الباحث المسرحي أحمد محمود سعيد يكتب: شخصية القناع في مسرح يسري الجندي – واقدساه- أنموذجًا.

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

 

 

تُعدُّ الشخصية في النص المسرحي محورًا رئيسًا في تشكيل بنيته سواء أكانت على خشبة المسرح أم على الورق بين يدي المؤلف، فهي بمثابة العمود الفقري الذي يقوم عليه بناء العمل الدرامي، فلا يوجد صراع أو حدث أو حوار دون شخصية، وهذا ما يؤكده الدكتور عبد القادر القط بقوله” إذا كانت المسرحية- تعرض- عن طريق الحوار والحركة، قصة ما ذات دلالات خاصة، فإنها لا بد بالضرورة أن تشتمل على شخصيات تُحدث وقائع هذه القصة أو تُحدث لها بعض وقائعها”.

والقناع في اللُّغة (MASK) يقصد به- كما ورد عند ابن منظور في لسان العرب” ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها” فانتقل المعنى اللُّغوي لهذا المصطلح إلى المسرح بالدلالة نفسها إذ إنه ظهر بوصفه غطاء على الوجه يستخدمه الممثل في العروض المسرحية وغايته من ذلك عدم الظهور المباشر أمام المتفرجيين فهي إذًا أداة فنية مهمة لجأ إليها المسرحيون للتعبير عن تجاربهم.

لو تمعَنَّا النظر في مسرح الجندي نجد أنه اتَّخذ من الشخصيات التاريخية  قناعًا يُدلي من خلاله بآرائه السياسية وتطلعاته الفكرية، فالشخصيات التراثية معينٌ خصب للتوظيف القناعي؛ لأنها شخصيات مرنة غير ثابتة، قابلة للتأويلات؛ لذلك تصبح الشخصية التراثية ببعدها الدرامي رداءً يتخفى خلفه الكاتب مستفيدًا من رمزيته ومبتعدًا عن مواجهة السلطة والاحتكاك بها.

ويؤكد ذلك قول الدكتور علي عشري زايد في حديثه عن استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر إذ يقول” إن الشخصيات التاريخية ليست مجرد ظواهر كونية عابرة تنتهي لانتهاء وجودها الواقعي، فإن لها إلى جانب ذلك دلالتها الشمولية الباقية والقابلة للتجديد -على امتداد التاريخ- في صيغ وأشكال أخرى، وهي في الوقت نفسه قابلة لتحمل تأويلات وتفسيرات جديدة”.

والمسرح من أكثر الفنون الأدبية تعاملًا مع عناصر التراث وأكثرها تأثيرًا في المتلقي، مقارنةً بباقي الفنون الأدبية الأخرى؛ لأن عناصر التراث تُكتَب وتُمثَل، والمتلقي ينسجم مع هذه العناصر عندما تُمثل على خشبة المسرح ويتفاعل معها؛ لأنه يسمعها ويراها، فيعايشها؛ فتؤثر في وجدانه ويتأثر بها في واقعه.

والعلاقة بين المسرح والتراث- كما قال الدكتور محمد عبد الله حسين في أحد أبحاثه- علاقة قديمة وأزلية؛ ذلك لأن المسرح منذ بداياته الأولى قد ولد فى أحضان التراث الإنساني بدءًا من التراث اليوناني ثم اللاتيني ثم التراث الكوني بشكل عام”.

ومن مسرحيات يسري الجندي التي اعتمد فيها على شخصية القناع ووظَّفها توظيفًا فنيًا مسرحية واقدساه. يلحظ أن عبق التاريخ يُحلِّق في أجوائها بدايةً من عنوانها، “واقدساه” حتى نهايتها، فهذا العنوان يحمل بين طياته حِسًّا تراجيديًا يجمع بين الفجع والتوجع عبر استخدام حرف الندبة (وا)، فقد اتَّخذ من عنوان المسرحية عتبة درامية استهلَّ بها نصه الدرامي ومنذ الوهلة الأولى حينما تقع عين المتلقي على العنوان يصير مشاركًا للكاتب همومه وأحزانه؛ لِما يخلِّفه من ألمٍ وحزن دفين في النفس، فهي صرخة مستنجدٍ فاض به الألم وكثر، فالكاتب بيَّن قيمة مسرحيته من خلال عتبتها الدرامية الأولى/العنوان، فهو يحث الأمة العربية باستنهاض همتها، لاسترجاع الماضي المشرق وجعله مستقبلًا منيرًا مشرقًا.

وقد استلهم الكاتب في هذا النص شخصية تراثية مهمة لها جانب مضيء في التاريخ الإسلامي، وهي شخصية( صلاح الدين الأيوبي) التي جاءت بوصفها رمزًا للبطل المخلص والمنقذ الذي استرجع القدس من أيدي الصليبيين، فاستخدم الكاتب هذا الرمز بأبعاده الدرامية من أجل التخفي وراءه وظهور رؤيته السياسية:

صوت صلاح الدين:             الألم يضيء (صوت يمتد فيه الصدى)

القدس هي العلامة والبرهان..

ولتبدؤوا فيها بالخوض في الألم خطوة أولى …

الفتاة:                          خطوة أولى!

صوت صلاح الدين:             نعم فالألم يضيء .. وكما أضاء طريق الأنبياء في رحاب

                        القدس .. يضيء طريق الرد (يكرر مختفيًا بالتدريج)

الرجل:                          أي رد وأي ألم .. ماذا تعرف يا صلاح الدين عن الألم ..

لم تعرف إلا فرحتك الكبرى بفتح قدسنا .. لكن لم تعرف

الألم ..

 

يلحظ من خلال الحوار السابق أن يسري الجندي اتَّكأ على شخصية صلاح الدين في إيصال أفكاره ورؤاه السياسية؛ لذلك هي شخصية مؤثرة في الحدث؛ لكن يسري الجندي كشف عن ملامح هذه الشخصية بمنظور درامي مغاير من خلال الشخصية الثانوية صوت( الرجل) داخل الحوار؛ ليكشف عن سمة سياسية لشخصية صلاح الدين. وهي أن همه الأكبر هو فتح القدس وفرحه بهذا الفتح، فهو لم يحس بآلام الفلسطنيين؛ لذلك شتان الفارق ما بين الذي عاش هذه الآلام بنفسه ومن أحس بها.

صلاح الدين:                   “والليلة تتعرى الأشياء 

                     الليلة تخرج من قمصان الوطن السوداء أقمارا

تمطر للأشجار ظلالا

ودروبًا آمنة للعشاق

الليلة تتعرى الأشياء

الليلة ابتدع الجسر الصعب

واصعد نحوي

أفرط حزني وصب دمي في الأقداح

الشاب والفتاة:                  صلاح الدين

الرجل:                          البطل المخلص

تُعدُّ شخصية صلاح الدين أنموذجًا لشخصية البطل المُخَلِّص، وهذا ما جاء على لسان شخصية( الرجل) التي جاءت شخصية ثانوية أسهمت في تطور الحدث وتدفع خط الصراع الرئيس قدمًا إلى الأمام، كما تُعَدُّ شخصية( الشاب والفتاة) من الشخصيات الثانوية التي استخدمها الكاتب بوصفها أداة درامية تربط بين الماضي والحاضر، عن طريق غرس قيمة الأمل في النفوس، فحتمًا سيولد في كُلِّ عصرٍ بطل مخلص يحرر المجتمع من ريقة الذل للتفريط في العرض، ويمحو المذلة والخطايا، ويرفع الرؤوس بعد انحنائها، فهو المنقذ والمُخَلِّص. فالكاتب هنا رسم الشخصيات الدرامية بعناية لافتة؛ كما وظفها توظيفًا دراميًا لارتباطها بالواقع على المستويات جميعها.

الفتاة:                          ما من شيء دون جواب.

ما جئنا نجتر اليأس هنا

الشاب:                         وإذن لما جئنا .. من رمى بنا وسط هذه الأنقاض..

ولأي شيء تلك الرسالة الغامضة عن القدس من صلاح الدين وهذا الآخر؟..

ما هذا كله … إننا نقحم في أمر لا يعنينا..

كل قضيتنا .. شقة وبيت ودخل نعيش عليه.

الرجل:                          ذلك هو الجواب كله يدلع نفسه.

الشاب:                         لا تسخر يا سيد.. أنا حزين لحزنك على مدينتك المغتصبة ..

لكن  لدي ما يكفيني … لدي ما يكفيني من مشاكل .. ويكفينا ما صرنا إليه ..

يُلاحَظ من مضمون الحوار السابق وجود استرجاع أحدثه الكاتب عبر الارتداد من الماضي إلى الحاضر، ومن خلال الجمع بينهما تتولَّد المفارقة الدرامية بين ماضٍ عريق يحمل أمجادًا وبطولات، وحاضر مهين يحمل تخاذلًا واستهتارًا، وقد تولَّى الحوار الدرامي الذي أجراه الكاتب على لسان الفتاة والشاب الكشف عن هذه المفارقة، فالأجيال العربية منغمسة في مشاكلها وهمومها الحياتية حتى الشباب منهم أصبحت أعباء الحياة همهم الشاغل؛ لذلك أصبحت القضية الفلسطينية مهمشة بالنسبة لأفراد الأمة العربية، إن الكاتب يتسلل رويدًا رويدًا ليقف أمام قضية في غاية الأهمية، وهي ضعف الانتماء القومي والتخاذل لدى الشخصية العربية سواء أكانت شخصية حاكمة أم محكومة، وقد عكس الكاتب هذه القضية من منظور شخصياته المسرحية التي استدعاها من التاريخ العربي الإسلامي شخصية( عماد الدين الأصفهاني) لِتحاور شخصيات الحاضر (الفتاة والشاب)، ومن خلال الحوار ينتج الصدام وتتولَّد المفارقة بين الأحداث:

الفتاة:                          عماد الأصفهاني

مؤرخ عصر صلاح الدين!

الشاب:                         هذا رجل مشهور في التاريخ .. يمكن أن يكشف لنا الحقيقة

وننتهي أهلا أهلا مرحبا.

العماد:                         أنا يا بني لست برجل مشهور بل عبد مغمور .. لكن

وبدون غرور كنت رفيق الناصر المنصور.

الرجل:                          هو فعلًا العماد الأصفهاني .. الشاب صح .. أعرفه الآن

بسجعه الممجوج..وتزويقه الأجوف .. رجل مسخره هزء..

العماد:                         .. ما اتعسه من زمن تعس .. 

الآن أعرف مصدر خيبتكم بعد ما سمعت عنها

الرجل:                          ومن أرسلك لتشهد خيبتنا يا مؤرخ الملوك والحكام

العماد:                         جئت أذكركم بالمجد الضائع

استلهم الكاتب شخصية تاريخية ثانوية (عماد الدين الأصفهاني) فهو شاعر ومؤرخ وأديب رافق صلاح الدين الأيوبي في حياته ومعاركه، وكان الغرض من استلهام هذه الشخصية التاريخية هو الكشف عن ملامح الشخصية الرئيسة، ومعرفة الوجه الحقيقي لتاريخ صلاح الدين الأيوبي ومعاركه، وحال الأمة العربية في هذا الوقت، فقد رسم الكاتب صورة درامية حية مليئة بالحركة، وصف من خلالها أحوال الدول العربية وحكامها في الماضي والحاضر.

كما يكشف الكاتب عبر هذا الحوار الدرامي الصورة الحقيقية للمؤرخين – أي مؤرخي الملوك والحكام- الذين كانوا يسردون في كتبهم ما يمجد ملوكهم من معارك وانتصارات وصفات جميلة، وينسون الشعب وآلامه، فجاءت الصورة الدرامية مقنعة للمتلقي، فهي حقيقة تاريخية لا تقبل الشك أن مؤرخي الحكام والملوك لا يكتبون العيوب والخيبات بل يكتبون الانتصارات والأمجاد، واستلهام الكاتب لهذه الشخصية ينم عن وعي الكاتب بالقيمة الحقيقة للتراث، وبفنية الدراما وارتباطها بالواقع، ففي التفاتة عابرة حملها الحوار التالي؛ وجَّه الكاتب الأنظار إلى قضية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي عدم موضوعية بعض ما سجَّله التاريخ عن أصحاب السلطة بغية نيل عطائهم أو اتِّقاءٍ لِشرِّهم؛ لذلك أضفى الكاتب على شخصية عماد الدين الأصفهاني الثانوية سمات درامية كالتزييف والكذب والنفاق ليعطي للمتلقي منطقية درامية تساعد في مسايرة الأحداث.

العماد:                         تتحدثون عن الناصر يا ولد فهمت!

الشاب:                         نعم .. برافو .. احك لنا إذن يرحمكم الله

الفتاة:                          أذكره (تقرأ) هو الناصر من بدأ لاهيًا لا يعنيه شيء

العماد:                         مفزوعًا لاهيًا … في هذا لا .. أنا ما قلت بشيء من

ذلك في كتبي.

الفتاة:                          لا قلت .. ذاك كتاب لك وجدته يحكي الحقيقة سرًا في

الأنقاض في وجه آخر لا يعرفه الناس.

العماد:                         (مقاطعًا) أنا لم أذكر إلا الأمجاد الكبرى للناصر.

وعلى قمته فتح القدس..

وقد عمد الكاتب إلى التحوير في سيرة( صلاح الدين الأيوبي) داخل المسرحية، وانحرف بها عن أصلها التراثي المعروف، فقد بدأ صلاح الدين في مقتبل شبابه في المسرحية لاهيًا في نظر الكاتب إلا أن الكاتب ذكر بعض الصفات الإيجابية لهذه الشخصية، وأظهر سمات تلك الشخصية المسرحية بكلِّ أبعادها الأيديولوجية من خلال تطور الشخصية وبمساعدة الشخصيات الفرعية لها.

صلاح الدين :                  (يجذب صاحبه في يده)

والآن هيا .. إلى لقاء الليل حتى يطلع النهار

(أسد الدين يظهر معترضًا الطريق)

أسد الدين:                     أكثرت من هذا اللقاء يا صلاح الدين

صلاح الدين:                   (دون كلفة) عمي أسد الدين .. معلمي الحبيب ..

جئت بوقتك .. هيا معنا

أسد الدين:                     أتحدث جادًا يا ابن أخي .. (لحظة صمت)

صلاح الدين:                   فيم اعتراضك يا عماه؟

أسد الدين:                     ثمة جهاد ينتظرك .. ينتظر الكل…

ولو أن ذلك يشغلك حقًا .. ما شغلك سهر الليل بلا توقف ..

صلاح الدين:                   أعرف … والكل يعرف أي جهاد ننظره وننتظر …

وحين يحين … فلن يتأخر أحد يا عماه .. لكن وكما يقول امرؤ القيس .. اليوم خمر وغدًا أمر.

يبرز الكاتب في هذا النص السمات الحقيقية والملامح الدرامية للبطل المُخَلِّص من خلال حوار درامي مع أسد الدين الذي يحذِّره من اللهو، والسهر، ونسيان الجهاد وعدم تحقيق الحلم وهو فتح القدس، والقضاء على الفرنجة، وهذا الحوار يتَّسم بأن البطل المُخَلِّص كان فتىً مغرورًا لاهيًا قبل مجيئه مصر، أو أن هناك إسقاطًا فنيًا يعرج به الكاتب إلى العالم المعاصر لِيكشف من خلاله عن استهتار الحكَّام العرب في مواجهة شدائدهم.

كما يكشف الكاتب من خلال الحدث المسرحي والفضاء المكاني الذي وجدت فيه الفتاة الكتاب، الصورة الحقيقية لصلاح الدين بأنه كان لاهيًا قبل دخوله مصر.

شجاع:                         سلام الله على القائد أسد الدين (ثم نحو أبيه، أبتي،

سرع يحتضن أباه فيدفعه)

شاور:                          ويلك .. أتجيء بجيش هذا الكلب!

شجاع:                         صبرًا يا أبتاه.

شاور:                          .. تقف مع القاتل ضد أبيك من قتل سلمان وطرد أخويك!

أسد الدين:                     دعنا نسمع له.

شجاع:                         بل أرجو أن تسمع من ضرغام.

شاور:                          ليس بيننا سوى السلاح..هذا اتفاقي مع السلطان نور الدين.

شجاع:                         (في أسى) لنحقن دمنا العربي يا أبي ..  نحتاج

في وجه مغتصبي القدس وشرف الأمة

يتضح من الحوار السابق تمكن الكاتب يسري الجندي من دفع الصراع إلى الأمام عبر أدواته الدرامية من خلال استدعائه للرموز الدرامية كشخصية العاضد آخر خلفاء الدولة الفاطمية في مصر الذي تولى الخلافة في سن صغيرة، ودارت في خلافته الكثير من الحروب والمعارك، ولكن بحكم صغر سنه لم يكن له دور حيوي في هذه الحروب، فهو رمزٌ دراميُّ لبعض الحكام المتخاذلين، فالكاتب استخدم الإسقاط السياسي عبر هذه الرموز؛ ليكشف من خلاله عن حال بعض الحكام العرب في الحاضر كشخصية شاور تلك الشخصية التي سعت إلى الحكم والسلطة حتى لو تحالفت مع الفرنجة، وغدرت بصلاح الدين الأيوبي؛ لذلك رفض شاور مد يد العون لصلاح الدين عند حصار الفرنجة له.

فقد استخدم الفرنج المكر والدَّهاء لخداع حكَّام العرب، وإغرائهم بالحكم واستخدموا الواشين منهم في التوقيع بينهم، فكانت شخصية( شاور) متواطئة مع المستعمر في مقابل شخصية أخرى يُشهَد لها بالوطنية والانتماء، وهي شخصية ابن شاور( الشجاع) فهو رمز تاريخي لكلِّ مواطن عربي يسعى إلى حقن الدماء والحفاظ عليها وتجميع شمل العرب للتخلص من هذا المستعمر المستبد.

رسم يسري الجندي شخصيتي( شاور وضرغام) بسماتهما الحقيقية لخلق نوع من التوازن أو التكافؤ بين طرفي الصراع في المسرحية، كما أن الكاتب وُفِق في اختيار شخصيات المسرحية فهي تُدَلِل على وعيه الكامل بالتراث التاريخي.

وهكذا يُلاحظ تنقَّل الكاتب في مسرحيته بين عالمين، عالم القدس المليء بالحرق والقتل من جرَّاء ما يحدثه الفرنج، وعالم مصر المليء بالصراعات بين شاور وضرغام الوزيرين للحاكم العاضد، فهما يتنازعان الوزارة، والعاضد يستخدمهما لبقاء حكمه، والكاتب استخدم المفارقة الدرامية هنا ليحدث نوعًا من تدفق الحدث ووصول الصراع إلى توهجه، لتخدم رؤيته المطروحة داخل النص.

 

ابن الخياط:                     نعم . من يعاندهم ولا أحد يعاندهم.كثير من ممالك العرب  

كالسمن معهم والعسل .. في السر أو في العلن وأنت

تعرف وبعدها فالكل بينهم مثل كباش عمياء تتناطح في

الظلمة..لا  يعنيها إلا من يساند .. الفرنجة أو أبالسة 

الجحيم (صمت) الجسد العربي ينخر فيه السوس يا 

مولاي .. من أول الشرق حتى الأندلس .. ولا أحد يعاند

حقًا إلا نور الدين هذا.

يلحظ أن الكاتب أضفى على شخصية ابن الخياط لُغة الإقناع المتمثلة في البراهين والحجج المنطقية عبر الأساليب الدرامية، فهو يحاول جاهدًا إقناع شاور بالتحالف مع الصليبيين، وقد نجح الخياط في ذلك، فالكاتب صوَّر حال الحكام العرب من خلال الصورة الدرامية الناتجة عن تمحور الحدث والصراعات الداخلية.

وهكذا رسم الكاتب صورة درامية حملت أبعادًا تراجيدية، جسَّد فيها توغل وسيطرة الصليبيين على الشرق، واستخدامهم شتى الطرق في الوصول إلى هدفهم؛ حتى أصبح الجسد العربي ينخر فيه السوس. فالكاتب يقر في هذا النص بأنَّ البطولة هنا بطولة فردية تتمثَّل في شخصية( نور الدين) وهي شخصية محورية داخل النص، لها دورها الإيجابي في التصدي للصليبيين، فقد أسهمت في تطور الحدث ودفع خط الصراع الرئيس إلى الأمام.

وعلى كُلٍّ إن يسري الجندي يمتلك قدرة لافتة للنظر في تشكيل الشخصيات التراثية والتقنع خلفها حيث إنه كتب لنصوصه المسرحية البقاء والخلود؛ لأنها ارتبطت بلحظة ماضية وآنية ومستقبلية.

 

بقلم:

الباحث/ أحمد محمود أحمد سعيد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock