العرض التونسي “الرهوط” لــعماد الميّ : الوطن يئنّ و الشعب مجرد دمًى
المسرح نيوز ـ تونس| إعلام الهيئة العربية للمسرح
ـ
احتضنت قاعة الريو بالعاصمة مساء الأحد 14 جانفي 2018 عرض المسرحية التونسية “الرهوط” ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي الذي تحتضنه تونس من 10 الى 16جانفي الجاري
“الرهوط أو تمارين في المواطنة ” هي من تأليف و اخراج عماد المي و انتاج “بيفالو آرت” تمثيل وليد عبد السلام وعبد القادر بن سعيد وعلي بن سعي وغسان الغضاب ومنى التلموردي.
أراد الميّ في مسرحيّته ان يخرج عن المألوف و بدل من استقبال الممثلين على خشبة المسرح أطلق العرض من خارج القاعة ، يخرج الممثلون مرتدين لباس اسود وربطات عنق سوداء تشقها بعض الخطوط البيضاء يلتقون الجمهور بأسمائهم لا بأدوارهم التي يتقمصونها في المسرحية ، في باب القاعة يرحبون بجمهورهم ثم يصعدون إلى الركح معلنين عن بداية العرض “جئتــم، لمشـــاهدة عرض مسرحي، بعضكم جاء ليستمتع بحسن الاداء وبعضكم جاء لتذوق عذب الكلام وبعضكم جاء لمشاهدة بعض فصول الحياة و بعضكم جاء للإستمتاع بخرافة ولكن جميعكم جئتم لنسيان هموم الواقع ومتاعبه” استفهامات يطرحها ممثلان على الجمهور .
على الخشبة تضج الحركة متداخلة تتشابك الأجساد و تتعانق الأرواح و تتعالى الأصوات معلنة عن مقاطع من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنفصل الأجساد لتتعانق الأصوات منادية بالحق” الحق في الحياة والحق في التعليم والحق في العيش الكريم والحق في التنقل الحق في تقرير المصير الحق في الكرامة في المأكل في الملبس و الحقّ في الحب.
تزداد دائرة الحقوق لتزداد معها حركة الممثلين، يلهثون وراء الحق حد التعب لكن دون جدوى، الحب وكلما زادت دائرة الحقوق تسارعت معها حركات الممثلين في اشارة الى ان المواطن يلهث وراء حقوقه حد التعب لكن دون جدوى.
تنتهي رحلة البحث عن الحقوق في لوحة اختارها المخرج ان تكون في شكل دائرة تلتقي فيها الأجساد حد الالتحام و ترفع فيها رابطات العنق في شكل حبال خانقة في صورة مصغرة عن الواقع اليوم اين يتم تضييق الخناق على الحريات حتى الموت.
تتوالى المشاهد ولكل واحد من الممثلين الستة آراؤه ونصه و موقفه من الحياة ومن تفاصيلها من المجتمع و من الساسة
موقف من العالم ومجتمعاته وحكّام
“الرهوط ” مجموعة من الأشخاص لا أسماء لهم تجمعهم خشبة المسرح. تبدو مواقفهم واضحة مما يحدث في مجتمعهم ومواكبين للأحداث باعتبار مكانتهم الاجتماعية الخاصة بهم فهم ينتمون إلى مجتمع “الرهطيين”.
آرائهم دقيقة ولغتهم شعرية فصيحة والصمت عندهم موقف، إذا ما نطقوا عبّروا عن مواقفهم الذاتية من الحقوق والحريات والمواطنة والوطن.. هم يقدمون تشريحا وتفكيكا لفكرة الوطن.
تصبح كل الشعارات الحقوقية والحريات مجرد شاعرية لغوية وأقنعة تخفي خلفها حقيقة مؤلمة يتبدد ويغيب فيها كل ما هو إنساني ويتحول البشر إلى أشباح و “رهوط” لا أسماء لها ويتحول الوطن إلى كابوس. تتسارع أحداث المسرحية وتتطور ويبقى مجتمع “الرهطيين” خاضعا لحكم “الرهوط”، يذهب رهط ويأتي رهط آخر مكانه ويبقى الوطن يئنّ والشعب مجرد دمى تحركها المصالح والأهواء.
هم يرقصون على حبال المخاطرة نشدانا للحياة و تزعجهم و ترعبهم فكرة الزمن، يحذرون بصوت عال من تلاشي كل ما هو إنساني في الإنسان.
تخرج مسرحية “الرهوط “عن النمط المسرحي التقليدي المبني على الخرافة والعقدة وعلى الشخصيات والحوار، بل تقدم عملا في شكل محاور تقوم على مشاهد منها الصامتة و منها المتحركة في شكل لوحات راقصة، تتصاعد احداث المسرحية مع تصاعد الأصوات في تناسق مع الديكور و الإضاءة التي زادت في جمالية العمل.
“الرهوط “حملت في طياتها عدة رسائل و تضمنت نقد مباشر للأوضاع كما تنتقد هوس الشعب بكرة القدم من خلال مشهد يتنازع فيه الممثلون في ما بينهم لأجل كرة، لتختتم أحداثها بمقطع من النشيد الوطني وبيت من قصيدة لأبي القاسم الشابي “نموت نموت ويحيى الوطن”يردده احد الممثلين وهو يجلس وسط الجمهور “نعيش نعيش ويحيى الوطن” ، “نحن الوطن ” الوطن هو الشعب، هو الإنسان ولا وطن بلا إنسان…