د. أحمد محمود سعيد يكتب: تجليات النزعة الدرامية.. (عروسة خشب لمروة فاروق.. أنموذجًا)

المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات
ـ
د. أحمد محمود سعيد :
ناقد مسرحي وأكاديمي
تجليات النزعة الدرامية
(عروسة خشب أنموذجًا) (*)
تعد مسرحية (عروسة خشب) للكاتبة المصرية مروة فاروق أنموذجًا دالًا على تمكّن الكاتبة من أدواتها الفنية، وبدا ذلك في طريقة صياغتها للفكرة الدرامية وأنسنتها في قالب فني يناسب خصوصية التلقي على مستوى اللغة وتعدد الأصوات وتنوع الأحداث وتعمق الصراع بجانب قدرتها التخيلية في وصف الأمكنة.
من الوهلة الأولى تتجلى ملامح النزعة الدرامية من خلال العنوان (عروسة خشب) الذي جاء كأداة درامية رامزة إلى فلكور له جذور عميقة في التراث الشعبي، ومن ثمَّ له طابع خاص في نفس المتلقي، وهذا الاختيار الدقيق للعنوان يحيل إلى سعة ثقافة الكاتبة وخيالها الخصب، ومعرفتها التامة بميول المتلقي/ الطفل ورغباته المعرفية والترفيهية على حد سواء، ويلحظ من صياغة الكاتبة لهذا العنوان تعمدها في إضفاء طابع الدهشة في نفس المتلقي واستمالته فكريًا وشعوريًا تجاه نصها اللافت للنظر.
وتظهر النزعة الدرامية بصورة مباشرة مع أول عبارة درامية يصطدم بها المتلقي، تلك التي تقول (نَصٌّ يُنَاقِشُ اَلتَّنْمَر بَيْنَ اَلْأَطْفَالِ، يَسْتَوْحِي شَخْصِيَّةً بُنُوكْيُو اَلْعَرُوسَة اَلْخَشَب كَرَمْز لِأَطْفَالِ ذَوِي اَلْهِمَمِ)، ورغم أن الكاتبة توضح بصورة مباشرة طبيعة المسرحية وتيمتها، فإن هذا يمثل عيبًا دراميًا؛ إذ إنها تكشف عن رؤية المسرحية مسبقًا، وعن شخصيتها الرئيسة المستوحاة “بونكيو” والرامزة في الوقت نفسه إلى الفئة المخاطبة من شريحة الأطفال، وهذا النمط الدرامي دارج لدى كتّاب دراما الطفل، يجب الانتباه إليه وتقويمه؛ لأنه يسهم سلبًا في تراخي ذهن المتلقي باعتبار الجملة الأولى في المسرحية عصارة فكر المبدع، وهي أول جملة يصطدم بها المتلقي؛ لذلك يجب أن يتوصل المتلقي إلى فكرة المسرحية بنفسه ولا تقدم إليه على طبق من ذهب.
وفي المقابل تتعمد الكاتبة سرد أسماء الشخصيات في بداية المسرحية؛ وهذه التقنية الدرامية متداولة لدى كتّاب الدراما ومحمودة؛ لأنها تسهم بشكل ملحوظ في تصوير أفكار المسرحية قبل البدء في التعرف عليها أثناء عملية القراءة، وقد نوعت الكاتبة في شخصياتها، فظهر ( بَائِعُ اَلْعَرَائِسِ. اَلْأَطْفَالُ اَلطَّيِّبُون. اَلْأَبُ. اَلْمَارِيونِيتْ “اَلْعَرُوسَةُ اَلْخَشَب”. اَلْأَطْفَالُ اَلْأَشْقِيَاءُ. الطِفْلَةٌ. الثعلب. اَلرَّجُلُ اَلْأَخِيرُ. اَلشَّجَرَةُ اَلْعَجِيبَةُ)، ذلك التنوع على مستوى الأبعاد والصفات يسهم في امتداد الحدث الدرامي والصراع لأطول فترة ممكنة.
تبدأ الكاتبة عرضها المسرحي التخيلي عبر مجموعة من الأدوات الفنية، كمقدمة العرض والفاصل الموسيقي وظلام الخشبة، والصوت الخارجي بجانب تقسيم المسرحية إلى مشهد1 ومشهد2 ومشهد3 ..، تلك الأدوات التخيلية تلعب دورًا مهمًا في تجسيد الفعل الدرامي على المستويين الداخلي والخارجي.
مُقَدِّمَة لِلْعَرْضِ ..
( بَائِعُ عَرَائِسَ يَحْمِلُ كِيسٌ كَبِيرٌ مُمْتَلِئٍ )
بَائِعُ اَلْعَرَائِسِ: عَرَائِس عَرَائِسَ .. هَيَّا أَطْفَال .. يَا أَحْبَابُ اَلْعَرَائِسِ ..
هُنَا عَرُوسَةٌ وَرَقِيَّةٌ تُحَرّك بِالْعَصَا .. وَهِيَ لُعْبَةٌ ذَكِيَّةُ
طِفْلَة1: أَنَا لَهَا أُحبُّهَا .. أَنَا لَهَا أُحبُّهَا
اَلْبَائِع: .. ( يَرْتَدِي فِي يَدَيْهِ عَرَائِس قَفَازِيَّة)
هُنَا عَرَائِسُ قَفَازِيَّة .. بَسِيطَة، رَقِيقَة، تُحِبُّ اَللَّعِبَ
أَطْفَالٌ: نَحْنُ لَهَا نُحْبُّهَا
اَلْبَائِع: أَمَّا هُنَا .. عَرُوسَة خَشَبِيَّةٌ .. بِخُيُوطِ خُرَافِيَّةٍ .. لَكِنَّهَا حَزِينَةٌ.. وَجَدَتْهَا تَائِهَةً
اَلْأَطْفَال: تَائِهَةٌ؟! مَاذَا بِهَا؟ مَا حَالَهَا؟
اَلْبَائِع: أَتُحَبُون أَنْ تَعَرَّفُوا قِصَّتُهَا ؟
اَلْأَطْفَال: نَعَمْ نَعَمْ
اَلْبَائِع: وَتُشَارِكُوا فِي سَرْدِ حِكَايَتِهَا ؟
اَلْأَطْفَال: نَعَمْ . . نَعِم
اَلْبَائِع: إِذَا هَيَّا بِنَا
(فَاصِلٌ مُوسِيقِيٌّ)
إِظْلَامٌ
تبدي الكاتبة من خلال الحوار الدرامي السابق أهمية العرائس في عالم الطفولة، فهي بمثابة كائنات حية من لحم ودم تتفاعل مع الطفل وتشاركه رغباته وميوله، فالعرائس جزء لا يتجزأ من حياة الطفولة عامة وثقافة الطفل خاصة.
مَشْهَدُ 2 .. عَرُوسَة خَشَب مُلْقَاة عَلَى اَلْمَسْرَح .. صَوْتٌ خَارِجِيٌّ يَحُثُّ اَلْعَرُوسَةَ لِتَقُوم .. اَلْعَرُوسَةُ تَبْدَأُ فِي اَلْحَرَكَةِ وَالْمُقَاوَمَةِ لِتَقِفْ عَلَى أَقْدَامِهَا
اَلصَّوْت: شَدُّ اَلْخُيُوطِ .. عَافِرْ .. قَاوَمَ .. اِنْهَضْ مِنْ سُبَاتِكَ .. لَا تَيْأَس غَدًا أَفْضَل .. غَدًا يَحْمِلُ اَلْأَمَلُ .. هَيَّا اِنْهَضْ .. لَا تَبْكِي .. لَا تَظَلُّ وَحِيدًا .. عَافِرْ .. قَاوَمَ .. اِبْتَسَم .. يَا مَارْيُونِيتْ .. لَا تَيْأَسُ..
إِظْلَامٌ
يلحظ من خلال الديالوج الدرامي أن البطلة/ العروس الخشب تتعرض لمعاناة درامية تعرقل مسيرتها وحركتها، وفي الوقت نفسه يسعى الآخر/ الأطفال إلى تقديم يد المساعدة عن طريق بث روح الأمل والتفاؤل، وتجلى ذلك عبر مجموعة المفردات الدرامية التي لها حضور فاعل في بنية الجمل الحوارية، والتي تعبّر عن حالة من الاضطراب والقلق والمقاومة الناتجة من فعل الوحدة والهجر؛ لتتخطى الصراع النفسي الداخلي المسيطر عليها من أجل مسايرة الحياة مرة أخرى، تلك المفردات تلعب دورًا مهمًا في دراما النص، فبواسطتها يزداد الحوار توهجًا وتأثيرًا في نفس المتلقي.
اَلْمَشْهَد 3 .. بَيْتٌ فِي غَابَةٍ .. صَوْتُ عَصَافِيرَ .. اَلطِّفْلُ اَلْعَرُوسَة وَالْأَب
صَوْتٌ خَارِجِيٌّ يَحْكِي: كَانَ لِرَجُلِ نَجَّارِ عَرُوسَة خَشَب صَنْعَهَا بِيَدِهِ.. وَتَمَنَّى أَنْ تَصِيرَ لَهُ اِبْنًا وَيُعَوِّضُهُ عَنْ وَحْدَتِهِ.. كَانَتْ اَلْعَرُوسَةُ اَلْخَشَب تَحْلُمُ أَنْ تُصْبِحَ طِفْلاً حَقِيقِيًّا لَا أَنْ يَظَلَّ يَتَحَرَّكُ بِيَدِ وَالِدِهِ
تظهر قدرة الكاتبة التخيلية في خلق واقع موازٍ يكون بديلًا عن الواقع الحقيقي، فالنجار يتمنى ابنًا يحطم به جدار الوحدة، فيصنع عروسة خشب لتعوضه عن هذا الحرمان القدري، والعروسة الخشب تتمنى أن تصبح طفلًا حقيقيًا، تلك الأمنيات التخيلية تنتج تفاعلًا عضويًا بين الدراما والواقع، لا سيما أنها كشفت عن أزمة نفسية متباينة بين النجار والعروسة الخشب بوصفها كائنًا حيًّا، وهنا تتجلى علاقة الشخصية الإنسانية بالشخصية غير الإنسانية وبالعالم المحيط بها.
لا تزال النزعة الدرامية مستمرة وتتجلى بشكل واضح داخل العمل الدرامي، فالطفل العروسة تحاول مرارًا وتكرارًا إقناع والدها باللعب مع الأطفال؛ لكن الأب يرفض، ويحاول إقناعها بأنها عروسة من خشب سهلة الكسر، وبعد عدة محاولات حوارية، يقرر الطفل العروسة أن يخوض تجربته بنفسه، فيهرب من والده:
اَلرَّاوِي/ بَائِعُ اَللَّعِبِ: مِسْكِين .. يَبْكِي اَلْمَارِيونِيتْ لِشِدَّةِ حُزْنِهِ عَلَى فَقْدِهِ لِلْأَصْدِقَاءِ .. لَكِنَّ فَجْأَةٌ يَنْشَغِلُ وَالِدُهُ بِالْعَمَلِ .. يَنْتَهِزُ اَلْمَارِيونِيتْ اَلْفُرْصَةَ وَيُصِرُّ عَلَى اَلذَّهَابِ .. يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ يُخَلِّصُهُ مِنْ قُيُودِهِ .. يَجِدُ عُكَّازَيْنِ يَسْتَنِدُ عَلَيْهِمَا وَيَسِيرُ بِهُمَا. حَتَّى يَجِدُ شَجَرَةً كَبِيرَةً يَسْتَنِدُ عَلَيْهَا .. وَفَجْأَةُ يَدْخُلُ لِلْمَكَانِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ اَلْأَطْفَالِ .. اَلْأَشْقِيَاءُ .. جِدًّا.
يبدأ الصراع الدرامي في الظهور بفضل الفعل المنطقي التي قامت به العروسة الخشب، فبصورة واقعية تحركت العروسة وتحررت من عقدتها النفسية لتواجه الحياة بمفردها، وبذلك يتجلى الصراع المنطقي بين الماريونيت من جانب والأطفال الأشقياء من جانب آخر.
اَلْمَارِيونِيتْ: أنَا أُرِيدُ أَنْ أَلْعَب مَعَكُم
اَلْأَطْفَالُ: تَلْعَبَ مَعَنَا هَهَهَهَهَهَهَهَهَهَه
طِفْل 2: أَنَا أُرِيدُ أَنَا أُحَرِّكُهُ بِيَدِي
طِفْل 3: لَا لَا أَنَا أُحَرِّكُهُ بِيَدِه
طِفْل 4: لَا أَنَا
طِفْل 2: لَا أَنَا ( يَتَنَازَعُونَ حَوْلُهُ .. يَشُدُّوا جَسَدَهُ وَيَخْبِطُونَه )
اَلْمَارِيونِيتْ: اُتْرُكُونِي .. اُتْرُكُونِي
اَلْأَطْفَال اَلْأَشْقِيَاء: أَنْتَ لُعْبَةٌ .. عَرُوسَة تُحَرّك بِالْحِبَالِ
طِفْلَ 2: أَنَا أجْعَلُ مِنْكِ أرَاجُوزِي اَلضَّحُوك
طِفْلُ 3: أَنَا اِجْعَلْ مِنْكَ قَزْمًا
اَلْمَارِيونِيتْ: اَلْأَرَاجُوزُ جَمِيلٌ .. وَالْقَزْمُ رَائِعٌ لَكِنَّنِي ولد مِنْ اَلْخَشَب
لَا تَسْتَهْزِئُونَ بِي .. أَنَا أُحِبُّكُم
تتجلى النزعة الدرامية عبر تفاعل الصراع المنطقي مع المكونات الدرامية الأخرى وخاصة الحبكة التي أنتجت جوًا مثيرًا ومشوقًا للمتلقي، فالماريونيت يبحث عن أصدقاء يلعب معهم؛ لكن الآخر/ الواقع يرفضه بل ويتنمر عليه، وهذا النزاع الدرامي يكشف عن أبعاد الشخصية السوية/ الطفل العروسة من الداخل، والأبعاد النفسية غير السوية للآخر/ الأطفال الأشقياء من الخارج، وبهذه المعادلة يستمر الحدث في النمو والتصاعد، ويستمر الصراع في إنتاج حالة من التوتر بين الأطراف المتصارعة (الطفل العروسة/ الواقع المعاصر).
وعلى حين غرة تغيّر الكاتبة ملامح الشخصيات، فالثعلب المكار المخادع الشرير يتحول إلى ثعلب يحب الخير؛ إذ إنه يقدم المساعدة إلى الماريونيت ويخلصه من جبروت الأطفال الأشقياء؛ بل ويقدم له النصيحة وهذا على غير عادته، ونادر الحدوث.
اَلْمَارِيونِيتْ: مُمْكِن أَنَّ نُصَيْرْ أَصْدِقَاء؟
اَلثَّعْلَبُ: (يَضْحَك) أَصْدِقَاءٌ .. أَنْتَ صَغِيرٌ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا .. اِنْتَبه مِنْ اَلْحَدِيثِ لِلْغُرَبَاءِ
المَارْيُونِيتْ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ طِفْلٌ حَقِيقِيٌّ .. أَلْعَبُ وَأَمْرَحُ .. وَأَتَعَلَّمُ .. أَبِي دَائِمًا يَخَافُ عليَّ .. يَخَافَ لِدَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ .. تَجْعَلُنِي أَحْزَنُ .. أَنَا أَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ .. لِمَاذَا لَمْ يَقْبَلُونِي صَدِيقًا لَهُمْ؟
اَلثَّعْلَب: اِسْمَعْنِي .. لَيْسَ اَلْأَشْيَاءَ كَمَا تَبْدُو لَكَ
المَارْيُونِيتْ: مَاذَا تَقْصِدُ؟
اَلثَّعْلَبُ: جَرِّب وَتَعَلُّم، وَتَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَجْعَلَ وَالِدَكَ يَثِقُ بِكَ .. أَمَّا اَلْآنَ دَعْنِي اِذْهَبْ لِطَرِيقِي ..
هذا التحول لم تلجأ إليه الكاتبة من فراغ؛ بل له مبرره؛ إذ تحاول الكاتبة بهذا التحول أن تغرس في عقل المتلقي فكرة أنه لا يوجد خير محض أو شر محض مع الإقرار بوجود علاقات تربط بين هذا وذاك، تجعل أحدهما يغلب الآخر، ويحدد ذلك السياق الثقافي.
اَلثَّعْلَبِ: (أُغْنِيَةً) أَنَا اَلثَّعْلَبُ .. أَنَا اَلثَّعْلَبُ أَنَا اَلْعَقْلُ اَلْمَكَّارُ أَنَا اَلثَّعْلَبُ .. أَنَا اَلثَّعْلَبُ صَاحِبَ أَخْطَرِ أَسْرَارٍ أَنَا اَلثَّعْلَبُ .. أَنَا اَلثَّعْلَبُ اِخْطِفْ حَتَّى اَلْأَفْكَارِ (يَخْرُجَ اَلثَّعْلَبُ، يَعُودَ اَلْمَارِيونِيتْ وَحِيدًا .. يُظْهِرَ اَلْأَطْفَالُ اَلْأَشْقِيَاءُ .. وَهُمْ يُطَارِدُونَ طِفْلَةً تَوَحُّدٍ .. يَتَشَجَّعَ اَلْمَارِيونِيتْ وَيُوَاجِه اَلْأَشْقِيَاءُ فِي تَحَدِّي بَيْنَهُمْ .. تَحَدِّي بَيْنَ اَلْخَيْرِ وَالشَّرِّ .. يُقَدِّمَ فِي رَقْصَةٍ حَرَكِيَّةٍ بَيْنَ اَلْمَارِيونِيتْ اَلَّذِي يُحَارِبُ بِعُكَّازِهِ وَبَيَّنَ اَلْأَطْفَال اَلْأَشْقِيَاء .. حَتَّى يَتَمَكَّن اَلْمَارِيونِيتْ من طَرْدِ اَلْأَطْفَالِ اَلْأَشْقِيَاءِ وَدَفْعِهِمْ لِلْهَرَبِ وَإِبْعَادِهِمْ عَنْ اَلطِّفْلَةِ اَلطَّيِّبَةِ اَلَّتِي جَلَسَتْ.. وَقَفَتْ فِي وَسَطِ اَلْمَشْهَدِ تَبْكِي)
اَلطِّفْلَة: شُكْرًا لَكَ .. أَنْقَذَتْنِي
يتحول الموقف الدرامي للنقيض فبعد أن كان الطفل العروسة يحتاج إلى مساعدة ليتخلص من الأطفال الأشقياء، يقوم الطفل بتقديم المساعدة للآخر/ الطفلة الطيبة؛ إذ يتمكن من إبعاد الأطفال الأشقياء عنها، وبهذا التحول تظهر ملامح تطور الشخصية الدرامية وتصبح قوة دافعة للحدث والصراع على حد سواء، ومع تطور الحدث ووصول الصراع إلى ذروته، تتجلى فكرة التنمر، وهي قضية ذات حضور جمعي، فكما تعرض الطفل العروسة للتنمر تعرضت الطفلة والرجل الأخضر والشجرة الضخمة التي تنتج الكثير من الألبان أيضًا إلى التنمر، وبذلك يصبح للطفل صديقه “الطفلة/ الشجرة” وصديق “الرجل الأخضر”، ومن ثمَّ يحقق مأربه من الرحلة، وعلى ذلك يبدأ الأصدقاء في البحث عن والده “النجار”.
اَلنَّجَّارْ: اِبْنِي حُبَيْبِيّ .. أَخِيرًا وَجَدَّتِكَ
اَلْمَارِيونِيتْ: أَبِي سَامَحَنِي .. كُنْتَ قَادِم إِلَيْكَ .. لَقَدْ نَجَحَتْ فِي رِحْلَتِي يَا أَبِي
اَلْمَارِيونِيتْ: نَجَحَتْ جِدًّا .. وَجَدَتْ نَفْسِي .. وَوَجَدَتْ أَصْدِقَائِي
اَلْأَب: نَعَمْ نَعَم .. أَنْتَ وَلَدٌ طَيِّبٌ .. أَنَا سَامَحْتُكُ .. أُقَدِّرُ مَحَبَّتُكَ .. وَأَهْلاً بِأَصْدِقَائِكَ .. لَنْ أَمْنَعَكُ مِنْ اَللَّعِبِ معَهمْ بَعْدُ الآن .. فَأَنَا كُنْتُ مُبَالَغًا جِدًّا فِي خَوْفِي عَلَيْكَ .. أَرْجُو مِنْكَ أَنْ تُسَامِحَنِيَ أَنْتَ أَيْضًا .. فَأَنَا اَلَّذِي اَضْعَتُكْ مُنِيَ .. أَنَا اَلْمَسْؤُولُ عَنْ كُلِّ مَا حَدَثَ
اَلْمَارِيونِيتْ: أُحِبُّكُ يَا أَبِي .. أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ .. هَلْ أَنَا اَلْآنَ صِرْتُ طِفْلاً حَقِيقِيًّا ؟
اَلْجَمِيعَ : طَبْعًا طَبْعًا
وفي النهاية يمكن القول إن تجليات النزعة الدرامية جاءت واضحة ليست على مستوى البنية الداخلية فحسب؛ بل على مستوى البنية الخارجية عن طريق رغبة الكاتبة الملحة في الربط بين درامية النص والواقع الفعلي الذي يعيشه الطفل، ومن ثمَّ لعبت الدراما دورها الفني في الولوج إلى عالم الطفولة واقتحام سلوكياته السلبية واستنطاق أفكاره الخفية، ورسم واقع ملموس يعيشه الطفل بفرشاة درامية أخاذة، كما استطاعت الكاتبة الربط بين المشاهد الدرامية والمكان التي تدور فيه الأحداث، وبحنكة درامية استطاعت مروة فاروق أن تحول الشخصية الدرامية من كونها كائنًا ورقيًا إلى كائن حي من لحم ودم، ينقل الواقع بصورته الحقيقية.
وفي المقام الأول والأخير يحسب للكاتبة أن جعلت اَلْمَارِيونِيتْ الشخصية المحورية التي يدور حولها الصراع، وهذا هو أيقونة العمل الدرامي، فمن خلاله تفاعلت المكونات الدرامية مع بعضها بعضًا لتنتج للمتلقي عملًا دراميًا مثيرًا وقيمًا على حد سواء.
*– للعلم هذا النص من تأليف بنت المنيا (الكاتبة مروة فاروق- وهي معلمة في مدرسة أوبار للتعليم الأساسي سلطنة عمان)، وقد فاز هذا النص بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي المدرسي -فئة المعلمين والمعلمات- 2023 – 2024.