سينما وتليفزيون

الشاعر عبيد عباس يكتب: عن مسلسل “الحشاشين” مرة أخرى


المسرح نيوزـ القاهرة| سينما وتليفزيون

 

عبيد عباس

شاعر وكاتب مصري

 

استفزني وأدهشني بعض المثقفين وأساتذة جامعة الذين يرددون حجة صنّاع مسلسل “الحشاشين”، المتهافتة، في استخدام اللغة العامية وحجتهم ” أن يصل العمل لقطاع عريض” ..
أقول بهذا المنطق يجب ان تُكتب الروايات والكتب العلمية والفلسفية بالعامية لتصل بسهولة لقطاع عريض، كذلك يجب استخدام اللغة العامية في المناهج التعليمية لتصل لقطاع عريض ..
ما هذا الكلام؟ يا جماعة نحن لا نتكلم عن لغة في مواجهة لغة، ولكن نتكلم عن التوازن، عن وضع الأمور في نصابها، هناك ٥٠ مسلسل باللغة العامية، تمام، اللغة العامية هنا في مكانها، لكن عندما يكون هناك مسلسل تاريخي (واحد) فالمنطقي أن يكون بلغة عصره، من ناحية للأمانة، ومن ناحية اخرى للدراما ذاتها فإذا كان المسلسل وصل لقطاع عريض بسبب عاميته، فهناك قطاع أهم، وليس أعرض، من المثقفين والمهتمين بهذا النوع، أعرض عنه لأنه لم يصدقه، اللغة هنا ليست أداة توصيل، بل اداة فنية، كالقصة والسيناريو والمكياج، بل هي أهم اداة فنية في الموضوع.
أتذكر هنا الممثل والمخرج الأمربكي العظيم ميل جيبسون عندما أصر على استخدام لغة قبيلة المايا الأصلية في فيلمه “أبوكليتو” ووضع ترجمة للمشاهد الامريكي والأوروبي، تخيل استخدم لغة قبيلة مهجورة وغير مستخدمة، ونفس الأمر في تحفته الأخرى “آلام المسيح” عندما استخدم الأرامية والعبرية واللاتينية، من قال إن مسلسلات عظيمة كملوك الطوائف وربيع قرطبة والزير سالم كانت ستصل لقطاع أعرض لو استخدمت اللغة السورية، او المصرية، مثلا، العكس هو الصحيح.
اما الناحية الأخيرة التي تجعلنا نؤمن أن العمل الفني التاريخي يجب أن يكون بلغة عصره، إضافة للصدق الذي تكلمنا عنه، فهي متعلقة بدور الفن التثقيفي، فليس هدف السينما والمسرح والدراما الإمتاع، وتقديم الحكايات فقط، ولكن التثقيف، لا يهمنا وصول الحكاية لقطاع عريض، بل تثقيف وتنوير وتعليم المشاهدين ولو قلة منهم، ما يهمنا هنا، في مثل هذه الأعمال، هو ربطهم بتاريخهم والذي يوجب ربطهم بلغتهم التي توشك على الاندثار.
لابد أن نعترف أن هذه اللغة، التي يجب أن تجمعنا، لم تعد حية، بمعنى أنها لم تعد لغة الحوار في الشارع العربي، ولا حتى في البرامج التليفزيونية والإذاعية، كما كان موجودا في الماضي، ولا حتى في أغلب منشورات الفيس (معظم المثقفين يكتبون منشوراتهم بالعامية بل هناك صفحات لتعليم اللغة، وهذا هو الأغرب، تستخدم العامية في شرح قواعد اللغة الفصحي) أقول ما دام الأمر كذلك فلا أقل من أن نترك تلك المناطق القليلة جدا جدا جدا جدا لاستخدام الفصحى؛ في المناهج، في الكتب، في البرامج الدينية، في الافلام والمسلسلات التاريخية، وهذا اضعف الإيمان.
وفي الختام كنت اتمنى من صنّاع المسلسل وممن يدافعون عنهم، في هذه النقطة، أن يعترفوا بأنهم “استسهلوا” استخدام اللغة العامية، وانه “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” وأن المسلسل، رغم هذا الخلل، لا يعدم من جمال وأنه وصل واعجب كثيرا من المشاهدين، وكل سنة أنتم طيبون.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock