الناقد والباحث المسرحي أحمد بلخيري يكتب: المسرح والبحث المسرحي في المغرب اليوم
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات
ـ
أحمد بلخيري*
ناقد وباحث مسرحيمن المغرب
كلمة “مسرح” كلمة متعددة المعاني،فهي قد تعني البناية المخصصة للعروض المسرحية،كما قد تعني أيضا النص والعرض المسرحيين.سوف لن يتم التركيز هنا على البناية المسرحية، لكن يبدو مفيدا الإشارة إلى أنه توجد اليوم في المغرب، في مناطق مختلفة من البلاد، بنايات مسرحية.
وكانت أول بناية مسرحية شُيدت في المغرب هي”مسرح سرفانتيس”بمدينة طنجة سنة 1913 ، وقد وهبته مؤخرا الحكومة الإسبانية للمغرب.وإذا كان عددها قليلا جدا زمن الاستعمار،فإن الأمر ليس كذلك اليوم.ويأتي على رأسها “مسرح محمد الخامس” بالرباط الذي شيد مع بداية استقلال المغرب حيث كان افتتاحه يوم 14 مارس سنة 1962.
لايوجد لدي الآن رقم محدد عن عدد المسارح المغربية، وعدد المسارح في كل بلد عربي على حدة الموجودة اليوم،كما لاتوجد لدي أرقام عن عدد المسارح في بلدان أوروبية اليوم كذلك.لكن توجد أرقام عن عدد المسارح التي كانت موجودة في بلدان أوروبية سنة 1872.فقد أورد أرتور بوجان1 في معجمه المنشور في باريس سنة 1885 عدد المسارح في بلدان أوروبية عديدة.الأرقام التي ذكرها هذا الأخير كانت على النحو التالي:إيطاليا (348)،فرنسا (348)، إسبانيا (160)،ألمانيا (194)، النمسا (152)، بريطانيا العظمى (150)، روسيا (44)،بلجيكا (34)، هولاندا (22)،سويسرا (20)، البرتغال (16)، السويد (10)، الدانمارك (10)، النرويج (8)، اليونان (4)، تركيا (4)، رومانيا (3)، صربيا (1). وفي باريس وحدها في نفس الفترة كان يوجد،حسب بوجان،ثلاثون مسرحا.وفي مدينة الدار البيضاء،وهي أكبر مدينة مغربية من حيث الكثافة السكانية، عدد المسارح الموجودة فيها قد لايتعدى أصابع اليد الواحدة ومنها “مسرح مولاي رشيد”. هذا مع وضع في الحسبان اختلاف السياقين والزمنين، السياق الفرنسي والسياق المغربي، والثلث الأخير من القرن التاسع عشر و2019.
لم يكن في السياق والزمن الفرنسيين المذكورين سابقا منافس شرس للمسرح مثلما هو موجود اليوم، إذ شدت الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي والفيديو والهاتف المحمول الجُمهور شدا. وقد أثر هذا تأثيرا واضحا على غشيان الجُمهور المسارح، ولم تكن السينما فيهما قد ظهرت بعد. ورغم عدم وجود إحصائيات،ولو تقريبية، فإن الملاحظ هو تضاؤل الإقبال الجماهيري على المسرح في المغرب اليوم من أجل مشاهدة العروض المسرحية.ويبدو أنه لهذا السبب تم ابتكار”مسرح الشارع”، إذ عوض ذهاب الجُمهور إلى المسرح يأتي هذا الأخير إليه.
ومادامت كلمة “مسرح” تشمل أيضا النص والعرض المسرحيين،فإنه من المفيد تقديم بعض الأفكار عن النص والعرض المسرحيين في المغرب اليوم.وقبل ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أول نص مسرحي طُبع في المغرب هو “انتصار الحق بالباطل” لعبد الخالق الطريس وهو من رواد الحركة الوطنية، كان ذلك سنة 1933. منذ هذا التاريخ إلى اليوم ظهرت نصوص مسرحية كثيرة، يمكن التعرف على عناوينها وأسماء مؤلفيها، على الأقل، من خلال كتاب “بيبليوغرافيا المسرح المغربي”لمحمد يحيى قاسمي ومصطفى رمضاني، و”معجم المسرحيات المغربية”لفهد الكغاط الذي صدر سنة 2019. ولمصطفى بغداد كتاب عنوانه “المسرحيات المغربية الأولى 1924-1956″، وقد ذيله ب”بيبليوغرافيا المسرح المغربي في الصحافة قبل سنة 1956”. وتدل وتيرة النشر سنويا على أن هناك تزايدا مطردا في طبع النصوص المسرحية ونشرها،بغض النظر عن صعوبة النشر وطريقته.
هذا، وتتميز البنيات الدرامية في هذه النصوص بالتنوع والاختلاف.
كما أنها تتنوع من حيث مصادر الإلهام. ذلك أن الكاتب المسرحي المغربي استلهم أحداث الكتابة الدرامية من روافد شتى. فهناك من استلهم أو استوحى التاريخ أو جعل التاريخ إطارا عاما لبناء الأحداث الدرامية، فأطل على الحاضر وعبر عنه دراميا من خلال التاريخ مثل “عروس أغمات” لمحمد زنيبر، و”مولاي إدريس” لأحمد عبد السلام البقالي، و”مووايل البنادق الريفية” لمحمد مسكين”،”إيسلي” لأحمد السبياع، و”الأرض والزيتون” لرضوان احدادو، و”كرنفال” لمحمد أمين بنيوب…
وهناك من وظف فنونا شعبية مغربية فكانت منطلقا لكتابة نصوص مسرحية “مثل”عيوط الشاوية” لعبد الإله بنهدار، و”سلطان الطلبة”لعبد الصمد الكنفاوي، و”ليلة حراز الريم” لعبد الله المعاوي، و”بوجمعة الفروج”للمسكيني الصغير، و”ياموجة غني”للزبير بن بوشتى، ومسرحيتي”لاكاسامار”و”مزلنا حيين”لعبد الرحمان الزاوي حيث كان توظيف فنون من التراث الحساني…وتعتبر شخصية جحا، بنوادره وطرائفه، من التراث الشعبي. وقد وظف بعض الكتاب المسرحيين المغاربة في نصوص مسرحية هذه الشخصية حيث كانت نواة الحدث الدرامي مثل النص المسرحي “جحا لن يبيع حماره” للحسن قناني، و”جحا وشجرة التفاح”لأحمد الطيب العلج. أما الطيب الصديقي فقد وظف البساط في عدد من نصوصه المسرحية.
واعتمد محمد الكغاط على الأسطورة اليونانية في كتابة “أساطير معاصرة”، حيث تم توظيف الأسطورة للتعبير عن قضية راهنة…وهناك من الكتاب المسرحيين المغاربة من اتخذ من حياة شخصية فكرية أو أدبية منطلقا للكتابة الدرامية مثل “أبو حيان التوحيدي” للطيب الصديقي، و”عروة يحضر زمانه ويأتي”لأحمد العراقي، و”ابن الرومي في مدن الصفيح” لعبد الكريم برشيد، و”خروج ابن عربي” للمسكيني الصغير،و”دوبل فاص” لمحسن زروال…
وفي إطار التجريب المسرحي استعمل فهد الكغاط مفاهيم فيزيائية في النص المسرحي”الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد”، الذي وضع له عنوانا فرعيا هو “تجريب في المسرح الكوانتي”. في هذا النص المسرحي تم توظيف مفاهيم فيزيائية في البنية الدرامية،من هنا جاءت التسمية والعنوان الفرعي.
وتجري الأحداث الدرامية للنصوص الدرامية التي أبدعها الزبير بن بوشتى في فضاء عام واحد هو طنجة، مع اختلافات ضرورية موجودة في كل نص على حدة وفق ما يقتضيه البناء الدرامي،لكنها لاتخرج عن الفضاء العام السابق الذكر،مثلما هو موجود في ثلاثيته المسرحية “أوطيل طنجة” التي تتضمن ثلاثة نصوص هي “ياموجة غني”، و”للاَّجميلة”، و”زنقة شكسبير”.
وبفضل التكوين المسرحي الذي اضطلع به المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، يمكن القول إن العروض المسرحية المغربية عرفت تطورا على المستويات الفنية:إدارة الممثل، الإضاءة المسرحية، السينوغرافيا…
واليوم يوجد مخرجون مسرحيون يرجع لهم الفضل في ذلك التطور منهم مثل بوسلهام الضعيف، وأمين ناسور، ومحمد الحر، وعبد المجيد الهواس وغيرهم. يضاف إلى هؤلاء سينوغرافيون مثل طارق الربح، ويوسف العرقوبي الذي يهتم بالسينوغرافيا نظريا وتطبيقيا. وخير دليل على هذا التطور هو المكانة التي تحظى بها العروض المسرحية المغربية على الصعيد العربي، إذ يكون للعروض المسرحي حضور مائز ومميَّز في المهرجان السنوي الذي تعقده الهيئة العربية للمسرح. هذا، دون إغفال ذكر المخرج المسرحي حسن مراني علوي، وحميد الرضواني، وعبد المجيد فنيش، وعبد القادر اعبابو، ومحمد بلهيسي المخرج المسرحي والكاتب الدرامي الذي له تاريخ مسرحي حافل بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي ومازال يواصل نشاطه المسرحي إلى اليوم.
ويحظى البحث المسرحي المغربي باهتمام متزايد، على الصعيد العربي،بفضل الجهود المبذولة من لدن الباحثين المغاربة اليوم في هذا المجال. وسبب ذلك أن البحث المسرحي المغربي عرف تطورا مهما مقارنة مع ما كان موجودا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.وقد تأتى له هذا بفضل الانفتاح على الثقافة الغربية عموما والبحث المسرحي الغربي خصوصا. يتجلى هذا في ضبط المصطلحات المسرحية أدوات التحليل والقراءة، وفي ضبط المنهج أيضا.
في هذا الإطار،يمكن ذكر بعض الأسماء منها رشيد بناني (“المسرح المغربي قبل الاستقلال”- “مغامرة التأصيل في مسرح الطيب الصديقي”(كتابان))، وعبد الواحد ابن ياسر (“حياة التراجيديا”-“المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث”(كتابان))، والزهرة ابراهيم (“الأنثروبولوجيا والأنثروبولوجيا الثقافية”-“الأيروس والمقدس دراسة أنثروبولوجية تحليلية”(كتابان))، وأنس العاقل(الدراماتورجيا والتحليل الدراماتورجي)،ومحمد فرح (الخطاب المسرحي العربي وإشكالية القراءة)، ومحمد أبو العلا (اللغات الدرامية وظائفها وآليات اشتغالها)، ونورة لغزاري (الخطاب المسرحي مفاهيمه وآليات اشتغاله عماد الدين خليل نموذجا)، ومحمد التهامي العماري (مدخل لقراءة الفرجة المسرحية)، ولحسن قناني (المسرح والفلسفة)، ومصطفى رمضاني (الحركة المسرحية بوجدة)، وعمر الرويضي “سيميائيات المسرح إمكانات المقاربة وحدود التأويل”، وأحمد بلخيري “في التحليل الدراماتورجي …وقد يكون مفيدا ذكر، في هذا السياق،”معجم المصطلحات المسرحية” الذي قام بإعداده أحمد بلخيري.
وبدون شك، توجد ملاحظات تتعلق بالبحث المسرحي المغربي وقف عندها هذا الباحث أو ذاك. وقد سجلت بعضها في ثلاثة كتب لي هي”نحو تحليل دراماتورجي”، و”الوجه والقناع في المسرح”، و”في المسرح مراجعة مفاهيم وأحكام”. لكن رغم ذلك، لابد من الإقرار بتطور البحث المسرحي المغربي اليوم وتعدد مناهجه. وهذا طبيعي لأن التطور هو سنة الحياة.
هذه نظرة إجمالة مختصرة عن المسرح والبحث المسرحي المغربيين اليوم،وهما معا منفتحان على المسرح والبحث المسرحي العربيين بصفة عامة.وعليه،فإن التفاعل قائم بينهما،فقد قام،على سبيل المثال،مؤخرا جواد الأسدي المخرج المسرحي العراقي بإخراج مسرحية لفرقة مسرحية مغربية هي “دوز تمسرح”،وكان أحد نصوص سعد الله ونوس المسرحية هو “سهرة مع أبي خليل القباني” موضوع اشتغال محمد الكغاط في كتابه “المسرح وفضاءاته”،ويواكب محمد سيف الباحث والفنان العراقي الحركة المسرحية المغربية عن كثب.