مقالات ودراسات
إشكالية المصطلح المسرحي عند العرب بين القديم والحديث “المصطلح المسرحي عند العرب ” نموذجا
المسرح نيوز ـ المغرب |د.عتيقة هاشمي
ـ
تقديم: يعتبر كتاب المصطلح المسرحي عند العرب لكاتبه الناقد أحمد بلخيري بالنظر إلى السياق التاريخي الذي صدر فيه وهو سنة 1999 علامة بارزة في حركة النقد المسرحي المعاصر بالمغرب في خضم استشرافها لآفاق دراسة جديدة ومغايرة لما كان سائدا من قبل، ذلك ان الناقد استهدف تتبع المصطلح المسرحي تحليلا وتقويما وتوجيها وأرشفة. وأن يقدم أحمد بلخيري عملا نقديا في مجالا المسرح وبالضبط المصطلح المسرحي في هذه الفترة التي بدأت تشهد ظهور دراسات أولى تتناول المسرح إبداعا ونقدا ونظرية في شكل أبحاث جادة ورصينة في المغرب، فذلك ليس عملا طارئا إنما هو عمل يعكس تطورا في مشهد الدراسات النقدية الحديثة بالمغرب،
خاصة وأن النقد المسرحي المغربي سينفتح في هذه الفترة على مجموعة من المناهج النقدية الأكثر تجريبا ومعاصرة، مستفيدا في ذلك من نظريات الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب، إن التطور الفني والدرامي يتماهى مع تطور المجتمع المغربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا. وقد ترتب عن كل هذا أن شهد النقد المغربي مجموعة من الطفرات على مستوى النظرية والتطبيق والرؤية، وعندما صرحت بأن كتب المصطلح المسرحي عند العرب شكل مفترقا في الدراسات النقدية المسرحية بالمغرب، فإنني نظرت إلى ما أعقب هذا العمل من أبحاث هامة، وكيف استثمر في قراءة المسرح العربي والمغربي. فكيف عالج بلخيري المصطلح المسرحي في الثقافة العربية القديمة والحديثة ؟ وكيف تناول المعجم المسرحي؟ مجال الكتاب: أبادر إلى القول أن الطريقة المنهجية التي سأتناول بها قراءة هذا الكتاب، ستأخذ بعين الاعتبار خصوصيته فهو كتاب نقدي، وليس رواية،
لذلك أقول أنه يندرج ضمن الخطاب النقدي الذي يلتقي بالمقالة الموضوعية في الاعتماد على الاستدلال والبرهنة ووضوح المقصد في تبليغ الفكرة التي يناقاشها الكاتب، ثم إن النقد الأدبي باعتباره لغة ثانية على حد تعبير رولان بارت موضوعها العمل الأدبي يظل ممارسة معرفية تنصب على المفاهيم والرؤى والمناهج، وهو ما يفسر اهتمام النقاد بالنص المسرحي باعتباره متنا لغويا مكتوبا قابلا للقراءة النقدية المتأنية، غير أن الملاحظ هو غياب الاهتمام بالإخراج والسينوغرافيا والعرض، ولعل مرد ذلك إلى عدم وجودها في متناول الناقد أثناء مزاولته العمل النقدي ثم إن السبب في هذا الانحصار في حدود المستوى اللفظي له تفسيره الموصول كذلك بنمط الكتابة النقدية العربية في المسرح.
والتي لم تحسم بعد في الفصل بين النقد المسرحي القديم الذي يندرج ضمن النقد الأدبي، وبين النقد المسرحي حديث، أو ما يعرف بالنقد الفني، ومع أن ما يحف بالممارسة النقدية فإنه لا يلغي الرغبة في الاحتكام غلى معايير مضبوطة تنتج حكما موضوعيا ، ولعل المدارس الفلسفية والعلمية أدى الى بلورة نظريات اتجاهات النقدية غيرت ووسعت المفاهيم. عنوان الكتاب: من الملفت للنظر ان العنوان يحظى بأهمية متميزة في الدراسات النقدية المعاصرة بالنظر إلى علاقته بموضوع النص، ثم إنه أولى العتبات النصية التي تخلق لدى المتلقي رغبة في اقتحام النص برؤية مسبقة في غالب الأحيان « … فالعتبات النصية علامات دلالية تشرع أبواب النص أمام المتلقي، القارئ وتشحنه بالدفعة الزاخرة بروح الولوج إلى أعماقه » ويكفي الرجوع إلى كتاب العتبات النصية لجرار جنيت للوقوف عند أهمية العنوان باعتباره عتبة أساسية يتعذر الإمساك بأبعاد النص ودلالاته دون التوقف عنده. وعنوان المصطلح المسرحي عند العرب يؤشر على بعد تاريخي ذلك أن انفتاح العرب على المصطلح المسرحي يرتبط بتعرفهم على كتاب “فن الشعر” لأرسطو إبان العصر العباسي حيث ازدهرت حركة الترجمة فعمد الكثير من الفلاسفة والشراح العرب أمثال متى بن يونس، والفارابي وابن سينا وابن رشد إلى شرح المصطلح المسرحي اليوناني وفهم محتواه رغم ان الثقافة العربية كانت تخلو من ثقافة مسرحية، وهي تجربة استدعت اقتراحا فنيا جديدا يحملها إلى القارئ ، فكان النص المسرحي بصطلحاته ورؤاه ومضامينه وأنساقه. قراءة في المحتوى: المقدمة : لقد تتبع الكتاب في مجمله المصطلح المسرحي عنج العرب من حيث المفهوم، عالج فيه احمد بلخيري قضية المصطلح المسرحي حيث أنصف الناقد العربي القديم حين وقف مطولا عند مكانته وكيف أنهه تميز بموسوعية معرفية تجاوزت حدود الفلسفة إلى المسرح حيث تناول الناقد العربي القديم المصطلحات المسرحية بمعان مغايرة ومن ذلك مصطلح التراجيديا والكوميديا ،
وهنا نجد أحمد بلخيري يستعرض جملة من المصطلحات التي تحيل عليها عرفها لانقد العربي القديم حيث قرن ابن رشد التراجيديا بالمديح وهو غير المدح ، لأن المديح مرتبط بالفعل بينما المدح مرتبط بالشخص، في حين قرن الكوميديا بالهجاء كما اشار إلى التداعي بالمقاربة بين الرموز الدرامية والأنواع الشعرية وهو ما عابه النقاد المعاصرون على النقاد العرب القدماء ، غير أن بلخيري وقف موقف المؤيد للمنظور القديم واستدل على وعي النقاد العرب القدماء بجرد لتجربة كل من متي بن يونس ، والفرابي، وابن سينا الفصل الأول: نلفي الناقد في هذا الفصل يقف مطولا عند المصطلحات المسرحية التي ترجمها النقاد العرب قديما بالاستناد إلى كتاب “فن الشعر” لأرسطو كما سبقت الإشارة. ما يشدنا هنا ان الناقد أحمد بلخيري أبان عن وعي النقاد العرب بأهداف المصطلح المسرحي ومراميه ، وبالتالي يكون هؤلاء قد تجاوزوا مرحلة التلقي، ومع ذلك اتهموا بقصورهم عن فهم المصطلح المسرحي.
والملاحظ في هذا الفصل أن الناقد بدا موسوعيا حين أورد لكل مصطلح باللغة العربية مقابله باللغة الفرنسية الفصل الثاني : في هذا الفصل تجاوز أحمد بلخيري الإشتغال على المصطلح المسرحي إلى الاشتغال على الكتاب المسرحيين ذواتهم، مركزا على علاقة المعجم بالمسرح من خلال نماذج توقف عنها تفصيلا ( قاموس ) المسرح و ( الإخراج المسرحي) و مختارات من المسرحيات العالمية ) وومعجم المصطلحات الدرامية والمسرحية) و( المصطلحات العربية المعاصرة) و ( مقدمة مسرحية السحب)، هؤلاء الكتاب عمدوا إلى نقل المصطلح المسرحي بالعرض والنقد . الفصل الثالث : عنون الناقد هذا الفصل بالمصطلح المسرحي في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة
حيث استعرض عددا من النقاد العرب منهم محمد مندور، محمد عزيز، يوسف العاني ، يوسف ادريس، توفيق الحكيم، فرحان بلبل، عبد الحميد يونس، علي الراعي، عبد العزيز حمودة انطلاقا من الوقوف عند عدد من المصطلحات المسرحية مستفيضا في مفاهيمها كالإنارة والإتشرك و الأيقون والإيهام، ووالاقتباس والبابة والارتجال والبطل والبنية الدرامية والتأصيل، والتراجيديا والتمسرح والتحول والتجريب والتياترو والجدار الرابع والحدث والحوار الدرامي وخيال الظل والرواية والرواوي والرمز والشخصية ووالصراع والعرض المسرحي… وهو بذلك اراد تأصيل المصطلح المسرحي العربي
الفصل الرابع: لقد خصه الناقد للمسرح المغربي من خلال تتبعه للعديد من المصطلحات المسرحية قديمها وحديثها التي وردت عند الكتاب المسرحين المغاربة وقد اعتمد في هذا الفصل ثلاثة نماذج وهم حسن المنيعي، ومحمد الكغاط، ومحمد المديوني . كان الناقد في معرض حديثه يورد ملاحظات نقدية هامة خاصة عند نهاية كل فصل، وأكثر ما طبع ملاحظاته هي الموضوعية التي اتسم بها طيلة رحلة كتابه وليدعم ذلك ألحق دراسته بعدد من الملاحق التي أبانت عن جدية العمل.
خاتمة . لا تتجلّى فرادة هذا الكتاب الضخم في كونه مرجعا متميزا في المصطلح المسرحي فقط وإنّما في شموليته وعمقه، وفي منهجيته العلمية الصارمة وفي نزاهته. والكاتب في جوهره لا تخفي شغف الناقد بالمجال المسرحي حيث ظهر مختبراً حقيقياً للثقافة المسرحية وللفن المسرحي. ولأن مادة الكتاب دسمة يصعب اختصاره ، وفي اعتقادي الخاص 234 صفحة تحتاج إلى قراءة خاصّة نظراً الى شموليّتها. فالناقد لم يكتفِ بمراجعة بانورامية للمصطلح المسرحي بل عكف على تقديم الشروحات الوافية لها كما قدم لكل مصطلح ترجمة باللغة الفرنسية، وتوقّفت نقدياً عند كتابات مسرحية عربية ومغربية قديمة وحديثة. ختاما أرى أنّ المصطلح المسرحي بشكل عام وإن كان قد اقترن بجو الطقوس والاحتفال عند اليونان إلا أنه ولد من صميم حركة الأفكار منذ العهد القديم إلى العصر الحديث