المسرح نيو ينشر .. نص مسرحية “الجلاد”.. ديودراما للكاتب أحمد الماجد
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية
ـ
تأليف
أحمد الماجد
الشخصيات:
إبن الجلاّد : في منتصف الثلاثينات
زوجة الإبن : في نهاية العشرينات
- مع فتح الستارة نسمع أصوات غريبة نوعا ما.. من هنا وهناك بعيدة المصدر..
- غرفة في بيت تحوي نافذة في الوسط، باب على اليمين ، باب على اليسار، طاولة وكرسيين يحيطان بها، وكذلك مرآة كبيرة وخزانة ملابس.
- يدخل رجل بملابس تدل على انه أمضى فترة طويلة وهو جالس في بيته، وهو في حالة عصبية قادما من أحد الغرف، يتقدم نحو النافذة بخطوات بطيئة.
- يتراجع قليلا.. يفكر.. ثم يتقدم مرة أخرى بتوجس وحذر حيث إنه مرتعب يحاول أن يبعد هذه الأصوات عنه.. تارة يقترب من النافذة وتارة يقترب من الباب.. وتارة في وسط المسرح..
- وفي الزاوية إضاءة خفيفة مسلطة خفيفة جدا على الزوجة وهي جالسة على كرسي تتابع ما يحدث دون اكتراث
إبن الجلاد : سأتحدث.. يجب أن أتحدث.. ويجب عليهم أن يسمعوني.. يجب أن تسمعوني.. لن أحتمل أكثر.. هواء.. أنا اختنق.. سأتحدث.. هذه الليلة سأتحدث.. (يفتح النافذة).. أيها الإخوة .. الليلة قررتُ أن.. (يتوقف عن الحديث .. حجارة تقذف عليه من النافذة.. يرجع إلى الوراء قليلا ثم يقدم مرة اخرى وهو يحتمي من الحجارة) أرجوكم.. كل ما أريده أن تسمعوني.! توقفوا .. قلت لكم توقفوا .. أريد أن أخبركم أنني.. توقفوا أرجوكم.. يجب أن تسمعوا قولي هذا.. توقفوا.. توقفوا..
- أصوات قذف الحجارة وارتطامها بالنافذة
- أصوات ضحكات سخرية خفيفة تتصاعد تدريجيا مع الحوار التالي تصدر من قبل الزوجة في الإظلام.
- يغلق النافذة ويتراجع إلى الوراء منهارا.. يجلس على كرسي.. يفرك رأسه بيديه .. ينهض.. يسير قليلا وهو شابك يديه على راسه.
إبن الجلاد : (ينظر للنافذة) مجانين.. لستم سوى مجانين..
- يبتعد عن النافذة وينظر إلى نفسه ويجول بنظره في أرجاء المكان
- أصوات ضحكات الزوجة الساخرة تتصاعد أكثر
إبن الجلاد : ما الذي حصل؟؟ ولماذا؟؟ وكيف حدث كل هذا ومن أجل ماذا؟؟ لماذا يموت الآن؟؟ كان عليه أن يبقى في الحياة أطول فترة ممكنة.. كان عليه أن يقيني شر هذا الزمن الذي لا يرحم.. ألا تعلم أنني أحتاجك الآن أكثر من أي وقت.. ألا تعلم بأن أبواب جهنم بموتك قد أُشرعت.. (يصرخ) لماذا مُتّ؟؟ (وهو يجول في نظره بأرجاء المكان) أجبني.. تكلم.. قل ولو نصف كلمة.. هيا عد.. عد من أجلي.. من اجل نسلك الذي سيهلك من بعدك.. فئران الأوكار استأسدت.. حثالة ورعاع يتوعدون؟ أين حديدك ونارك..؟؟ الكيّ علاج من لا علاج له.. ألا ترى.. أنظر حولك.. الأموات يرون.. أعلم أن روحك ما تزال تحوم حولنا.. وستظل كذلك لا تهدأ حتى تهدأ هذه النافذة (مشيرا إلى النافذة) .. (يبتسم) لو أنك رُميتَ كما أُرمى.. أو قُذفت كما أُقذف.. أو نُفيتَ كما نُفيت.. لتراجعت عن رحيلك المخزي.. ولوازنت الكفّة.. أنظر.. إنها تميل أسرع مما توقعت.. أنا أقبع تحت جحيم ظلمك.. ألا ترى ما أنا فيه.. هيا عُد.. (يصرخ) عُد.. ماذا تنتظر؟؟ عُد.. عُد..
- الانارة تعلو على زوجته وهي مستمرة بضحكاتها الهستيرية حيث تتوضح معالم المكان بالكامل.. لنرى الزوجة وهي تمسك بقطعة قماش كبيرة وتفتق أجزاءها.. وهي تضع شالا طويلا على رقبتها
الزوجة :المشهد المتكرر ذاته..
- ينظر إليها ثم يشيح بنظره غاضبا ولا يرد
الزوجة :قذفوك بالحجارة مرة أخرى .؟
إبن الجلاد :مجانين .. لقد فقدو آخر شعرة من العقل
الزوجة :نصحتك ولكنك لا تستجيب
إبن الجلاد :ماذا افعل وأنا لا املك متنفسا سواها ..
الزوجة :لم أقصد النافذة.. تفهم ما أعنيه تماما
إبن الجلاد :كفّي عن سخافاتك اليومية.. ألا تلاحظي ما أنا فيه.. انه سجن.. سجن بنافذة..
- تنهض بعد سماعها لتلك الجملة.. تقترب منه وهي غاضبة.. وتتحرك بتثاقل بسيط
الزوجة : أيّ سجن؟ سجنك أنت أم سجني أنا ؟؟
إبن الجلاد :هذه الغرفة.. زنزانة أقضي فيها ما تبقى من عمري وفق ما يظهر لي
الزوجة : تستطيع الخروج متى تشاء.. أما أنا فأختلف عنك.. أنا حبسي أبديّ جداً
إبن الجلاد :كلامك يحوي ألغازا لا أملك مزاجا لفكّها.. أريد حلاّ.. أريد أن أخرج.. أكاد أن أختنق من هذا الجوّ الفاسد المتخم بالخيانة.. أريد أن أعود إلى سابق عهدي.. إلى حياتي الآمنة المطمئنة.. أن أحيا مثل الناس..
الزوجة :اخرج.. لا يمنعك شيء.. انزل وتحدث إليهم.. لا أحد سيسمعك وأنت في صومعتك هذه..
إبن الجلاد :(ساخراً وهو يشير إلى النافذة) كي تتلقفني عصيّهم وبنادقهم
الزوجة :لو أرادوا قتلك لقتلوك
إبن الجلاد : لا تقلقي.. لن يطول الأمر كثيرا.. قدرتي على الاحتمال تتضاءل.. وستكونين حرّة بعدها لتفعلي ما تشائين.. وهو جلّ ما تطمحين إليه منذ اللحظة التي داست قدماك هذا البيت
الزوجة :(تكتم غيظها) لن ارد عليك.. (تعود لمكانها السابق ولقماشها الذي تفتق أجزاءه) يكفيك ما اصابك مما تستحق..
إبن الجلاد :(يصرخ غاضبا) وما ذنبي انا.. (يعود لهدوئه) ها.. أخبريني.. ما ذنبي أنا في كل ما حصل؟؟ لماذا يأخذوني بجريرته؟
الزوجة :انت ابنه.. عليك ان لا تنسى ذلك
إبن الجلاد :ولكنه مات..
الزوجة :ما فعله بهم حيّ لا يموت.. نار غلّهم تستعر كل ما اتسعت المدّة.. لقد كان أبوك سفاك دماء..
إبن الجلاد :أرأيت .. أبي .. أنت تقولين أبي وليس انا!!
الزوجة :سخط الناس عليه وغضبهم دخل ضمن تركته التي ورثتها عنه.. وعلى قدر ما اعلم.. انك وريثه الوحيد .. يا .. (ساخرة) إبن الجلاد..
إبن الجلاد :(بنبرة عالية) إبن الجلاد .. إبن الجلاد .. إبن الجلاد .. هذه الكلمة تدفعني نحو الجنون.. ( يستدير نحو زوجته بنبرة هستيرية) أنظري إلي.. (يقترب منها) حدقي النظر.. ألا تبدو علي ملامح أبناء الأرض .. ألا تظهر على قسمات وجهي علامات تدل على أنني بشر.. أم أنني ولدت مسخاً من حيث لا ادري!!
الزوجة :لا هذا ولا ذاك.. أنت تؤدي ما على أبيك من دين.. والدين لا يموت..
إبن الجلاد :(يصرخ غاضبا) كفى..
الزوجة :لا تتذمر واقنع بما أنت فيه.. ما دمت تتلمس له الأعذار..
إبن الجلاد :انه أبي .
الزوجة :ومن منا ليس له أب..!
إبن الجلاد :(غاضبا) لم اقصد هذا(يعود لطبيعته) تعلمين ذلك ..
الزوجة : أشك في أنني لم أعد أعرفك..
ابن الجلاد : أنتِ زوجتي
الزوجة : فراقنا بدأ منذ اللحظة التي انتقلتُ فيها إلى بيتكم.. أما ما قبل الزواج.. فكانت مجرد أدوار تؤديها عليّ وصدقتها..
ابن الجلاد : أنا بحاجة إليك الآن أكثر من السابق
الزوجة : أدرك ضعفك.. ولن أتركك
إبن الجلاد : عليك أن تستمعي إليّ.. لم يتبق لدي في هذا العالم سواك..
الزوجة : استفد من الفرصة إذن..
إبن الجلاد : (يبتعد عنها قليلا).. أبي جلاد المدينة.. أعلم هذا.. لكنها وظيفته.. أجل هي وظيفته التي يتقاضى عليها الأجر.. لا تختلف عن المعلم الذي يربي التلاميذ وكالطبيب الذي يعالج المرضى وكالتاجر الذي يبيع ويشتري وكالشرطي الذي يقبض على اللصوص والمجرمين.. كذلك ابي من ينفذ فيهم حكم الإعدام .
الزوجة :وهل جميع من في السجن يستحقون القتل .؟
إبن الجلاد : (بنبرة عالية) الإعدام وليس القتل..
الزوجة : النتيجة واحدة
ابن الجلاد : القتل يرتكبه المجرمون.. أما الإعدام فتنفيذ للأوامر..
الزوجة : وهل كل من ساقتهم دورة الحياة حتى وقعوا تحت رحمة أبيك يستحقون القتل؟؟ هل كان أبوك ينظر في شكوى.. أو يسمع لبيّنة.. هل كان ينفذ فيهم جبروته بعد محاكمة؟ لقد كان يفعل ما يرده هو لا ما تريده العدالة.. باسم القانون رمّل نصف نساء المدينة.. ويتّم النصف الثاني.. هيا اجب؟؟ لماذا سكتّ؟؟ تحدث.. هل أقمتُ عليك الحجة!!
إبن الجلاد :(متهربا) لا أعرف.. لا أعرف.. هو يؤدي المهمة التي…
الزوجة : (تقاطعه) لا تخدع نفسك.. كان عليه أن يرفض.. أن يتركها لغيره إن كانت فعلا كما تدعي.. مجرد مهمة أو وظيفة
إبن الجلاد :لأودى بنفسه وبنا الى التهلكة..
الزوجة :وهل كنا سنواجه مصيراً أقسى مما نحن فيه.. انظر إليّ.. أنظر إلى هذا (تشير إلى بطنها وتضرب ضربات متتالية بيدها عليها) أيّ مستقبل ينتظره؟؟ أيّ حياة سيعيشها؟؟ إنه سيولد في مدنية كل من عليها يكرهه حتى وهو ما يزال في بطني.. سيحاسبنا عن هذا الذنب.. وسيلقي كل غضبه فيّ وفيك.. كوننا سنورثه الهمّ من بعدنا..
- الإبن ينظر إلى بطن زوجته.. يقترب منها ويضع يده عليها.. وكأنه يحدث الجنين الذي في بطنها
- موسيقى مناسبة
إبن الجلاد : هو من يمنحني أملا في القادم من الزمن.. هو من يجعلني أصبر وأتجلّد.. وددت لو أنه جاء قبل هذا الموعد.. أو أننا تزوجنا قبل كل ما حدث.. لماذا يجلس في أحشائك تسعة أشهر..؟ لو أنه تعجل فقط.. لذاق طعم العزّ والجاه والسلطة والقوة والهيبة.. كنت سأحمله بين يدي.. وأطوف به أرجاء المدينة والدنيا.. أعلمه القوة.. ويمنحني السعادة..
- الإبن يتخيل عبر قطعة قماش يحملها أنها ابنه ويرفعها عاليا ويطوف بها في أرجاء المسرح
إبن الجلاد : (يجلس جانبا وبيده قطعة القماش ويحدثها بصوت خافت) لا عليك.. لن تمرّ علينا أياما أسوأ من هذه.. (وكأنه يستمع لما يقوله ابنه) لا أعرف.. ربما اليوم أو غدا أو بعد سنة أو أكثر أو أقلّ.. لكننا سنعود.. سنعود لنقبض على كل شيء.. (يطلب منه السكون واضها إصبعه على أنفه ويكلمه بصوت خافت) هشششش.. (يشير إلى زوجته) هذه لا يعجبها ما نقول.. أنا وأنت نختلف.. (يشير إلى النافذة) إنها مثلهم.. منهم (ينظر إلى زوجته مرة أخرى ويعود ليكلم القماشة بهدوء أكثر ونبرة أوطأ) السوط موجود.. مازلت أحتفظ به.. كان لأبي وصار لي وسيكون لك في سانحة من الزمن.. كن رجلا واحفظ السرّ.. أنا أعتمد عليك..
الزوجة : (تضحك ساخرة) قد لا يجد حتى غرفة كهذه يفرّ إليها..
إبن الجلاد :( يخرج من تلك الحالة بعد سماعه لحوار الزوجة وينهض ثائرا ويلقي بقطعة القماش على وجهها) كلاب.. مجموعة كلاب تنبح ولا تعضّ.. حشرات سأسحقها بقدمي يوما ما..
الزوجة : (غاضبة) بل هم أناس مثلك.. يختلفون عنك وعن أبيك بأنهم ضحايا ولهم الحق في أن يقتصّوا ..
إبن الجلاد :مضت شهور وانا على هذه الحال.. لا شيء تبدل.. لم لا ينفذون بي الحكم الأصلح .؟
الزوجة :تريدهم ان يقتلوك .! (وكأنها تحدث نفسها لا تحدثه هو) الموت حلٌّ أيضا.. لكنه قاسٍ جداً.. غير أنه أحياناّ يجدي
إبن الجلاد : مللت الانتظار.. مللت هذه الجدران الخانقة
الزوجة : ما سمعتك تردد كلماتك هذه عندما كان أبوك على قيد الحياة..
إبن الجلاد : لم اكن بحاجة إلى كلمات أدرأ بها ضعفي.. غريب حال العالم هذا.. محمول فوق جناح بعوضة.. قد تهوي في لحظة..
الزوجة : خطؤك الأكبر .. كان يجب أن تحتاط لحدوث أمر كهذا..
إبن الجلاد : حسناً.. (يفكر قليلا ويبتعد عنها ثم يستدير نحوها) ألم نؤمر بطاعة الله ورسوله واولي الامر؟
الزوجة : نعم.. أُمرنا بذلك..
إبن الجلاد : ومن وضع قوانين البلدة؟
الزوجة :القضاة
إبن الجلاد :ومن نصبهم؟
الزوجة :الوالي؟
إبن الجلاد :معنى هذا أن الوالي عادل.. حين ينصب قضاة يضعون له القوانين..
الزوجة :ولكن أباك لم يأبه لقانون ولا لقضاة ولا لأحد
إبن الجلاد :ومن أخبرك بأنه يأبه أو لا يأبه؟ كيف بإمكانك معرفة إن كان أبي عادل فيما فعله أم لا..
الزوجة :ابوك فقط من لديه الإجابة.. وهو الآن خارج عن حدودنا الدنوية
إبن الجلاد :ألا تؤمنين بالقضاء والقدر؟
الزوجة :أجل أؤمن
إبن الجلاد :ها أنت إذن تجيبين على أسئلتك بنفسك.. القضاء والقدر.. ما مكتوب علينا منذ الولادة.. الشقاء أو السعادة.. شقيّ مثلي ومثل أبي.. وسعيد مثلك ومثل ابيك قبحه الله
الزوجة :(غاضبة) لا اسمح لك بالحديث عن ابي..
إبن الجلاد :لا تسمحي.. (يضحك ساخرا) لا تسمح… ومن تكونين لكي تسمحي أو لا تسمحي.. أنسيت من اكون؟
الزوجة :إبن ابيك.. (بغضب) إبن الجلاد
إبن الجلاد :أجل أنا ابن الجلاد.. (يضحك ساخرا) أنا ابنه.. ابن الجلاد الذي كنتم ترتعبون ما إن يذكر اسمه في أي مكان حتى لو في أمتار بعيدة تحت الأرض.. تتراجف أبدانكم لو طاف بكم أحد حرّاسه.. أنا ابن الجلاّد.. الجلاد الذي كنتم تقفون ببابه تتمنون منه نظرة رضا.. ثم لا تنالونها.. أنا ابن الجلاد.. أسمعت؟؟ أنا ابنه.. أنا ابن الجلاد..
- يسير رافعا رأسه الى الأعلى ومنتصب القامة ،كأنه ملك زمانه
- يتقدم نحو خزانة الملابس ويخرج منها عباء فاخرة وعمامة جميلة يرتديهما وهو يقول حواره التالي
إبن الجلاد : الهيبة والقوة.. يتحاشى الاقتراب مني صغيرهم قبل كبيرهم .. رجالهم قبل نساؤهم.. كنت اسمعهم يتهامسون .. ويكلم بعضهم بعضاً ، فهم لا يجرؤون على توجيه بصرهم نحوي.. فمن الممكن أن أجردهم من حياتهم دون ذنب.. يتبارون في خدمتهم لي.. وأنا اتبختر كالطاؤوس .. الارض التي تدوسها قدماي لم تقدر على مجاراة زهوي .. والخادم ورائي ينتظر مني الإشارة .. (يتخيل نفسه في السوق) كم ثمن قطعة القماش هذه .؟ (يقلد صوت البائع)انها ليست للبيع ، انها مصنوعة لتُهدى ..( بصوته) كم ثمنها .؟(يقلد صوت البائع) كلا يا سيدي ، هي لك وبلا مقابل (يعود الى وضعه الطبيعي) لم ادفع ثمن حاجة اشتريها .
الزوجة :وتقول لا ذنب لي فيما فعله ابي
إبن الجلاد :هم الذين كانوا يرفضون اخذ المال مني
الزوجة :خوفهم من بطش ابيك .
إبن الجلاد :( بكبرياء) حتى انتِ .. لم تقبلي بي زوجاً لو لم اكن ابن الجلاد
الزوجة : (متهربة) كلا.. هذا غير صحيح
إبن الجلاد :بل هو عين الصحة..
الزوجة :بل الصدفة.. الصدفة قرينة كل مصيبة
إبن الجلاد :أجمل صدفة.. أم أنك تتجاهلين وتتناسين حديثك الدائم عنها..
الزوجة : غشاوة.. أو خطأ في التقدير.. (تصمت قليلا) ليتني لم أرك..
- تنظر إليه الزوجة وتبتعد عنه قليلا
إبن الجلاد :سرقوا أمتعتك عندما كنت تتمشين في السوق.. ابتسمت لك الدنيا حينما ابتسمتُ أنا.. قرأتُ إعجابا في عينيك لا يضاهيه إعجاب حينما أعدت المسروقات بلمح البصر.. ثم اشتريتُ لكِ نصف السوق هدية..
الزوجة :(تستدير نحوه وتنظر إليه) ليتني لم أنزل إلى ذلك السوق جلاّب الهمّ والشؤم
إبن الجلاد :بل الجاه والعزة.. ليتك فقط تعودين كما السابق عاشقة
الزوجة :العشق حياة.. وأبوك وئدها
إبن الجلاد :من يسمع كلماتك.. سيشك في أنك ذات المرأة التي فتتني سحرها في أجمل وأول ليلة
الزوجة :دائما لا تتذكر إلا الجزء الذي لصالحك وتنسى الآخر.. (تسير قليلا) فتاة كباقي الفتيات.. شغفها فارسها.. بوسامته وشهامته وعشقه.. عاديتُ اهلي وتمردت عليهم من أجلك.. وصفوني بشتى الأوصاف حينما قررت أن أختارك من دون الناس حبيباً أبديّ.. أرادو قتلي على أن يرتبط اسمي باسمكم..
إبن الجلاد : بل عشقتني.. اعترفي بذلك..
الزوجة : حسناً.. أعترف بارتكابي لهذه الجريمة .. وها أنا ذا أودي العقوبة …
ابن الجلاد : المهم أنك أحببتني.. كانت ليلة بألف ليلة..
- تضع الوشاح الذي على صدرها وتغطي به وجهها بالكامل يوحي للمشاهد بأنه ثوب عرس
- موسيقى زفاف مناسبة لذلك العصر
- الإبن يقترب منها.. تهرب منه بدلال وغنج كما الزوجان في ليلة الدخلة
الزوجة :لا تقترب..
إبن الجلاد :بل سأقترب..
الزوجة :لقد حذرتك
إبن الجلاد :تحذيراتك لا طائل منها.. فأنا زوجك.. بالشرع وبالقانون وبالعرف.. حبيبتي التي سرقت الفؤاد.. وأعادت تشكيل أجزاء الروح كما تهوى
الزوجة :اسكت.. أنا ضعيفة أمام زخرفة الكلمات..
إبن الجلاد :ما زلنا في البداية.. وستسمعين مني ما يسرك ويسعدك
الزوجة : هل تحبني..
إبن الجلاد : انظري الي.. الا أبدوا عاشقا !!
الزوجة : لا اعرف.. اسمعني.. هنالك ما هو اهم من كل هذا.. فأنا…
إبن الجلاد :(يقاطعها مستاءا) انسي كل شيء.. ودعينا نجهز على أحداث الليلة كما قُدّر لها
- يتقرب منها.. يمسكها..
- الإضاءة تتحول إلى بقعة.. بألوان حمراء وزرقاء كدلالة على ليلة الدخلة
- يؤديان مع بعضهما رقصة غجرية مع موسيقى مناسبة تنطلق
- قبل انتهاء الرقصة نسمع طرقات قوية على الباب
- الزوجة والإبن يتوقفان عن الرقص وهما يلهثان والعرق يغطي وجهيهما
- الاضاءة تعلو كاملة
- يتوقف الإبن مستغربا وكذلك الزوجة ترفع الغطاء من على وجهها مستغربة
- صمت قصير
- تتحرك الزوجة قليلا وهي تقترب منه حيث تعود لحالتها الطبيعية
الزوجة : ثم أغرقتني بالهدايا.. أتذكر؟؟
- الإبن يدير وجهه غير قادر على النظر في عينيها
الزوجة :(تقابله من الجهة الاخرى وجها لوجه وتشير إلى الباب) في تلك الليلة المشؤومة.. منحت زوجتك ما تخشاه كل امرأة.. من تلك التي لا تقدّر بثمن.. قلائد من همّ.. أساور من وجع.. وخدم يتمنون زوال النعمة عنا.. حتى غرقتُ في ذات اللُجّة عن طيب خاطر مني.. كنتُ ما أزال نبتة غضّة تتمايل منتشية بنقائها… أتذكر؟؟ كان أبي بالباب.. ولم ترض أن تفتح له.. أخبرته بأن يأتي في الغد.. ألم تسال نفسك لماذا لم يدخل بيتنا لا في الغد ولا بعده.. ألم تسال نفسك لم أمّي لم تزرنا منذ زواجنا إلى حد هذه اللحظة؟ جاء المسكين متكئاً على القرابة يطلب الوساطة من زوج ابنته.. فقد حبس ابوك بسطوته ونفوذه أخاه الذي هو عمي.. الذي رفض أن يشارك أباك في التجارة.. فجلده أبوك حتى هاجرت الروح الجسد.. (تستدير نحوه) بزواجي منك.. منحتُ أهلي شقاء لا يزول.. أترى ما فعلتموه بنا يا ابن الجلاد..
إبن الجلاد :كفي عن سخيف الكلام هذا.. لن تتمكني من خداعي.. لماذا وافقت إذن على هذا الزواج؟؟ وانت تضمرين لي كل هذا الحقد.؟
الزوجة :أشفقت على ابي مما قد يصيبه لو انني رفضت.. بعد أن سرقتم منه جهده وكدّه وتعبه.. خشيتُ عليه أن يصير إلى ما صار إليه عمي..
إبن الجلاد :وتاجر أبوكِ وربح.. باسم أبي فقط لا بتجارته الكاسدة تلك.. أنت شريكة في الذنب.. لا تدعي البراءة والطهارة
الزوجة : وها أنا ذا الليلة أتطهر من ذنبي..
إبن الجلاد :(يقترب من زوجته) ولكني اختلف عنه تماماً.. انت تشهدين بذلك.. أنا اختلف كثيراً عنه..
الزوجة :(تنظر اليه) الأفعى لا تلد العصافير
إبن الجلاد :(يصرخ) اغبياء وحمقى ومعتوهين ..
الزوجة :لا تصرخ فقد يسمعوك.. الدماء ما زالت تملأ افواههم فأبوك ..
إبن الجلاد :(يقاطعها غاضبا) أبوك وأبوك وابوك… تتحدثين عن ابي وكانه أول طاغية عرفته البشرية او أنه ما تبقى من سلالة مصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر ..
الزوجة :بل هو افظع من هذا كله.. كان عليه أن يترك تلك الوظيفة القذرة..
إبن الجلاد :لأتى الوالي بجلاد آخر يحل محله.. (بكبرياء وتعالي) ام انكم تريدون مدينة بلا جلاد..
الزوجة :ولكن اباك ..
إبن الجلاد :(يقاطعها) كفاك طعنا بابي.. لقد غادرنا الى غير رجعة (يسير قليلا) ليرحمه الله .. (يضحك) ليرحمه الله.. كلمة لم اعتد سماعها
الزوجة :انت فقط من توهم نفسك بانه يستحق الرحمة..
إبن الجلاد :(يثور) ليذهب الى الجحيم اذن .. هو وابيك قبحه الله
الزوجة :ابي.. يبدو أنك نسيت بان ابي يحظى بحب اهل المدينة واحترامهم.. كما انه..
إبن الجلاد :(يقاطعها غاضبا) كبيرهم الذي علمهم الحقد.. وزرع فيهم كرهي وكره أبي .. أبوك من حرض الناس ضدنا
الزوجة :بل هو من ابقى على حياتك .. إكراماً لزوج ابنته لا أكثر
إبن الجلاد :انت وهو تنادون لقطع رؤوسكم .. أعرفك جيدا.. أنت تضمرين لي العداء .. وسوف تسرّين كثيراً عندما تريني ألقى حتفي
الزوجة :لا عجب فيما اسمعه منك.. فانت ابن الجلاد
إبن الجلاد :(غاضبا يصرخ بها) هذا يكفي..
الزوجة : لا يمكنك التنصل من سلالتك.. سلالة العار يا ابن الجلاد..
- الإبن يقترب منها بسرعة ويصفعها على خدها
- تسقط على الارض
- تمتص الصدمة.. تعدل من وضعها.. تنهض
الزوجة :لا طاقة لي بك.. لن اصبر على ظلمك.. كان علي ان استمع لنصيحة ابي حينما طلب مني ان افارقك .. لكن هذا (تضرب على بطنها) هذا من وضعني في حبس أبديّ.. هو من فرض عليّ مزاولة أشكال الصبر وعلمني أصناف الاحتمال فوق الطاقة.. هو من أغرمني على ما أنا مقدمة عليه.. جبروتك وقسوتك وطغيانك صفات ابيك جميعها.. لقد زرعها فيك.. وأخشى أن تكون الآن مغروسة في ولدي.. يا ابن الجلاد..
- حالة الغضب تبدو واضحة على الإبن وتتطور تدريجيا
إبن الجلاد :(غاضبا) لقد حذرتك من نطق هذه الكلمة .. سترين مني ألوانا من العذاب ان سمعتها منك مرة أخرى
الزوجة :لغة أبيك.. وستكون لغة ولدي إن جاء إلى هذا العالم.. لقد كنت محقّة.. كان قراري صحيحا حينما وافقتُ الشيطان خططه بعد جهد منه طويل..
- تتقدم نحو إناء الماء حيث تخبؤه وراء كرسي.. تحمله وتشرب منه
- تنظر إليه تشرب وتضحك
إبن الجلاد : ما الذي تخفينه عني؟؟
الزوجة : تابع وشاهد وانتظر.. لن تطول المدة وستعرف الليلة كل شيء
إبن الجلاد :(غاضبا بشدة) ما الذي تخططين له.. ما الذي تخفينه عني؟؟ ما الذي يحويه هذا الإناء..؟؟
الزوجة :حياة ولدي الأبدية
إبن الجلاد :ماذا؟؟
الزوجة :(تبدأ عيناها تدمع وهي تتحدث) الخلود.. الصعوب به إلى حياة خالية من الوجع.. الانكسار والخزي اللذين سيرثهما.. فهو ابن الجلاد أيضا.. خلصته من العار الذي سيلتصق به مثل وجع مزمن لا يبرأ إلا بإهالة التراب عليه.. الليلة اتخذت قراري.. عليّ أن أتوقف فورا عن ارتكاب الاخطاء
إبن الجلاد :يعني ماذا؟؟ إياك وأن تكوني قد..
الزوجة : (تقاطعه) أجل .. هو ما تتوقع بالضبط.. أترى هذا.. (ترفع إناء الماء عاليا) عشب من نوع خاص صنعته امرأة غجرية.. يمنح الجنين حياة بعيدة عن حياتنا.. (عيناها تغرق بالدموع) حياة الروح لا حياة الجسد.. الروح لا تصل إليها لعنتكم..
إبن الجلاد :(في قمة غضبه) قتلتِ ولدي؟؟
الزوجة : ثأراً لحياته التي لو عاشها سيتمنى الموت كل يوم وكل ليلة.. أيّ حياة تنتظره.. لقد منحتُه المكان الذي يستحقه.. وأزحت عن كاهله ثقل التركة.. لن أتمكن من تغيير اسمه.. هو أيضا يمتدّ إلى أبيك بالقسوة والنسب.. ولن يتغير الحال حتى بعد رحيله أو رحيلك..
إبن الجلاد :حقيرة.. وضيعة..
الزوجة :(تضحك بقوة) أعرف هذا.. منذ ارتبط اسمي باسمك باتت هذه صفاتي.. لا داعي لتذكيري.. (وهي تضحك)
- الإبن يقترب منها ويسحب الإناء من يدها ويكسره
الزوجة : قضي الأمر يا ابن الجلاد.. ولن تجديك كل المحاولات نفعا..
إبن الجلاد :خونة.. خونة..
الزوجة : لن تتمكن مني.. غريزة القتل صارت طعاماً وشرابا لنا في هذا البيت..
إبن الجلاد : (يقترب منها محاولا إخراج اسمّ من فمها) أخرجيه.. ولدي لا يموت.. أخرجي السمّ اللعين من جسدك.. أخرجيه الآن.. ولدي لا يموت.. ولدي لا يموت
- يضع يده على رقبتها وهو في قمة غضبه
إبن الجلاد : خونة.. خونة.. ولدي لا يموت.. أخرجي الشيطان من جسدك.. أخرجيه في الحال.. خونة.. ولدي لا يموت..
- الزوجة تفلت من يده وتتوجه نحو النافذة وتصرخ وهي تسعل
- ثم يضغط بيديه على رقبتها وسط مقاومة منها وهو يردد
إبن الجلاد : خونة.. خونة.. كلكم خونة.. رعاع.. حثالة سأسحقكم بلا رحمة.. خونة.. خونة.. خونة.. كلكم خونة..
- تسقط الزوجة جثة هامدة
- يقف الإبن وهو ينظر إلى زوجته لفترة ثم يدخل في نوبة ضحك هستيرية
إبن الجلاد :(يتوقف عن الضحك تدريجيا.. ثم يتحول إلى حالة الحزن) هذا أفضل.. جزء الحلّ.. أن تتوقف النبضات في صدرك.. أن لا يكون لكِ وجود بيننا..
- يضحك ضحك هستيرية
- يسير قليلا وهو في حالة من الهستيريا تتزايد بالتدريج
- يعي لنفسه ويكتشف ما فعله
- يقترب من بطن زوجته .. ويكلم ابنه المزعوم
: حرموني منك.. أخذوك بغدر.. ذبحوني قبلك بهذا الخسران يا قرّة العين.. أيّ حياة سأعيشها بعدك.. كنتَ عباءة الصبر التي أستر بها جسدي.. رباط الأمل الذي أشد به على أيامي وأتحزم به.. سأبكيك حتى تنال العينان بياضها.. روحي تتمرغ بالسّواد.. سوادٌ يجلد الروح يا آخر ما تبقى.. أيّ جناية ارتكبتَها وأنت في الرحم نطفة.. أيّ ضحية ضربتَ عنقها وأنت في هذه العتمة لحمة.. أخذوك بغدر.. قتلك الخونة.. أنت مثلي.. جلاد أم ضحية؟؟ (ينظر إلى زوجته الميتة) جلاد أم ضحية؟؟ (ينظر إلى الجمهور) جلاد أم ضحية؟؟ من منا الجلاد ومن الضحية؟ من منا الجلاد ومن الضحية؟
- في حالة هستيرية وكأنه يحدث الجمهور
تكرهونني.. كلهم يكرهونني.. إنهم يكرهونني.. كرههم يشاطرني المسكن .. ابي.. ابي من اوصلني الى كل هذا .. شبحه يكتم على أنفاس الغرفة.. يجثم فوق صدري.. اكاد احس بسوطه يرتفع في الهواء ليهوي به على ما تبقى من عمري .. لم يترك لي حياةً اعيشها بعده.. انا ابنه ..أخطر آفة تنتظر ابادتها .. ام هذا قدري .. (مستدركا) قدري الذي ورثته عن أبي دون ذنب مني أو جناية.. عمري يمضي عبثاً ينتظر العفو ممن لا يرحم (يستدير وهو يصرخ) ساخرج اليهم.. ساخرج حتى لو كلفني ذلك حياتي.. لا شيء أخسره..
- يتقدم باتجاه الباب.. يقف
- حالة الهستيريا واضحة عليه إلى نهاية المسرحية
: (مرتعبا) دماؤهم .. دماؤهم تتراءى امام ناظري .. اشعر بوجودهم.. انهم يسمعونني .. انهم يروني .. بل هم الان معي .. يرقبون كل تحركاتي .. اسمعهم يطالبون بالدية .. (يخطو الى الوراء) لست انا قاتل ابنائكم .. لست انا من رمّل نساءكم ..ابتعدوا.. ابتعدوا.. ابتعدوا..
- أصوات الطرق تزداد وكذلك أصوات الناس وأصوات تكسير الباب بالإضافة إلى الحجارة التي تلقى من النافذة
- الإبن ينظر إلى النافذة ثم إلى الباب ثم إلى زوجته الميتة وكذلك إلى خزانة الملابس
- يسير وكأنه تحت تأثير منوّم
- يتوجه نحو الخزانة.. حيث قطعة قماشية عتيقة موجودة فيها
- يرقع قطعة القماش فتتطاير منها قليلا من الأتربة ويفتحها بهدوء
- ويخرج منها “سوط” أبيه الملفوف فيها والذي كان يجلد به الناس يتلمسه ثم ينظر إلى جهة الباب والنافذة
- وبحركة هستيرية تدل على حالة الهلع والجنون الذي أصابه
- مع استمرار قذف الحجارة وضربات الباب يقلب الإبن السوط بين يديه وهو يبتسم ثم تتحول الابتسامة إلى ضحكات هستيرية
- يبدأ بالضرب بالسوط في وسط المسرح.. ثم في جميع الاتجاهات وهو يردد..
إبن الجلاد : جلاد وضحية.. جلاد وضحية.. جلاد وضحية.. من منا الجلاد ومن الضحية.. من منا الجلاد ومن الضحية.. من منا الجلاد ومن الضحية..
- ثم يبدأ الإبن بالدوران مع السوط وهو يردد الجملة الأخيرة حتى يلتف السوط على رقبته وجسده بالكامل مع تسليط بقعة ضوء حمراء عليه
- يتوقف عن الدوران تدريجيا
- مع توقفه عن الدوران يتوقف قذف الحجارة من النافذة وكذلك الطرق على الأبواب..
- وتختفي الإضاءة الحمراء في إظلام تدريجي ثم تعلو إضاءة نهارية تأتي من النافذة
- وكذلك يُفتح الباب ببطء حتى يكتمل وتدخل منه إضاءة نهارية تضيئ المكان وتضاء الصالة أيضا بنفس الإضاءة حيث تعكس عن طريق المرآة إلى الصالة
- تبقى الستارة مفتوحة
- نهاية المسرحية