حوارات
طه رشيد يحاور الكاتبة الكويتية تغريد الداود: استقلت من وظيفتي لأتفرغ للكتابة.. وتعرضت لهجوم كبير بسبب مسرحياتي!
المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات
ـ
أجرى اللقاء: طه رشيد
ولدت وعاشت في الكويت ونشأت في عائلة تقليدية تهتم بالتعليم، دخلت مجال كتابة النص المسرحي بقوة، بالرغم من دراستها المختلفة عن عالم الادب والفن، حيث كان والدها يرفض دخولها لهذا المجال رفضا قاطعا، فاكملت دراستها الجامعية في حقل الادارة واحتلت مركزا مرموقا في وظيفتها بمجال ” التأمين الإجتماعي”. وحين قررت تقديم الاستقالة من هذا العمل، اضطرت ان توزّع مكافأة نهاية الخدمة على عام كامل لحين الحصول على عمل جديد أكثر مرونة مع مجال الكتابة والفن، لان والدها كان ما زال رافضا لتغيير مهنتها وتنصل عن مساعدتها خلال ذلك العام!
ولكن حين حصدت الجوائز عن كتاباتها المسرحية، سواء داخل الكويت ام خارجه، تغير موقف العائلة واصبحت نموذجا يحتذي به ليس لافراد عائلتها فحسب بل لمعظم بنات جيلها! أفضل مؤلفة في الخليج حازت تغريد الداود جائزة أفضل مؤلفة في الخليج، في مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي عام ٢٠١٦ عن نص «غصة عبور». أهدت الداود، في حينها، هذا الفوز الى دولتها الكويت، حيث اعربت عن سعادتها بحصولها على المركز الاول على مستوى دول الخليج منافسة لستة وثلاثين نصا. وقالت الداود بانها تعدّ جائزة ايام الشارقة المسرحية بدايتها وانطلاقتها الحقيقية واعتراف رسمي بها ككاتبة مسرحية، بالرغم من انجازاتها السابقة وما حققته من نجاحات وجوائز في هذا المجال.
وسنحت لنا فرصة حضورنا لمهرجان المسرح العربي، الذي اقامته الهيئة العربية للمسرح هذا العام في العاصمة الاردنية،عمان، للتعرف على هذه الشابة المبدعة، اجرينا معها هذه الدردشة الموجزة حول هموم الكتابة بشكل عام والمسرح بشكل خاص مستفيدين من نعمة ” الانترنيت” وشبكات التواصل لاكمال الحوار معها:
س ـ اكملت دراستك الجامعية بعيدا عن مهنة الادب، فمن جاء بك الى هذا الدرب؟
ج ـ بدأت اكتب منذ الصغر. أحب المطالعة واردت ان اعبر عن نفسي بلغتي العربية.. كنت متميزة في درس” الانشاء”. كان للمسرح تأثيرٌ كبيرٌ بي وخاصة مسرح الطفل .. اول مسرحية اشتركت بها كممثلة هي مسرحية ” نحن والسنافر “، حيث مثلت دور (سنفورة) وكان عمري، حينذاك، تسع سنوات.
س ـ هذه بداية حسنة فلماذا لم تواصلي المشوار كممثلة؟!
ج ـ كان هناك رفض قاطع من العائلة لاعتقادهم بانه لا يوجد مستقبل للفن! وهذا ما اضطرني لاختيار اختصاص اخر وكان اختصاصا علميا. . درست في جامعة لم اؤمن بها واشتغلت ضمن اختصاصي المُتعِب.. حياة رتيبة .. اقضي نهاري بين الارقام في مؤسسة للتأمين والضمان الإجتماعي. كنت استقبل ما لا يقل عن عشرين شخصا في اليوم الواحد.. ربما الانزعاج والرتابة وعدم محبتي لعملي الاداري قادني الى كتابة النص لأهرب من يومي الروتيني. بدأت الكتابة كمدونة لمقالات فنية. س ـ وبعد ذلك؟ ج ـ بعد ذلك تعرفت على اناس يمتلكون نفس ميولي وشجعوني على الكتابة المسرحية.
س ـ في مهرجان المسرح العربي بدورته الثانية عشرة، الذي اقامتها الهيئة العربية للمسرح في العاصمة الاردنية، عمان، مطلع هذا العام، قدمت فرقة المسرح الشباب الكويتي مسرحية ” على قيد الحلم” من تأليفك واخراج يوسف البغلي. كانت المسرحية تندرج ضمن ما نسميه ” الكوميديا السوداء” فهل كانت هذه الكوميديا من اجتهادات المخرج ام ضمن النص المسرحي؟
ج ـ انا اصلا اميل الى الكوميديا.. اكثر اعمالي لا تخلو من لمسات كوميدية، حتى في المقابلات تجد هذا. جزء من عشقي منصرف للكوميديا او المفارقات. وكما قلت كنت اعمل في مجال ليس له علاقة بالمسرح، وربما هذا الذي دفعني للكتابة بهذه الطريقة.. الكتابة للمسرح تشعرني براحة نفسية.
س ـ من هي الشخصيات التي اخذت بيدك نحو مجد الكتابة المسرحية؟
ج ـ اعتذر مقدما ممن لا اتذكره في هذه العجالة، ولكني ممكن ان اذكر: ـ الروائي طالب الرفاعي، كان له اثرٌ كبير، اذ علمني كتابة القصة القصيرة. ـ الاستاذ سليمان الحازمي، موسوعي المعلومات، ورغم كونه ضريرا، كان يمتلك ثراء كبيرا، وكنت اقرأ له ما اكتب واستمع لملاحظاته بروية. ـ الفنان القدير محمد المنصور والناقد عبدالستار ناجي اللذان كان لهما فضل كبير في دعمي وتشجيعي وإقناع والدي بضرورة إستمراري في هذا المجال نظرا لكونهما صديقين قديمين لوالدي.
س ـ ما هي اهم المحطات في حياتك الادبية المسرحية؟
ج ـ أهم المحطات: كانت مع الفنان الإماراتي محمد العامري، الذي لم يخيّب ظني لألتقي به بعد سنوات في محطة جديدة حين شاركتُ بمسابقة الشارقة للتأليف المسرحي عام 2016 بنص ” غصة عبور” وفزت بالجائزة الاولى. وقام العامري بإخراجه عام 2017 ليحصد جوائز عديدة حيث كان من إنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني ومثل هذا العمل دولة الإمارات العربية المتحدة في عدة مجالات. وعرضت المسرحية ايضا في مهرجان الهيئة العربية للمسرح في دورته العاشرة في تونس. وقبل هذه المحطة كانت لي مشاركة في مهرجان الشباب في الكويت عام 2012 بنص ” محطة 50 ” وفزت بجائزة ” اول كاتب واعد ” وهذه الجائزة دفعتني ان اطور امكاناتي الكتابية للوصول الى الافضل واثبات اني قادرة على كتابة نص مسرحي جيد ولست طارئة على هذا المجال الابداعي. وأيضا لا أنسى تكريمي في عام 2019 في مهرجان أيام المسرح للشباب الذي قدمت فيه الكثير من التجارب المسرحية، وهو تكريم أعتز به جدا لأنه يحتفي بكل ما قدمته خلال العشر سنوات الماضية، وهذا النوع من التكريم يحملنا مسؤولية ويعطينا دافعا لتقديم الأفضل.
س ـ كيف جمعت بين العمل الوظيفي والكتابة؟
ج ـ بعد النجاح الذي حققته بحصولي على جائزة ” اول كاتب واعد” قررت الاستقالة من عملي الاداري رغم الراتب المريح والكبير! كان والدي رافضا للاستقالة، فاضطررت ان ” اقتصد” بمصروفي الشخصي لكي اعيش بالاعتماد على نفسي. المحطة الاخرى: وهي الاكثر تعقيدا في حياتي الادبية المسرحية. شاركت في مهرجان الكويت المسرحي عام 2014 بنص مسرحية كوميدية شعبية اسميتها ” الديوانية”، وللعلم فان للديوانيات في الكويت دور كبير في النشاط الاجتماعي والسياسي، وهي منطقة ذكورية بامتياز!. تناولت هذه القضية بمسرحيتي ” الديوانية” بشكل نقدي لاذع وساخر في نفس الوقت. وتحدثت عن شراء الشهادات، التجار، معاناة الرياضيين في الكويت وكثير من القضايا المجتمعية الاخرى! رأي الجمهور اهم من النقاد
س ـ كيف كانت ردود الافعال؟
ج ـ تعرضتُ بعد عرض المسرحية لهجوم بلا رحمة من قبل البعض، الذي لم يتقبل مثل هذا النوع من الأعمال في المهرجانات الأكاديمية! الا ان المفاجأة في هذا العمل الكوميدي الشعبي هو موقف الجمهور الذي عبر عن اعجابه الكبير بها، وهذا اعتبره جائزة قيمة. وبالمناسبة كانت هناك كلمة للفنانة العراقية د. سهى سالم التي شجعتني كثيرا وقالت بان مسرحيتي هذه تشكل عودة المسرح الشعبي بقوة واضافت بان راي الجمهور اهم من النقاد، خاصة وان المسرحية حققت عنصرين اساسيين وهما العنصر الجمالي والمتعة. اصلاح المجتمع من اصلاح المسرح
س ـ الا تعانين من مشكلة ” حرية التعبير” خاصة وان المسرح لا بد ان يحمل رسالة خاصة به؟
ج ـ في الحقيقة اعاني كثيرا من الرقابة ولا يمكن لي ان اكتب تحت سطوتها، مهما كان نوع هذه الرقابة، سياسية او اجتماعية او دينية متطرفة. انا اكتب بشكل انساني عما يعانيه الاخر، وليس لي ضغينة مع احد لا سياسا ولا اجتماعيا. ومسرورة جدا بخروج نصوصي الى خارج الكويت.
س ـ المسرح في ايامنا هذه يعاني من العزلة بسبب وباء كورونا بالإضافة الى وباء ” الجهل ” الذي ما زالت تعاني منه منطقتنا.. هل لك قول في هذا؟
ج ـ مر بنا يوم المسرح العالمي 27 مارس لهذا العام 2020، مختلفا عن كل ما سبق، في تقويم تبعثرت فيه التواريخ، ويتوقف فيه الزمن لمواجهة وباء كورونا الذي يهدد البشرية. العزلة زنزانة انفرادية سواء كانت بقناعتنا أو رغما عنا. ان ما تقتضيه المصلحة العامة اليوم هو ابتعاد أجسادنا عن بعضها البعض بإرادتنا، تحت ظرف الحجز الإحترازي، إلا أن أرواحنا لازلت حرة، عصية على الاستسلام لليأس. أسوأ ما قد يصيبنا هو أن نسقط في فخ القلق والكآبة والإحباط والخوف مما هو قادم، إن شغف المسرح الذي ينير قلوبنا، يحثنا دائما على التماسك، والتشبث بالحياة والإصرار على مواصلة الحلم مهما كانت الصعوبات. المسرح كان وسيبقى شامخا رغم كل الظروف، إننا نحتاج اليوم إلى توثيق الصلة بين بعضنا البعض وإعادة تعريف أهدافنا التي يجب أن تصب لصالح المسرح، فإن صلح المسرح صلح المجتمع. اليوم نحن في حالة توقف إجباري للمسرح، إلا أن دورنا في التأثير على مجتمعاتنا يجب أن لا يتوقف. بل إن مسؤوليتنا اليوم تحتم علينا أن نعمم الروح الإيجابية، ونشد العزيمة، وننبذ العنصرية ونوأد الفتنة حتى نجتاز هذه الأزمة بسلام، ونكون على أتم الاستعداد للمرحلة القادمة التي يعود فيها المسرح لفتح أبوابه، والتي سنحتاج فيها إلى التعاون المثمر ليقوم كل منا بدوره لتحقيق رسالتنا الفنية على أكمل وجه.