االناقد أحمد خميس يكتب: “ليلة الفخراني” من ألف ليلة و ليلة .. الناس موتى وأهل الحُب أحياء
أحمد خميس
كاتب وناقد مسرحي ـ مصر
ـ
بهذه الكلمات الصادقة اهدى يحيى الفخرانى المسرحية الغنائية ليلة من الف ليلة وليلة تأليف بيرم التونسى والحان احمد صدقى واخراج محسن حلمى لروح المبدع نور الشريف الابن البار للمسرح القومى والذى وافته المنية منذ عدة ايام.
والحقيقة الملفتة فى الاوبريت الغنائى الذى قدم فى افتتاح المسرح القومى أننا التقينا مع جانب مهم من جوانب موهبة يحيى الفخرانى الذى يتلون صوتيا حسب مقاس الشخصية التى يلعبها وحسب المواقف التى يتيحها المؤلف للشخصية ولا يحيد عنها مؤمنا أن النجاح يأتى من الاخلاص والادراك وتفهم طبيعة تكوين الحدث وقدرته على المرور بسهولة للمتلقى , فرغم أن المساحة التمثيلية داخل نسيج العمل لا تتيح له التواجد الدائم على خشبة المسرح وموزعة على عدد من المواقف والاحداث والشخصيات , الا ان النجم يحيى الفخرانى يدخل الاختبار بعناية فائقة وجهد كبير ورقة فى ملامسة مكامن الشخصية ونقاط قوتها ولا يفرض وجوده على بقية الاحداث والمواقف فالنجومية عنده للعمل الجماعى الموزع على عدد من الشخصيات والاحداث ونجاح العمل سيأتى حتما من ذلك التكوين المتنوع الخلاق والذى يتيح الفرصة لعناصر العرض المسرحى فى بزوغها وتأثيرها الجمالى الفاعل.
والمتابع للمسرح الغنائى المصرى سيجد ان هذا الاتجاه العبقرى المفتقد لم يعد له وجود يذكر منذ فترة طويلة رغم عشق المصريين له والاسباب التى ادت لعدم وجوده فى رأيى كثيرة ولعل اهمها هو عزوف الشعراء أنفسهم عن الاهتمام بالمسرح الغنائى كونه يحتاج لجهد فائق وموهبة كبيرة وعشق لذلك الفن الاصيل ومعرفة حقيقية باصول كتابته , كما أن لطبيعة الانتاج دورا سلبيا بارزا فلن تجده فى قطاعات وزارة الثقافة المختلفة ولن تجده فى المسرح الخاصر رغم انتشاره وتأثيره البالغ فى اوروبا وامريكا. وهى قضية نتمنى مناقشتها على اوسع نطاق فى الاوساط الثقافية التى تتمنى تطوير الانتاج المسرحى فى مصر وتسعى اليه.
وكاتب المسرحية بيرم التونسى واحد من اهم كتاب الاوبريت الغنائى فى الوطن العربى وله العديد من الاسهامات فى هذا المجال نذكر منها – شهرزاد الملكة اللعوب التى تضعف امام شهواتها وتقع فى حب زعبلة الجندى المصرى البسيط ولكنه يرفض حبها ويعود لبنت بلده التى يعشقها , واوبريت عزيزة ويونس الذى اخذه عن احدى حكايات السيرة الهلالية واوبريت يوم القيامة الى جانب مجموعة اخرى من الاوبريتات المهملة بلا سبب وجيه.
المسرحية نفسها – ليلة من الف ليلة – كان قد تم تقديمها عام 1994 بمشاركة على الحجار وانغام واخراج محسن حلمى ويعيدها اليوم المسرح القومى بنجوم غنائية مختلفة فقد لعب دور الخليفة المغنى المصرى اللامع محمد محسن ولعبت المغنية المصرية التى تعد اكتشافا جيدا جدا هبة مجدى دور نجف بناء على رغبة يحيى الفخرانى الذى يقدم فيها شخصية شحاتة الذى اختطفت زوجته منذ فترة من احد اللصوص والذى يعمل كشحات ونصاب وبالصدفة البحتة يلتقى بخاطف الزوجة (لطفى لبيب) ليدخل معه فى معارك وهمية بسيطة التكوين تنتهى بالانتقام من السارق بقتله وقتل ابنة قائد الحرس لينتهى الحدث المسرحى وقد تاب شحاتة فجأة لاطمئنانه على ابنته نجف التى سوف يتزوجها الخليفة والذى تغاضى عن كون شحاتة قاتلا وحراميا ونصابا لأنه يحب نجف ابنته ويجدها الفتاة المثالية التى وقعت فى حبه دون معرفة مسبقة بكونه الخليفة فالبنت منذ البداية كانت تعرفه كفلاح بسيط ابن جناينى فى قصر الخليفة.
بناء المسرحية وروحها العميقة استلهمهما بيرم التونسى من حكايات الف ليلة وليلة المليئة بالأساطير والحكايات الشعبية , وبنية النص مغرية لاى مخرج يحب المفارقات الصارخة بين عالم الاثرياء والفقراء والتيمات القائمة على الخلطة السحرية التى تجمع عدة موضوعات مشوقة تتعلق بتفسخ اهل السلطة وبيان مدى سطوتهم وجبروتهم , كما انها تنتصر للخليفة الهمام الذى يريد أن يحقق العدل وينتصر للحق والذى ينزل بين الناس فى الاسواق ويقع فى حب فتاة عادية قابلها بالصدفة وينتصر لوجودها بجانبه على العرش طالما انها تحبه دون طمع أو معرفة مسبقة بأصله ونسبه وكما ان العمل الغنائى ينطوى على عدة لهجات عربية تتيح التنوع والعمق الجمالى.
ورغم الاهتمام الفائق من مهندس الديكور محمد الغرباوى بتكوين منظر مميز لكل مشهد معتنيا فيه بطبيعة التكوين المختلف الخارج من عباءة تفسير الحدث وخلفيات التكوين الدرامى للشخصيات الا انك تصطدم عادة باعاقة المنظر للحركة المسرحية فالتكوين السينوغرافى الفائق لم يراع ضيق خشبة المسرح وفتحة البروسينيوم وهو ما ادى لاختناق الحركة المسرحية سواء فى المشاهد التمثيلية أو الاستعراضات , فعظمة تكوين المناظر المسرحية وتنوع اساليب العمارة فيها لن يكتملا الا بالوعى بطبيعة الخشبة ووضع النسب التى تتوافق وطبيعة الحركة على خشبة المسرح وتنوع مصادرها , والغرباوى يعرف بخبرته الكبيرة تلك التفصيلة واهميتها للعمل الدرامى ولكنها غواية الصورة ودورها الفاعل فى السيطرة على مخيلة المتلقى فقد صنع مهندس الديكور سبعة مناظر تنوعت بين ساحة المسجد فى بغداد والسوق التجارية ومنزل شحاتة وقصر قائد الحرس وقصر الخليفة والسجن فى قصر الخليفة وقاعة الحريم فى قصر قائد الحرس وهى مسألة ليست هينة سواء فى التكوين او تغيير المناظر , وقد اشفقت على مصممى الاستعراضات (فاروق الشريف ومحمد أبو سريع) لضيق المساحة المتاحة لهما كى يقدما معادلا استعراضيا مناسبا لطبيعة الاحداث ولكنهما ورغم ذلك الضيق الواضح استطاعا تقديم تكوينات حركية تنطوى على افكار حركية ذكية تستغل المساحات الضيقة وتضفى نعومة وتنوعا فى المشهد المسرحى المقدم على خشبة المسرح.
وجاءت ازياء نعيمة عجمى كما توقعناها مزركشة ومليئة بالتنوع والرقى فهى واحدة من افضل مصممى الازياء فى الوطن العربى وتخرج تصميماتها عادة من عباءة الشخصيات الدرامية فالزى مناسب دائما لطبيعة تكوين الشخصية وواع بمنهج الاخراج , فان كان النص يتحدث عن فروق صارخة بين الشخصيات فالزى يحقق تلك الفرضية الاساسية ومن ناحية اخرى ان كانت روح العمل تميل للكوميديا الخفيفة فنسيج صناعة الزى يعتنى بتلك التفصيلة المميزة لطبيعة العمل.
وقد ادى لطفى لبيب دور السارق بألمعية وسهولة معروفة عنه ولم ينزلق لطريقته المعهودة فى الخروج على النص واختلاق احداث موازية , كما لمع ضياء عبد الخالق فى دور قائد الحرس بتكوينه الصارم وتحولات الشخصية بين الانتقام والعربدة وكذا نجحت سلمى غريب رغم وجودها القليل على خشبة المسرح فى تقديم شخصية المرأة اللعوب بنعومة ويسر واتقان.
والفروق الواضحة فى صناعة الشخصيات لم تمنع اصحاب الادوار غير الرئيسية المكونة للحدث من تلوين شخصياتهم والظهور بالمظهر الذى يليق والعمل الضخم على خشبة المسرح القومى: عماد العروسى وحسام الشربينى وخالد جمال ومحمد العزايزى وسامى المصرى وهشام الشربينى ومى حمدى وعبد العزيز محمود ومايكل ناجى وهديل البدرى وحمدى حسن ومصطفى براء.
__________________________
جريدة القاهرة