مقالات ودراسات

الشاعر والناقد الكبير “أنور محمد” يكتب عن: “عمر حجو”


أنور محمد*

شاعر و ناقد .. سوري

ـ

لا يزالُ يهزُّ وجداننا، ولا يزال (عمرحجو) يمارسُ أدواره بكل سلطته/ سلطة الجمال الذي يرْشح بقوِّة انفعاله وهو يمثِّل، وهو يتحرَّش بالسامي فلا تقع تلك الكارثة التراجيدية التي تحبس الحياة في أعماقنا فلا نقدر أن نموت ولا نقدر أن نعيش. في أدواره التي يمثِّلها يبدو متعصِّباً للخير؛ بل ويشتغل دوره تحت تأثير انفعال عقله؛ فيذهب إلى تجسيد الفعل لدرجة تظنُّ أنَّه يمثِّله بكثيرٍ من الحماقة في حين كان يجسِّد مواقف درامية حادَّة، وبمشاعرَ محتدمة وكامنة ضدَّ أفعالنا المتوحِّشة التي لا يستنكرها بل ويقاومها بلسانه أو بيده إذا أمكن.
وهو بذلك على عكس غيره من الممثِّلين السوريين تراه يتِّخذ صورةً فيزيولوجية وحركية لا يمكن نسيانها، فحزنه يتصاعد إلى غضب رجولي في هزَّة رأسه، حركة يديه، في فتح وطبق جفني عينيه، في اندفاعة جذعه. بل إلى غضبٍ نقيٍ مع شيءٍ من عنفٍ وسرعة فطريين؛ كردِّ فعلٍ على الأسود الشرِّ الذي يلفُّ الحياة من حولنا، وبكثير من التجريد والصفاء والعزيمة الروحية، وكأنَّه مثل عصفور بري يظل يغني غير آبهٍ بطلقة نار الصياد.
عمر حجو – أيُّ قارئٍ له وبدون عناء سيجد أنَّه مخلوقٌ من تعابير بصرية واقعية وليس توهيمية وبمنتهى الإنسانية. فالرجل مسرحٌ قائمٌ بحدِّ ذاته أينما تحرَّك أو مشى أو ظهر، وأحسب أنَّه لايحتاج للكلام /الحوار كانَ يمثِّلُ مشهداً أو لقطة، وكأنَّه شارلي شابلن العرب/ يكفيه يحرِّك أجزاءه وأطرافه لنرى كيف تنفجر الأحداث فيندغم السمعي بالبصري، فنعيش معه لحظة درامية تجسِّد واقعيتها ولكن بكثير من الاحتراق /الانخطاف/ الإشراق. فالرجل كأنَّ له سحر شعري لكثرة ما يقرِّبنا من الحلم وهو يشتغل أدواره بحساسية جمالية وكأنه رسَّام يرسمنا وبألوان مشاعرنا/ مشاعره، فيُضحكنا كما يبكينا.
عمر حجو في تمثيله يتحرَّش بالحقيقة ليُسمعنا صوت عذاباتها الروحية، يفرجينا كيف ننكِّل بها، وبالمقابل هو يفرجينا لون مشاعرنا الضعيفة وكيف ذوى في ضمائرنا الإحساس بالخجل منها، ونحن نمتهن كرامتها وندوس ونمرِّغ رأسها في الوحل وبكثيرٍ من السموُّ. لأن السموُّ عند عمر حجو يشكِّل قوته «التراجيكوميدية» التي يقيم بها معاركه الرجولية الغاضبة مع القبح والشر. فمَنْ يعرفه في مسرح الشوك وفي مسرح الماغوط مع دريد لحام وفي الكثير من الأعمال التلفزيونية؛ يدرك كمْ كانَ عمر حجو في تمثيله يكشف لنا -وعلى كيف الشباب- المأساة الإنسانية، حين يضحك علينا القوي فيما نبكي من سطوته وقسوته وهو يسوقنا إلى الموت دون أن يبخل فيسرِّي، فيرتوي، يروي اللحظة المسرحية أو التلفزيونية بتلك الابتسامة العذبة وهو ينتزعها من أعماقنا وكأنَّها غذاء لمواجهة هذا القوي.
عمر حجو.. لا أملك إلاَّ أن أقول لكَ أنتَ تمثِّل بحدسك لذا أنت أكثرنا شعوراً، وأنت تمثِّل بفطرتك فأنتَ أكثرنا تطهُّراً.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock