الناقد والأكاديمي العراقي د. جبار خماط يكتب: العلم والفن في العيادة المسرحية
المسرح نيوز ـ بغداد | د. جبار خماط
ـ
لون الحقيقة في الفكر المعاصر مخطوف، لا يقين فيه، فوضى أرادوا لها أن تكون خلاقة، فانقسم العالم إلى حروب فرعية لا تتوقف! ضحيتها الناس الذين غاب لديهم اليقين بمستقبل أفضل، بسبب تقييد الإرادة بمقولات العجز والإحباط والانكسار، لذا جائت العيادة المسرحية ، طاقة سلام ، تقوم على فرضية “المستقبل أولا” وقودا للفكر والعمل، لا تنظر إلى العمل الفني، بوصفه حمولة للماضي، جاهزة للتفريغ في وعي المتلقي، عنوة وقسرا، بل تجد العيادة المسرحية، أن الفن حرية مشروطة بالإبداع، لا يتقنها إلا من لديه القدرة على تدوير السلبي في حياتنا إلى إيجابي، لنكون قادرين على استيعاب الأزمات المحيطة بناء، وأبعاد سجن الاغتراب الذي يقيد الارادة في المجتمع المعاصر .
ولهذا كانت الغاية من العيادة المسرحية الذهاب إلى الناس قي كل مكأن بعيدا عن المؤسسات النخبوية التي جعلت من المسرح محاصرا في خطاب ضيق، العيادة المسرحية تذهب إلى الناس لتؤسس مسرحا منهم، ساسه الصدق والإيمأن، ونتاحه التلقائية والحميمية، العيادة المسرحية لها هدف أساسي اكتشاف مهارات التمثيل في الأماكن القصية من أولئك المبعدين أو الذين يعيشون في هامش الوجود ، إنه مسرح يعود إلى الناس الذين يحتفلون بالبساطة العميقة ، بعيدا عن الخطاب المترف الذي اوجد هوة يين المسرح والناس، ورمم علاقة بينه وبين النخبة ، العيادة المسرحية أفق جديد في عالم ضيق، أن القوالب الفكرية الجاهزة توابيت ثقيلة لا تصلح سوى لأجساد الموتى .
ثمة أفكار ميتة ، وأخرى حية لها القدرة على العود أبدي، وإنتاج دورة حضارية قوامها الانسأن في بعده العلمي والثقافي، الذي يسعى نحو التغيير الإيجابي، وما الفن المسرحي سوى طاقة تغيير كبرى – إذا كان استثماره فاعلا – ولهذا أصبحت العيادة تؤمن بأفكار الحية التي تؤمن بالمستقبل، إذ لا يمكن أن نعمل من دون جديد، ولا يمكن أن نركن إلى الجديد من دون حمولة خيال وتصور كافيه لإنتاجه لأن الفرضيات التقليدية في مختبر الحاجات المعاصر، لا يمكن أن تجيب على أسئلة ملحة أساسها تفكيك العالم وارتباطه بفوضى قصدية ، فتتت المركب وقوضت القوميات، وأزاحت مراكز قرار سياسي، بسبب الحروب الداخلية، فضلاً عن مخاوف تضرب المواطن العادي من مستقبل، زجاجه مضبب بالتشويش.
هذه التحولات الكبرى اقليميا ودوليا ، في الجغرافيا السياسية والثقافية والاقتصادية، تتطلب منا اسئلة فكربة ونسيج اشكال جيد يتقن التركيب والتحليل للمتناقضات في صناعة وانتاج الشكل، وهنا ياتي سؤال مفاده؛
هل بامكاننا توفير مثل هذا المسرح؟
وهل يرتدي ثوب المغايرة غير الثابتة .. أي هل بامكانه نزع ثوب المغايرة ليرتدي العمل المسرحي الجديد ، ثوبا آخر، له طاقة مغايرة جديدة ، فاعلة التاثير؟
وكيف يكون طريق الإبداع سالكا بروح العمل الخال من شوائب عنتريات الريادة والتفوق الإبداعي ؟
للجواب ينبغي أن نعرف بأن نظم العمل المسرحي قد تغيرت من النظم مغلقة الحلقة إلى ذلك النظام مفتوح الحلقة، أو مايسمى بالورشة المسرحية المتجددة في عنصرها المادي والبشري الذي كثيرا ما ينتج عروضا مسرحيا، متميزة ولها بعدها الجاذب للجمهور ، لأنها تنطلق من فرضيات تعيش بين الناس، وبالتالي تكون مجدية في إنتاج أجوبة من التفاعل مع اسئلة العرض المسرح، التي تطرح بطريقة جمالية ، يتفاعل معها الجمهور ، وليس على نحو ارشفة أو استعادة تاريخية للبكاء والافتعال ومعالجة الازمات بازمات جيدة ، لا يريدها الجمهور .
إن قانون العمل الفني المسرحي، هو التحويل الجمالي للواقع المحيط بنا، فلا معالجة للحرب بالحرب ، بل ينبغي أن يكون بالسلام ، لأنه مستقبل عادل يريده الناس.
إن جفاف المخيلة تجعل من ماء المعالجة شحيحا، وبالتالي تكون أرض العروض المسرحية غير صالحة لإنتاج ثمار جمالية تهدى إلى الجمهور، لأن صانعي العرض المسرحي افتقروا إلى تحويل الخبرة المألوفة لدى الناس إلى عرض مسرحي فيه طاقة اللامألوف متجددة وهو ما يثير دهشة المتلقي ، وارتباطه جماليا برسائل العرض البصرية والسمعية. والحركية . ا لفن المسرحي الجميل يحقق جلال الروح في التناغم ما بين الذات والعمل الفني .. لحظة لا يعرفها إلا الراسخون في المعنى الجمالي !
وهنا تكون العيادة المسرحية بوصلة مهارية تتيح للمشاركين فيها فرصة اكتشاف طاقات كامنة لديهم، يتم تحويلها بالتمرين إلى طاقة متحركة لها هدف التغيير بوساطة العلاج الجمالي، الذي يزرع الارتياح في المشاركين، ولذلك لا يمكن حصر العيادة في افق فسلجي ضيق ، إذ تكون من الناحية العلمية، إستثمارا لعلم الذاكرة وعلم الدم وكيف تنقيهما من رواسب مقيدة للأداء، لإنتاج سلوك جديد في الذاكرة طويلة الأمد ، أبعد الإدمان لدى المشاركين من نسيج يومياتهم ، والسعي نحو تنقية الدم بتمارين تنفس مبرمجة، اوصلتهم إلى طاقة أوكسجين كافية ونقية لتفعيل انزيم
(( الدوبامين )) الذي يحقق اللذة في التمثيل مثل ما يحققه الكحول أو المخدر، مع التمارين المستمرة ، تم استبدال لذة المخدر بلذة التمثيل، من خلال بعد الطاقة الايجابية الذي يجعل من إيعازات الدماغ حيوية ومستقرة، وتجربتي مع مصابي حلبجة حققت تمارين تنقية الدم بالتنفس ، التخلص من الصداع المزمن والآلام ضبق التنفس الذي رافقهم منذ 29 سنة !