مقالات ودراسات

أثر التراث الشعبي في أدب الطفل.. مسرح الطفل نموذجاً


مجدي محفوظ

كاتب مسرح مصري

مقيم في الإمارات

ـ

لمسرح الطفل ارتباط كبير بالتراث الشعبي والحكايات الشعبية المشبعة بالفكر والأفكار المختلفة والتي تساعد الطفل على الخيال. تكمن أهمية التراث في المقام الأول بأنه هو الذي يعطي لشعب من الشعوب هويته الخاصة التي تميزه عن الشعوب الأخرى، وبدورها تضع هذا الشعب في مصاف الشعوب التاريخية التي لها تاريخ عريق تحتفي به. مقدمة: تمثل الحكايات الشعبية والألعاب والأشعار والأغاني وغيرها مما تواتر لنا عبر العصور والأزمان مورثاً ثقافياً وحضارياً وتراثاً شعبياً لدى الأمم تراكم عبر الأجيال ويحوي الكثير من القصص والحكايات والألعاب والفنون المختلفة،

هذا بالإضافة إلى أنه تراث إنساني خالد. وهو بالمقام الأول يمثل أهمية كبرى لدى الشعوب لتميز هويتهم الخاصة كمرجع تاريخي عريق لدى الأمم لتراكم المعرفة حتى ولو تشابهت الحكايات بين بعض البلدان المختلفة كشخصية جحا والتي تجدها في كثير من الحكايات الشعبية لدى الأعاجم و العرب والأتراك.

وحين تتاح الفرصة لزيارة الأماكن القديمة التي تمثل مورثاً حضارياً لدى الأمم نجد من يقوم بالتوضيح والشرح مجموعة من الرجال ورثوا عن طريق الآباء القصص والحكايات المنقوشة على الجدران جيلاً بعد جيل لحفظ هذا التراث الكبير. ولمسرح الطفل ارتباط كبير بالتراث الشعبي والحكايات الشعبية المشبعة بالفكر والأفكار المختلفة والتي تساعد الطفل على الخيال. ولقد استفاد الكثير من الكُتاب للكتابة لمسرح الطفل من هذا الموروث الثقافي الكبير وتقديمه بصور مختلفة ومتعددة تواكب العصر الذي يعيشه المجتمع.

وإذا أردنا تقديم عمل من هذه الأعمال في هذا العصر مثلاً فلا بد أن نضع نصب أعيننا طفل هذا العصر الذي يقتني الأجهزة الرقمية ويتواصل مع الجميع في أي مكان على أرجاء المعمورة ويحلق بخياله على الكبير في الفضاء والكواكب، إذن لابد أن تكون الحداثة والتكنولوجيا مرتبطة بهذا التراث لطفل اليوم وبصورة جمالية من التراث ودمجها في صورة الواقع الذي يعيشه طفل اليوم. هنا يظهر الدور الكبير لمسرح الطفل في حفظ هذا التراث الحضاري.

فلقد اعتمد مسرح الطفل في الوطن العربي على الكثير من هذه الأعمال سواء في صورة متكاملة أو أجزاء منها وربطها مباشرة بالواقع المسرحي. ومن خلال مشاهدتي لبعض الأعمال المسرحية المقدمة للطفل أو للمسرح المدرسي في دولة الإمارات شاهدت الكثير من الأعمال المسرحية التي طرحت بعض القصص من التراث الإماراتي والذي يمثل مخزوناً ثقافياً للأجيال القادمة للتعرف إلى ما كان يصنع الأجداد من خلال طرح الأعمال المسرحية وربطها بالواقع من تقدم وتكنولوجيا حديثة. والمشاهد للتراث العربي يجد تشابهاً ملحوظاً وإن اختلفت مسمياته بين بلد وآخر.

والتراث الشعبي ملهم للحكايات ليس على المستوى العربي فقط، بل والعالمي، حيث قصص ألف ليلة وليلة وغيرها من الأعمال التراثية التي حققت شهرة عالمية وكانت مخزوناً تراثياً إنسانياً كبيراً, لكننا اليوم وفي ظل الحداثة والعالم الرقمي كيف لنا أن نقدم لطفل اليوم الصور الشعبية القديمة في صورتها القديمة والتي لا تؤثر تأثيراً إيجابياً في طفل اليوم حيث صعود القمر, والخيال العلمي الكبير وتحقيق الذات, هنا لا بد وأن نقف كثيراً عند الحكايات الشعبية المليئة بالخيال والسحر الذي يستطيع أن ينمي خيال الطفل عبر آفاق بعيدة عبر الصور والأفكار فلابد للمؤلف والمخرج أن يقوما على الاشتغال بما يناسب الطفل دون إرباك عقله من تقديم ما يسخر منه بحيث يؤخذ في الاعتبار الكثير من الحوارات الهادفة والصور الجمالية التي تنمي ذاكرته وتحترم ذاته دون الالتفات إلى ما يؤثر فيه سلبياً من حكايات التراث.

مثلاً: مدى تأثير صندوق الدنيا وخيال الظل والأراجوز والحكواتي والحاوي والسامر وغيرها مما كان له الأثر الكبير في مخيلة الطفل في الماضي. وحينما كنت أشاهد مسرح السامر في قريتي في بداية السبعينيات , كان يقوم عليه مجموعة من الهواة في البلدة وكانوا يعملون في أعمالهم صباحاً وفي المساء وبعد صلاة التراويح يتجمع الكل في دائرة كبيرة وعلى ضوء (الكلوب) وبجوارك بائعو الحلوى والتسالي ويقوم الهواة بتقديم فقرات كثيرة متعددة عن طريق الارتجال،

وكانت تصب في كيفية مقاومة المصريين للإنجليز بطرق كثيرة من خيالهم وكانت تلاقي استحساناً كبيراً من المشاهدين، وفي الصباح حيث الحكايات ماذا فعل أبطال السامر بالأمس, في المشهد المقدم , وكيف يواجه الباعة وأبناء الحارة الضابط الإنجليزي وعساكره وكيف يقدم المصريون الخطط للتنكيل بهم والتخلص منهم كان لهذه الحكايات والمشاهد أثر في نفوس الصغار والكبار مما جعل طلاب المدارس يقومون بتجسيد بعض هذه المشاهد في مدارسهم، فكان لهذا الرافد الشعبي الأصيل دور كبير في توجيه الأطفال إلى حب الوطن من الصغر دون التوجيه المباشر لهم والذي يمثل النصيحة المباشرة التي تسبب الملل للطفل. وتكمن أهمية التراث في المقام الأول بأنه هو الذي يعطي لشعب من الشعوب هويته الخاصة التي تميزه عن الشعوب الأخرى، وبدورها تضع هذا الشعب في مصاف الشعوب التاريخية التي لها تاريخ عريق تحتفي به، والأجمل هو أن يكون هذا التاريخ العريق قد أسهم في تطوير الشعوب.

وتعدّ أهمية التراث هي في مساهمته الكبيرة في تراكم المعرفة خاصة ما وُرِّث من العلوم، فهذا الإرث هو إرث عظيم ليس لشعب من الشعوب فقط، بل للإنسانية جمعاء. أيضاً فإن التراث هو المحدد الأول والأخير لثقافة شعب من الشعوب ويسهم بشكل رئيسي في تكوين محصله ثقافية لدى الطفل منذ الصغر، ولكن يجدر التنبيه هنا إلى أن روح العصر قد لا تتحمل ولا تستوعب بعض ما يأتي في التراث، لهذا السبب فإنه ينبغي أن يتم عرض التراث على العصر، فإن توافق معه أُخذ به وإن لم يتوافق معه تم الاحتفاظ به في الذاكرة الشعبية.

وتكمن أهمية التراث أيضاً في أنه أساس الحضارة، فالحضارة والمدنية لا تعنيان إطلاقاً أنّ التراث يعيق عجلة تقدمها، فالعديد من الأمم تعدّ في الصفوف الأولى عالمياً مع احتفاظها بتراثها الجميل، وهذه رسالة لمن يخجلون. فهذا الموقف من التراث هو بمثابة محو ذاكرة الإنسان والابتعاد عن تراثه , وإذا أقدم الإنسان على ذلك فقد ابتعد عن أصله وتاريخه ويصعب عليه إعادته مرة أخرى.

ــــــــــــ

الرافد

أغسطس 2016


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock