حصريا.. الكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل يكتب: سلسلة “مملكة المسرح”.. (5) الحوار في المسرحية.. نحن نتحاور.. إذاً نحن عقلاء!
المسرح نيوز ـ القاهرة | مسرح طفل
ـ
الحوار في المسرحية
نحن نتحاور.. إذاً نحن عقلاء
في كل يوم
وفي كل الأوقات.. وكل الأماكن
في الصباح والمساء
نشاهد الناس وهم يتبادلون الأحاديث حول قضية ما: مالية أو اجتماعية أو سياسية أو علمية.. أو غيرها من القضايا. قد يطول الحديث ويتشعب، أو يتحول إلى مشاجرة، وقد ينقطع فجأة، إنما لا نطلق على أي منهما تسمية الحوار.
-لماذا؟!
لأن الحوار حديث لا يبدأ مصادفة، ولا ينتهي فجأة، ومن أهم ما يميزه المحافظة على المودة والالتزام بالاحترام بين الطرفين المتحاورين، ونظراً لأهميته وندرته في حياتنا، وصف كاتبنا المسرحي الراحل سعد الله ونوس حاجتنا إليه بالجوع. فكيف يمكننا إسكات هذا الجوع؟
لتحقيق هذه الغاية أساليب وطرائق عديدة، والمسرح واحد من هذه الطرق، ففيه نتعلم الحوار بطريقة فاعلة وممتعة أيضاً.
والحوار في المسرح ليس مجرد حديث بين طرفين مختلفين أو متناقضين فحسب، بل هو أشبه بالنهر الذي يسير في مجرى محدد، منطلقاً من منبع معين لينتهي إلى مصب معروف. وهو في سيره نحو غايته المحددة يصاحب الفعل ويدفعه إلى الأمام، كما يفعل النهر الذي يحمل السمك وغيره من الكائنات في جريانه نحو المصب. وبذلك يكشف لنا الحوار عن جوهر الشخصيات المتحاورة. وعن طبيعتها. ومستوى وعيها. وبيئتها. والمهنة التي تمارسها..
غير أن ذلك كلّه لا يتحقق إلا إذا اتسم الحوار بخصائص معينة، مثل مناسبته للشخصية، ولموضوع المسرحية وزمانها. فلا يتحدث طفل صغير مثلاً بلغة راشد أو رجل طاعن في السن، أو يتحدث شخص أمُيٌّ بكلمات لا يستخدمها سوى العالم أو المثقف، أو تتحدث الشخصيات في مسرحية اجتماعية معاصرة بمفردات وكلمات مستمدة من العصر الجاهلي. كما أن الحوار المستخدم في موضوع تاريخي لا يجوز استخدامه في موضوع اجتماعي أو علمي مثلاً.
قديماً كانت لغة الحوار منقسمة إلى نوعين: شعر ونثر، ففي حين اقتصر استخدام الشعر في المسرح على المسرحية التراجيدية (المأساة) فقط، لم يسمح باستخدام النثر إلا في المسرحية الكوميدية (الملهاة). غير أن الدراما الحديثة التي ألغت الفصل بين التراجيديا والكوميديا في المسرحية الواحدة، أعادت الاعتبار للنثر في المسرح، وتعتبر مسرحية تاجر لندن للكاتب الإنكليزي جورج ليلو، التي ظهرت في القرن الثامن عشر، أول مسرحية جادة تستخدم النثر في الحوار، بعدها ترسخ هذا الأسلوب وشاع في التوجه المسرحي الجديد الذي عُرف في بداية القرن التاسع عشر باسم: الدراما الحديثة.
يطول الحديث في موضوع شائق وهام مثل موضوع الحوار، ويكفي أن نقول: أنى يجري الحوار يسود الوئام والاحترام، وينتفي التعصب والعنف. والمسرح خير مدرسة، الحوار فيها فن وعلم ورُقيّ.