الأواد وحرمة الأجواد “حوارية رمزية” .. للكاتب: محمد سعيد ملا سعيد
المسرح نيوز ـ القاهرة نصوص مسرحية
الشخصيات:
أسد 1: معتد وذو هيبة..
أسد 2: متمسكن ومعتد.
ثمة طريق متعرجة، وثمة بركة ماء في الناحية السفلية تركن في محجر صخري.. وحولها تسامقت بعض الشجرات على الحافة اليمنى لها، في الخلفية -في عمق المنظر- تظهر أشجار، وابعد تظهر جبال بعيدة مجللة بالضباب..
ثمة أسد يسير الهوينى قادماً على الطريق، وثمة آخر رابض على مدخل البركة.. وحوله بعض الضواري تتوزع على الصخور المحيطة ببركة الماء وبعض الطيور الجوارح تربض على أفنان الأشجار.
(1)–
أسد1: إلى أين يا هذا؟
أسد2: لك السلام والتحية.
أسد1: اجبني؟ إلى أين أنت تذهب ؟
أسد2: إلى هنا.
أسد1: من أين أنت؟ لم أرك سابقا هنا.
أسد2: أنا من هنا وإن لم ترني فلا يعني نبذي.
أسد1: ماذا أنت فاعل هنا؟
أسد2: جئت إلى الماء، لأشرب!
أسد1: هذا الماء ليس لك، لك أن تذهب إلى الغدير الآخر هناك.
أسد2: إن ذلك الغدير للحيوانات الدنيا، للثعالب والقردة والضباع.
أسد1: وأنت ماذا ؟
أسد2: أنا أسد كما ترى .
أسد1: قد تبدو أسدا، وتعني لا أدرك كذلك.
أسد2: إذن.. وما المعنى؟
أسد1: لن تشرب من النبع هذا, هذا حـَرمي، فاذهب من هنا.
أسد2: أنا أسد.
أسد1: وليكن.. وأنا أيضا..
أسد2: هذا لا يجوز بتاتا، أتدري ذلك.
أسد1: نعم، ليس كل شيء متاحا للغير.
أسد2: أتدري أنا أسد وابن أسد، ولي من القوة والبطش الكثير، ولك أيضا مثله، والصراع بيننا لن يسر غير الأعداء.
أسد1: هذه حجة مبتذلة، ومثل هذا الكلام وهذا الادعاء لا يجدي معي.
أسد2: نعم، إن الصراع بيننا ليس حتميا كما كان في السابق، لقد تغيرت أحوال الدنيا، وعلينا الاحتكام إلى العقل والحكمة وتفضيل المصالح. أنا أسد كما أنت أسد، ولي من القوة والفتوة كما هي لك، وقد يفرق بيننا التجربة والممارسة. ليس إلا.
أسد1: لن تستطيع وضع كل زنة بمقابلها.. فثمة حيز مكاني، وسلطة واقعة، ونفوذ واجب.
أسد2: هذا شيء عَرَضي يا ابن جلدتي، شيء طارئ.
أسد1: ما بك، ألا ترى؟ هذا واقع مستمر مستديم.
أسد2: يكون ذلك حينا وقد لا يكون بعد حين، فكل أمر وله توافق إن استجد شيء طارئ.
أسد1: عفوا؛ أطلت معك الحديث وهذا ليس من عادتي، إلى ماذا ترمي، وماذا تريد؟
أسد2: أود أن اشرب من ماء مجمع الأسود.
أسد1: هذا لن يكون.
أسد2: يكون أو لا يكون، هذا أمر مؤقت، فقد يكون شيء لا يكون، وبعد مدة يكون.
أسد1: أنت تهددني!
أسد2: لا. يا عمي، إنما أقول عن صيرورة الأشياء.
أسد1: أنا لا أفهمك، وليس بمقدوري الرد عليك، فكفى.
أسد2: أقول بفصيح العبارة، لو بقيت لأحد ما كانت وصلت لأحد آخر.
أسد1: مهما يكن، فيجب الاحتفاظ بها.
أسد2: ليس من الصواب الاحتفاظ بما هو للجميع دائماً وأبداً بعناد وتهور.
أسد1: آ، إلى ماذا تشير، ماذا تعني بكلامك..؟
أسد2: كلامي مفهوم على قدر سلطتك.
أسد1: أترمي إلى السلطة أم إلى الماء..؟
أسد2: أشير إلى الحرية.
أسد1: الحرية لا تعطى أو توهب، بل تؤخذ غلابا. فباب الحرية الحمراء يفتح بيد مضرجة. ونجومها كالنار نيلها تحرق الاصابع، او كالوردة تقطف بجروح في اليد والاصابع.
أسد2: هذا القول صحيح، هكذا كان الأمر سابقا، أما الآن فليس كما تعتقد وتنافح.
أسد1: كان كذلك وسيبقى كذلك.
أسد2: غلطان أنت يا سيد، وستبرهن لك الأيام ذلك..
أسد1: عفوا، للمرة الثانية أسألك هل تهددني؟ ماذا تخفي وراءك؟ ماذا تقصد بالحرف الواحد؟ أنا على استعداد للصراع والقتال والموت أيضا من اجل امتيازي.
أسد2: لا لا يا سيد، لستَ أهلا للصراع والموت، لأنك تقول غير ما تقصد.
أسد1: كيف أقول غير ما أقصد.
أسد2: إنك لست أهلا للصراع والموت.
أسد1: أنا لها دفاعا عن القيم والنظم والانا.
أسد2: كفى كفى.. إن الصراع على ما ذكرت أصبح موضة قديمة، أكل الدهر عليها وشرب.
أسد1: نعم!! موضة قديمة. هههه
أسد2: حقيقة؛ يبدو لي انك لم تستوعب تطورات العالم، ومدى ما وصل إليه العباد بالعلم، وما أنتجت البلاد من الخيرات وتقاسم المصالح، لم تعد الدنيا لقمة خبز ومعزاة وغنمتين، حياة بسيطة وجهل مطبق.
أسد1: أنت تلعب بعقلي أم عقلك يلعب بك.
أسد2: أين أنت يا سيد، أنت نائم في العسل، الدنيا حولك في تقدم وتطور، وأصبحت كل ما فيها كأنها قرية صغيرة، افهمْ، ما كان بالأمس أصبح غير صالح اليوم.
أسد1: نعم. نعم.؟!
أسد2: لم يعد الأمر كما كان سابقا، تحكم وتنفي وتسجن وتكمم الأفواه، لأنك تملك القوة، جيش وثروة، تصبح أنت كتلة والآخرون فرادى وفتات.
أسد1: نعم، أنا لا افهم ما تقول، وهذا ليس مدعاة أن تنزع مني ما هو لي.
أسد2: لا، ليس نزعا أو انتزاعا، بل تداولا، وتكاملا معاَ.
أسد1: اسمع يا هذا، أقول من الآخر، أنا غير معني بما تقول. فاذهب من هنا قبل ان يطيش سهمي.
أسد2: قد اذهب وقد أبقى..
أسد1: لا تعاند كثيرا، ستذهب من كل بد، ولكن قبل ذلك أريد أن استفسر منك عن هذه الثقة وهذه العنجهية، وهذه الفذلكة التي دوخت بها رأسي. أو بالأحرى من أين لك بها؟
أسد2: أنا كنت من هذه الجبلة، واضطرتنا الظروف أن نذهب منفيين ونلتجئ زمانا، والآن حان الوقت لنعود، ونصحح الغلط. ونشرب من بركتنا ونأكل من بستاننا.
أسد1: هكذا إذن، ولكن أقول لك، إن الثمر لم يستو بعد، وعودك طري لم يزل ولم يقو كما ألاحظ من هياجك وسطحيتك.
أسد2: آه يا سيد، هبت الرياح، وذاب الجليد السميك وبان الجد، أنت لا تدرك إن للأشياء روحا مستترة تظهر في أوانها، وهاهو الربيع قد أتى، فلن تبقى بذرة تحت التراب أو عشبة تحت الحجر..
أسد1: جعجعة فارغة. أنا لا أعرف رياحا أو ربيعا، فقد سمعت عما هددونا به، بالفجر ولم نرَ شيئا، بنجوم الظهر ولم نرَ شيئا بتاتاً.
أسد2: قد لا تظهر نجوم الظهر، ولكنك لست أعمى، ألا تشم الريح، ألا تسمع الربيع، ألا تراني؟
(11)–
أسد1 يطيل النظر ويمط الصمت. يدور حول نفسه.
أسد1: عفوا، ماذا قلت؟!
أسد2: لا شيء إلا ما سمعت ورأيت وشممت شيئا.
أسد1: يبدو أن الصراع حتمي بيننا، فاخرج إلى الساحة /هناك/ لنتقاتل وسنرى الغلبة لمن، فأما أنا وأما أنت؟ رغم أني أرفق بك وبعلمك هذا، أنصحك بكلمتين، أحفظ حياتك لأنك لست بقوتي وفني وتجربتي، فقد مر علي الكثير من أمثالك، كانوا يطمحون بيأس إلى مجدي بهزيمتي. ولكنهم خروا جميعا أمامي صرعى.
أسد2: هذا الأمر افتراضي، فقد يكون العكس صحيحا.. رغم أني أفضل شيئا آخر على مواجهة العراك والقتال.. الجروح والدم، الموت والهلاك. إن قتالنا سيسبب لأحدنا أو لكلينا إصابات مميتة أو عاهات مستديمة، وأنت وأنا بغنى عنها..
أسد1: لا يا هذا، أنا لن أرضى إلا بالقضاء عليك، أنت محشو ومهيأ بكل الكلام الفارغ الذي قلته وسردته بأريحية، كنت استجرك إليه لأعرف نواياك وخططك.. وقد بانت لي حقيقتك جلية.
أسد2: آ.. أنت حاذق في هذا، وأنا لن انجر إلى ذلك..
أسد1: أتقر بهزيمتك قبل أن أنازلك، أنت ذكي ولبيب وتعرف كيف تجابه وكيف تهابه.
أسد2: لا ليس الأمر كما تتوهم بهذا القول، بهذا الادعاء وبهذا الفعل.
أسد1: ماذا إذن، ماذا عندك من هراء وتسويف؟
أسد2: اسمع.. أترى من حولك الضواري.. ذئاب وضباع.. وأولاد عم نمور ، بواشق ونسور.. وهوام ديدان وما لا اعرف من هوام.
أسد1: آ وماذا بهم.. هم حاشيتي ومكمل سطوتي، رعيتي وعبيدي، بهم تزدان براثني، وتشحذ أنيابي، وتكتمل لقمتي.
أسد2: هذا هراء.. كيف تقول هذا؟!
أسد1: كيف؟!
أسد2: اسمع؛ مهما يكن فلن يتجاسر أحدهم الاقتراب منا، أو الأحرى مني، المفترض أن يكونوا معك ضدي لأنه في كل الأحوال هم مع الأقوى المسيطر، ولن يكونوا أبدا الطرف في أي معادلة غير محسومة.
فكما تفضلت هم رعية وعبيد، موالون وليس أكثر.
أسد1: المعنى.
أسد2: إن تقاتلنا أنا وأنت وأصبنا بعضنا بعاهة من جراء قوتنا وعزمنا الشديد، سيتكالبون علينا وسينالون منا، بأخذ الحيف والثار عما مضى، ويبدؤون بإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة بينهم على حساب تصارعنا وإضعافنا.
أسد1: نعم.. تابع.
أسد2: سيتكالبون علينا وسيحابوننا، هم لن يسمح لهم بالسيطرة، والتملك، والنفوذ. والى إن يتخثر دمنا، وتلتئم جروحنا، وتجبر عظامنا، ويتسيد أحدنا، سيفعلون ما نحن خائفون منه وما نحن حريصون على صونه.. هم بهذا لن يسمحوا أن نشفى سريعا، إلا أن ينفذوا مآربهم، ويحققوا أحقادهم لآماد طويلة يعصى علينا إصلاحها بسرعة، وحكمة.
أسد1: نعم تابع..
أسد2: انظر إلى الضواري الكواسر السائبة من حولنا، انظر إلى الجوارح المحلقة في أعالينا.. ترصدنا، أيان منا وقع سيكون فريستهم.. هي تترقب صدامنا، هي تتمنى أن تخرج من طاعتنا، أن نتلهى ونعلق ببعضنا ونتركها لهواها وسواها، تريد أن تخرج من سطوتنا ومن إهابنا لتسرح وتمرح على صراعنا اللاجدوى منه.. لفترة ما، فهي تواقة للفوضى والامسؤولية.
أسد1: نعم تابع.
أسد2: ولأجل ذلك حتى لا يضحك أحد علينا، لن أقاتلك، ليس خوفا منك أو ضعفا مني، بل سأنسحب واذهب للشرب من الغدير الآخر، كي لا يهزأ منا هؤلاء الضواري والجوارح.. أو علينا أن.. وقد يستهزئون مني، وبالمحصلة هو استهزاء بك..
أسد1: كيف؟!
أسد2:لأننا من طينة واحدة.. نحن واحد.
أسد1: وبعد، أكمل لماذا توقفت؟
أسد2: أو سيشمتون بنا بأنه غير مسموح لي الشرب الا من الغدير، وهنا ستعمل المؤامرة والتحريض وما…
أسد1: وبعد ؟!
أسد2: أو علينا أن نتبع حلا آخرا، كما قلت آنفا.
أسد1: وما هو؟
أسد2: هو التعاضد بيننا، والوقوف في مواجهة الضواري والكواسر، الجهل والمرض، والفقر والفساد، وإحقاق الحرية والجهاد، والتنمية -زراعة وصناعة- في سبيل العباد وارتقاء البلاد.
أسد1: أعتقد أنك تقول شيئا للصالح العام، وأقر بأنك طالب حق وليس من أصحاب الرق.
أسد2: نعم وعندي المزيد..
أسد1: حسنا، كل أمر يسير إلى جيد، فهو جيد بالتأكيد.
أسد2: حسنا.. وهذا ما أريد نيله.
(111)–
يتقدمان إلى بعضهما يتصافحان ويتعانقان..
يتجه الأسد2 إلى ينبوع الماء..
أسد2: يا ابن جلدتي.
أسد1: تفضل يا ابن جلدتي، يا أخي، الماء والغدير، الأول والأخير يحتفي بك..
أسد2: إعلم بأني سأكون إلى جانبك، فأنا لا أطمح إلى ثورة..
أسد1: دمتم ذخرا لنا وللماء والوطن والأسود.
أسد2: نعم لنا الدار والحوار.. لنا العطر والمطر..
لنا الغابة بما فوقها وما تحتها.
يسيران معا يدا بيد الى غدير الماء.
3/11/2011
-*-*-*-*-*-*-*-*-
محمّدسَعيد مـُلاّسَعيد(جـواني عـبـْدال) -نصوص مسرحية قصيرة – 2018