وجوه مسرحية
بالصور.. الفنان الأردني “حكيم حرب” يودع القاهرة بالحنين إلى الماضى..عقب انتهاء فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى فى دورته ٢٥
المسرح نيوز ـ القاهرة| كتب- كمال سلطان
ـ
نشر الفنان الأردنية حكيم حرب تدوينة عبر صفحته الشخصية على موقع “فيس بوك” عقب انتهاء فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى فى دورته ٢٥، ودع خلالها القاهرة متذكرا أحبائه الذين جمعه به حب المسرح حيث كتب يقول:
“في ليلة وداع القاهرة، أجلس على شرفة غرفتي في الفندق، متأملاً ليل القاهرة الساحر والجميل، فيمر شريط العمر من أمامي بلحظات، متذكراً تلك السنين التي مضت، وكم الأصدقاء الذين التقيت بهم على أرض مصر، منهم من رحل ومنهم من بقي قابضاً على جمر المسرح، لا زلت أسمع أحاديثهم ونقاشاتهم وضحكاتهم تتردد في أرجاء المكان، ألمح صورهم تمر سريعاً على وجه النيل، تختلط الصور والأصوات والضحكات والبكاء والمشاهد المسرحية وأغاني الشيخ إمام وأم كلثوم، وقصائد نجيب سرور وأمل دنقل وأحمد فؤاد نجم، ويبرز من بينها وجه الصديق صالح سعد، الذي مات احتراقاً داخل أحد مسارح القاهرة، قبل ثلاثة عشر عاماً، مع كوكبة من المسرحيين المصريين، الذين رحلوا متوهجين بنار المسرح، تلك النار التي كلما اشتد سعيرها ازددنا تعلقاً بها، دون أن ندرك السبب الحقيقي من وراء ذلك،
فكلما قسى علينا المسرح كلما تعلقنا به أكثر، هذا الساحر المدهش، الذي ما تنفك شعلته تحرق قلوبنا، فيتأجج لهب الجنون في عقولنا، يبكينا ويكاد يلقي بنا الى حتفنا الأخير، ومع ذلك لا نملك أن نتراجع عن سبر أغواره، والولوج إلى أعماق دهاليزه المظلمة، لاكتشاف أسرار سراديبه العميقة وكنوزه اللا متناهية، وهمنا الجميل، الذي ندرك أنه ليس بحقيقة، وما هو الا اختراعٌ زائف عمدت اليه عقولنا وأرواحنا، كحيلةٍ ذكية، بهدف التحرر من ثقل الواقع، ومن صمت الوجود، والتكرار الأزلي لملهاة الإنسان فوق هذا الكوكب العجيب، الذي يعوم في الفراغ، وسط ملايين الكواكب والنجوم والمجرات، في عالمٍ يسخر من آمالنا وطموحاتنا وأحلامنا الصغيرة، ولا يكترث لأوجاعنا وتقرحاتنا وافتقادنا لأحبتنا الذين تركونا هنا ورحلوا، لنقاسي من وجع الذكرى .
فهنا كانوا معنا في القاهرة الجميلة والمحبة والدافئة، جائوا من بلدانٍ عديدة، ليحفروا معنا على أرض مصر؛ ذكريات خالدة بالفن والمسرح والتجريب والإبداع، وصعلكات ليلية جمعتنا من الأردن، فلسطين، العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، السودان، اليمن، والخليج العربي، وسط مقاهي القاهرة العتيقة والعريقة، أتذكر : الطيب الصديقي، المنصف السويسي، عبد الرحمن عرنوس، عز الدين قنون، رجاء بن عمار، يوسف العاني، عوني كرومي، نادر عمران، محمد القباني، ياسر المصري، يعقوب إسماعيل، فؤاد الشطي، فرانسوا أبو سالم، مي سكاف، ريم البنا، يعقوب شدراوي، محمد حسن الجندي…. وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم في هذه العجالة،
كانوا قناديل فرح وابداع، وكانوا مثلنا اليوم، وكان لهم آمالهم وطموحاتهم واحلامهم ومشاكساتهم وخلافاتهم واختلافاتهم ونزقهم وجنونهم وظنهم بأنه لا زال في الحياة متسع للمغامرة والبحث والاكتشاف والمتعة والتجريب، وسنكون يوماً ما مثلهم، ذكرى، أو صورة في النشرة اليومية عن ذاكرة المهرجان، أو حفل تأبين مثير للضجر والسخرية، ندرك ذلك جيداً،
ومع ذلك نستمر في مطاردة وهمنا الجميل، كذبتنا الكبرى التي اخترعناها وصدقناها، لكي نداري ضعفنا وهشاشتنا وعزلتنا الأبدية، نستمر في حماقاتنا ونعيد تكرارها بمنتى الحرفية والاتقان، نحن المتحمسين للفوز بمزيدٍ من الوهم، وهم المسرح الجميل، الذي لا نؤمن بخيارٍ غيره، للتعبير عن ملهاة ومأساة وجودنا المسرحي في هذا العالم الفانتازي، الذي يجرب فينا التجريب تلو التجريب، وما نحن إلا فئران تجاربه التي لا تحصى ولا تعد، نحن الغارقين في الوهم اللذيذ، نسير كأسراب النمل، ونخضع لنفس التجربة آلاف المرات ونمارس نفس الغرور ونرتكب الحماقات تلو الحماقات وننتهي نفس النهايات، ونتبخر ونزول كأننا غبار، أو كأننا رذاذ لفح وجه الكون لثوان؛
ثم تلاشى فجأة وما عاد له وجود . وهنا أتذكر قول شاعر جدارا : “كما أنت الان كنت أنا، وكما أنا الان ستكون أنت……” . والبقية صمت وسكون …”