مقالات ودراسات

د. إياد كاظم السلامي يكتب: الموت الصالح للشرب يبحر باتجاه شواطئ شرم الشيخ!


المسرح نيوز ـ العراق|د. اياد كاظم السلامي*

أستاذ بجامعة بابل

ـ

قدمت فرقة جامعة بابل بالتعاون مع نقابة المعلمين في بابل عرضا بعنوان (موت صالح للشرب)، اخراج الفنان محمد زكي، وذلك ضمن عروض مهرجان شرم الشيخ لمسرح الشباب الثاني -2017، وكان من اخراج الفنان محمد زكي. تمحور العرض حول مشكلة ما بعد الربيع العربي والهجرة الغيرة شرعيه في قوارب الموت التي راح ضحيتها كثير من العقول العربية من الشباب الذي كانوا املا لدى عوائلهم ولبلدانهم في بناءها. يبدأ العرض واثناء تجمع جمهور ان ثمة جثة لأنسان ملقاة على الشاطئ ترتدي التيشرت الأحمر وهو توصيف او محاكاة لشخصية الطفل السوري (الآن) الذي غرق وتداولت صورته الاعلام العالمي وأدى هذه الشخصية الفنان (بشار عليوي)،

وهنا استطاع بشار ان يبصم بصمه لهذه الشخصية بكونه لم يتحدث بكلمه خلال العرض ولكنه كان جزاء مهما من العرض ليس في حواره بل بما امتلك من استرخاء تام واوحى لمتلقي العرض ان هذه دميه وليس حقيقيه مما حدا بالبعض الذهاب لتلمسه وهنا حقق المقولة المعروفه: (لا يوجد دور صغير ودور كبير بل يوجد ممثل صغير وممثل كبير) تم العرض على شواطئ مدينة شرم الشيخ، من خلال اللحظات الأولى للعرض نجد ان المنقذ ينادي الجمهور ويطلق صافرته بأن هناك غريق لابد من إنقاذه وتتم عملية الإنقاذ، نجد ان هذا الغريق قد نجا من غرق المركب الذي يقله لإيصاله اوربا (شخصية الغريق رقم 1 : حسين العكيلي)، ويبدأ بسرد ما قاساه من عذابات عند الارتحال وبعدها الغرق .وعلى الرغم من ان العرض تم في مكان مفتوح لكن الأداء الصوتي للعكيلي امتزج بصوت الموج واستطاع ان يتحكم بمشاعره واداءه بصوره متميزة من دون الصراخ كما عهنا ذلك في الأماكن المفتوحة فضلا عن امكانيته الجسدية عندما خلق تواصلا مع الجمهور بالحديث لهم مباشرة وبالحركة تارة أخرى ، ولم يمض وقتا طويلا حتى نكتشف ان هناك غريق اخر يطالب بنجدته ويقوم (المنقذ : محمد زكي) و(الغريق رقم 1 : العكيلي) بإنقاذه، وهنا نتعرف بأن (الغريق رقم 2 : محمد إبراهيم الدليمي)،

وقد تناصت شخصيته مع شخصية (كلكامش) الشخصية الأسطورية الذي صارع انكيدو وقتل خمبابا حارس غابات الأرز وبحث عن الخلود وعبر البحار للوصول الى اتونابشتم لأنه يمتلك سر الحياة ، أراد الهروب من الواقع الذي يعيشه الانسان ، فيسرد معاناته مع موظفي الجوازات والتأشيرات وكيف اكتشف ان الجهل متفشي لدى هؤلاء بحيث لا يعرفون تاريخهم المشرف ونموذجه كلكامش وكيف يتعاملون باستهزاء معه .

لم يكن كلكامش الأسطوري الذي ثلثاه آلهة والثلث الاخر بشر هو كلكامش التاريخ بل هو الانسان الحاضر بل هو الأيقونة الإنسانية التي تمثل بلدانها سواء بالعلم او بالفكر او بالفن، تميز أداء الدليمي بالروح المفعمة والمؤطره بالتاريخ المشرف لبلده، فكان اداءا يحاكي ما بين الكلاسيكي تارة والواقعي تارة أخرى فقد امتلك زمام شخصيته بإحكام، وهو مشروع لممثل واعد لو توافرت الفرصة لديه. وفي لجة الحوار بين الممثل 1 والممثل 2 حتى يظهر في الأفق مركب يحمل غريق ثالث يٌرمى على الشاطئ وكأنه بضاعة فاسده وبطريقه لا تمت بشيء للإنسانية وهنا تتم الدعوة لإنقاذ الغريق، ويقوم جزء من الجمهور بعملية إنقاذه ويحدث تفاعل ما بين الممثلين والجمهور، وتحدث تشاركيه ويصبح المتلقي فاعلاً ومتفاعلاً، فضلا عن نقل المتلقي من وضعية الانتظار والتلقي السلبي الى الفاعلية المنتجة فكريا والتي تعد من توصيفات مسرح الشارع أو ما يسمى بالمسرح بالأماكن المفتوحة، ويتم الإنقاذ ونكتشف من خلال الحوارات انه شخصية المواطن الصالح النموذجي المبدئي وقد أداها (محمد المسعودي) ،

توضحت صورة الغريق عندما كان يحاور الجمهور بعينيه الجاحظة ويتساءل لماذا نموت هكذا بالجملة سواء بالحروب او بتهميشنا في بلداننا، اداءه تميز بالصدق والاحساس وتماهى مع الغريق فعلا من خلال جزئيات وردود أفعال الغريق كإخراج الماء من فمه والعيون الجاحظة ، والاحساس بانه لازال داخل الماء فكان فعله الداخلي متميزا وخلق توافق ما بين الفعل الداخلي التعبيري التي عاش فيها حالة الغرق والأداء الجسدي. اما شخصية الاب (عبد الله) الذي فقد ابنه (الآن) أداها الفنان (حسين العسكري) فقد كان يحارب البحر بلعبة ابنه (الآن)، التي هي مسدس: لعبة أطفال يرش الماء ويلعب به (الآن) وهو على قارب الموت ويعبئه بماء البحر ويتراشق به مع الركاب صغارا وكبارا خلسة وجهارا. فقد امتزج اداءه بين سخرية القدر وألم فراقه لابنه ولعائلته وأحس بتفاهة السلطة التي تتحكم بمصائر البشر في حين سخر الخالق (الله) جل وعلا كل شيء لخدمة مخلوقه الانسان.

وتتصاعد احداث المسرحية من خلال تساؤلات الممثلين للجمهور، وباشراك مجموعه من الجمهور بعد ارتدائهم التيشرت الذي كان يرتديه (الآن) ان يتخيلوا ما يحدث للإنسان اثناء الغرق. وبتكرار كلمة (تخييل) من قبل المؤدين ان الماء بدا يدخل في انفك وتتذكر تاريخك بحلوه ومره يوم دخولك الابتدائية يوم تخرجك، يوم زواجك، يوم ولادة اول طفل …) كل هذه اللحظات جعل الجمهور يحس بهذه اللحظات وشهقات الغريق وحاجته الى الهواء عند تكرار كلمة (تخييل) وبعمل دائرة مع المشتركين بالعرض. واستطاع المخرج (محمد زكي) ان يقود دفة عرضه نحو تفاعلية متفردة لخلق جمال فني وبحرفية. كما وظف مكان العرض (شاطئ البحر) وتم الاستفادة القصوى منه لإنجاح العرض. مما خلق تناغم ادائي لدى مجموعته، فعملية استخدام مفردات المكان (القارب، النجادات)، فالأولى وظف لنقل الغرقى من عمق البحر، والثانية لعب اللون بعدا دلاليا للنجادات فمثلا (الغريق 2: شخصية كلكامش) ارتدى نجاده استمدت لونها من اللون السائد للحضارة السومرية (السماوي) والثانية لمنح صفة الهاربين الغرقى لاحقا.

وبعد الشد والجذب يتساءل الجميع على من تقع المسؤولية لفقدان الشباب والنساء والأطفال في قوارب الموت يتوجه المؤدون بالتساؤل على من تقع المسؤولية وتكرار هذه الكلمات ولما يحدث بسب الهجرة الغير شرعيه وان مستقبلكم غرقى أو أنتم مشروع دائم للغرق بسكوتكم وعليكم ان تقولوا للفاسدين في اوطانكم لا، وهنا تكمن فكرة المسرحية عندما يعلن المؤدين إن ما يحدث الكل مسؤول عنه ولابد من قيادة عملية الرفض لوجود ألفاسدين على اختلاف مشاربهم، لان البلدان يقودها المثقفون والادباء والعلماء.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock