د. فرحان عمران يكتب: “ستربتيز” قلب جدر النومي على بيت كطيو
د.فرحان عمران*
مسرحي عراقي
ـ
-
ان ظاهرة العرض المسرحي حديثة الصلة بالمجتمع العراقي ، تمتد كممارسة اجتماعية الى ما قبل النصف الثاني من القرن الماضي ، وقبل ذلك كانت ممارسات فردية ضئيلة غير شائعة في المجتمع ، وهو في الحقيقة تراكم معرفي لأكثر من الفي سنة في الدول الغربية ، ومَرَ بمرحل تطور واكب التطور الفكري والعلمي للإنسان وانتج نظريات وأساليب متعددة ، الا ان وتيرة التطور الجمالي والفكري للعرض المسرحي تسارعت في النصف الثاني من القرن المنصرم
ويعود الفضل في ظهور العرض المسرحي في المجتمع العراقي الى المرحوم (حقي الشبلي) وخصوصا بعد عودته من الدراسة في الخارج وتاسيس قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة عام 1940 ، وكان قبل هذا التاريخ معهدالموسيقى ، وأستمر العرض المسرحي العراقي بالتطور على مستوى الفكر والتقديم والسينوغرافيا …وكل مخرج او ممثل او مسرحي عراقي يعي ما وصل اليه العرض وكيف يقدم الان في العالم، والعرض المسرحي لا يطلق عليه عرضا الا بوجود المتلقي ، والمتمثل بجمهور المسرح ، ونظرية التلقي هي الأخرى خاضت مراحل التطور، وانتجت مناهج نقدية حديثة وذائقيه جمالية فنية متقدمة ، الا ان المتلقي المسرحي العراقي وبسبب الظروف التي مر بها رسخت في ذهنه أساليب العروض التي كانت تقدم في سبعينات القرن الماضي ، وظهر التفاوت بين الملقي والمتلقي العراقي واخذت تتشكل فجوة بين المنتج المسرحي والمتلقي العراقي .
(ستربتيز) عرض مسرحي من اخراج علاء قحطان قدم على خشبة المسرح الوطني في 26 تموز ، ومن العنوان المتصل بهدف العرض، بان التغير الحاصل في العراق منذ 2003 ولحد الان هو عبارة عن قضيب ( بوري) وكلمة بوري ارتبطت بالذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي بعملية الغش والخديعة والنصب والاحتيال ، وَولَدَ هذا المفهوم في أيام الحصار على العراق من( علوة المخضر ) في أيام القحط ، ابتكر بائعة الخضارالجملة طريقة مخادعة ، وذلك من خلال وضع بوري سمكه 8 انج وسط كيس الثمار (جلفاص) كأن تكون بطاطا او بصل .. الخ وملئه من الداخل بالثمار الفاسدة او الصغيرة ، وما يظهر من الكيس ثمار جيدة ، ومن ثم يسحب البوري ويخيط الكيس ولا تظهر الثمار الفاسدة للعين ، وعندما يشتريها البقال ليبيعها ويفتح الكيس يتفاجئ برداءة الثماروحجمها ويقول : ( انضربت بوري) ،لا بل زاد العرض المسرحي بنوع البوري فهو ليس عاديا انه (قضيب ستربتيز) أي قضيب رقص فتيات العري … يشبه قازوق مظفر النواب ، بمعنى ان المجتمع العراقي تعرض لخديعة وتراقصوا على خداعه ولم يكن العهد العراقي الجديد بشكله الحالي سوى قضيب من الخدعة والاحتيال تلقاه المجتمع العراقي .
وبدى هذا واضحا من نزول القضبان وسَبَقهَا مشهد سقوط العهد الدكتاتوري البائد والمتمثل على لسان شخصية الاب : (احمد شرجي ) ( طار …. راح ) وظهور لوحة النهب والسرقة في اعلى المسرح ألا من ممثل واحد كان يتطهر بالماء لأعطاء دلالة بعدم مشاركة الأبناء جميعهم في لوحة السرقة. يكشف خطاب العرض منذ اللوحة الأولى عن هويته واتجاهه باعتماده فضاءات غير المشروطة ، وحاول امتلاك رؤية جديدة تغادر المعنى السائد وتلامس التطور الحاصل في الفنون الأدائية والمرئية ، وهذا ما لم يدركه بعض المشاهدين ، وبدى العرض لهم غامضا ، فلكل منتج فني يمتلك انتماءا وهوية خاصة به ، وأليات التقديم تختلف من عرض الى اخر، ومن هذا المنطلق اختلفت الاتجاهات المسرحية الى عشرات الاتجاهات والتيارات والمذاهب والمدارس المسرحية ،وبعيدا عن الاتجاهات ، فهناك خطاب مسرحي يعتمد على سحر الكلمة وشاعريتها والابعاد الفكرية التي تنتجها ، مثل عرض مسرحية (يارب) للمخرج مصطفى الركابي ، وهناك خطاب يغادر الكلمة ويعتمد المنتج الصوري مثل عرض ( السجادة الحمراء ) للمخرج جبار جودي وهناك خطاب مسرحي يرتكز على حوارات مقتضبة بلا متن حكائي ، معززا الفكرة بتوالد الصور الجمالية ، مثل عرض (ستربتيز)، ولغة العصر الان تميل الى سحر الصورة ورمزيتها ، وهذا يستدعي من المتلقي ذهنا تأويليا ، وممارسة تبادلية فاعلة مشتركة بينه وبين الإنتاج الصوري للعرض ، فالعرض المسرحي اليوم ليس انعكاس سطحي للحياة ،
ولا تنحصر مهمته في استنساخ الواقع واهمال المعادل الذهني وكل فكر تجريدي للصورة الفنية .. فالصورة غير العادية تفرض وسائل قراءة غير عادية ، ان المسرح عملية إبداعية تواصلية متطورة بتطور أدوات المجتمع ،ولايمكن ان يبقى المسرح العراقي يجتر الأطر الفنية لمسرحية (البستوكة) و( الدبخانه ) لكي يحافظ على مساحة المتلقي ، أذا رغب المتلقي ان يدور في فلك الفلسفة الوضعية التي تحصر مهمات الفن في استنساخ الواقع واعتماد الوضوح المباشر السمج المفرغ من المعنى ، كما في المسرح التجاري ، او المسرح الطبيعي سيبقى لا يفهم العروض المعاصرة … في عرض ( السجادة الحمراء) غيب الحوار ، بل حتى التسلسل المنطقي للصورة واعتمد على رمزية الصورة المنتجة ، فالصورة تتحدث بأبلغ لغة مؤثرة وبأدق حاسة … في لوحة المهرجين والشموع (احدهم يضئ النور والأخر يطفئ النور)حملت دلالات كونية أزلية منذ هابيل وقابيل وباستفزاز جمالي معاصر
في الوقت الذي سمعت تعليقا من احد المشاهدين المثقفين ( والله ما افتهمت شي أثنين يلعبون بالشموع) … يقول (بودلير) : ان المألوف في الصورة أفقد الفن هدفه . أما ( ادغار الن بو ) يؤكد ان مصدر الجمال ذهني ويكمن في المجرد والغامض … بمعنى اخرعلى المتلقي المسرحي ان ينهض بمجساته الفكرية والحسية لرؤية تغير مفاهيم الجمال ، وما كان قبيح قبل حقبة من الزمن اصبح الان معيارا جماليا والشواهد كثيرة . أنطلق عرض (ستربتز) بمنظومة حركية تعتمد دوال رمزية متعددة القراءات مستندا على العلامات الجيلية ، التي حاولت ان تتحرر من التموضع والاسفاف ، واعتمدت آلية التدفق السائد للفعل المرئي بغية تحريك المناطق الساكنة في فضاء العرض ، إلا انها أعتازت الى التنظيم في دخول وخروج الممثلين من الكواليس ، إذ بدى للمتلقي فوضوية الاتجاهات من خلال كثرة الهدم والبناء ، مما راود المتلقي بإن رسم الحركة جاءت من المخيا