حوارات

الإعلامي المسرحي المصري “عماد جمعه إمام” : معظم الحكومات العربية ترى في نهضة المسرح خطرا عليها وتخشاه باستثناء حاكم الشارقة!


حاوره من باريس ــ حميد عقبي

ــ

عبر هذه النافذة الثقافية الدولية كان لنا وقفات مهمة للخوض في المشهد المسرحي العربي ونشرنا أكثر من خمسين حوار وتوقفنا مع قضايا شائكة عديدة حول أزمة المسرح وهمومه خصوصا في المغرب العربي والعراق حيث تمكنا من التواصل مع شخصيات فنية ووجدنا منها الترحيب والتجاوب ومانزال نرحب ونبحث عن شهادات لمناقشة وتحليل الكثير من الظواهر وفهمها وليس لغرض زخرفة أو الدعاية لضيوفنا.
محطتنا اليوم مع الكاتب والصحفي المصري عماد جمعه إمام ــ المقيم في الكويت ــ وهو محرر بمجلة المسرح وسكرتير تحرير مجلة عالم الفن في الكويت حاليا، له بعض الإصدارات تناولت قضايا ومواضيع مسرحية وهو يعتبر المسرح الفن الذي يخاطب العقل والوجدان ويلتحم مع القضايا الحياتية ويمنحنا المتعة.
سنتطرق في هدا النقاش لقضايا مهمة عن المسرح المصري الذي يراه ضيفنا أنه مازال له تأثيره داخل مصر وخارجها كونه ضمن المكونات التجارية والصناعية وكما يتطرق إلى قضايا حساسة ويرى أن المهرجانات المسرحية العربية نخبوية وأغلب العروض تخاطب لجان التحكيم دون النظر إلى الجمهور …نرحب بضيفنا الكريم ونشكره على مساهمته في هذا النقاش الممتع.
*صف لنا المشهد المسرحي المصري ؟
بالتأكيد بعد ثورة 25 يناير ارتبكت الحياة الفنية في مصر خاصة المسرح الخاص الذي يعتمد على النجوم أصحاب الأجور الكبيرة وتوتر الحالة الأمنية لم يكن يسمح للناس بالخروج والسهر فغاب المسرح الخاص وبقى مسرح الدولة الذي قدم عددا من الأعمال المسرحية مثل”زنزانة لكل مواطن” و”سلقط في ملقط” و”اللي خايف يروح” و”محصلش” وهى موضوعات سياسية تناقش الثورة ضد الحاكم الديكتاتور وهى موضوعات تتماهى مع الأحداث الجارية في فترة ما بعد 25 يناير وتدريجيا مع استقرار الحالة الأمنية انتعش مسرح الدولة في ظل غياب المسرح الخاص واستقطب النجوم مثل يحيى الفخراني في “ليلة من الف ليلة وليلة” على المسرح القومي والتي حققت نجاحا منقطع النظير وكذلك مسرحية “غيبوبة ” للنجم أحمد بدير على مسرح السلام ومسرحية “أنا الرئيس″ لسامح حسين فالمشهد المسرحي المصري يشهد انتعاشة حالية في مسرح الدولة خاصة بعد النجاحات التي حققها الفنان فتوح أحمد رئيس البيت الفني للمسرح الذي تقاعد هذا الشهر.

*هل فقدت مصر الريادة الفنية؟
لا أعتقد أن مصر فقدت الريادة الفنية لأنها ظلت ولعدة عقود بوصلة لتوجيه الفنون في العالم العربي سلبا وإيجابا فإذا ازدهر المسرح في مصر تجده يزدهر وينتعش في أقطار عربية عديدة والعكس صحيح وهذا يدل على قوة تأثير المنتج الفني المصري وليس بالضرورة جودته لأنه ببساطة الفنون في مصر سواء السينما أو الدراما أو المسرح يدخل في مكوناتها الصناعة والتجارة ويعتمد عليها جيش من العاملين وهذه المنظومة غير موجودة في أي قطر عربي فهناك غزارة في الإنتاج قد تعادل أو تفوق إنتاج الدول العربية مجتمعة واعتقد أن الدول الخليجية هي الأكثر تأثرا بالفن المصري فيما دول المغرب العربي هي الأقل تأثرا وتعتمد على الإنتاج النوعي وإتباع سياسة الكيف لا الكم بمعنى أن أعمالها نخبوية تسعى للمهرجانات وتخاطب الطبقة المثقفة فقط في كثير من الأحيان وهذا يجعلها معزولة عن الجماهير فيما السياسة الفنية المصرية تعتمد على الكم لا الكيف وهى بذلك تصل لقاعدة عريضة ـــ خاصة مع معرفة جميع الأقطار العربية باللهجة المصرية ـــ حاملة سلبياتها وايجابياتها لكل الوطن العربي وعلى كل قطر أن يقوم بعملية فلترة خاصة به لكن تظل مصر نتفق أو نختلف في التفاصيل هي الأكثر تأثيرا في محيطنا العربي.
* تكثر المهرجانات المسرحية العربية يصاحبها الكثير من الضجيج الإعلامي لكن قاعات الفرجة خالية وحتى نسب مشاهدة العروض موقع اليوتيوب تظل متواضعة … ما أسباب عزوف الجمهور وقلة تفاعله مع المسرح؟ ولماذا لا يطرح هذا السؤال بجدية؟
هناك الكثير من المهرجانات المسرحية العربية التي تمتد بامتداد وطننا العربي وهى مهرجانات موجهة في معظمها إلى الفئات النخبوية أي المهتمين بالمسرح وطلبة المعاهد الفنية والعاملين فيه سواء كانوا فنانين أو فنيين حيث تجتهد الفرق المسرحية للتنافس على جوائز المهرجان ومخاطبة لجان التحكيم دون النظر إلى الجمهور فهو لا يعنيها غالبا وبذلك تظل الدائرة مغلقة على فئة محدودة وندور في هذا الفلك منذ سنوات طويلة دون جهد حقيقي وفاعل للوصول إلى الطبقة العريضة من الجماهير وبالتالي من المنطقي عزوف هذه الجماهير عن المشاركة والتفاعل مع هذه المهرجانات إلا فيما ندر خاصة أن الفكرة السائدة أن عروض المهرجانات “دمها تقيل” وتخاطب العقل والفكر من وجهة نظر جمهور ترسخ في ذهنه ولعدة عقود أن المسرح يعنى “الفرفشة” والضحك والمتعة والرقص والاستعراض وبالطبع هذا الجمهور لن يتابع المسرح على اليوتيوب أما فكرة عدم طرح هذا السؤال بجدية لأننا نقع في إشكالية المسرحيون يرون تقديم مسرح نوعي يرتقى بذائقة الجماهير ويرفعها إليه ولا ينزل هو إليها والجماهير ترى أن هذا المسرح يستعلي عليها ولا يخاطبها ولا يتفاعل مع قضاياها الحياتية فهو لا يمثلها أما على المستوى الرسمي فالحكومات العربية ترى في نهضة المسرح خطر عليها وتخشاه خاصة إذا التحمت به الجماهير فلا تفكر في دعمه والنهوض به باستثناء حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي فهو حالة استثنائية في تاريخنا المسرحي.

*ماذا يعني لك المسرح؟
المسرح بالنسبة لي هو ذلك الفن الذي يخاطب عقلي ووجداني ويلتحم مع قضاياي الحياتية ويمنحنى المتعة والفرجة لأخرج منه أكثر تطهيرا وتنويرا وفهما للحياة وأكثر قدرة على التفاعل معها
* يحدث في بعض المهرجانات المسرحية العربية وجود عروض سيئة ويقال السبب أزمة نص أو قلة الدعم الإنتاجي..كيف تحلل هذه الحالة؟
لابد من تشكيل لجان للمشاهدة موثوق فيها ولا تشوبها شائبة المجاملة تعمل على تصفية واختيار العروض ذات المستوى الجيد والتي تسمح لها بالدخول في المنافسة بالمهرجان واستبعاد العروض الضعيفة ، والعروض الجيدة تعرف كيف تختار نصوصها وفى المهرجانات يمكن الاستعانة بنصوص عالمية وتقديمها برؤية جديدة والمسرح الجيد ليس بالضرورة مكلفا أو يعتمد على قوة الإنتاج والدعم فهذه أمور يمكن التغلب عليها لو كان هناك إبداع حقيقى وقدرة على الابتكار.
*هل من تخوف على مستقبل المسرح المصري خصوصا في ظل قلة الدعم الرسمي وشعور بالإحباط لدى شريحة كبيرة من أهل المسرح؟
دائما ميزانية وزارات الثقافة في الدول العربية ومنها مصر هي الأقل ويحصل المسرح على أقل القليل من هذه الميزانية بدليل قبل أيام توقفت مجلة المسرح التي كانت تصدر منذ الستينيات في مصر وقبلها كانت غير منتظمة ومتعثرة فالمثقفون في مواقع المسؤولية لا يحبون المسرح ولا ندرى ما سر هذا العداء أو الإهمال المتعمد للمسرح فالمسرح الخاص في مصر متعثر ومسرح الدولة مكتظ بالفنانين الموظفين الذين يتقاضون أجورا ضعيفة وهذا ما يشعرهم بالإحباط لكن يظل الأمل موجودا من خلال حلول ابتكاريه واستقطاب النجوم لمسرح الدولة لإحداث انتعاشة مسرحية
* تم تكريمك عن تأليف كتاب الفنان القدير سعد الفرج ممثل الشعب في مهرجان الكويت الدولي للمونودراما..حدثنا عن الكتاب؟ وشعورك لهذا التكريم؟
بدون شك لحظة التكريم في حياة أي كاتب أو فنان تكون لحظة استثنائية يشعر فيها بالتقدير والاحترام من الآخرين لجهوده ودأبه في عمله وتغمره السعادة مما يكون له أطيب الأثر في نفسه ودفعه على مواصلة العطاء وأنتهز هذه الفرصة لتوجيه الشكر لرئيس المهرجان ومؤسسه الفنان القدير جمال اللهو على ثقته وتكليفه لي بانجاز هذا الكتاب في الدورة الأخيرة من مهرجان المونودراما وهو يتناول مسيرة الفنان الكويتي القدير سعد الفرج منذ بداياته في مرحلة الطفولة وكيف اتجه إلى التمثيل والمسؤوليات الإدارية والفنية التي تولاها سواء في تلفزيون الكويت أو مع فرقة المسرح العربي وبعثاته للخارج وكذلك أعماله السينمائية وتميزها على قلتها ودوره الريادي في مجال المسرح ككاتب وممثل وإلقاء الضوء على عشرات الأعمال المسرحية التي قدمها وأثارت جدلا منها “هذا سيفوه” التي توقفت وكاد أن يدخل فريق عملها إلى السجن علاوة على عشرات الأعمال الدرامية التلفزيونية ورصد الكثير من الآراء له في الفن والحياة وشهادات معاصريه في فنه وحياته ومواقفهم معه.
* حضرت مؤخرا الدورة الرابعة للمهرجان العربي لمسرح الطفل في الكويت..ليتك تلخص لنا بعض رؤيتك عن أهم العروض؟
لعل المهرجان العربي لمسرح الطفل هو الوحيد في الكويت الذي يرفع لافتة كامل العدد بسبب إقبال الأسر مع أطفالها على عروض المهرجان المجانية التي تتسم بالبساطة والقيم التربوية والتعليمية فعلى سبيل المثال العرض الفائز بجائزة المهرجان هو “مدينة الفئران” لفرقة الجيل الواعي ويدور حول مجموعة من الفئران يعيشون في بيت من البيوت القديمة وهذا البيت اشتراه تاجر ويريد أن يحول البيت إلى متجر لبيع القطط وهنا نتعلم قيمة الاتحاد في مواجهة هذا الخطر القادم كذلك من العروض الفائزة “مدينة الألوان” لفرقة مسرح الخليج العربي وفيها تحاول ملكة مدينة الظلام محو مدينة الألوان ونشر ظلامها وتنجح إلى حد ما إلا أنها تواجه بموقف صلب من أهل مدينة الألوان الذين يتمسكون بالأمل في الانتصار عليها حتى يحققوا هدفهم لنتمسك بالأمل في تحقيق طموحاتنا وهكذا تأتي معظم العروض “بائعة الكبريت” لفرقة كارمن التونسية ومن الإمارات “سيمفونية مهرة” ومن لبنان “جاد ويارا” وكذلك “رحلة شوق وحمود” لجمعية الإبداع الكويتية للثقافة وتدور حول قيم بسيطة وجميلة تقدم في إطار مشوق وممتع للطفل بعيدا عن الخطابية والمباشرة التي ينفر منها الأطفال.
* أنت مقيم في الكويت ليتك تصف لنا المشهد المسرحي الكويتي وخصوصياته المتميزة؟
المشهد المسرحي الكويتي حاليا ينحصر في العروض المهرجانية التي تقدم في العديد من المهرجانات المسرحية التي تقام طوال العام وهى عروض نوعية يشارك فيها شباب موهوب وأكاديمي نجحت في إثراء الساحة المسرحية بكوادر فنية وضخت دماء جديدة في شرايين الحياة المسرحية والعروض التي ترتبط بالأعياد وغالبا تكون موجهة للأطفال وهدفها الربح وعروض المناسبات الوطنية وتكون مدعومة من الدولة ويغلب عليها الطابع الاحتفالي وعروض القطاع الخاص التي تقدم للجماهير بمشاركة كبار النجوم وهى كوميدية غالبا
*يقال إن المسرح العربي بشكل عام يشهد تعثرا وتقهقرا كبيرين هل تتفق مع هذا القول وكيف يمكن وقف هذا التعثر؟

المسرح العربي يتقهقر أمام السينما والدراما والسوشيال ميديا بسبب طغيان وسيطرة الشركات الإعلانية التجارية التي تجنى أرقاما خيالية برغم تفاهة بعض الأعمال والبرامج التي تقدمها وتصرف عليها الملايين وتحقق نسب مشاهدة عالية لأنه تم تغييب عقل المواطن العربي عن عمد ومخاطبة غرائزه وإغراقه بالتوافه وبسبب هروب المسرحيين أنفسهم إلى هذه “الميديا” لارتفاع العوائد المادية وتحقيق شهرة أسرع وأكبر وبسبب عزوف الجماهير فهذا الجيل من الجماهير غير مؤهل في معظمه لمشاهدة المسرح وعشقه والحل من وجهة نظري في تربية أجيال جديدة على حب المسرح وعشقه بحيث يصبح في مدارسنا وأنديتنا وجامعاتنا لخلق كوادر واكتشاف مواهب وتهيئة بيئة صالحة لعودة المسرح الذي يخاطب العقول وليس الجيوب والغرائز ويمتع القلوب ويهذب النفوس ساعتها فقط لن يشاهد هذا الجيل التوافه ولن يقبل بها فتحقق شركات الإنتاج والإعلانات خسائر فتنسحب تاركة الساحة للمواهب الحقيقية التي لا تسعى إلى الربح بقدر ما تسعي إلى تقديم رسالة وقيمة فنية تعيد للأوطان قيمها النبيلة وأهدافها السامية فالجماهير في النهاية هي “مربط الفرس″ والتعويل عليها وعلى المخلصين ممن يصمدون أمام طغيان المادة الذي أفقد الكثيرين توازنهم.
*يسارع البعض وصف أعمالهم بعبارات تجريبي وما بعد الحداثة وغيرها فهل وصلت فعلاً بعض التجارب الشبابية إلى هذه القمة؟

لا يمكن لأحد أن يصل إلى مرحلة المسرح التجريبي إلا بعد أن يفهم ويهضم المسرح التقليدي أولا ويتمرد على المسرح الارسطي ثم يبدأ في تكسير القواعد والتمرد عليها في إطار علمي وليس فوضوى وعشوائي فالبعض يظن أن مجرد الاستغناء عن الكلمة والحوار والاعتماد على التعبير الجسدي أنه يقدم مسرحا تجريبيا وللأسف الكلمة فضفاضة ففتحت الطريق لبعض المخرجين الشباب لكي يقولوا ما يشاءون فلا يوجد تعريف محدد لهذا المصطلح وقد نوقش كثيرا في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وانتهى الأمر بتعريفات كثيرة مطاطة لكن هذا لا يمنع وجود تجارب شبابية مميزة وأقرب ما تكون إلى التجريب الذي يتجاوز السائد مثل مسرحية “القلعة” لفرقة المسرح الكويتي والتي حصدت ثلاثة جوائز في مهرجان الكويت المسرحي في دورته الأخيرة في ديسمبر الماضي ثم حصدت جائزة مهرجان المسرح العربي في دورته الثامنة والذي نظمته الهيئة العربية للمسرح في الكويت من تأليف عبد الأمير شمخي وإخراج علي الحسيني وبطولة الثنائي أحمد السلمان وفيصل العميري.

* لاحظت تذمرا من شخصيات مغربية تقول أن بلدان خليجية تستنزف الخبرات المسرحية المغربية والعربية وتقيدها في وظائف ثانوية أدارية أو إعلامية فتحرمنا من هذه الطاقات ويعجز هؤلاء عن تحقيق مشاريعهم الفنية نظرا لمساحة حرية التعبير الضيقة للمقيم فيها…هل لك تعليقا عن هذا الطرح؟
كما يقولون العقد شريعة المتعاقدين فلا توجد دولة خليجية تجبر أحدا على العمل بها ويستطيع صاحب الخبرة المسرحية بصرف النظر عن جنسيته الانسحاب بهدوء إذا كان هذا العمل لا يلبى طموحاته ومشروعه الفني في ظل عادات وتقاليد وقوانين وأعراف تلك الدول والتي علينا احترامها بالضرورة فلابد من إحداث توازن مابين تنفيذ المشروع الفني والالتزام بقوانين البلد المقيم فيها إلا إذا كان صاحب الخبرة قانعا بالعائد المادي على حساب مشروعه الفني.

* البعض يتهم المهرجانات المسرحية العربية بمجاملة الفرق المسرحية الخليجية بجوائز وتكريمات ومعاملة خاصة ..ما وجهة نظرك حول هذه القضية؟

المجاملة هي آفة مهرجاناتنا المسرحية العربية بشكل عام وسبب تدني مستوى العروض وهى سمة موجودة في كثير من المهرجانا

ـــــــــــــــ

المصدر:

رأي اليوم


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock