24 من المهرجان،من عروض مسرحية عربية واجنبية موزعة على تسعة مسارح، وفرق وضيوف، ومكرمين،وورش مسرحية،ومحاور فكرية، كلها عناوين من الطبيعي ان يتم التوقف عندها، بروح اخلاقية ومهنية، بعيدا عن التهويل، او التقليل من قيمة المنجز الحقيقي، واذا كان من الطبيعي ان يكون هناك ملاحظات وتباين في الاراء من العروض المسرحية المشاركة في اي مهرجان، وهذا الامر انسحب على مهرجان القاهرة، لكنه ليس التباين الحاد، انما في اطار المقبول، ولعل شهادات كثير من المسرحيين الاجانب كانت تصب باتجاه الاعجاب بهذا التنوع، والمستوى شكلا ومضمونا.
وهنا لابد من تسجيل مسالة هامة، وهي ان هذا المهرجان عاد ليؤكد على ان المسرح قادر على الاستفادة من كل الفنون والابداعات، وبالتالي فان سيكولوجية التلقي عند الجمهور لابد ان تتناغم مع مايبتكره المسرح من رؤى جديدة، ولعل ” مشاهد المصارعة الطويلة” في العرض المكسيكي، هي مثال على استفادة المسرح من الفنون الاخرى وتوظيفها ضمن سياق العمل.
وفي الحديث عن العروض المشاركة، فقد كان هذا الحضور ل” المسرح النسوي”، سواء بمعنى المسرح الذي تقدمه النساء فقط على الخشبة، او التي تتناول قضايا المرأة في ثنائيات الحياة،من صراع واقصاء، وهذا الامر لفت نظر كثيرين من المسرحيين المشاركين، الذين تحدثوا عن حضور المرأة العربية، بهذا التدفق والعمق في طرح قضايا راهنة.
وكذلك فان الشباب كانوا في عقل واستراتيجية المهرجان، ايمانا من الادارة بان الشباب هم القادرين على التغيير والاستشراف والاشتباك مع التجارب الانسانية الاخرى، وبالتالي تجديد لياقة وحيوية المسرح المصري، من خلال اعطائهم هذه المساحة في المهرجان، ووضعهم في مواجهة مع المسرح العربي والعالمي، وهو تحد واستفزاز لقدراتهم ، املا في ان يكون هؤلاء الشباب في هذه الدورة، والدورات القادمة، هم الجيل الذي يمثل حركة مسرحية اكثر تحررا من ظلال الاباء، دون العبث بمفهوم ” المجايلة” وتراكم التجربة، وقد كان قرار اشراك الشباب المسرحي المصري في المهرجان، قرارا يحتاج الى شجاعة، مستندة الى استراتيجية وطنية واعية ، تدرك اهمية فتح الابواب امام هذا الجيل، رغم انه حكما كانت هناك اعمال مصرية اكثر نضوجا.
وكانت المحاور الفكرية” المسرح بين التراث والمدينة” ،حيث هناك ” 3″ محاور مهمة، شارك بها مختصين، اضافة الى الندوة الدولية التي جاءت على جلستين تناولت جماليات الاداء وتناسج الثقافات، وهي الندوة التي اثارت الكثير من الجدل، والتضاد في الاراء والمواقف، والدفاع عن القناعات، خاصة فيما يتعلق بمفهوم” تناسج الثقافات” الذي شهد جدالا كبيره حوله، وهذا امر يسجل للمهرجان، فهذا المفهوم يتم العمل عليه في الخارج، وهناك بعض المسرحيين العرب يعملون عليه، وبالتالي فان اقامة هذه الندوة، اثارت الانتباه الى امر قد يصل توصيفه الى اوصاف الهيمنة والابتلاع والغاء الخصوصية،واثارة سجال مابين دول العالم الثالث والدول المتقدمة، وهذا الطرح يستحق المتابعة ، والنظر باهتمام الى هواجس المسرحيين والمثقفين من تبعات هيمنة هذا الطرح، ويسجل للمهرجان انه اقترح موضوعا يحفز العقل على التفكير والاستعداد لما هو قادم، او الوصول الى تفاهمات تلتقي في المسافة بين ماهو كوني” تناسج الثقافات”، وبين الحفاظ على خصوصية الشعوب.
اما الورش المسرحية، فقد طرح المهرجان عناوين متعلقة بعناصر العرض المسرحي المختلفة، الى جانب مسائل لها علاقة بجماليات التدفق، والمسرح الوثائقي، ومسرح الشارع، وهي بمثابة مختبر، اشترك به واستفاد منه عددا كبيرا على ايدي اساتذة متخصصين.
في تقييم اي مهرجان، بعيدا عن “النميمة المسرحية”، فان هناك معايير تحتكم الى العروض ومستوياتها ، والندوات الفكرية، والورش المسرحية، والبيئة الصحية للتواصل والتثاقف بين ضيوف المهرجان،والانفتاح على الاخر، والحضور الجماهيري الذي كان ملفتا للنظر في كل مسارح هذه الدورة،والادارة الواعية لكل التفاصيل، بكوادرها البشرية،بدءا من راس الهرم واضع الاستراتيجية، مرورا بكل اللجان، والعلاقات العامة، ومجموعات الحركة، التي من شانها تحقيق اهداف المهرجان ، وكذلك استقطاب الاعلام بمختلف وسائلة ، الى جانب اعلام المهرجان. وفي حال وضع المهرجان على مقاييس هذه المعايير، فانه يمكن القول ان المهرجان نجح بدرجة عالية.
واذا كان البعض يأخذ على المهرجان تفاوت مستوى العروض، فهذه حالة عامة في كل المهرجانات،وان تكون هذه الملاحظة حاضرة في تصميم برنامج الدورة القادمة،ومن المهم ان يكون هناك ندوات نقدية للعروض المشاركة، ومسالة اخرى الانتباه الى بعض الدول التي تتقدم باكثر من عرض، واقصد هنا العروض العراقية الثلاث التي كانت مضامينها متشابهة، وقادمة من منطلق واحد له علاقة بالموقف من النظام العراقي قبل الاحتلال.
وفيما يخص غياب الجوائز، فهو امر لايوجد عليه اتفاق حاسم، فمثلما يرى البعض ان الجوائز تستقطب عروضا اكثر اهمية، وتساهم بتحفيز المشاركين بشكل اكبر، فان غياب الجوائز ايضا يعطي مساحة اكبر للاهتمام بالعروض، وبروح ايجابية، ومواقف اكثر موضوعية في الحوارات والتثاقف، بعيدا عن حساسية الفوز بالجوائز.ومثل ذلك اسم المهرجان، الذي مايزال يثير التباسا في مفهوم المعاصرة والتجريب، الامر الذي يفتح بابا لتأويلات، من الافضل ان تحسمها ادارة المهرجان.
من المؤكد ان مهرجانا دوليا بهذا الحجم، فيه بعض النواقص، وعلية بعض الملاحظات، لكن ذلك لايعطي الحق للبعض بالاجهاز على هذا المنجز المهم، لاسباب غير موضوعية،واحكام معلبة جاهزة ، تنتقص من جهد القائمين على المهرجان.