المسرح نيوز يقدم ركن “سؤال الراهن” المسرحية العراقية د. عواطف نعيم:ما زال المسرح العربي رهين الولاءات.. ويبقى المسرح في كلّ الأوقات مقاتلا يبتكر الحياة!
فكرة وإعداد: الناقد حامد محضاوي
المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات
ـ
ركن « سؤال الراهن »
فكرة وإعداد: حامد محضاوي
إشراف: صفاء البيلي
ركن ينتمي لجدارة السؤال في السياق المسرحي الحالي، لا يبنى على أرشفة التصنيف أو أحاديّة الإقناع. ركن يبحث عن حقيقة؛ هناك حقيقة وهناك الحقيقة بأل التعريف والسعي نحو حقيقة ما، وليس الحقيقة. وبهذا المعنى فهي معرفة نسبيّة دائما ولكنّها تتضمّن بذرة من المطلق دون أن تكون هي المطلق. هي كما يقول إدوارد الخرّاط: ” حقيقة دائما أيضا نسبيّة بمعنى أنّها ليست نسقا في الفن فلسفيّا أو معرفيّا كاملة “. بهذا المعنى لا يمكن أن تكون إجابة شاملة ومحيطة بالمعنى ككلّ. هي دائما – كما أرجو – ذهاب إلى أعمق فأعمق بدون الوصول إلى تشكّل راكد.
من هنا أرى « سؤال الراهن » كرافعة لتنضيج المعنى الإشكالي، ورسم مآل متشابك للرؤى المسرحيّة، وليس تجميعا مسقطا للهواجس والتعاريف. لست أظنّ أنّ من مهام المسرح أن يضع حلولا أو يجيب عن أسئلة، مجرّد وضع سؤال في السياق المسرحي هو كلّ ما أسعى إليه عبر هذا الركن.
ركن « سؤال الراهن » محمل تساؤلي عبر جملة الأسماء المتدخّلة، في إطار تثمين التشبيك اللحظوي من خلال تيمات « الراهني » و « الآن وهنا » ابتعاد عن الإخبار الصحفي واقتراب من جدوى التفكّر في السياق المسرحي. عبر أسئلة عشر تطرح لكلّ ضيف نحاول بناء لحظة جدليّة نافذة وفاعلة في رهان التشكّل العام.
يسرّنا في هذا الركن استقبال المسرحيّة العراقيّة
« عواطف نعيم »
في مساحتها الحرّة بين الذات وتفاعلها الراهني في الآن وهنا.
– من أنت الآن في المسرح؟
أنا واحدة من الفاعلين فيه والحافظين لرسالته، رغم العتمة وتقلّب الأهواء والولاءات.
– ما مضى منك في المسرح: ما بقى وما سقط؟
ما مضى هو ما أحببت وأنجزت، ما بقي هو ما أحلم وأتوق إليه. ولم يسقط منّي ما أيقنت أنّه الصحّ؛ لأنّي ما تعلّقت بالهوامش.
– في الراهني الآن، ما هي درجات التمثّل الجمالي التى ترينها قادرة على بناء العرض المسرحي بأبعاده المختلفة؟
أرى التماهي ضرورة لخلق الإقناع، وأرى كسر المتوقّع والمألوف في الرؤى وسيلة للتأثير والمغايرة، وأرى أن لا نغادر المسكوت عنه في ضمير الناس، على أن لا نغفل المتعة.
– في الآن وهنا، ما هو انطباعك على المعطى المسرحي العربي الحالي في مستوياته: الجماليّة والأكاديميّة والهيكليّة؟
ما زال المسرح العربي رهين الولاءات، وما زال الاشتغال رهين التوعية والتقليد ومن يحاول التغيير موقفا ورؤى يحاصر؛ لأنّ المسرح واحد من أبواب الحرية والرفض. وهذا ما يجعل منه مصدر حذر في التعامل والرضا. هنا رهينة بالثوابت التي عفا عنها الزمن والآن أسيرة بالسخاء حين الرضا والتواصل حتى الرضوخ. المسرح العربي الآن وهنا وهناك مهرجانات وتكرار للوجوه والحضور وتحجيم للرؤى.
– في الراهني الآن، مدى وجاهة التطوّر في الاشتغالات الحالية للذائقة المسرحيّة العربيّة مقارنة بغيرها؟
هو توجّه محدود في الرؤى؛ فالتقليدي هو المهيمن، والمألوف هو الغالب. الانفلاتات الإبداعيّة حركة متمرّدة، لأفراد يجتهدون للولوج إلى عالم من الاشتغال والابتكار والمغامرة، التي لا تجد في أحيان كثيرة من يعضدها. لأنّها تكسر الثوابت وتغادر المعتاد. هي تحرّك لأفراد من أجل التطوير والخروج عن النسق المكرّر والمتوقّع.
– في الآن وهنا، أي درجة تُخرج فيها الوسائط التقنيّة والتكنولوجيّة العرض عن كونه مسرحا؟
حين يتحوًل المسرح إلى وسائط وتكوينات تكنولوجيّة يُقزّم فيها الممثّل وتهيمن فيها الآلة الرقمية، لا يبقى هناك مسرح، ولا يكون له لون أو ذائقة أو حضور. المسرح في أساس تكوينه وفاعليّته هو الممثّل الساحر والعلامة الأولى داخل فضاء الخشبة. حين يُغيّب تغيب معه الخشبة، ويضيع فيه الفضاء؛ لذا الاتّكال على الوسائط التكنولوجيّة والتقنيّة هو إغفال لحقيقة المسرح، وإخفاء لضعف المخيّلة وعجز للرؤى.
– في الراهني الآن، مدى أهميّة التنظير المسرحي وحضور المعطى الفكري والفلسفي والثقافي في مدى الفعل المسرحي القائم؟
التنظير المسرحي ضرورة في العمل الفني؛ لأنّ الاشتغال والعمل في التجربة المسرحيّة يتطلّب جانبا معرفيّا في التحليل والتأويل والاجتهاد البحثي. فلسفة الفنون بكلّ تجلّياتها عوالم لمنح النفس جرأة المغامرة والابتكار الذي لا يعرف التردّد. المعرفة حصن أمان للفنان المسرحي الذي يبحث عن الجديد والمتفرّد في التجربة المسرحيّة والجانب الفلسفي أحد الأركان المهمّة في المسرح. وهذا ينعكس إيجابا في مدى الفعل المسرحي وتنوّعه وتأثيره جماليّا وفكريّا.
– في الآن وهنا، قيمة الجدل في الساحة المسرحيّة تعود لاختلاف الرؤى المسرحيّة أم لبناء الصفة الذاتيّة والتموضع؟ أي تمثّلات لهذه أو تلك؟
إختلاف الرؤى أحد أسباب الجدل في الساحة الفنيّة، والتي تتعلّق بالظاهرة المسرحيّة بكلّيتها، واختلاف تلك الرؤى نابع من صفة الذات وتوجّهاتها وخصوصيّتها، لأجل أن يكون الفنان مختلفا وتحت مسقط الضوء أمام الآخرين؛ لذا هناك ارتباط ما بين الاثنين الذاتي والرؤى المتعدّدة والمختلفة، والجدل ضرورة لإظهار تميّز العرض المسرحي وفرادته.
– في الراهني الآن، أذكر لكلّ من هؤلاء وصيّة: المخرج، الممثل، الكاتب المسرحي، الناقد، المتلقي، الهياكل المهتمّة بالمسرح.
هناك وصايا لأركان العمليّة الإبداعيّة في التجربة المسرحيّة. المخرج قائد لمجمل التجربة المسرحيّة وتجلّياتها، من أوّل خطوة حتى وصول العرض المسرحي لحظة ختامه. أمّا الممثّل فهو العلامة الأولى في المسرح؛ لذا هو وعي متحرّك داخل التجربة وتحوّلاتها، وهو الحامل لمعانى التجربة ودلالاتها وعليه أن يُحسن الأداء. أمّا الكاتب فهو حامل الحكاية؛ لذا هو باث للفكر المنطوي ضمن حكاية العرض في توالي مشاهده. أمّا الناقد فهو المحلّل لرؤى العرض واشتغالاته، هو صاحب المختبر؛ لذا عليه أن يكون موضوعيّا في قراءته التحليليّة. المتلقّي هو العين المتابعة، فهو الذي يرى ويتأثّر ويتفاعل، وعليه أن يكون مصغيا وهو يتلقّى الأفكار عبر العرض المقدّم. أمّا الهياكل المهتمّة بالمسرح، فهي قد تضم الفنيّين والتقنيّين والمشرفين والجهات المنتجة للعرض وعليها أن تكون منتمية للتجربة واثقة من نجاحها، وهي تعدّ مصدّات لمنح العمل عافيته وحياته داخل فضاء الخشبة. لذا هم المصدّات الحامية للعرض المسرحي.
– في الآن وهنا، هل يمكن من سؤال الراهن استشراف ممارسة المسرح في المستقبل؟
كلّ شيء في طي الغيب عندما نتحدّث عن المستقبل، ولكن يبقى المسرح في كلّ الأوقات مقاتلا يبتكر الحياة كي يستمرّ حاضرا في حياة الناس؛ لذا وجوده ضرورة مهمّة وبرأيي أنّه سيكون حاضرا وفاعلا. المسرح رغم الثورة التكنولوجيّة الكبيرة والمعلوماتيّة بقي محافظا على وجوده، وقادرا على احتواء كلّ تلك المتغيّرات لصالحه وداخل فضاءه.
– مساحة حرّة لاختلاج راهني لم نتحدّث فيه
أن أكون أنا بخصوصيّتي متحدّية الخطوط الحمراء والصفراء… واثقة أنّ المسرح منبر حقيقي للحرية وليس وسيلة للمتعة فقط، بل منبر للوعي الحر دون قيود أو إملاءات. المسرح بوابة الحرية التي لا تعرف المساومة أو التهادن ، وهو ضمير الناس وحامل أصواتهم.