كمال سلطان يكتب لـ “المسرح نيوز”: الفنار .. دعوة لإعادة أحلامنا وطموحاتنا الهاربة
كمال سلطان*
ناقد مسرح ـ مصر
ـ
“الحلم هو الشيئ الأساسى فى حياة كل انسان .. السعى وراء تحقيق الحلم هو الفارق الوحيد بين الحيا والموت .. وكل واحد فينا جواه إنسان تانى متمرد وغضبان ، عاوز يوصل للعالم ، عاوز يحقق الحلم .. الحلم اللى اتنسى مع السنين وسنة ورا سنة مابين الوحدة والضلمة ..”
بهذه الكلمات التى يرددها صوت لا نرى متحدثه وعلى خلفية أداء مشهد عبقرى للفنان الشاب أحمد عثمان تنتهى أحداث عرض الفنار ، والذى يتم تقديمه حاليا على خشب مسرح الشباب بالمنيل ، والعرض مأخوذ عن نص الفنار للكاتب العالمي جالواى ، أعده للمسرح محمد محروس ، إخراج ماهر محمود ، ديكور يحيى صبيح ، موسيقى أحمد شعتوت، ويتقاسم بطولته محمد درويش وأحمد عثمان.
تدور أحداث العرض داخل فنار يعمل به شابان أحدهما أثقلته الهموم والكآبة حتى تشعر وكأنها حولته إلى شخص عجوز ليس لديه أى رغبة فى الحياة حتى أنه يتناول مأكولات منتهية الصلاحية بينما ينبض صديقه بحب الحياة والانطلاق ، ويصعد دائما للدور الثانى بصحبة جيتاره ليقضى ساعات طويلة بين العزف والغناء حتى يحل عليه الظلام الدامس ، ذلك الأمر الذي يخشاه صديقه لكنه يرفض دائما الاعتراف بذلك .
ومن خلال حوارهما نتعرف أثر على الاسباب التى أدت بأحدهما أن يفقد حلمه رويدا رويدا من خلال معاملة والده الخشنة وحبسه فى غرفة مظلمة بالبيت عقابا له على عزفه على ةآلة الجيتار ، بينما كان حلمه أن يصبح عازف شهير ويكوّن فرقة موسيقية يجوب معها المدن ، لكن أباه استطاع أن يقتل بداخله ذلك الحلم ، بل ويقتل أي طموح أو رغبة في الحياة .. حتى يصل الأمر إلى حد أن أباه يقتل أمه أمامه بطريقة وحشية بينما لم يحرك هو ساكنا للدفاع عنها نظرا لما قد أصابه من خمول ورعب من والده .
وعلى الرغم من أن العرض ينتهي بانتحار الشاب صاحب الحلم والطموح وانهيار الشاب اليائس المكتئب ، إلا أنه حمل دعوة خفية لكل منا بأن يحيى طموحه وحلمه الذي انزوى مع الأيام , ودفن بين الوحدة والظلمة.
استطاع محمد محروس أن يحول النص العالمى إلى نص شديد الخصوصية حتى أن كل من يشاهد العرض يتصور نفسه فى مكان ذلك الشخص الذى فقد طموحاته واحلامه وسكن الفنار فى وسط البحر مستغنيا عن كل متعة من متع الحياة.
يؤكد محمد درويش من دور إلى دور أنه ممثل صاحب أداء متنوع ولا يقتصر أدائه على نوعية محددة من الأدوار، كما يعلن من خلال العرض عن مواهب أخرى نراها لأول مرة وهى موهبة العزف وامتلاك صوت جميل.
أما أحمد عثمان فهو ممثل يمتلك أ دواته جيدا، ويعرف كيف يستخدمها ليجعلنا نقف مشدوهين أما أداءه المتفرد ، والحق أننى كلما شاهدته فى عمل فنى خاصة على خشبة المسرح فإننى أضبط نفسى متلبسا بترديد عبارة واحدة وهى هكذا يكون الممثل ، وهكذا يكون التمثيل.
ديكور يحيى صبيح أشعرنا أننا بالفعل داخل فنار فى وسط البحر ، وذلك حتى قبل دخولنا صالة العرض فقد حول مدخل المسرح ألى مدخل فنار بالفعل، كما لعبت إضاءة نائل عبد المنعم الخافتة والمظلمة أحيانا دورا كبيرا فى إيصال حال الكآبة واليأس التى يعانيها بطل العرض إلى إحساس كل متلقى يجلس بالصالة، ووصلت بنا إلى القمة في المشهد الذى سبق انتحار الشاب صاحب الحلم والطموح .
موسيقى أحمد شعتوت جاءت ملائمة تماما لطابع العرض القاتم ، وعبّرت عما يعتمل فى نفسىّ كلا من بطلىّ العرض سواء كانت بهج أم حزن.
ماكياج اسلام عباس كان له الدور الأكبر فى توصيل الحالة التى يعانى منها كلا من البطلين واستطاع من خلال الماكياج تحويل أحمد عثمان إلى رجل صبغت الهموم شعره ووجهه بأصباغ الحزن والأسى ، كما عمد إلى عدم استخدام صبغة وإنما استخدم بودرة بيضاء لتغيير لون الشعر ذلك أنه شعر البطل يتحول تدريجيا إلى اللون الأسود كلما اكتشفنا شيئا جديدا عن حياته السابقة ، كما عبّر من خلال مكياج محمد درويش عن مدى البهجة وحب الحياة التى ترتسم على وجهه المبتسم دائما وعلى شعره الطويل المنسق.
ماهر محمود مخرج مختلف استطاع من خلال هذا العرض الإعلان عن نفسه بقوة كمخرج محترف استطاع استغلال مواهب بطلى العرض الكبيرة ، وهو مخرج واعد ينتظره مستقبل كبير فى عالم المسرح.