حوارات

الكاتب والمخرج “غنام غنام” : لا تجديد للمسرح بدون أوطان حرة


حاورته: نور الهدى عبد المنعم

ـ

• نحن لا نأخذ العروض لتمثل دولها بل على العكس الدول هي التي تركب على ظهر العروض.
• أننا في العالم العربي جميعًا منفيون دون فلسطين.
• علينا جميعًا أن نحمل الهوية الفلسطينية إلى أن تتحرر فلسطين.

هو فنان مسرحي شامل يكتب ويُمثل ويُخرج ويُنفذ الديكور، وحين تتحاور معه تكتشف إلى أي مدى هو قوميًا وعروبيًا، يعشق كل تفاصيل الوطن العربي من ترابه إلى فنونه وتراثه وتاريخيه، ولم ينس للحظة واحدة موطنه الأصلي فلسطين الوطن الذي يحيا فيه.
مع الفنان غنام غنام المسئول الإعلامي بالهيئة العربية للمسرح كان هذا الحوار الثري جدًا والذي أُجري خلال فعاليات الدورة الحادية عشر لمهرجان المسرح العربي التي أُقيمت بالقاهرة……………..

• هل لديك ما هو جديد لم يطرح بالمؤتمر الصحفي؟

المهرجان لا يعتمد على مبدأ المفاجأة بل يعتمد على مبدأ الترتيب والتنظيم المسبق، لكن أهم شئ أن الجمهور في مصر تحديدًا على موعد مع ذائقة مسرحية أخرى، أنا أعتقد أن القاهرة منذ عام 1994 لم تشهد حدثًا كهذا، فقد شهدته مرة واحدة في عام 2009ويمكن أن أقول أنها لم تكن بهذا الحجم، لذلك فأنا أقول أن في عام 2019 القاهرة ستشهد هذا الحضور المسرحي العربي لأن في عام 1994 كان ملتقى المسرح العربي وكان دورة واحدة فقط والدول العربية مشاركة فيها، وهذه هي المحطة الثانية التي يمكن أن يشعر بها الجمهور المسرحي في القاهرة.
• هل صادفتم أية معوقات في الإعداد لهذه الدورة؟

لا يوجد بالمعنى العام لكن الصعوبات التي تواجه دخول الجنسيات المختلفة كانت هي أهم القضايا وتم السيطرة عليها إلى حد شبه كامل ولا أستطيع أن أقول كامل إلا أنها أخذت وقت وجهد وبادرت وزارة الثقافة بكل طواقمها وكل إمكانياتها لتذليل هذه العقبات، الأمور الصعبة لم تكن في الجوانب الفنية ولا المسرحية، لكنها كانت في الجوانب الخارج إطار الفعل الثقافي والمسرحي.

• فكرة تكريم 25 فنان ألم تؤثر على حق الفنان أن يُحتفى به بالشكل الذي يليق به؟

الهيئة العربية بالمسرح عادة تطلب من الجهة الشريكة أو الجهة المحتضنة بأن ترشح مكرمًا بحد أدنى وعشرة مكرمين بحد أقصى من البلد المضيف، لكن لأن مصر لها مقام آخر وقيمة أخرى، طلبت بالإتفاق مع اللجنة العليا أن يكون هناك خمسة عشر مكرمًا، والبلد المضيف رشحت عشرة احتياطيًا، مش للتداول وذلك لأنه حدث أن أثنان من المقترحين انتقلوا إلى رحمة الله خلال هذه السنة وبالتالي كان لابد من وجود قائمة احتياطية، ولا أبيح سرًا حين أقول أن عندما شاهد الأستاذ إسماعيل عبد الله والأمناء قالوا علينا أن نكرم الخمسة وعشرين جميعهم، وبالتالي شملت القائمة هذا العدد وأتفق معك أه عدد كبير جدًا في مناسبة واحدة، لكن ولا واحد منهم بحاجة لتسليط الضوء عليه ليعرف من هو، فلا يوجد اسم منهم مجهول على الصعيد المحلي ولا العربي، فيكفي أن تقولي سمير العصفوري نقطة، ماذا نحكي عن سمير العصفوري، أو أن تقولي د. كمال الدين عيد وتقولي سمير غانم انتهت الحكاية لست بحاجة أن تعرفيهم بل غير مقبول أن تقولي من هذا لأنه غني عن التعريف.

• ما أقصده هو أن يشعر المكرم بالبهجة والتميز في احتفال أعد له وحده؟

أنا أعتقد انهم يشعرون بالتميز والبهجة عندما يروا أنفسهم خمسة وعشرون فنانًا يقفون معًا، هذا الجيل وهؤلاء الأفراد الذين ربما مر زمن طويل ولم يعملوا معًا لا في السينما ولا المسرح ولا التليفزيون أو أن يتقابلوا، أن يقفوا جميعًا معًا على خشبة المسرح الذي يعشقونه ويحيون الجمهور المحب لهم ستكون لحظة فارقة وأجمل من أن تكون لفنان وحده على خشبة المسرح، وأستشهد بذلك في عام 2013 كرمنا ستة عشر مبدعة عربية وكان الكل يعتقد أن هذا العدد كبير، لكن حين اجتمعوا الستة عشر على خشبة المسرح وحيَوا الجمهور كان منظرًا مهيبًا تقشعر له الأبدان، وكان ضمن المكرمات الدكتورة نهاد صليحة والأستاذة فتحية العسال وكان عدد كبير من المكرمات الذي اعتقد أن وجودهن في لحظة واحدة كان حدثًا استثنائيًا، ووجود هؤلاء الخمسة وعشرون في لحظة واحدة سيكون كذلك حدثًا استثنائيًا بكل تأكيد.

• غير أن النصوص يجب أن تكون عربية، هل يوجد شروط أخرى للمشاركة في المهرجان؟
ا

لنص العربي شرط حاسم في مسار الجائزة وليس شرطًا حاسمًا في مسار المهرجان ولا في المسار الثالث، الجودة هي المعيار الأساس ونحن نستقبل عروضًا عربية حتى إذا أتت من خارج الوطن العربي، فهناك عرب يقيمون في المنافي والمغتربات وقدموا أعمالاً في سنوات سابقة لكن هذه الدورة لا يوجد، أما العام السابق كان يوجد عرضين، فالجودة هي الأساس والتفاوت الفني هو الحكم.

• هل يوجد عنوان عام كالقضية الفلسطينية أو قضايا المرأة على سبيل المثال؟

لا نستطيع تحديد لمستوى مهرجان كهذا عنوان ناظم لأن هذا يضغط ويقلل وربما يصبح من باب فرض الرؤية الواحدة، لكن عندنا في عامي 2018، 2019 سياق حدده مجلس الأمناء وهو الاشتباك مع الموروث الثقافي لإنتاج معرفة ثقافية جديدة ومتجددة، هذه تتيح لنا الاشتباك مع الموروث بكافة أشكاله، ربما تكون هذه نظمت المسابقة العلمية أو مسابقة التأليف ولكن لم تكن الشرط النهائي بل يفضل أن تكون في هذا السياق وهو محترم وقوي فيأتي على صهوته قوته وجودته للمشاركة في المهرجان، أنا شخصيًا من أنصار الثيمة الموجودة لكن في الوقت نفسه أعلم أنها تحدد على سبيل المثال في مسابقة التأليف في العام الماضي الخيال العلمي، فأصبح الأمر يختلط فنجد أحدهم يسأل ممكن أعرف ما هو تعريفكم للخيال العلمي حتى أستطيع أن أكتب، فأنت فقط حفظتي لأنه يفكر أن هناك نصوص تعنى بالخيال العلمي وفي نصوص جاءت ممتازة تعنى بالخيال العلمي، هذا العام كان الموروث الثقافي ووجدنا استجابة عالية جدًا، رغم أن البعض فهمها التراث، فالتراث جزء من الموروث وليس كل شئ، وبالتالي الثيمة العامة موجودة لكنها أيضًا مرنة.

• هل الحضور الطاغي للقضية الفلسطينية في كل الدورات يرجع لأنك من أصل فلسطيني؟

أنا لا أقرر برنامج الهيئة ليكون لي هذا الأثر، فقط أنا واحد من المسرحيين العرب المهمومين بفلسطين بصفتي فلسطيني وبصفتي عربي وبصفتي مسرحي، لكني فخور بأن من يقوم على الهيئة العربية للمسرح ابتداءً من صاحب السمو الشيخ سلطان محمد القاسمي ومرورًا بالأمين العام للهيئة العربية للمسرح الأستاذ إسماعيل عبد الله ومستشار الهيئة الدكتور يوسف عيدابي والأستاذ حسن النفالي وريما المجموعة التي تقوم عليها الهيئة العربية للمسرح، كلهم مهمومين بالقضية الفلسطينية ونحن جميعًا نردد أن فلسطين يجب أن تكون حاضرة وأن تكون قوية أن تدعمها كل جهودنا، ولا تدعمها مجانًا ولكن في إطار الفعل المحترم، الفعل المؤسس على أسس متينة وقوية، فلسطين قضية كبرى ويجب أن تكون الأعمال والجهود كبرى وبنفس المستوى وبنفس الدفع أي لا يمكن أن نقبل عملاً فلسطينيًا لمجرد أنه فلسطيني، يجب أن يمتلك القوة ليقول أنه فلسطيني، وبالمناسبة فلسطين ترشحت مرة واحدة للتسابق في المهرجان، وفي هذه المرة حصلت على الجائزة، بعرض (خيل تايهة) عام 2015 خلال الدورة السابعة التي عقدت في المغرب، والعرض كان من تأليف عدنان العودة “سوري”، إخراج إخراج إيهاب زاهدة، إذن يجب ان يكون قويًا ويليق باسم فلسطين، لكن الدعوات هذه أحيانًا تكون نابعة من قلوب صادقة وأحيانًا تأخذ منحى الانتهاز أي أن يريد أحد أن يحرجنا فيقول لماذا لا تذكرون فلسطين، نحن كل فعالياتنا موقتة بتوقيت الشارقة وفلسطين، في القاهرة بتوقيت القاهرة والقدس واضحة هذه المسألة، وقد دعا الأمين العام بشكل واضح وحين تفتحين موقع الهيئة الإليكتروني تسمعين هذه الدعوة أن يبرمج المسرحيون العرب كل فعالياتهم بتوقيت أماكنهم وتوقيت القدس في الوقت نفسه، وقد لاقت هذه الدعوة استجابة لا بأس بها، لكنها ليست كبيرة أو كاملة، فمازالوا ينسون هذه الدعوة وأنا أجددها الآن من القاهرة واعتقد أن هذه الدعوة من القاهرة سيكون لها معنى آخر، أن يعود التوقيت إلى القدس دائمًا وأبدًا وذلك حتى نذكر الجمهور وهو يدخل المسرحية في الساعة السابعة بتوقيت القدس فيتذكر القدس، وهذا ليس انحيازًا مجانيًا، لكنه انحيازًا تاريخيًا لأن دورنا هو أن نصنع الغد فنحن نعمل من أجل مسرح جديد ومتجدد فكيف يكون هناك مسرحًا جديدًا ومتجددًا بدون أوطان متجددة وحرة وكريمة على مستوى الوطن العربي كله.

• كيف ترى مقولة سمو الشيخ سلطان “نجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية”؟

هذه المقولة أطلقها في ختام كلمته في اليوم العربي للمسرح في عام 2014، وبالمناسبة أول من ألقى كلمة المسرح العربي كان يعقوب الشدراوي من لبنان، والثانية كانت للسيدة سميحة أيوب من مصر والثالثة كانت لعز الدين المدني تونس،
والرابعة كانت من يوسف العاني من العراق والخامسة كانت لسعاد عبد الله من الكويت والسادسة كانت لثريا جبران من المغرب والسابعة كانت لصاحب السمو الشيخ سلطان من الإمارات بصفته كاتبًا مسرحيًا والثامنة كانت للدكتور يوسف عيدابي من السودان والتاسعة كانت لزيناتي قدسية من فلسطين والعاشرة كانت لحاتم السيد من الأردن والحادي عشرة كانت للأستاذ فرحان بلبل من سوريا والثاني عشرة في القاهرة للفنان الجزائري سيد أحمد أقومي، وبالمناسبة أن انطلاق الكلمة كانت في 2008 قبل انطلاق المهرجان في دورته الأولى في 2009، لذلك فعدد الكلمات إثنى عشر بينما دورات المهرجان إحدى عشر.

أما هذه العبارة فكانت تشير إلى أننا يجب أن نعتني بهذين الكلمتين، فهل هناك حرية بدون أخلاق؟ ستكون انفلات، وهل هناك أخلاق بدون حرية؟ استحالة لأن الخلق بدون حرية يكون خُلقًا مصطنعًا وينتمي إلى العبودية حتى وإن كان طيبًا في لحظة من اللحظات، إذن الحرية مدرسة للأخلاق والحرية صنوان لا ينفصلان، في البداية كان السؤال ما الأخلاق، طب ماذا عدم الأخلاق، من منا لا يعمل من أجل سمو الأخلاق في كل الأزمان وفي كل الديانات الأرضية والسماوية وكل الفلاسفة دعوا إلى سمو الإنسان من خلال منظومة أخلاقية ونحن نقرنها بالحرية من خلال مقولة صاحب السمو، والحقيقة فنحن نعتز بها جدًا، وهو له مقولتان واحدة كانت في رسالة اليوم العالمي للمسرح التي ألقاها عام 2007 في اليونسكو بباريس، وللأسف فإن الناس تنسى أن هذا الرجل ألقاها مثله مثل كل الكتاب والمسرحيون في العالم وختمها بمقولة أخرى رائعة: “نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة” إذن هذا كلام المهمومين بالمسرح والذين يسكنهم المسرح.

• مشارك في المهرجان عرضًا من تأليفك وإخراجك “ليلك ضحى” ماذا عن هذا العرض والمشاركة؟

“ليلك ضحى” هو ملك للفرقة “فرقة المسرح الحديث” بالشارقة، وقد تقدمت هذه الفرقة للمهرجان، وبالطبع هذا محرجًا بالنسبة لي لأني الكاتب والمخرج لهذا العمل وقد قلت للهيئة العربية للمسرح أرجوكم جنبوني وجنبوا أنفسكم الإحراج، فكان رد اللجنة: نحن نتناول العروض حسب جودتها وليس بناءً على أسماء صانعيها وإلا ما رفضنا اعمالاً لأسماء مهمة جدًا لأن الأعمال لم تكن مهمة، وقُبل العرض وصنفته اللجنة في المسار الأول أي مسار المهرجان وليس مسار الجائزة وهذا جنبني إحراجًا أخرً والحمد لله رب العالمين، ولكن أنا لي عرضًا أخر في المهرجان من تأليفي وهو “صباح ومسا” للفرقة المغربية، وفي هذه الدورة ثنائية عجيبة د. سامح مهران له نصان واحد من إعداده والآخر من تأليفه أحدهما يمثل مصر في المسابقة هو”الطوق والأسورة” والثاني “المعجنة” في المسار الأول، وكذلك عبد الأمير الشمخي الكاتب المغربي لها عرضان أيضًا الأول “الرحمة” ويمثل الكويت، والثاني “نساء بلا ملامح” ويمثل الأردن، أي أن بالمهرجان ثلاث كتاب لكل منهم أكثر من عمل، وهذه المفارقة لم تحدث من قبل.

• بمناسبة التكرار بعض الدول تشارك بأكثر من عرض مثلا الأردن تشارك بأربعة عروض، ودول أخرى غير مشاركة. ما تفسير ذلك؟

في البحث عن الجودة دائمًا لا ننظر إلى الدول بل ننظر إلى الأعمال وجودتها، في هذه الدورة المغرب مشاركة بعرضين في المسابقة، والأردن مشاركة بعرضين في المسابقة وعرضين في المسار الأول، هذه حظوظ وترجع إلى الجودة فهي التي تدفع، نحن لا نأخذ العروض لتمثل دولها بل على العكس الدول هي التي تركب على ظهر العروض، فالعروض تأتي بجودتها، ففي إحدى الدورات كانت توجد خمسة عروض من تونس، هذه الدورة يوجد عرضان أحدهما في المسابقة والآخر خارجها.
فمقياس الجودة أولاً وأخيرًا، ففي أولى الدورات كان هناك من يحتج على عدم وجوده في المنافسة، فعدم وجود العمل داخل المنافسه لأنه قد يكون ترتيبه التاسع أو لا تنطبق عليه الشروط، بينما هو حتما جيد ولا نقلل أبدًا من جودته، فثماني عروض داخل المسابقة يكون لبعض الدول حظ أكبر في المشاركة بينما توجد دول غير ممثلة نهائيًا.

• ماذا فكرة أنها جائزة واحدة؟

جائزة واحدة لها فلسفة وهي أن نكافئ العمل ككل، فيصبح كل من ساهم في العرض فائزًا، بينما في الجوائز الفردية يكون التركيز على العناصر كل واحد لوحده، وعادي جدًا أن يحصل الممثل على جائزة وباقي الفريق لا يحصلون على جوائز لا في التأليف ولا الإخراج ولا السينوغرافيا، وهذا بيكون فيه مفارقات الحقيقة، فالهدف هو دعم الفرق أي دعم العمل الجمعي، وهذه الفلسفة لها ميزة كبيرة هي تجنبنا المجاملة، فالجائزة تعطى لأفضل عرض متكامل ولا تقبل القسمة ممنوع أن تقسم الجائزة على أفضل عرضين، فلابد من إيجاد الميزان الدقيق الذي يجعل هذا العرض هو الفائز، ونحن والحمد لله حتى هذه اللحظة لم نخطأ في ذلك، وأذكر أنه في عام 2012 فاز عرض “الزهايمر” لمخرجة وكاتبة كانت تقدم عملها الأول “مريم يونس” وهي محامية بالمناسبة، في الدورة الثانية فازت لينا أبيض من لبنان بعرض “الديكتاتور” في 2014 فاز عرض “ريتشارد الثالث” من تونس إخراج جعفر الجاسمي، بعده “خيل تايهة” لفلسطين، بعده “صدى الصمت” للكويت، ثم “خريف من الصمت” لأسماء الغوري، وبعده فاز “صولو” للمغرب لمحمد الحر وبالتالي إذا بتلاحظي خارطة الفائزين تكتشفي أنهم صاروا ألمع عروض في الوطن العربي، وحققوا وجود في التجريبي وكذلك في قرطاج، وطبعًا من أهم الأشياء في الفوز أن الهيئة العربية تسهل لهم المشاركة في المهرجانات الدولية والعربية.

• لماذا هذا الزخم في فعاليات المهرجان؟

عندما تحضري أربعمائة مشارك ماذا يفعل كل هذا العدد إذا ما كان هناك فعاليات يشاركون فيها، فكل واحد منهم له دور، وبالمناسبة الدعوات التي يطلق عليها لضيوف الشرف لا نسميها عندنا ضيوف شرف بل ضيوف فقط، وعددهم قليل بينما الكل مكلف بمهام محددة ومعروفة في المهرجان، لذلك المؤتمر الفكري ستجدينه عامرًا منذ العاشرة صباحًا، المؤتمرات الصحفية كذلك عامرة في العاشرة بالتوازي، الورش المسرحية ستكون عامرة أيضًا بالمتدربين المحددين وتبدأ في العاشرة أيضًا، إذن هذه الفعاليات الثلاث انطلقت معًا في نفس الوقت، بالإضافة لذلك فرق تتدرب لتستعد لتقديم العروض وفرق أخرى تعرض على خشبات المسارح، فنحن أمام حركية لا تنتهي وبعد العروض تقام الندوة التطبيقية التي تنتهي بعد منتصف الليل، من هنا يكونوا عايشين في هذه الدوامة الجميلة فلا يوجد مجال للتنفس إلا المسرح ويجب أن تكون جادًا فلم تستطع أن تتفاعل مع هذا البرنامج إذا كنت كسولاً، لذلك الخارطة واضحة بالنسبة لنا فمن يحملن الشنط والأكياس البلاستيك وذاهبون إلى السوق أو راجعون منه، هذا المشهد غير معتاد عندنا، وبالتالي ضغط البرنامج يتوسم تلبية ميول وتلبية متطلبات المشهد المسرحي.

• هل مونودراما “سأموت في المنفى” يمثل تجربة شخصية؟

جدًا وكل ما أقدمه للمسرح تجربة شخصية وبالمناسبة أنا دائمًا لا أضع في حسابي أن أقدم مغايرة للآخرين، بل دائمًا أقدم استئناف على تجربتي الذاتية وهذه المسألة في منتهى الخصوصية، “سأموت في المنفى” حكاية شخصية هي حكايتي أنا وحكاية عائلتي، كشواهد فلسطينية على ما حدث للمشرد واللاجئ الفلسطيني الذي قتلته المنافي وهي سواء من فترة ما قبل أبي ثم أبي وأخي وأنا، بذكر تفاصيل عائلية قد تبدو عادية ولكن عندما تضعيها في سياقها الدرامي تصبح ملحمية، الشئ الشخصي فيها أيضًا أنني من الناس الذين اشتغلوا على الفرجة والحلقة كثيرًا، لكن هذه المسرحية اشتغلت بوعي كل تراكمات هذه التجربة لأقدم مساحة جديدة تجمع الحكي والتمثيل بأنواعه ففيه الإيهام وكسر الإيهام واستخدام القناع الشخصي الداخلي والخارجي وفي نفس الوقت الانتقال من ضمير المتكلم إلى الغائب إلى الفاعل، نائب الفاعل ….، فأنا أشتغل فيه بكل الصيغ اللغوية في هذا العرض ليبدو بسيطًا للمتلقي، ولكنه عرض استهلكني سبعة أشهر من التدريب حتى أتخلص من أية نتوءات مشاعرية أو درامية أو فكرية موجودة في هذا العرض.

• بما أنك المؤلف والمخرج والممثل فمن كان مرآتك أثناء التدريب؟

أنا عندى فصام رسمي فالله خلقني غنام غنام، أحدهما يمثل والآخر يتفرج، فكنت وحدي فأنا من أكثر الناس انتقادًا لنفسي وقسوة على نفسي في الانتقاد ولا أرحم، وبعد فترة اكتمل العمل بدأت استدعي بعض المسرحيين لمشاهدة البروفات وبالتالي هم كانوا الفحص الدائم لي وما جعلني أطور وأغير في العمل، فلم أكن أحب أن يراني أحد إلا بعد أن نضج العمل، عمومًا فهذه ليست أول تجربة فكثيرًا كنت أكتب وأخرج وأمثل في عروضي، ولله الحمد لم تفشل أية تجربة منها. وعادة أنا أحب أمارس كل الأعمال المسرحية كتقني، فأحب عندما أعمل في الديكور ألا أكون مخرج العمل، وحين أكتب لا أخرج فلا أضع علامة إخراجية واحدة على الورق وأكتب النص ولا يشغلني كيفية تنفيذه، وحين أقوم بإخراجه أتعامل معه وكأنه لمؤلف آخر، وبالتالي فالحلول التي تريها مثلا “ليلك ضحى” به حلولاً إخراجية ليست موجودة بالنص على الإطلاق، وأعد له خريطة إخراجية مع احتفاظي بالأمانة الفكرية والتقنية للنص وهذا أفعله مع نصوصي كما أفعله مع نصوص الغير.

• بما أن “سأموت بالمنفى” تجربة شخصية، هل اعتبرت إقامتك في الأردن منفى؟

أي سنتيمتر خارج فلسطين هو منفى هذا كلام واضح.

• لكن هذا قد يغضب الأردنيون

ليغضب كل العالم العربي، فلا يغضب إلا من له موقف أعوج من فلسطين، أنا اعتقد أننا في العالم العربي جميعًا منفيون دون فلسطين، كلنا أيتام دون أمنا، أم البدايات وأم النهايات، وعلينا جميعًا أن نحمل الهوية الفلسطينية إلى أن تتحرر فلسطين، كلما سئل أي شخص في العالم عن جنسيته يقول أنا فلسطيني عربي، لابد أن يقولها كهذا وإلا كيف يمكن لفلسطين أن تحضر، أرادوا لها أن تغيب أن يمحوها ويمحوا تراثها وهويتها، فمن المسئول عن حمل هويتها وإعادتها وإبقائها في الصورة، نحن وبالتالي يجب علينا أن نكون كذلك.

لماذا البلاد تكون خارج فلسطين منفى لأنك تشعرين بحالة وجود قصري في تلك البلاد، فأنا أحب مصر والأردن والمغرب وتونس وأعشق تراب لبنان وأموت من أجل أرض الحجاز واليمن كلها بلادي الوطن العربي كله لي، لكن بما أني منفي قصر من فلسطين فأي سنتيمتر خارجها هو منفى، هذا هو مفهومي وليس لأنه يشعرني بالغربة، فطفولتي وعمري وشبابي وزواجي وإنجاب أولادي وعمري كله بالأردن، أحب كل تفاصيلها ربما أكثر بكثير من أشخاص يعتقدون أنهم يمتلكون فيها ما لا أمتلك، كما أنني أعرف زوايا في الأمارات لا يعرفها الإماراتيين لكن أن تجبري على أن تكوني خارج بلادك فأي سنتيمتر خارج حدودها هو منفى، لكن لو تعيشين وتتنقلين بكامل حريتك فلا تكون منافي، بل مكان إقامة جديدة حياة جديدة مكان عمل جديد، لأن في أي لحظة يمكنك حمل حقيبتك والعودة على بلدتك لكن أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك.

ـــــــــــ
القاهرة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock