مقالات ودراسات

الكاتب المسرحي العراقي حيدر الشطري يكتب: مسرحية GPS  بين نزعة التمرد ونشوة الاكتشاف


المسرح نيوز  ـ القاهرة | مقالات ودراسات

بقلم حيدر الشطري | العراق

ـ

يقول الكاتب المسرحي النرويجي هنريك ابسن :

( اكبر دليل على التمتع بروح التمرد هو ان تتشوق للسعادة في هذه الحياة ).

يسعى دائما المشتغلون بالمجالات الفنية عموما وفي المسرح خصوصا على انتاج انماط اسلوبية جديدة يواجهون بها انواع واشكال التسلط المعرفية التي تمارسها عليهم الاساليب التقليدية التي تحاول ان تحد من افكارهم ومحاولة الخروج عليها وحتى كسرها في كثير من الاحيان بما يخدم طروحاتهم المقترحة التي تكون اكثر تحررا وانفتاحا نحو الولوج الى عوالم اخرى جديدة تتماهى مع طريقة تفكيرهم وتقديمهم لأعمالهم الفنية .

 

وهكذا كان كل مذهب مسرحي وعند ظهوره لضرورات فنية وفكرية فانه يمر بفترات من الانطلاق والصعود ثم الهبوط لننتقل الى مذهب آخر لتتعاقب عملية سيادة المدارس المسرحية لتمثل مراحلها التاريخية.

 

وفي عرض مسرحية GPS التي قدمها المسرح الوطني الجزائري في مهرجان الهيئة العربية للمسرح المقام في المملكة الاردنية الهاشمية 2020, نجد ان العاملين على هذا العرض المسرحي قد اختاروا طريق النزوع نحو اساليب تقديمية مبتكرة في تقديم عرضهم ومن ثم التمرد على المألوف للولوج الى منطقة التجريب والابتكار في متعة بصرية فكرية اجتهدوا جميعا في تنفيذها على الركح .

واولى تمظهرات هذا التمرد كان المشهد الاستهلالي الذي يظهر لنا لحظة انتهاء نحات من انجاز نحت شخصياته والتي يبدو انه لم يكن مستمتعا بها فيسعى الى تحطيمها لكنها ( اي الشخصيات المنحوتة) تتمرد على خالقها وتدافع عن نفسها لتتحرر وتغادر المكان بالرغم منه, فنجد انفسنا امام شخصيات رافضة لمصيرها وتسعى لفك قيودها واسرها ثم وبعد ذلك تسعى الى التمرد بوجه الجمود (باعتبارها تماثيل) نحو الحركة بولادات جديدة وبعد ذلك البحث عن مصائرها التي تنتظرها او التي تسير اليها هي في مسيرة سيزيفية طويلة ومضنية لينتهي بها الحال لتكتشف ان الانسان كائن محكوم على مصيره بانتظارات مملة ومآلات مأساوية يحيى لكي يقع عليه فعل الانكسارات والخسارات ويسير ليعاني من القهر والانهزام.

 

وتماشيا مع لا انسانية هذه الشخصيات التي تتأنسن باختيارها فان اول ما يقوم به المخرج محمد شرشال هو ان يتمرد على احدى عناصر العرض المسرحي وهي اللغة فيقوم بإقصائها من فرجة العرض ليستعيض عنها بالحركة الايماءة في بث رسائله وافكاره.

يقول مخرج العرض :

(لقد قتلت الكاتب الذي بداخلي من اجل ان اعيش كمخرج).

 

وهو بذلك يحاول اطلاق العنان لخياله واستثماره في تقديم عرض حداثوي متميز يعتمد على توليفة فنية بانورامية مبتكرة تبتعد عن قيود التجنيس والتصنيف وتعتمد على عمل الممثل وتعددية المنظر المسرحي في عرض المشاهد باتساق سمعبصري وتكريس الانتاج الدلالي للعلامة لتحقيق فعل الابتكار والبحث عن لذة الاكتشاف لمثابات تقديمية باهرة .

 

كذلك استعار العرض من التقنيات التشكيلية بما يجعل منظومة العرض اقرب الى التشكيل الكولاجي لأنه اعتمد على مشاهد منفصلة رُبِطت بتكنيك فني يقوم على تجميع اشكاله المتنوعة وتكوين لوحة فنية متكاملة واحدة.

 

وهكذا تستمر مسيرة العرض المتمردة بعرض التحولات التي تتعرض اليها الشخصيات وانتقالها من حال الى آخر بتعاقبية منتظمة وايقاع مسرحي منضبط ساهمت المؤثرات كثيرا في ربط اجزائه ودمج اواصره بحرفية عالية وتسلسل منطقي.

وبذلك تحتاج مثل هكذا عروض تقدمية الى انتاج ورشي يعتمد على البحث والتجريب والحفر في متاهات المعنى وتحتاج ايضا الى كوادر فنية محترفة تشتغل في مساحات متفردة لتبذر بذورها على الركح حتى تزهر رياضاً فنية معبرة.

وهذا ما توافر في كادر عرض مسرحية GPS من فنيين وممثلين استطاعوا ان يصيغوا لنا عرضا سوف نتحدث فيه كثيرا وسنتفق ونختلف فيه كثيرا ايضاً وذلك لطبيعة الطرح الفكري والجمالي الذي استند الى المغايرة والذي تبناه هذا العرض .

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock