صبيح عفوان يكتب: مسرحية c4″ گلواذا” .. وسؤال المواجهة!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
صبيح عفوان
لاشعور النص هو النسق الذي يستهدفه المخرج إبراهيم حنون في مسرحية c4 گلواذا لمؤلفها الكاتب والمخرج ماجد درندش ويجعله المحرك الرئيس في إنتاج شكل للعرض يتسم بطابع الحلم الذي يكتنفه الغموض ليجعلنا نتماهى ونصغي للمادة الكامنة والخفية في هذا النسق. لهذا كنا عرضة لان نكمل بالمخيلة بما يزودنا به العرض من انسجام وتفكك في رحلته الجمالية التي تستوي على البناء والهدم الذي يثير الأسئلة الجديدة ويجعل الدلالة زئبقية جدا، لتنفلت من التأطير وهي بداهة تشير إلى قوة الحضور الرمزي للعرض .
ذلك لأن المؤلف ودربته الطويلة في الكتابة والتأليف استطاع أن يمنحنا تصورا جديدا عن سؤال الموت الذي شغلنا كثيرا ليستبدله بآخر ألا وهو سؤال الموت الآني الواقعي الذي بجب أن تكون الإجابة عليه لحظة الدفن وهو بذلك يزعزع السؤال الذي شغلنا طوال تجربتنا مع الفلسفة الوجودية ويجعلنا أيضا في مواجهة أخرى ألا وهي اللا جدوى من الانصياع للأسئلة السابقة لأنه يضعنا في زاوية لا فكاك منها ألا وهي الأنا. القبر. الدفن.
هذه الزاوية التي تجعل الأسئلة تتهشم وتتهاوى وتستبدل بالعاطفة والهذيان لأنه استحضر احد ضحايا مذبحة الكراده إلى المقبرة وجعله لم يقتنع بما حل به لحظة الانفجار ليعتقد انه حي يرزق ليواجه عملية الدفن وجها لوجه لينهض التضاد بكل مفاصله لان درندش افترض أن هذا الشهيد يعرف المكان من خلال رحلته مع الأم التي تؤمن بأنه قد استشهد في واقعة الكراده ليرسم لنا المشهد بعاطفة جياشة وكيف يواجه هذا الشهيد الفاجعة بالرفض والمقاومة الصلدة أن درندش أطلق خياله لظاهرة طالما كنا نواجهها بالصمت ليحفر باللغة التي تحيط الموت دائما وبذلك أراد أن يفجر المشاعر الحقيقية لضحايا هذه المذبحة ليكون هذا الشهيد ممثلا لمشاعر جميع الشهداء .
والمفاجأة الكبيرة التي أظهرتها الأم وهي تستبدل موقفها من استشهاد ابنها وتعتقد انه حي. حرص المخرج إبراهيم حنون ان يجعل التشكيل الجمالي للعرض وسيلة لصياغة المعنى وتشظيه لأنه استثمر الجسد وتحولاته التعبيرية في إحياء الرموز وهذا الإجراء يعد بمثابة التأويل المضاعف للنص لأنه جعل العرض يتناسل بالمزيد من الصور المركبة التي توحي وتنسحب.
وهذه الإستراتيجية في الإخراج تعد بمثابة القراءة السيكولوجية التي تؤطر معها صياغة المعنى اللاشعوري أيضا هذا المعني الذي تقمعه المقاومة وتقصيه من المشاركة في الواقع لأنه ينزلق خارج الأنا ونظامها الصارم. ليعيد حنون إنتاجه عبر التداعي الحر الذي حققه العرض من هنا أصبح المعنى متاحا للتلقي المتنوع الذي يستجيب لشروط الوعي واللاوعي معا لان حنون تعامل مع السؤال الجديد لكونه سؤال المواجهة السؤال الحتمي الذي لا إجابة له وهو السؤال الذي يبث الكيفية التي يكون عليها الأنا عندما يكون الموت حاضرا وواقعيا حتى يتشكل العرض بثنائية هامة إلا وهي الحقيقة . الوهم. ليبتكر حنون نصا صوريا جديدا يحافظ وينجذب من خلاله إلى النص المكتوب.
وذلك ليجسد بذلك دور الممول الذي يبحث عن ممكنات جمالية ذات حمولة رمزية تجعل النص الجديد نصا للعرض ويجعل جمال الشكل وتشظياته وسيلته الكبرى لإنتاج مقاصده الجديدة وهي محاولة لجعل المتلقي مشاركا وفاعلا في العرض بهذه الفلسفة التي تجعل الأنا في محيطها الواقعي الجديد والكيفية التي يكون عليها في مواجهته الكبرى مع الدفن يؤكد حنون بان سؤال الوجود والموت بات ضعيفا وتنازل عن هيبته الأولى لتحل محله العاطفة بكل تحولاتها وما تحمله من رغبات صادمة ليتشكل العرض عبر هذا المركب الجديد إلا وهو الأنا. القبر. العاطفة .
مغادرا في ذلك الثالوث القديم الذي يتبنى الأنا. الموت. السؤال. لأن حنون قوض البنية العقلية وقوض منظومات الأنا ومراكزه كاملة هذه المراكز التي تنتج القلق ليسقطه في المفاجأة الكبرى ألا وهي الموت الآن ليشكل العرض خطابا جديدا يكون جوهرا لطرد سؤال الماضي ومنغمسا في فعل الدفن حتى لتبدو مهمة حنون الجمالية هي اقتفاء أثر الذهان الذي تعرض له الشهيد وأمه أثناء هذه المواجهة الكبرى وجعل العرض ملغوما بالعلامات التاريخية التي تجعل الموت مؤرشفا وحاضرا ليشكل العرض وبهذا التنوع خطابا جوهريا جديدا يكون الجدل بنيته الأساسية لابتكار الرمز والجمال معا حتى ليبدو الأنا لحظة التلقي منغمسا في فعل الدفن. وتنوع أداء الممثلين كان له الدور الفاعل لفهمنا تفاصيل العرض .
أدت دور الأم الفنانة. أسراء رفعت والتي استطاعت أن تؤطر لحظات الحزن الذي أدى بها إلى الانهيار النفسي بسبب فقدان ولدها وهذا الفعل تم برشاقة عالية وعاطفة كبيرة. وأدى دور الشهيد الفنان سعد محسن الذي أعطى للشخصية كل ممكناتها الصعبة لأنها تتحول من دور إلى آخر وهذا يتم عبر انسجام وتقمص مذهلين لكي يعطي للشخصية المركبة كل ملامحها. واستطاع الممثل ماجد درندش أن يجسد دور الدفان ومؤرشف المقبرة وأدى هذا الدور باحترافية كبيرة لأنه تقمص الشخصية التي صنعها ليؤكد جبروت الموت الذي لا فكاك منه. والمجموعة التي كانت الرصيد الحقيقي للمخرج وتعد المصدر البصري والرمزي وما قدموه يعد رصيدا أشاريا غذى العرض بشحنة التحولات العديدة والمتنوعة وأعطوا للطاقات الدلالية تعبيراتها وتحولاتها .
وجاءت السينوغرافيا متماثلة مع الدلالة وخارج المبالغة حيث الانسجام الهائل والكبير مع معطيات العرض.