الناقد السوداني السر السيد يكتب: السيمفونية.. تأملات فى العرض الإماراتى “رحل النهار”
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
السرالسيد
قدم العرض المسرحى ( رحل النهار ) فى امسية 15 يناير على مسرح محمد السادس ضمن العروض المتنافسة فى مهرجان المسرح العربى فى دورته ال 13 المقامة بمدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية..العرض من تأليف اسماعيل عبدالله ومن اخراج محمد العامرى ومن انتاج وتمثيل مسرح الشارقة الوطنى_الامارات.
تأسس العرض على حزمة من المرتكزات التقنية والجمالية و الفكرية التى تكاملت فى تعميق حضوره فوق الخشبة وتعزيز تأثيره على المتفرجين ويمكن القول ان العرض نهض بصورة اساسية على مقاربة ثيمة الوطن والنزاع فيه يتأسس العرض على ثيمة الوطن كمكان لنزاع او لصراع طرفاه الشعب والسلطة والتى فى العرض تتبدى فى المستعمر وفى الجنرال وفى رجل الدين والمفكر..هذه السلط باختلاف اساليبها الا انها تشترك فى قهر الشعب وفى استغلاله واذلاله.
ثيمة الوطن والنزاع فيه تشعرنا كماشاهدين وكأننا نشاهد عرضا مسرحيا واقعيا كتلك العروض التى عرفها المسرح العربى فى حقبة الستينيات عبر ما عرف بالمسرح الملتزم انذاك…
هذا المعطى الاولى اتاح للعرض فرصة ان يكون جماهيريا بحسبانه يناقش موضوعا عاديا ومطروقا ومن صميم حياة الناس..موضوعا يلامس العاطفة السياسية ويفجر الطاقات المكبوتة فى الرغبة فى الاحتجاج والرفض وفى نفس الوقت مثل تحديا له وذلك بسبب ان مثل هذا الموضوع، لم يعد يثير احدا عندما يطرح بطريقة مباشرة فموضوعات القهر وغياب العدالة وغياب الديمقراطية والحرية وانعدام الخبز والدواء وغير هذا من مطالب الحياة الكريمة ومع تطور وسائط التواصل الاجتماعى اصبحت تناقش بطريقة لا تخلو من المجاز الامر الذى يفرض عند مناقشتها ضرورة ابتداع مسار ابداعى مختلف وخلاق كالذى قام عليه عرض ( رحل النهار ) وتميز به،
فالعرض وهو يقارب موضوعا ذو طبيعة سياسية تحرر اولا من المسار الخطى فى احداثه وشخوصه والذى يقوم على تطور منطقى وذلك بأنه نهض على ما يشبه البعثرة او عدم الانتظام ومما ساعده فى هذا، الحضور الكبير للشعر ولشعراء محدثين كأمل دنقل ودرويش وتوفيق زياد واحمد مطر والسياب وغيرهم ..هذا الحضور للشعر فرض على العرض تلك البعثرة التى جعلته يشبه السيمفونية اذ انه نهض على سينوغرافيا تجمع المتضادات الظلام والضوء ..الاسود والابيض فى ازيا الممثلين..الفراغ والامتلاء فى فضاء الخشبة..تكدس الاشياء والشخصيات..
وكذلك النهل من الشعر ومن النثر واللعب فى كل اتجاهات الخشبة..هذه العبثرة او هذا اللا نظام جعل العرض وكأنه “تمثيل” للسلطة لذلك ظهرت الشخصيات التى ترمز للسلطة فى الكثير من الاحيان بشكل كركتيرى ( الجنرال…رجل الدين..المستعمر ).. هذا التمثيل للسلطة والذى اعنى به زحزحتها من ان تكون طرفا فى مقابل الشعب كما فى المسرح الملتزم الى ان تكون مجالا للسخرية والتهكم وهو ما افصح عن مقولة العرض الكلية والتى هى ان ( الوطن ) اكبر من اى سلطة كانت عسكرية او دينية او حزبية او طائفية بل وحتى ثورية فمن بعض ما جاء فى العرض ” ليس بالسيف يوقد النور “.
لذلك كم كان المخرج خلاقا عندما حلق بالممثلة وهى تتغنى بالوطن وتمجده فى سماء الخشبة فى دلالة على تسامى الوطن وانه فوق كل سلطة.
الشعر والسينوغرافيا هما ما منحا هذا العرض والذى طرح موضوعا سياسيا مباشرا بأمتياز اختلافه وجماله فقد اكد هذا العرض اننا نستطيع ان نجعل من اليومى والعادى والمباشر ان نصنع اختلافا وجمالا اذا احسنا المعالجة واننا نستطيع ان نصنع عرضا جماهيريا دونما اسفاف وتسطيح ولعل هنا تكمن ريادة هذا العرض وتميزه.
تحيتى صافية لفريق العمل من ممثلين و تقنيين واداريين وللكاتب اسماعيل عبدالله وللمخرج محمد العامرى.