مقالات ودراسات
حصريا.. الأكاديمي العراقي د. جبار خماط يكتب لـ “المسرح نيوز” : النيئ.. والمطبوخ في العرض المسرحي!
المسرح نيوز ـ العراق | د. جبار خماط
ناقد وأكاديمي عراقي
ـ
العرض المسرحي خلاصة حضارة، تقوم وتقعد بحسب ألقها ونموها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، هذا النسق الثقافي المضمر والظاهر ، يتجلى في سلوكيات الصورة المسرحية داخل العرض التي تهتف بحضورها وتاثيرها الفكري والوجداني، لأنه يتطور في وعينا أثناء التلقي ، فيتحول من خبرة مرنة خارج وعينا لها وجودها المستقل على الخشبة ، إلى ثقافة متحركة تحدد سلوكيات حضورنا الاجتماعي مستقبلا ، نعم ، العرض المسرحي بامكانه رسم خارطة الشعوب اذا تراكمت اشكاله وافكاره في طرقات وعينا الذهني .
وماذكره ( كلود ليفي شتراوس ) حول علاقة سلوكيات الشعوب وبناء قيمها حضاريا ، منها النيء حضاريا وهو ما يختص بالشعوب الشرقية او الاسيوية ، ومنها المطبوخ مثل ما نجده لدى الاوربيين الذي لا يؤمنون باللامرئي ، لأنه غير قابل للتطبيق ، وتبعاً لهذا التصور ، نجد عروضهم المسرحية ، محض خبرات يومية تداولية لها القدرة على استثمار المجاور من الاشياء والافكار بحرية وضبط علمي ، يتناسب مع التراكم العلمي الذي وصل إلى مرحلة النضج، بحيث أصبح الفكر مرادفا للتكنولوجي في اشتغاله وتاثيره .
إن المسافة الجمالية التي تشتغل عليها العروض الأوربية والامريكية ، لاتقف طويلاً أمام فرضية مطابقة الشكل والمضون ، بل تعمل بمنطق المضمون وقد تحول شكلا ً، ولهذا لا نجد قي العروض الاوربية والامريكية ، الحكاية وتطورها درامياً ، مثل ما نجده في العروض النيئة التي تكثر في الشرق الاوسط والاقصى ، التي تعيش مرحلة الحكي وسرد التاريخ ، ومفهوم علاقة التوازن العملي ما بين الشكل والمضمون. لقد استقبلت الشعوب النيئة فكرة اللامرئي ، بقبول ، وعدته محركا للسلوك ، لانها تراه طاقة تربط حركة وجودها بثوب الماضي ، وكانها تعلن عن ضعفها مواجهة تيار الحياة ، بموضوعاته الراهنة التي تتطلب عقلاً علمياً وتجريباً لمواحهتها وحلها فنيا وعلمياً ، ولذلك تجد الامم النيئة ، تؤمن بالحنين والعودة الى الماضي فكرأ ، الذي بدوره يحدد السلوك في حاضر الاداء .
ولو تفحصنا عروض الشعوب النيئة ، نجد المحركات الاتية : التاريخ والاسطورة والمقدس ، هذا الثالوث لا يغيب عن عروض مسىحنا ومسارح الشعوب النيئة ؛ فالحكواتي والاحتفالي ، عروض تعمل على تدوير الماضي واسطرته اايدلوجيا في متن العروص ، متناسين ان الشعوب لا تدخل النهر في الهنا والان مرتبن ، نهر الحياة يمضي نحو المستقبل ، وما زلنا تستهوينا الحكايات وسردها على نحو مقاس البنية الارسطية ، وما عداها نحده لا يمت لنا بصلة ثقافيا ً. لقد حاول (( يوجينو باربا )) ومن قبله ((بيتر بروك ، ربط النيء بالمطبوخ ثقافيا ً، بمعالجات كانت توازن بين اللامرئي والعجائبي ، وما بين التقنية العلمية الغربية ، التي تصنع المشهدية ، بنسق مسرحي يتناسب مع عقلها التجريبي ، ويضمن تواصلا ثقافيا ببن الجمهور والعرض المسرحي . كلاهما ، أوجدا لنا عروضاً، تؤمن بعالمية المسرحة من جهة ، ومسرحة العالم من جهة اخرى ، والذي وجدناه واضحاً في بعض عروص مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي ، مثل العرض الجورجي والمكسيكي والامريكي والروسي .أذ ان فرضية مسرحة العالم ، كانت تحرك تلك العروض ، وبالتالي كان التفاعل واضحا من المتلقي العربي .
إننا نسعى جاهدين إلى انتاج عرض مسرحي عربي بروح عالمية ، وليست مناطقية تاريخية ، وهذا يتطلب من العاملين في حقل المسرح ، البحث عن اشكال متوازنة في خطاب الشكل العالمي في علاماته البصرية والسمعية ، وما بين الفكر الخاص الذي يراد ارساله خطابأ جماليا ، يعيد التناغم المفقود في حياتنا اليومية .