مقالات ودراسات
الكاتب والناقد العراقي حيدر عبد الله الشطري يكتب: موت الناقد…حياة النقد.. الأعمال الفنية الرمضانية
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
لان النقد ينظر الى العملية الابداعية الفنية بعين الباحث والفاحص عن مواطن القبح والجمال ومبررا ما يتوصل اليه بالرجوع الى الاشتراطات الفنية التي يجب ان يقوم عليها اي عمل فني وذلك اقصى ما يسعى اليه النقد في اشتغالاته وبحثه الدؤوب وقدرته التأويلية بالاعتماد على مناهج نقدية رصينة .
ولان الناقد هو الذي يتبنى هذه المهمة التي لم تكن بالسهلة يوما ما وانما تشترط الكثير من المؤهلات التي يجب ان تتوافر فيمن يتصدى الى ادائها بخبرة متمرسة ودراية واعية وتجربة تنم عن فهم مدرّب وفكر خلاق .
من هنا تتضح اهمية الجهد النقدي في تناول الاعمال الفنية باعتباره معرفة ضرورية واحساسا مرهفا يجب توافرهما ليشتغلا سوية في محاولات حفرية راكزة ومنضبطة في ثنايا الاثر الابداعي تبحث في المعاني والدلالات .
وبعد مسيرة رمضان الدرامية التي بدأت في استهلال هذا الشهر الفضيل وعرض الكثير من الاعمال الفنية حيث تتسابق القنوات العربية والمحلية في عرض منتوجها الفني والذي تباينت فيه اساليب التقديم وتناول الموضوعات وطرق الانتاج حتى ترى انك امام ( عكاظ ) فني يتسابق الجميع في عرض بضاعته بطرق اشهارية متمرسة تبحث عن جذب المشاهد ومحاولة كسب جلوسه امام شاشاتها لمدة شهر كامل وتلك فرصة لا تتوافر لأي قناة تلفازية على طول السنة فهذا هو موسم
التسويق وجني الارباح .
ومنذ الحلقات الاولى لكل المعروض على الشاشات حتى انبرت الاقلام التي اكتسبت حقها في تناول هذه الاعمال بمقاربات نقدية مستعجلة من مجانية النشر على صفحات الشبكة العنكبوتية وسهولة النشر في الصفحات الادبية لوسائل الاعلام المتنوعة , حتى صار من حق اي احد ان يُخضع اي عمل فني الى ذائقته وهواه ويبحث فيما يريد ان يشاهد ويتناول بالقدح كل ما لا يريد ان يشاهده مستندا بذلك الى مزاج شخصي يسير باتجاه معارف خاصة وثقافة منكفأة ومنعزلة لا تعرف في اصول النقد الفني ونظرياته واتجاهاته واساليبه الحديثة , حتى تطورت هذه الحالة ووصلت الى ان صار المعروض النقدي المجاني اشبه ايضا بسوق توزع فيه الاراء والانطباعات مجانا لكل من يريد ان يطلع عبر كل وسائل الاتصال الحديثة , وبهذا وجد الناقد الفني نفسه امام مواجهة ليس له القدرة على مواجهتها سيما وان القائمين على هذا النقد المجاني يمتلكون منصات اعلامية كبيرة ومؤثرة تروج لاتجاهات جديدة في العملية النقدية الاعلامية الرخيصة والتي اريد لها ان تكون بديلا عن مناهج عقيمة يزعمون انها تصدر من بروج عاجية لا تخضع الى اشتراطات العصر الحديث المتسارعة .
يشير الناقد البريطاني رونان ماكدونالد في كتابه ( موت الناقد ) الى الدور الذي لعبته المدونات الالكترونية في تغييب دور الناقد منذ بداية ظهورها والتي تلوذ بالقاريء وتعطيه اهمية كبير في ظل هذه الوسائل .
حيث يقول ( ان زمن الناقد بوصفه الحكم الفيصل الذي يقر ر ما يستهلكه الجمهور على الصعيد الثقافي قد ولّى ).
وهذا ما فسح المجال الى ظهور اتجاهات جديدة في المجال النقدي سببه غياب الناقد او ضآلة حضوره .
وبذلك نجد انفسنا امام معركة نحاول ان ننتصر فيها الى ضرورة الناقد الباصر والعليم امام محاولات طارئة تكرس لسلطة الجمهور الواسع من القراء وما يهتم به , ويظهر ذلك جليا في انشاء المواقع المتخصصة والتي تهتم باستطلاعات اراء القراء في المعروض الفني وبالتالي تكون لها الكلمة الفيصل في تقييم هذه الاعمال وتكون بديلا لاستعراضات معرفية تنظيرية لا حاجة فيها كما يزعمون .