مقالات ودراسات
الأكاديمي العراقي د. علي الربيعي يكتب عن: “أقدمُ نقدٍ وجِّه إلى كتاب المسرحية في الأدب العربي الحديث”!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. علي الربيعي
لا يختلف اثنان في أهمية كتاب (المسرحية في الادب العربي الحديث ١٨٤٧-١٩١٤ ) للاستاذ الدكتور محمد يوسف نجم رحمه الله، حتى أنه من الندرة جداً أن تجد باحثًا يبحث في المسرح العربي لم يرجع إليه، فهو مصدر غني بمعلوماته لغزارتها وكثافتها. والكتاب في أصله رسالة دكتوراه تحصَّل على درجتها نجم في سنة ١٩٥٤ في كلية الآداب وتحت إشراف الأستاذين عبد الوهاب حمودة وشوقي ضيّف ، ولعلها أول رسالة دكتوراه في المسرحية العربية بحسب علمي، ومن ثم طبعت في كتاب في بيروت في سنة ١٩٥٦. وما يميز الكتاب أن مؤلفه لم يدخر وسيلة من دون أن يبذلها في جمع مادته، فرجع إلى آلاف الصحف التي لابست الموضوعات ، ورجع إلى عشرات المصادر التي اغترف منها مادة لدراسته، وبذلك هيأ للدارسين والباحثين معينًا ثرًا يغترفون منه مدَّة من الزمن.
واليوم سأتوقف عند أقدم نقد (بحسب علمي المتواضع) وُجِّه للكتاب في العالم العربي ، كتبه الاستاذ يحيى الجبوري بصفحات عديدة ونشره في إحدى الدوريات البغدادية في ٩ / ٧ / ١٩٥٦, أي بعد أيام قليلة من صدور الكتاب وتوزيعه في المكتبات. وبصرف النظر عن اتفاقي مع الناقد أو اختلافي معه في ما جاء في نقده بكليته أو في أجزاءٍ منه، إلا أنني بعملي هذا إنما أوثِّق حدثًا مرَّ عليه أربع وستون سنة ، وإنني سأكتفي بعرض ايجاز لبعض النقاط التي بحسب السيد الجبوري – من وجهة نظره – أنها شكّلت مآخذًا على الكتاب، وإن المؤلف ( أي نجم ) لم يحسن التعامل معها تعاملًا ممنهجًا، كما فعل مع كتابه ( القصة في الادب العربي*) .
فالجبوري يفتتح المقالة بقوله : ( …. عندما أخرج الدكتور محمد يوسف نجم كتابه عن المسرحية في الادب العربي الحديث، استبشرت وهرعت إلى الكتاب ألتهم صفحاته. وكنت أحسب أن الأستاذ وهو جامعي معروف قد أرَّخ المسرحية في الأدب العربي واعطانا صورة واضحة عن مناهلها في الأدب العربي، إن لم أقل اليوناني ، ولكنه مع الأسف خيَّب آمالًا كثيرة فيما أحسب. وعند دراسة كل اتجاه أدبي جديد أو تيار أو فن من الفنون في لغة ما يرجع إلى أصوله وجذوره لتبيان تطوره والخطوط الأصيلة التي كونته وطريقة انتقاله والمؤثرات التي طرأت عليه وأثرت فيه. والمعروف أن المسرحية بنت الغرب ، أو قل بنت اليونان القدماء ، فالقارىء العربي لا يدري ما هي المسرحية وكيف تكونت وتطورت وتم انتقالها إلى الأدب العربي ، والدكتور نجم يعلم أن المنهج العلمي يتطلب أن يهيء للموضوع تمهيدًا تاريخيًا لفترة الانتقال ، أو دراسة طفولة الشيء وأصله وهو قد فعل هذا في كتابه القصة في الادب العربي ! ولم يفعل في المسرحية على ضخامة الصفحات واسهاب موضوعاتها ؟).
وينتقل الجبوري إلى موضوع آخر فيقول :
( …. إن الجهود التي بذلها المؤلف في البحث عن الاخبار المسرحية في الصحف القديمة ، جهود مضنية حقًا ، فقد ألمَّ بمجموعات كبيرة من هذه الأخبار والتعليقات والمقالات التي ترجمها عن الصحف الفرنسية والإنكليزية فيما كتبه الرحالة الأجانب عن وجود المسارح في مصر ولبنان وسورية ، وقد استنفدت هذه الجهود حوالي ١٧٢ صفحة ، ولكن القارئ لا يخرج من هذه الصفحات الكثار بغير نقلٍ واختصارات من هنا وهناك . نعم إن جمع المعلومات واختيار المصادر له أثره في التأليف ، إلا أن القضية حسب ما أعتقد ليست في جمع المعلومات وترتيبها تأريخيًا ، ولكن العبرة من الاستنتاج والقاء أضواء على حالة المسرح آنذاك والخروج بمادة جديدة تعطينا نتائج ذلك البحث والتأليف ).
ويذهب الجبوري إلى نقطة أخرى ، ويقول فيها : ( … إن المسارح – كما تقول الصحف – كانت موجودة في مصر ولبنان وسورية ، ولكن ما قيمة تلك المسارح وما هي الظروف التي أحاطت بها وما هي أسباب نجاحها أو فشلها ؟ كيف تم انتقالها من الغرب ؟ وكيف كان تقبل الجمهور لها ؟ وما هي عقليته وانطباعاته من كل قطر من هذه الأقطار ؟ هذه الأسئلة تتبادر للذهن وتنتظر الجواب ).
ويقف الناقد الجبوري عند مسألة اعداد النصوص المسرحية ، ويقول في ذلك : ( … يذكر مسرحيات معربة أو مترجمة خاضعة لتبديلات وتحويرات جديدة تكاد تبعد عن المسرحية الأصلية وهو يعدد بعض المسرحيات التي لم تنل حظًا من الشهرة ولم تترجم للعربية في كتاب ، وانما ترجمها المخرج المسرحي ليمثلها ، والاستاذ يذهب في حديث طويل عن الضعف والبتر والتغيير في الترجمة من غير أن يعطينا صورة ولو مختصرة عن المسرحية لنتذكر إن كنا قرأناها أو نأخذ صورة ولو ملمومة عن الأصل . فالقارئ في هذه الحالة يقف على الهامش من مناقشات المؤلف ، وكمثال على ذلك مآسي راسين الشعرية وهي استيرو أفغانية واسكندر الاكبر، وقد ترجمها محمد عثمان جلال إلى الزجل المصري ، ومع ذلك فالمؤلف يتكلم عن هذه المسرحيات دون أن يعطينا فكرة عن الحوادث عند راسين وعند جلال ويوازن بينهما **).
ويعرج الجبوري على موضوع المسرحية التاريخيةالتي توقَّف عندها الدكتور محمد يوسف نجم، فيقول الجبوري : ( المسرحية التاريخية عند العرب هي نفسها عند الأوروبيين ، وإن التقيّد بها واضح مع شيء من التحوير البسيط ، فمسرحية المروءة والوفاء*** ، وإن كانت موضوعة فهي من حوادثها وخطوطها العامة تشبه إلى حد كبير مسرحيات شكسبير في مواقفها العاطفية والغرامية مثل. – رجلان من فيرونا ، وحلم ليلة صيف – وكذلك مسرحيات كورني وراسين. والذي فات المؤلف هو أن يضع يده على هذا النقل ويبين منشأه وانتقاله ).
وللجبوري وجهة نظر في موقف نجم من المسرحية الدينية، فيقول في ذلك : ( … الموضوعات العامة التي استقيت من الكتب المقدسة هي نفسها نقلت إلى الشرق ، وقد مرت على المسرحية الدينية ادوار وظروف وأثرَّت فيها عوامل كنسية لم نعرفها مع الأسف فلو أن المؤلف ذكر شيئاً عن تلك الظروف التي كانت في فرنسا وإيطاليا ، لوضعنا أيدينا على مشكلات كثيرة ، ونفس الأمر يقال عن المسرحية الاجتماعية ).
ويتوقف الجبوري عند نقطة يحسبها جوهرية لم يحسن نجم التعامل معها ، وفي ذلك يقول : ( … مما يؤخذ على المؤلف أنه يعرض المسرحيات فجأة بعد مقدمة قصيرة لا تلقي ضوءًا على الموضوع ، فالقارئ لا يعرف ما هي المسرحية الدينية وخصائصها وسماتها العامة . وكانما المفروض أن نلم بالمسرحيات التي مثلت ونستعرضها وحسب ، لا أن ندرس الموضوع العام وتكشّف جوانبه التي لا زالت غامضة . وأعتقد أن هذه خطأة شائعة عند كل من يؤرخ للأدب العربي منهم يبذلون جهوداً كبيرة لضبط المؤلفين والكتاب وما عندهم من تأليف. أما التيار الأدبي طبيعته ، نشؤه ، تطوره ، قيمة هذا التيار وخصائصه ، فهذا شيء يطرحوه جانباً ).
وبعد ، فإن المقالة النقدية للسيد الجبوري توقفت أيضًا عند موضوعات الترجمة ، والتمثيل ، والإخراج ، وسيكون لنا وقفة أخرى معها.
————————————————————————–
الهوامش من وضعنا :
* – كتاب ( القصة في الادب العربي ) في أصله رسالة ماجستير تقدم بها محمد يوسف نجم إلى كلية الآداب سنة ١٩٥١ وتحت إشراف الاستاذ أمين الخولي ، ومن ثم طبعها في كتاب.
** – قام الدكتور محمد يوسف نجم بدراسة نصوص محمد عثمان جلال ومضاهاتها مع نصوص راسين بدراسة منفردة وطبعها مع نصوص جلال بكتاب مستقل في مطبعة سميا في بيروت في سنة ١٩٦٤.
*** – مسرحية المرؤة والوفاء من تأليف خليل اليازجي وهي أول مسرحية شعرية في المسرح العربي ألفها في سنة ١٨٧٦.