نصوص

“أنا صوتى حلو يا أزهار” .. مونودراما للشاعر والكاتب المسرحي: مأمون الحجاجى


مأمون الحجاجي.. شاعر وكاتب من مصر

ـ

كل شيىء يمكننا أن نجيده إما بالاعتياد عليه أو بالتدرب على تحمله ، الا الفراق يظل معركتنا الخاسرة ، جولة تعقبها جوالات

المسرح يشى بمكان نائى عير محدد المعالم به متناقضات الأشياء
يفتح الستار على الديكور الذى يصدر للمتفرج إحساس الغربة والوحدة والإضاءة المرنبكة تؤكد هذا الاحساس، من يسار المسرح يدخل الرجل راكبا دراجته ببطء بما يشى بأنه غير قادر على قيادتها ويلف المسرح مرتين قبل أن يتوقف فى منتصف المسرح لحظة فبل أن ينزل من الدراجة وكأنه إتخذ فرار حرب
( وبثقة رجل أمن قبض على قاتل)

: نعم بالضبط
هذا هو المكان المناسب (يبلع ريقه ) نعم هو تتوافر فيه كل المواصفات لكى تتجح التجربة… هنا يمكننى أن أصرخ دون أن أزعج أحداً ،أو ِأشعر بالذنب، وهنا أستطيع أن ألوم نفسى دون اتهام الآخرين لى بالجنون
،ولو عنّت لى أغنية لن يمنعنى أحد من الغناء بحجة رداءة صوتى ، الناس كلهم يغنون الا أنا بالرغم من أن صوتى أنا أحلى منهم ، زوجتى .. لا سامحها الله ( يتلفت حوله ليتأكد أنها لا تسمعه ) تقول لى كلما سمعتنى _ ان أنكر الاصوات لصوت الحمير ـ ،

هنا مكان عبقرى (لأفعل) كل ما أريد … نعم وهنا سوف أسب الأستاذ عبد الجبار رئيسى فى العمل ، بل وسأناديه باسمه مجردا دون ألقاب وسأقول له
: يا عبد الجبار أننى أكرهك يا غبى ، أنا أفهم فى عمل الأرشيف أكثر منك ، بل يا عبد الجبار أنت لا تفهم من الأساس ..( يصمت ) … (وكأنه يحدث نفسه ) هذه فرصة يجب أن أنتهزها ، يجب أن تعرف زوجتى المستبدة أننى لا أحبها وأن صوتى جميل ( يبدأ فى الغناء وفتبدو رداءة صوته )
(يغني أغنية شعبية رديئة لأوجا وأورتيجا فتبدو رداءة صوته)
يا ليل الصب متى غده
أقيام اساعة موعده
الله الله ( باعجاب شديد ) نعم صونى حلو ، ثم ماذا لو جاملتنى ؟ ألم أجاملها طوال عمرى وأنا أكذب أنها جميلة جدا ..سامحنى الله .. والله لن يصدقنى أحد فقد قلت وربى يسامحنى لأننى مضطر
: أنها رشيقة مثل الغزال …
( وكأنه ينادى ) ياأزهار أنتِ ضحمة مثل بلدوزر ،، وأنا البطل الذى تحملت أن أتزوج بلدوزرا ، لماذا تزمجرين كمدفع وتصرخين كدبابة ؟ إن نسيت مرة وغنيت دون قصد فى الحمّام ، (يتلفت حوله ليتأكد أن لا أحد يراقيه ) …. ثم أنت يا عم وهبه تطالبنى بخفض صوتى الذى يزعجك وأنت نائم … كيف وأنا الساكن فى الدور الأرضى يزعجك صوتى ،وأنت تسكن الدور السابع ؟ ثم أنت لا تفعل شيئا ، أى شيىء منذ خروجكِ على المعاش سوى النوم .. لم أستطع أن أقنعك أبدا ، الآن دعنى لآن أزعجك بعمد وقصد ، أنا سوف أصعد
لشقتك ، وأضع يدى على جرس الباب ، حتى تقوم من نومك منزعجا كفأر وأرد لك بعضا مما فعلت بى ، وسأقول للناس أن صوت شخيرك يزعج البهائم والطيور الجارحه

(موسيقى تشى بالنصر )
أنا ومع الأسف جربت كل الطرق لكى أجعل عبد الجبار يحبنى .. لأجله تعلمت التدخين لكى أعطيه السجائر كى يرضى عنى ، لكنه يأخذ سجائرى ولا يغير طبعه الردىء بل ويتفنن فى مضايقنى ،
أزهار التى اتهمتنى بالسفه ويجب الحجر علىّ،لمجرد شرائى باقة ورد لها فى عيد ميلادها ، وقالت أن مشاهدة التلفاز/ قراءة الأشعار والروايات أتلفتنى ، وأنى لا أصلح لعمل أى شيىء ، لأننى محدود الموهبة (يضحك بعصبية ثم يقول بخيبة) بل وفاسد العقل مثل بقية أهلى ، أنا لقد حاولت أن أصادق عم وهبة وأدعوه لشرب الشاى على حسابى على المقهى القريب ،
رفض بشدة وقال منزعجا أنه لا يحب ضجيج المقاهى ، وهو يحب أن بستريح ويخلد للنوم مبكرا ، أنا لا أعرف مما يريد وهبة أن يستريح؟ ومع ذلك قلت لا بأس، المهم أن يبعد عن طريقى، كل الطرق جربتها طمعا فى عقد هدنة مؤقتة على الأقل مع هؤلاء الأشرار ، لقد جربت البحث عن عمل اخر أبعد به عن وجه عبد الجبار فلم أجد
لأن على ما يبدو أن كثيرين مثلى يبحثون عن عمل ، وبرغم أن أزهار تأحذ راتبى كله ،بحثت عن السكن بعيدا عن شخيروهبة ، لم أجد وكأن المساكن وأصحابها تحالفوا ضدى فتراجعت وأنا أكثر إنكسارا، ولا يمكننى لسوء حظى تطليق أزهار لن مؤخر صداقها ضخم لا أقدر عليه ، (موسيقى وهو يركب دراجته ويلف المسرح
كفل فرحان بهدية أبيه وبشكل من تعلم فيادة الدراجة هذا الأسبوع )
( يتوقف متسائلا )

ماذا أفعل وطاقة الصبر لدى نفدت / لقد نفد صبري! والقطن الذى أضعه في أذنيّ أذناى ليحجب أصواتهم عنى قد فشل مثلى فى أداء مهمته ، ولسانى الذى لا يتوقف عن الدعاء عليهم ، لم يجد لحظة استجابة (موسيقى تناسب لحظة الانكسار ) حتى قررت بعد تفكير عميق ،كيف لى أن يحقق المعادلة الصعبة للتخلص منهم بضربة واحدة ؟
ما هو هو الحل الذى يضمن لى عملا شريفا، دون أن ألتجأ إلى هؤلاء التافهين؟ (يضحك بفخر) وجدته.. وجدته!
نعم وجدته!.. نعم هو .. إنه حل هو شاق بدرجة كبيرة وخطر/ خطيرة بدرجة أشد لكنه وعلى الأقل أكثر رحمة من رئيس جاهل وفظ، كما أن الحل يوفر مكان السكن دون مقابل غير.. (لحظة صمت وموسيقى متوترة كأنه يفكر ثم موسيقى توحي بالمفاجأة مع نطقه الكلمة التالية)
السجن!
نعم السجن .. ( وكأنه يحسبها مع نفسه أوكأنه يرد على سؤال) بالطبع لا أقصد السجن.. السجن، بالطبع لا أقصد السجن الذي تعرفون، لأننى لا أعرف كيف ترتكب الجرائم التى تستوجب هذا السجن ؟، وإن كان السجن أفضل لأنه على الأقل سيبعدنى عن وجه (أزهار) ، الحل سحرى و حتى لا تستطيع (أزهار ) ( بفرح شديد ) بكل مكرها الوصول لهذا العمل ولا لى بالطبع ، كما وسيتيح هذا العمل الرائع جدا والذى لا يخالف القانون ، والذي يتيح لي البعد عن صوت شخير الجار / عم وهبة الذى لا يهدأ ( موسيقى مناسبة )
التطوع سأتطوّع فى الجيش ( موسيقى وهو يركب دراجته بتفس الطريقة السابقة ويلف المسرح أيضا بنفس الطريقة، ثم يتوقف فى نفس المكان تقريبا وهو يغنى )
أخى جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
( يكمل كلامه السابق )
أنا لكنني لا يمكنني أن أظل هاربا أظل هاربا هكذا، ليس لدىّ ما أفعله سوى بالمشى فى الشوارع ، والفرجة على فاترينات المحال، والجلوس على بالمقاهى هنا وهناك حتى حفظني النادل عن ظهر قلب، والتمعن فى وجوه المارة عسى أن أجد فيها ما يشبه وجه إتقاءُ لشر عبد الجبار ووهبة وأزهار.. فأفعل بهما ما حلمت فعله فيهم.. سأتحرش بهم وأفتعل خناقات يحلف بها الرائح والغادي، حتى يتوسلوا لي جميعا أن أتركهم لحالهم صباحا وللبعد عن أزهارووهبة فى المساء ،
(ينزل من فوق عجلته، يدور دورة على المسرح تبدو على الشاشة من خلفه صورته وهو يجلس في السينما ثم مستلقيا على أحد الأسرة في عربة إسعاف متبرعا بدمه )و.. جربت كل شيىء .. كل شيىء .. كل شيىء ( يعد على أصباعه ) الذهاب للسينما، والمشاركة فى حملات التبرع بالدم، وأرسلت قصتى لبرامج عديدة من مثل.. أنا والنجوم وهواك) (نسمع صوت المذيع أسامة منير وكأنه يرحب به ويناديه باسمه) وبرنامج .. (نحن معك ) و ( همسة عتاب ) و ( وجوه على الطريق )، وكلهم.. (يائسا) كلهم لم يردوا علىّ

التطوع فى الجيش هو الحل ( موسيقى )
قمت باستيفاء كافة الأوراق المطلوبة وجهزت الإجابات على الأسئلة المتوقعة فى مثل هذا الموقف العصيب.. من عينة خدمة الأوطان لا تعترف بالسن ،و الوطن وطننا جميعا، هذا آوان رد الجميل له، الاعداء يتربصون به لم يحالفنى الحظ
فى التجنيد وأنا شاب يتيم الأبوين ولكونى وحيد ، …. وأنا طوال عمرى كنت وحيدا وسأظل، كبر سنى هذا لا يمنعنى من أداء فريضة الدم ،تقوس ساقاى ستتولى هذه الدراجة علاجهما بمدوامة ركوبها وستنجح فى إصلاحهما ، وقصر الطول بالتدريبات المستمرة على جهاز العقلة سيكون الأمر على ما يرام
هكذا .. هكذا لم يرد الضابط على توسلاتى له بإعطائى الفرصة وسأكون على الرغم من أنني وعدته أن أكون عند حسن ظنه ، هو لم يعر دموعى التى هطلت وبللت ملابسى إهتماما ،وفشلت نظرات كلماتي ودموعي و توسلاتى له فى أن ترقق قلبه علىّ، قال الضابط (يثقلده بطريقة عسكرية) كلاما عن خدمة الأوطان تكون فى كل المجالات ،هل تصدقونني إن قلت لكم؟ لقد رأيت الشفقة فى عيون من حولى الحزن لحالى، ثم مضوا مضى هؤلاء الذين أسميهم ..أولاد الحلال قبل أن أحدثهم عن تفاصيل مأساتى
(موسيقى توحي بدوامة ثم ينظر لدراجته بتوسل ) لم يبق لى غيرك ، أحتاج لعونكِ ، ( موسيقى وهو يركب الدراجة ويلف بها المكان ويبدو أنه لا يجيد التحكم فى قيادتها ثم يقع على الأرض )
(ينفض ملابسه وهو يكمل كلامه للدراجة) كل أمالى متعلقة بكِ ، سأرد بكِ عليهم جميعا (ويخرج من جيبه ورقة الجريدة ويفتحها بفرحة من وجد كنزا ويبدأ فى قراءة ورقة الجريدة) يقام غدا السباق العالمى للدراجات تبلغ مسافة السباق عشرين كيلو مترا ( يتوقف عن القراءة ) مازالت الفرصة أمامى سانحة للتريب الجيد والاستعداد الجاد للسباق ( يهزرأسه بشكل الواثق من الفوز ويكمل القراءة) ويشارك فى سباق التحدى نخبة من أبطال اللعبة ( يضحك ) مساكين والله ، ربما كانوا مثلى بحاجة للفوز؟( بتصميم ) لا شأن لى بأحد ، هم لديهم من الفرص الاخرى لحل مشاكلهم ، ولكن أنا هذه فرصتى الأخيرة ولن أدعها تهرب منى ( بتوتر واضح يكمل القراءة ) وتبلغ الحائزة الأولى للفائز بالسباق مائة ألف دولار أمريكى وكما تبلغ قيمة الجائزة الثانية ثما … (يتوقف عن القراءة ) لا داعى لمعرفة باقى الجوائز( يطبق ورقة الجريدة بسعادة بالغة ) ( فيما تعلو الموسيقى )

فمبلغ الجائزة يكفى لتحقيق كل أحلامى ( بسعادة واضحة كطفل ) ساعتها يمكتتى الاستقالة من الأرشيف وأرحم نفسي من جهامة وجه عبد الجبار والذي سأدخن نعم ..سأدخن دون أن أعزم عليه
( بفرحة غامرة) و.. و.. (بصوت خفيض كأنما يوشوشهم) وسأُطلق ( أزهار ) ، نعم سأطلقها بالثلاثة .. وسأغنى وسأكون مستمتعا جدا حين أراها مغتاظة مني ولأول مرة لا تقدر أن تواجهني برأيها في صوتي وسأصرخ في وجهها مخرجا لساني لها وأنا أغيظها ، سأصرخ في وجهها المنتفخ كدبة (يفعل) أنا صوتى حلو يا أزهار.. (متراجعا لكن بثقة .. )
وبفرض أنه ليس حلوا، لكنه يعجبنى ، أنا حر، وأنتِ لا وجه شبه بينك وبين الغزال ، أنتِ شبه البلدوزر،نعم وسأشترى محل ورد وأهديه لنفسى ، وو وكذلك سأشترى العمارة التي أسكن في دورها الأرضي الرطب .. وأطرد وهبة منها .. آه لو يمكننى أن أجعله ينام فى الشارع ، ليسمع كل الناس صوت شخيره إلا أنا طبعا

(موسيقى تصاحب ركوبه الدراجه للتدريب ويلف المسرح )
( يقع أكثر من مرة ثم يقوم ، لكنه يقوم فى هذه المرة بصعوبة ويده على قلبه ( الإضاءة تشير لحلول الليل ) آه قلبى يؤلمنى ويدق بسرعة ، ( نسمع دقات قلب مسرعة) لا لن أستسلم ( يحدث نفسه ) كان علىّ أن ألا أنسى دواء السكرى والضغط والمفاصل آآآآه ( يحاول ركوب الدراجة فلا يقدر) (الاضاءة تشير بالدوار الذى يشعر به بثلاثة أشباح يلفون حوله (وتقع الدراجة من يده على الأرض ) (يتأوه فنسمع صدى صوت آهاته) آآآآآآآآآآآآآآآآه( تبدو وكأن هناك أشباح تكاد تفترسه لامرأة سمينة ورجل بطربوش وصوت شخير وبرامج.. ومارة .. إلخ فيما يشير للهواء ويمكن للسينوغرافيا والإضاءة الاشتغال على ذلك للاشباح ) اذهبوا بعيدا لا أريد أن أراكم آآه ( يشير لأحدالاتجاهات الأشباح وهو ينهج من التعب..) كفى .. كفى أرجوكم.. أنا لست في أي شيء سوى عملي.. (يصرخ) أفهم فى الأرشيف أكثر منك يا عبد الجبار ( يشير للشيح الثانى ) آآآه صوت شخيرك مزعج يا وهبة ( يشير للشبح الثالث ) آآآآآآآآه أنا صوتى حلو يا ( أزهار ) (يسقط ببطء مع موسيقى مناسبة وإضاءة مبهرة …. ليقع فى النهاية من على الدراجه وكأنه يحتضنها(

(ستار )


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock