مسرحية “رجل الثلج” للكاتب العراقي.. عبدالله جدعان
المسرح نيوز ـ بغداد | تأليف : عبدالله جدعان
العراق ـ الموصل.
ـ
{ من الظلام يسمع صوت طائرات حربية وهي تطلق قذائف ، وطائرات مروحية ترمي بإطلاقات رشاش ، اضاءة ويتصاعد دخان كثيف على المسرح}
الرجل[ يخرج من بين ركام البيت وقد تعرفت ثيابه ووجهه بالتراب والبارود، يمشي بخطوات بطيئة مذهولا من الصدمة ، يتحسس جسده ورأسه ] ندى؟ نبيل؟ أم نبيل؟ يا أم نبيل.. هل تسمعيني[ يجثو على ركبتيه اما فتحة من بين الركام وينادى بأعلى صوت]: نبيل؟ ندى ؟ هل تسمعوني؟ هل لازلتم أحياء؟ يا أم نبيل هل تسمعيني؟ نبيل؟ ندى؟ [ينهض] بيوت دمرت فوق ساكنيها وتناثرت اشلاؤها تحت ركام البيوت ؟تلك الرفات لأطفال ونساء لم يتمكنوا من النجاة،[يهذي بشكل جنوني وينادى بأعلى صوته]: محمد؟ خالد؟ جبار؟ كرار؟ أم صبيحة؟ ابو يونان؟ خديده؟[يجلس فوق الانقاض منهارا ويجهش بالبكاء يلطم على خديه] ربما هربوا من موت الى موتٍ آخر!! اعطني الصبر يا الهي ؟ فالصبر ضياء![يقع بصره على دمية ندى ملطخة بالدماء] ندى؟ ندى؟ [ينهض يركض بلهفة نحوها ليلتقطها ويضمها الى صدره ويداعبها كأنها ندى] [صوت ندى باللهجة الموصلية بطريقة الايكو يملأ المسرح: بابا.. قلو لنبيل.. اخذ الالف دينار وما يقبل يشتغيلي كشي؟] [ صوت نبيل باللهجة الموصلية بطريقة الايكو: يابه والله دشتغيلا نستلة وانا جبس] [ قهقهات لنبيل وندى تمل المسرح]
الرجل: لقد نالوا الشهادة .. مرحى لكم
الداعشي [يظهر من بين ركام البيت، ينادي] الله اكبر ..الله اكبر ..كبيرا. أين انا؟
الرجل [ يقترب ساخرا من الداعشي ] ايقنت الآن انك مغفل؟ وتعس ؟ نذل! جبان! قبل اقل من ساعة توسلت بك زوجتي مرارا وتكراراً أن تأخذ اولادنا وتخرج من البيت لأنه اصبح هدفا للطائرات ،لكنك رفضت[كأنه يسمع قهقهات نبيل وندى مجددا]، كنت بطلا.. صنديدا.. تباً لك ، والآن تندب حظك التعس.
الداعشي [ بعد قناعة وارتباك] من أنت؟.. اتهزأ بي؟
الرجل: يا سبحان الله ،نسيت من تكون. ارني وجهك الحقيقي ايها الجبان؟
الداعشي [ينتفض] سأقطع لسانك قبل جز رقبتك ايها الكافر
الرجل [يضحك ساخرا] ههة، على ما يبدو لازلت تحلم. هيا افق ايها المغفل؟
الداعشي : قل لي من أنت ارجوك ؟
الرجل: انا الهذيان ! انا الصرخة! انا الصوت! انا الشهادة !انا الذي استفاق
من الصمت بعد سماع ندآت الجيش! ها هم يقتربون أسمع؟
الداعشي[ كانه يصغي لسماع صرائف صوت الدبابات والعجلات العسكرية وصوت اطلاقات الرشاشات من بعيد]
الرجل: اسمع[ اغنية من التحرير يرقص فيها من شدة الفرح ويغيض الداعشي]
اسمع! اصواتهم مفتاح الغضب! اكفهم بساط ريح للخلاص منكم!
الداعشي : اسكت؟
الرجل : لن اسكت
الداعشي : اسكت؟
الرجل : قلت لك لن اسكت
الداعشي : ماذا تقول يا هذا، لازال الكثير من جند الخلافة متهيئين للقتال
[ اغنية من اغاني الدواعش مزهوا بها الداعشي]الرجل[ساخرا] تضحك على نفسك أم عليّ؟ ما انتم سوى سلعة تالفة انتهت صلاحيتها، فدولتكم ثلجية! ستذوبون امام صرخات الجيش والحشد! سيفضون بكارة دولتكم ويخرجوكم من جحوركم كما تخرج العقارب من جحورها .. يا؟
لم تقل لي ما أسمك الحقيقي؟
الداعشي: ابو حفصة
الرجل [ساخرا] وام حفصة ماذا حل بها؟ اين ذهبت؟ اخرج من عباءة الزيف والكذب وقل لي ما اسمك الحقيقي؟
الداعشي [كانه تذكر] ها.. لقد تذكرت.. اسمي محمود صالح نجرس، قالوا لي اول مرة بأن دين الاسلام قد انحرف وعليكم انتم الشباب الملتزم ان تعيدوا الدين الى جادة الصواب. وما ارسلناك بالسيف إلا رحمة للعالمين
الرجل[ برفض] لا ..لا.. وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين. يقول النبي المصطفى:
أنما أنا رحمةٌ مُهداة.. لبستم ثوب الدين للدعاية، بهدف تشويه الاسلام ،
من اجل شهواتكم واحلامكم الشريرة التي نادى بها امراء خلافة الثلج ،
دين الاسلام دين الحق والعدل والاحسان
الداعشي[ باستغراب] خلافة الثلج؟!
الرجل : نعم. وها هي ستذوب امام ضربات الجحافل القادمة لتحريرنا من ظلمكم
الداعشي:[ ينتفض] سأقطع لسانك هذه المرة
الرجل: عشنا ثلاث سنوات من الصمت وكلمات الرفض بداخلي تتصارع، لكن جز الرؤوس جعلني اخرس! لعلي اجد حروفا للآهات المدفونة داخلي ،سأجعلها تطير وترفرف فوق ارواح الشهداء من بين الانقاض والركام الى عنان السماء.
الداعشي: هذا لأنكم خالفتم الشرع ودين الاسلام
الرجل: اختنق الضوء في لياليكم الثقيلة والاسلام منكم براء
الداعشي : كيف تقول لي هذا الكلام؟
الرجل : قبل 14 قرناً وصفكم الامام علي كرم الله وجهه:
[ صوت بطريقة الايكو: اذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض، فلا تحركوا ايديكم ولا ارجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم اصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق ويدعون الى الحق وليسوا من اهله، اسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يؤتى الله الحق من يشاء].الرجل: وها هي جنود الحق قد اتت لتنال منكم، كان الامام علي يراكم رأي العين! ترفعون شعار الدولة الاسلامية وهي منكم براء. ما اكثر الصور التي امتزج فيها الدمع بالدم، تقتلون بالظنة والريب، تتلاعبون بنا بفتاوى، كما يتلاعب الطفل بالكرة.
الداعشي: بل انتم لم تلتزموا بوثيقة المدينة وما يترتب من عقوبات لمن يرتكب الاثم والعصيان، مرتدين ..مرتدين .. كفار
الرجل: قدمنا قرابين لنتحرر منكم ،قوافل شهداء، مثلما استشهد الحسين عليه السلام ليحرر الجميع من اجل قضية انسانية قبل ان تكون دينية ، ضحى بأهل بيته وقدمهم قرابين
الداعشي: هذا ما تعلمته من ثورة الحسين؟
الرجل: نعم، تعلمت ايضا كيف اكون مظلوما فانتصر
الداعشي: لكن مقتله لا يخص منطقة ولا قوما بعينها
الرجل : الحسين حيا يرزق ،لازالت صورة الانسانية والدور في الشجاعة خالدة حتى يومنا هذا
الداعشي : لكن ثورة الحسين ماتت منذ قرون
الرجل: ثورة واقعية عاشت حية في ضمير احرار العالم
الداعشي: دولتنا قامت على نهج الخلافة ، فهي باقية لا تموت
الرجل: ههه . كفاك هراء يا رجل الثلج، لعنكم الله، فكم من بيوت عامرة وكم من قصور شامخة اختفت من وجه الارض!!
الداعشي: هذا هو حال الحرب ،كعادتها اليومية ، تمارس قذائفها في كل مكان ولا تفرق بين الاخضر واليابس
الرجل: وكم من اسرة كانت تظلها السعادة والتعاون والمحبة بين افرادها، لكن احاطهم الشقاء ونزلت بهم المصائب والمحن
الداعشي: لأنكم بعيدون عن طريق الحق ، بعيدون عن الاسلام
الرجل: بل قل طريق الظلالة يا رجل الثلج. يا لسعادتي بعد التعاسة ،يا لفرحتي حتى بعد ما عانيت ما عانيت ،جاءتكم حشود الحق، فلا مفر لكم! انظر؟ أسمع!
لا خلاص لكم!! لا مفر لكم!!
الداعشي: عنواني الشهادة يا هذا، لكن قل لي اذا فقدت ساقيك ماذا ستفعل؟
الرجل[ يفكر باستغراب] اذا فقدت ساقاي؟.. ساقاي؟ استطيع معانقة الجنود
الداعشي: واذا فقدت يديك ؟
الرجل[ يفكر بدهشة] اذا فقدت يداي ؟ يداي ؟استطيع ان ارقص في فرحة التحرير
الداعشي: واذا فقدت عينيك؟
الرجل[ باستغراب ودهشة] اذا فقدت عيناي؟ ..عيناي ؟استطيع سماع موسيقى مدينتي المحررة
الداعشي: واذا فقدت السمع؟
الرجل[ بحيرة الى ان يجد الجواب] اذا فقدت السمع ؟استطيع التمتع برؤية الابطال المحررين
الداعشي: واذا فقدت كل شيء؟
الرجل[ يتساءل ويهذي مع نفسه ] اذا فقدت كل شيء؟! [يعود يحدق النظر بخراب وركام بيته] ندى؟ نبيل؟ أم نبيل؟ اهلي؟ احبتي؟ مدينتي؟! استلقي على ارض مدينتي المحررة التي عادت الى حضن الوطن !!
{ آهات.. ظلام.. ينطلق صوت بطريقة الايكو: تموت اجيال وتحيا اجيال! وتفنى طغاة وتنقرض جبابرة ،وتجف الدماء ويبقى الامام الحسين خالداً ابد الزمان لا يموت!!}
(( النهاية ))