في ندوة عن كتابه “مغامرة التأصيل في مسرح الطيب الصديقي”: الناقد رشيد بناني ينبش في حفريات المسرح المغربي
المسرح نيوز ـ القاهرة ـ متابعات
ـ
احتضن المركب الثقافي يوم الخميس 29 أكتوبر/تشرين الأول، لقاء مع الناقد والباحث رشيد بناني لتقديم كتابه الذي هو في الأصل رسالته الأكاديمية التي أعدها في فرنسا، حول «مغامرة التأصيل في مسرح الطيب الصديقي».
الباحث رشيد بناني الذي وسمه المسرحي عبدالكريم برشيد برجل المسرح بامتياز، الناقد والباحث والمؤرخ، الذي بحث في المسرح المغربي قبل الاستقلال ونبش في حفرياته، الحامل لوعي نقدي يؤطر به جل كتاباته. كتاب رشيد بناني، يشير عبدالكريم برشيد، كبير في رؤيته لقامة من قامات المسرح المغربي والعربي، لرجل مسرح صاحب رؤية، ومن باحث وناقد عرف بهدوئه ورزانته في البحث.
«مغامرة التأصيل في مسرح الطيب الصديقي»، بحث في مسارات تجربة الصديقي، انطلاقا من النشأة وصولا إلى مرحلة الارتقاء لرجل جعل تجربته كل المسرح العالمي. من المسرح القديم إلى مسرح موليير وصولا إلى مرحلة التأسيس والتراث مع سلطان الطلبة، إلى أن فاجأ العالم العربي بمسرحية مقامات بديع الزمان الهمداني، التي أحدثت رجة في المسرح العربي. الصديقي الذي حمل روح التأسيس وآمن بالمسرح لغة وإبداعا، استطاع أن «يمغرب» المسرح من خلال الأشكال الفرجوية التي وظفها كـ»الحلقة».
ولعل هذا الكتاب، يؤكد المسرحي برشيد يجيب على سؤال حاجة المسرح المغربي إلى حفريات تنبش في تجاربه، مادام الإبداع المسرحي انتظم واستطاع أن يواصل تألقه. ويعتبر الصديقي أول المنظرين في المسرح المغربي، فهو أدخل فرجات جامع الفنا الشعبية والتراثية، وكان عاشقا للمجدوب وعاش حالة من جنون الإبداع. كما آمن بضرورة أن يذهب المسرح إلى الناس، لذلك قدم عروضه خارج البناية وله تجارب في هذا الباب في كل من مكناس والصويرة ومدن أخرى.
واعتبر الناقد رشيد بناني أنه لا يمكن الاحتفاء بمئوية المسرح المغربي، من خلال العروض فقط، بل يجب النظر إلى الوراء، ومحاولة الجواب على سؤال ماهي خصوصيات الإنجازات التي مر بها المسرح المغربي، ومسرح الطيب الصديقي محطة رائعة في هذا الباب. وللتعبير عن مكانة هذا الرجل المسرحي الاستثنائي، يرى الناقد بناني، ضرورة إبراز منجزاته والقيمة المضافة التي شكلتها بالنسبة للمسرح المغربي والوجدان الإنساني. الكتاب في الأصل رسالة أكاديمية قدمت في فرنسا باللغة الفرنسية، وتم إعادة ترجمتها إلى العربية. ولا يتوقف الكتاب عند المرحلة التي عرف بها الصديقي، أي مسرح البساط ومرحلة الصعود في الخمسينيات من القرن الماضي لتنتشر تجربته في الشرق، بل الكتاب يرصد المرحلة التأسيسية مع «فوزان» و»فيلار» ومرحلة إيمانه بأن المسرح الشعبي قادر على تقريب الثقافة من المواطنين البسطاء.
لقد تشبع الطيب الصديقي بالمسرح فنا ومضمونا، كفن تنويري للرقي بالإنسان، ومن حسن حظ الصديقي أن عاصر مراحل سياسية مهمة أعقبت الحرب العالمية الثانية ومرحلة مخاض الاستقلال، في مرحلة بدأ العديد من الدول يتخلص من أدران المستعمر ويبحث عن هويته الوطنية. عاصر الصديقي هذا التحول السياسي، واستطاع أن يستثمر ماهو موجود في هذه الثقافة الوطنية، حتى تصبح هي بدورها مزودا للوجدان العالمي بثقافات لم تكن معروفة من قبل. هذه المرحلة التي عرفت ظهور تيارات سياسية، كل تيار يدافع عن اختياراته الايديولوجية، وهو ما أعطى ثراء للمسرح.
يشير الناقد رشيد بناني إلى أن الطيب الصديقي، إلى جانب أنه وجه ثقافي لامع، كان تقنيا بارعا جدا في المسرح ومتمكنا من أدواته التقنية على الخشبة، بل طور العديد من العناصر المرتبطة بالجانب التقني في المسرح المغربي من الملابس إلى الديكور، ما جعله يترجم هذه المعرفة إلى صيغ تطبيقية على الخشبة. وهذه الصيغ بهرت الذين تابعوا تجربة الصديقي في المسرح، جمهورا وهيئات ومنظمات دولية، فمن «سلطان الطلبة» التي كانت سابقة في وقتها، إلى «الرباعيات»، إلى «سيدي عبدالرحمن المجدوب». وينبه الناقد رشيد بناني إلى أن مسرح الصديقي أرضى جميع الخطابات، من الخطاب اليساري المعارض للدولة «الأكباش يتمرنون، السفود…»، إلى الخطاب المهادن «سيدي عبدالرحمن المجدوب»، إلى خطاب السلطة «من خلال الملاحم الوطنية».
الطيب الصديقي: مسار حياة
ولد الطيب الصديقي عام 1937 في مدينة الصويرة في المغرب، في بيت علم. وتلقى تعليمه الابتدائي في مدينة الصويرة، وحصل على شهادة البكلوريا (الثانوية العامة) في مدينة الدار البيضاء، وسافر إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، فحصل على البكالوريوس في شعبة الآداب، وتلقى دورات تكوينية مسرحية قبل أن يعود إلى المغرب لاستئناف نشاطه الفني. اشتغل الصديقي ممثلا مسرحيا وسينمائيا، وشكل عدة فرق مسرحية. تولى منصب مدير فني للمسرح الوطني محمد الخامس في الرباط، ثم منصب مدير للمسرح البلدي في الدار البيضاء (1965-1977). بدأ الطيب الصديقي ممثلا في فرقة التمثيل المغربي، سميت بعد ذلك «فرقة المركز المغربي لـلأبحاث المسرحية»، بعد عودته من فرنسا طلبت منه نقابة «الاتحاد المغربي للشغل» تكوين فرقة «المسرح العمالي» سنة 1957 في مدينة الدار البيضاء، حيث قدمت في موسمها الأول مسرحية «الوارث» عام 1957. قدمت مسرحية «بين يوم وليلة» لتوفيق الحكيم، فمسرحية «المفتش» عام 1958، وفي سنة 1959 قدم مسرحية «الجنس اللطيف» المقتبسة عن أريستو فان.
أثناء انشغال الطيب الصديقي بالمسرح العمالي، استمر بشكل عرضي، داخل «فرقة التمثيل المغربي»، حيث شارك في مسرحية «مريض خاطرو» التي مثلت المغرب رسميا في مهرجان الأمم في باريس عام 1958. في بداية موسم 1960-1961، طلب منه مدير المسرح البلدي في الدار البيضاء، روجي سيليسي إنشاء فرقة تتخذ من المسرح البلدي مقرا لها، أصبحت تحمل اسم «فرقة المسرح البلدي»، قدمت في موسمها الأول مسرحية «الحسناء» التي اقتبسها الصديقي عن «أسطورة ليدي كوديفا» لجان كانول، ثم «رحلة شونغ لي» لساشا كيتري، و»مولاة الفندق» المقتبسة عن»اللوكانديرة» لكولدوني.
أعادت الفرقة أداء مسرحية «الوارث» التي قدمها المسرح العمالي، قبل أن يضع حدا لنشاطه في المسرح البلدي في مارس/آذار 1962، وينشئ فرقة تحمل اسمه في العام الموالي. استقر في إحدى القاعات السينمائيـة (سينما الكواكب) في أحد الأحياء الشعبية في الدار البيضاء، وفيها قام بإخراج مسرحية مقتبسة عن «لعبة الحب والمصادفة» للكاتب الفرنسي ماريفو.
ألف عام 1966 أول مسرحية «في الطريق» التي سيحولها هو نفسه إلى فيلم سينمائي بعنوان «الزفت»، وهي مسرحية اجتماعية، تعالج ظاهرة الأولياء (الأضرحة)، وفي الموسم نفسه، قدم مسرحية «مدينة النحاس»، انتقل بعدها إلى المسرح العالمي والعربي، من خلال الاقتباسات التي قدمها، وأظهر من خلالها فهمه العميق لحركة المسرح الكلاسيكي والطلائعي الجديد في العالم، وقدرته على التواصل مع أفكاره وخطابه، حيث تعامل في المرحلة اللاحقة مع التاريخ في فترات متقطعة، قبل أن يغوص في التراث الذي ركز اهتمامه عليه.
وقع على أعمال مهمة مستلهمة من التراث المغربي والعربي والإسلامي، وواكب الحركة المسرحية الحديثة في المغرب، منذ انطلاقتها بعد الاستقلال، وعايشها عن قرب عبر كل تحولاتها وازدهارها وانتكاساتها. ترجم الطيب الصديقي واقتبس أكثر من ثلاثين عملا دراميا، وكتب أكثر من ثلاثين نصا مسرحيا باللغتين العربية والفرنسية، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والأشرطة الوثائقية، ومثّل في عدد من الأفلام الأوروبية والعالمية، منها فيلم «الرسالة». اهتم بالفن التشكيلي، وساهم في تأليف كتاب حول الفنون التقليدية في الهندسة المعمارية الإسلامية. اشتهر بأعمال مسرحية مثل «مقامات بديع الزمان الهمداني»، و»سلطان الطلبة» و»ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب»، ومسرحية «مولاي إدريس»، ومسرحية «عزيزي» التي كانت آخر عمل درامي قدمه عام 2005 قبل أن يقعده المرض.
ـــــــــــــــــــــــ
عبدالحق ميفراني ـ القدس العربي