د. رضا عبد الرحيم يكتب: سلطة الجمهور ومدى هيمنتها على الأداء المسرحي للممثل
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. رضا عبد الرحيم
سلطة الجمهور ومدى هيمنتها على الأداء المسرحي للممثل
لقد سجل الرحالة الأوروبيون أمثال كارتن نيوبهور ،ج.بلزونى وإدوارد وليم لين،العديد من الملاحظات على أنواع تمثل الدراما الشعبية غير المتشددة التى ربما يرجع تاريخها إلى سنة 1785م. وعلى الرغم من نزوع هذه المسرحيات لوسائل بدائل لإنتاج فكاهة بسيطة واستخدامها لحركات وكلمات مبتذلة،فإنها فى مجملها كانت هجائية وتهدف إلى إبراز عيوب المجتمع ونقائصه،وكانت أحيانا توضح ظلم كل من بيده سلطة وكذلك ضعف وقلة حيلة الفقراء والفلاحين.[1]
ومن قبل الرحالة الأوربيون نذكر أن المؤرخ أبو المحاسن يوسف ابن تغرى بردى صاحب كتاب”النجوم الزاهرة ” صور أحداث عام 778ه من أن الناس أخذو بحائط كان يتكلم فى أحد البيوت الواقعة بالقرب من الأزهر الشريف، وقيل أن العامة كانوا يوجهون الاسئلة إلى الحائط فيرد عليهم ردودا فصيحة بليغة!![2]
وكانت هناك فرق تتكون خاصة لتقديم الفصول المضحكة مثل:جوق الشامى لنيقولا مصابنى الذى قدم إلى مصر عام 1896وكامل الأصلى،ونمر شيما،جرجى مصابنى،جرجس مصابنى،والست نظيرة.[3]
وبعد تخطى عتبات القرن العشرين ظهر العديد من الممثلين الكوميديين منهم،عزيز عيد،وفوزى الجزايرلى،ونجيب الريحانى ،وعلى الكسار ،وفوزى منيب…وغيرهم [4]
وبدأت الكتابات المتخصصة فى تقديم الكوميديا تتوالى، وكان من كتابها الأبرز فى هذه المرحلة الكاتب أمين صدقى الذى تعاون مع عزيز عيد فى بعض مسرحياته،وعندما كون نجيب الريحانى فرقته المسرحية عام 1916م تعاون معه أمين صدقى فكتب له على سبيل المثال لا الحصر:”خليك تقيل”،”بلاش أونظة”،”أم أحمد”.وكان تيار العروض الكوميدية –الذى تلاءم مع الحالة المزاجية للجمهور- سببا رئيسيا فى تراجع نشاط والإقبال على الفرق المسرحية غير الكوميدية مثل:فرق الشيخ سلامة حجازى وأولاد عكاشة ومنيرة المهدية وجورج أبيض.
وفى عام 1919م انضم الكاتب أمين صدقى إلى فرقة على الكسار وقدما معا العديد من المسرحيات الكوميديا الناجحة نذكر منها:”عقبال عندكم”،”اسم الله عليه”،”مافيش كده”.ويسجل لنا التاريخ الفنى الرتاشق بين فرقتى الريحانى والكسار بأسماء المسرحيات ،فى إطار المنافسة الشرسة بينهما.
وفى عام 1923م ظهرت فرقة رمسيس التى كونها يوسف وهبى ،فاستقطب جموع الجمهور لمسرحه ،وجذب الإقبال الجماهيرى إلى الفرق التى تقدم المسرحيات التراجيدية على حساب الفرق الكوميديةمما أدى إلى توقف نشاط الكثير من الفرق الكوميدية.
وشهدت الأعوام 1925م إلى 1929م تعاون بين الكاتب مصطفى صدقى ونجيب الريحانى وعلى الكسار فى عدد قليل من الأعمال المسرحية التى لاقت الكثير من النجاح والتقدير النقدى.وفى بداية عام 1930م ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على الحركة المسرحية المصرية فتضاءل الإنتاج المسرحى،واضطرت الحكومة إلى تقديم بعض الإعانات لبعض الفرق المسرحية.
نستنتج بناء على ما أتينا بعرضه موجزا،أن تواجد الجمهور فى صالة العرض ،حامل لحساسيات،وأفكار وأيديولجيات ،فضلا عن أمزجته وأذواقه ومواقفه وأحكامه وانطباعاته الخاصة التى تختلف باختلاف الحياة ،وظروفها ..وتبقى سلطة الجمهور وخطورته،وماله من خطورة قائمة يمارسها أحيانا من جهته.
والممثل الكوميدى كغيره من الممثلين يقوم بتمثيل العواطف ،فهو يجعلنا نضحك من خلال مؤثراته الكوميدية فى أدائه لشخصة مسرحية كوميدية.لكن هذه الشخصية ،عبر الملابسات التى يقتضيها الحدث :توجد فى حالات من الفرح أو الحزن أو الغضب..والممثل الذى يؤدى هذه المشاعر ،يضع نفسه بالضرورة فى هذه الحالات المزاجية ،الذى قد تكون متنافرا ،وغير متسق أو موجودا على نحو غبى أو أحمق ؛وهذا ما يجعلنا نضحك ،لكن الممثل يُعبر عن هذه المشاعر بكل جدية وأخلاص .[5)
إن كثيرا من الممثلين الكوميديين يكشفون من وراء قناع الضحك الذى يفجرونه عن قلب صادق متألم حساس،وإن مخاطبة جمهور ما تعنى إلا وجود رغبة وأرادة فى أرضائه واقناعه-لأن المهم فى المسرح ليس فقط استحواذ الشخصية المسرحية الكامل على الممثل،بل المهم أيضا استحواذ الممثل على جمهوره-إن جهد الممثل الكوميدى من أجل الالتحام بالجمهور ، يتولد عنه تعب جسمى حقيقى ،وهذان تعب وجهد يختلفان عن التعب والجهد اللذين ينجمان عن تحريك الشخصية المسرحية،وتمثيل مشاعرها ،فكم من الأمسيات التى كان يشكو فيها الممثلون من جمهور صعب الطباع،بطىء فى استجابته،لا يشعر بهم ،والجهد أو المشقة التى يقومون بها من أجل التغلب على هذا الجمود،منهك ومضن،ويتكون لدى المؤدى انطباع بأنه يجهد فى أن “يرفع ألف كيلو من الحديد”من الأرض ..وهو ما يعرف بظاهرة موت الممثل –الكوميدى- على المسرح Dying on the stage أن يفقد الممثل علاقته بالجمهور أثناء العرض،وينفصل عنه الجمهور بدوره،خاصة حينما يتوخى الفنان إثارة الضحك لدى المتفرجين،من خلال ما يلقيه من كلمات ويجسده من حركاتومواقف ولا يتمكن من ذلك.فى هذه الحالة يتحول الممثل نفسه ليس إلى موضوع للضحك فقط،بل غالبا ما يكون عرضه للاشمئزاز والاستفزاز والسخرية والاستهجان،ويتعامل معه بالتهميش واللامبالاة.
وهو ما حاول جلين ويلسون تفسيره،من خلال ربط ما يحدث للممثل على الركح،بمظاهر النقد والاحتجاج التى يعبر فيها الحمهور عن رفضه لما يقدم له وعدم اكتراثه به،وذلك فى قوله:”إن الأمر المأساوى من وجهة نظر ممثلى الكوميديا وكتاب المسرح الكوميديين ،هو أن يكتشفوا أن المادة التى يقدمونها لا تستثير الضحك من مجموعة من الناس ،ويتم الحديث عن هذا الأداء بعد ذلك باعتباره أداء شخيفا أو سمجا أو غير مضحك.وعن وعن تلك الظاهرة يقول د.شاكر عبد الحميد مبينا كيف أن الفكاهة تتطلب دوما استثارة للتوقعات والتوترات ثم خفضا لها وتحررا منها ،وهكذا على نحو متزامن ومتعاقب ومتكرر،وإلا تعرض الممثل الكوميدى لظاهرة الموت على خشبة المسرح”،فنجده يطلق نكاته أو يقوم بأداء مواقف يعتقدها كوميدية ومضحكة ،بينما يواجهها الجمهور ويواجهه باللامبالاة والاستهجان.[6]
فيعقوب صنوع الذى درس المسرح بأوروبا تعامل مع الجمهور بوصفه شريك أصيل فى تأسيس مسرحه-قبل بريخت- ،وكان يختتم صنوع حديثه عن مفأجات العروض المسرحية بالإشارة إلى أنه كان هناك دائما من المتفرجين من يخاطبون الممثل أو الممثلة على المسرح أثناء العرض ..ومع نهاية كل عرض مسرحى كان الجمهور يستدعى صنوع الذى كان لابد له من أن يختتم الليلية بأشياء مضحكة وجديدة .[7]
المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] محمد مصطفى بدوى وآخرون ،المسرح العربى الحديث ،المركز القومى للترجمة ،القاهرة 2016م
[2] إبراهيم عبد المجيد،سعد الدين وهبه الحضور الدائم،الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة 1997م
[3] محمد أمين عبد الصمد،دولة الحظ ومسرحيات أخرى لأمين صدقى،تراث المسرح،الهيئة المصرية العامة للكتاب،2012
[4] على الراعى،الكوميديا المرتجلة فى المسرح المصرى،دار الهلال ،القاهرة 1993م
[5] أنديه فيلييه،الممثل الكوميدى،ترجمة محمد مهدى قنديل،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة 2007م
[6] عادل آيت أزكاغ،الضحك فى تجربة قصة حياتى لشارلى شابلن،دار العين للنشر ،القاهرة 2020م
[7] على الراعى ،المرجع السابق