مقالات ودراسات
الكاتبة الأردنية وفاء جعبور تكتب: “و لم يك شيئا”.. نص وجودي و فلسفة عميقة!
وفاء جعبور*
كاتبة أردنية
ـ
( العنوان) :
يُحدث العنوان في نفس القارئ دهشةً ما ، إذ يفتح شهيته لسبر أغواره لما يكتنفه من غموض حول هذا الماوراء الخفيّ الذي كان من الممكن أن يكون موجودًا وسرعان ما تلاشى ،، فسيمياء العنوان تفتح أمام القارئ دلالات متعددة لكنها تظل قاصرة حتى يدخل القارئ بقلبه إلى داخل النص ويكتشف ما وراء العنوان ،، إذن فالعنوان لا يفتح للقارئ بابًا ملموسا لدلالة ما ، بل يتركه وسط هالة من التكهنات التي تفضي في النهاية إلى حقيقة مفادها أنّ هذا العنوان تحديدًا هو نافذة عبور لفكرة وجودية عميقة دون تلمّس ملامحها .
( رؤيا النص ):
لا شكّ أن نص المسرحية هو نص مثير للجدل فهو يتناول الصراع الأزلي بين الخير والشر ، بين الشيطان والإنسان ولهذا فلا عجب أن نجد الأصوات المنادية بمرور الشيطان في النص أكثر عددا مقابل الصوت الوحيد المعارض لمروره .
(الشخصيات) :
إذا ما نظرنا للشخصيات الرئيسة في النص نجدها لا تحمل أسماءً بل أرقامًا وهذا يُحسب للكاتب ، فبطلا المسرحية هما : الرجل ١ والرجل ٢ وقد حمل الرجل المؤيد لعبور الشيطان الرقم ١ وهذا يتناسب مع حقيقة الشيطان الذي يحاول أن يظل في صدارة المشهد . بينما غلبت على الشخصيات الثانوية الصفات المادية ؛ فالأول بائع الخضار والثاني عامل مقهى وكلاهما يحمل دلالة مادية – تجارية تتناسب أيضا مع الشيطان الذي يبحث عن المادة بعيدًا عن الجانب الإنساني . شخصية الشحاذ : تغلب على هذه الشخصية ملامح فلسفية وإن أبدى سذاجة وبلاهة من إجاباته اللامنطقية كحديثه عن ابنته المريضة وغير الموجودة أصلا لكنه في المقابل يحمل بعدا فلسفيا مختلفا فهو يرى ما لا يراه الآخرون وينشغل ببحثه عن كنزه
وإذا كانت دلالة شخصية الشحاذ في واقعنا المعاش تقتصر على الفقر و شحذ المال فهو يخرج نحو دلالة أعمق في هذا النص من خلال العبارات التي جاءت على لسانه مثل ” الأدوات التي أحفر بها هي عدوي ” و ” من السهل أن يلبس الصديق قناع العدو ، ومن السهل أيضا أن يلبس عدوك ثياب صديقك ” .. الخ يشبه الشحاذ بعباراته هنا الحكماء ، فهو يطلق عبارات ذات مغزى ودلالة مما يشعر القارئ أنّ الدلالة المادية المباشرة التي يؤديها الشحاذ ليست هي ذاتها التي يؤديها داخل النص فالشحاذ هنا هو أداة يوظفها الكاتب للوصول إلى الكنز الحقيقي وهو كنز الخير النقيض للشيطان وذلك من خلال المفارقة التي يحدثها سقوط الرجل ٢ داخل الحفرة التي حفرها الشحاذ ، وبالتالي يتضح لغز الكنز .
وهذا يعيدني إلى رواية الخيميائي لباولو كويلو حين يكتشف البطل أن كنزه الدفين كان في حفرة قريبة جدًا منه لكنه غفل عنها . وكذلك الحال بالنسبة للشحاذ، فالكنز الذي يبحث قريب منه وهو صوت الحق والخير النابع من الرجل ٢ ، وسقوط هذا الرجل في الحفرة أعطى القارئ دلالة على حقيقة الكنز وهو صوت الخير والإنسانية المعارض لصوت الشيطان . (شخصية الشيطان ) : أخفى الكاتب الحضور المادي لشخصية الشيطان بينما ترك للقارئ دلالتين قويتين على وجوده . الأولى هي البحر ؛ فالكاتب جعل البحر الجهةَ التي يخرج منها مبعوثا الشيطان ، فلم يستخدم الجهات كأن يجعل الجهة الشمالية أو الجنوبية هي مكان قدوم المبعوثين مثلا ، بل حدّد جهتهما بالبحر .
و المفارقة هنا تكمن في أنّ الشيطان مخلوق من نار بينما الجهة التي جاء منها مبعوثاه هي البحر ، والبحر والنار كما نعلم يشكلان النقيض فالماء يطفئ النار ، ولعل الكاتب قصد من وراء ذلك قوة حضور الشيطان ، فعلى الرغم من أنه مخلوق من نار لكن الماء لا يطفئه وبالتالي فلا شيء يقف عقبة في طريقه وحضوره وإنْ لم يحضر بجسده المادي الثانية هي عدد المؤيدين له : نلاحظ كثرة عدد الأشخاص المنتظرين لقدومه وهو ما أشرت إليه منذ البداية فالرجل ١وبائع الخضار وعامل المقهى وزوجته كلهم يستعدون لاستقباله مقابل الرجل ٢ . وهذا يشير إلى الحضور القوي للشيطان وإنْ لم يحضر ماديّا .