الكاتب والناقد المغربي لحسن قناني يقدم قراءة في كتاب ” في التحليل الدراماتورجي “لمواطنه الباحث أحمد بلخيري
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
قراءة في كتاب ” في التحليل الدراماتورجي “
للباحث أحمد بلخيري
لحسن قناني
الكتاب الذي سأحاول مقاربته أمامكم اليوم هو كتاب “في التحليل الدراماتورجي” لصاحبه الباحث والناقد المتميز الأستاذ أحمد بلخيري، وموضوع هذا الكتاب هو إنجاز تحليل دراماتورجي لنصين مسرحيين: “الأقدام البيضاء” و”يا موجة غني” للمبدع المسرحي الزبير بن بوشتة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يمكن الانطلاق مما ورد في هذا الكتاب فقط لقراءة هذا الكتاب؟… الإجابة على هذا السؤال لا يمكن إلا أن تكون بالنفي، لأننا عندما نتحدث عن الكتابة النقدية عند الأستاذ أحمد بلخيري، فإننا نتحدث عن مشروع نظري متكامل، مترابط الحلقات.
أي أننا نتحدث عن نسق نقدي، وحيث أن أي عنصر من عناصر هذا النسق لا يتحدد إلا بالنظر إلى العلاقة أو العلاقات التي ينتظم بموجبها ضمن بنية الكل… وعليه لا يمكننا أن نقرأ كتاب “في التحليل الدراماتورجي”، دون ربطه أولا وقبل كل شيء بالكتاب الذي يمهد له نظريا ألا وهو كتاب “نحو تحليل دراماتورجي”، لأن آخر عبارة في هذا الكتاب ألا وهي: “سيكون هذا الجهاز [يقصد منهج التحليل الدراماتورجي]… أساس التحليل التطبيقي الذي آمل في إنجازه في كتاب لاحق يكون استمرارا لهذا الكتاب”، ستكون هذه العبارة أول عبارة في التقديم الذي سيضعه هذا الناقد لكتاب “في التحليل الدراماتورجي” وحيث يقول بأنه أثناء كتابته لكتاب “نحو تحليل دراماتورجي” كان يحمل في ذهنه تصورا أوليا بأن هذا الكتاب سوف لن يكون إلا تمهيدا لكتاب لاحق يكون فيه الانتقال من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي… وما هذا الكتاب اللاحق إلا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن أي كتاب “في التحليل الدراماتورجي”.
بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك فنقول بأن الهواجس النظرية التي كانت من وراء تأليف هذين الكتابين معا تجد إرهاصاتها الأولى في كتب أحمد بلخيري السابقة على هذين الكتابين، فمثلا إذا فتحنا كتاب ” سيميائيات المسرح ” على الفصل الذي يحمل عنوان: “الذاكرة الموشومة: قراءة في نصوص درامية لقاسم مطرود” يمكننا أن نقرأ في الصفحة 98 ما يلي: “إن المنهجية السليمة تقتضي إنجاز تحليل لكل نص درامي على حدة، مع إمكانية إنجاز مقارنة بين هذه النصوص”، وطبعا ليست هذه المنهجية السليمة إلا المنهجية التي سيعكف على إبراز مكوناتها النظرية في كتاب “نحو تحليل دراماتورجي”، ويقدم عنها نماذج تطبيقية في كتاب “في التحليل الدراماتورجي”، وذلك من خلال التحليل المستفيض للنصين الآنفي الذكر للمبدع الزبير بن بوشتة.
وهذه الإرهاصات نفسها نجدها في كتاب “في المسرح: مراجعة مفاهيم وأحكام” وحيث يمكننا أن نقرأ في التقديم الذي وضعه المؤلف لهذا الكتاب في الصفحة 7 ما يلي: “أتمنى أن يساهم هذا الكتاب في تصحيح وضعية تبدو غير سليمة، وذلك أن الانطلاق في البحث والنقد المسرحيين المغربيين من الأشخاص وليس من النصوص، يؤدي إلى إصدار أحكام، حين مقارنتها مع المعطيات النصية تبدو غير صحيحة… والاعتماد على هذه الأخيرة [أي المعطيات النصية] يعني الاعتماد على الدليل والبرهان وليس على الأهواء والرغبات الذاتية”، أي ما كان قد دعاه ابن خلدون في منهجه التأريخي بـ “التعليل”، والذي ليس هو في سياق حديثنا إلا منهج التحليل الدراماتورجي، خصوصا وأن الوضعية غير السليمة للنقد المسرحي المغربي التي يتحدث عنها في هذا التقديم هي نفسها، الوضعية التي يترصدها في كتابين آخرين هما كتاب “الوجه والقناع” وكتاب “دراسات في المسرح” الذي أشار بلخيري في مقدمته إلى هذا المنهج نفسه واصفا إياه بكونه تحليلا يرتكز على تصور نظري محدد ذهنيا، يجعل من النص الدرامي على وجه التحديد موضوعا للتحليل.
فنحن إذن وبالفعل أمام مشروع نقدي نسقي، ويبدو أن الرهان المطروح في هذا المشروع بكامله وعبر كل حلقاته، يتمثل أساسا في هاجس الدقة أو بالأحرى التدقيق، الأمر الذي لا يمكن بموجبه إلا أن نتساءل إن كان من قبيل الصدفة أن يهتم الأستاذ أحمد بلخيري بالتأليف المعجمي كما يتجلى ذلك من خلال كتابيه “معجم المصطلحات المسرحية” و”المصطلح المسرحي عند العرب” والواقع أن هذا الاهتمام لم يكن أبدا وليدا للصدفة، بل كان وليدا لقصد معلن، ومعنى هذا أن التأليف المعجمي ينضاف إلى ما سبق ذكره في ما يتعلق بالقول بأن هاجس الدقة كان هاجسا مقيما في الكتابة النقدية عند هذا الرجل، وهو الأمر الذي يمكن أن تفصح عنه وعلاوة على كل ما ذكرناه البنية الحجاجية المحكمة التي توسلها في كافة الكتب النقدية الآنفة الذكر.
ولاشك أن هاجس الدقة أو التدقيق هذا، هو الذي كان من وراء تأليفه لكتاب “نحو تحليل دراماتورجي” لتفصيل القول، وعلى وجه الدقة دائما، في المنهجية التي ينبغي إتباعها في تحليل النصوص المسرحية، والتي أطلق عليها التحليل الدراماتورجي، كما أن هاجس الدقة هذا هو الذي جعله يؤلف الكتاب الذي نحن بصدد قراءته الآن ألا وهو كتاب “في التحليل الدراماتورجي” قصد الانتقال بهذه المنهجية من المستوى النظري البحت إلى المستوى التطبيقي. فما المقصود بهذا التحليل الدراماتورجي، وها هي النتائج التي سيسفر عنها عند تطبيقه على النصين المسرحيين “الأقدام البيضاء” و”يا موجة غني” للمبدع الزبير بن بوشتة.
ما يقصده أحمد بلخيري بالتحليل الدراماتورجي هو ذلك التحليل النصي المفصل والدقيق، والذي على الرغم مما كان يحمله عنه هذا الناقد في ذهنه من إرهاصات نظرية، إلا أن التجسيد الفعلي لهذا التصور الجديد عن الأداة المنهجية التي ينبغي رصدها لتحليل النص المسرحي لم يجد تحققه الفعلي ومرتكزاته الأساسية إلا بعد اكتشاف الباحث أحمد بلخيري لكتاب Michel Pruner الذي يحمل عنوان « L’Analyse du texte de théâtre، “تحليل النص المسرحي”، الذي صدر سنة 2001.
وسيرا على عادته في التأليف المعجمي سنجد بأن أول ما سيقوم به هذا الناقد في تحديده لعبارة التحليل الدراماتورجي هو الوقوف عند دلالة المفاهيم المكونة لها، مبينا بالنسبة لمفهوم التحليل أن المعنى المتداول اليوم لهذه الكلمة له مرجعية عقلانية يتحدد الفعل التحليلي بموجبها بكونه الفعل الذي ينظر إلى الأشياء من خلال العناصر المكونة لها، وبالنسبة للنص الدرامي، يتمثل هذا الفعل في تفكيك البنية الدرامية قصد الإمساك بالعناصر المكونة لها في أفق الكشف عن دلالاتها وطرائق تشكلها بغية إدراك أسرار النص الدرامي وآليات اشتغال الخطاب لإبلاغ رسالته. نحن إذن أمام مرجعية عقلانية فعلا ليس من الصعب أن نلمح فيها بصمات الأب الروحي للعقلانية الحديثة، الفيلسوف ديكارت،
كما يتجلى ذلك من خلال القاعدة الثانية من قواعد المنهج عنده والتي مفادها “تقسيم أي معضلة من المعضلات التي نبحثها إلى عدد من العناصر والأجزاء الأولية اللازمة لحلها على أحسن وجه”. أما بالنسبة لمفهوم الدراماتورجيا، فهي عبارة مركبة تدل في الأصل على صناعة العمل المسرحي سواء تمثل في النص، أو في العرض بشكل عام. وهذه الصناعة عندما يتعلق الأمر بالنص الدرامي على وجه التحديد لها لغتها الخاصة المكونة بدورها من مجموعة من اللغات تتكامل في ما بينها لإنتاج الدلالة والجمالية والتأثير. وأول عناصر هذه اللغة هو النص الموازي le paratéxte الذي يتكون من كل ما يشكل ما يسمى بعتبة النص: العنوان والغلاف واسم المؤلف ونوع المسرحية وغير ذلك.
العنصر الثاني هو النص والذي ينقسم بدوره إلى الحوار والإشارات المسرحية على اختلافها.
العناصر الأخرى التي تتشكل منها لغة النص الدرامي هي تلك التي تنتمي إلى بنية الفعل الدرامي وما يندرج تحتها من مكونات سواء تعلق الأمر بنظام النص الدرامي وما يشتمل عليه من حكاية وفعل وحبكة وحدث، أو تعلق بترتيب الفعل الدرامي وفقا لفرضية البحث التي وضعها فلاديمير بروب لتحليل الحكاية وأطلق عليها مورفولوجية الحكاية أو النموذج الوظائفي، والتي سيطورها بعده آخرون يقف غريماس على رأس قائمتهم، وأهم ما يميز هذه الفرضية هو استبدال مفهوم الشخصية بمفهوم الفاعل actant، سواء كان مساعدا للفاعل الأساسي المنوط به تقويم حالة النقص في الوضع الأصلي أم كان معارضا لذلك، وغير ذلك مما يندرج ضمن ما يطلق عليه “العلاقات الفاعلية ” relations actanielles، أو تعلق هذا الأمر أي ” مكونات بنية الفعل الدرامي ” بالنمو الدرامي، الذي ينبغي أن يحافظ على وحدة الفعل حول قضية مركزية.
وضمن هذا السياق نفسه يمكن الحديث أيضا عن حوافز الفعل والتي يقف على رأسها الفضاء الدرامي والزمن الدرامي واللذان تتم الإحالة عليهما عادة إما عن طريق الإرشادات المسرحية المباشرة أو تلك التي يطلق عليها الإرشادات الضمنية والتي عادة ما نجدها مبثوثة بين ثنايا الحوار.
وطبعا من بين العناصر الأساسية التي انصب عليها اهتمام منهج التحليل الدراماتورجي عنصر الشخصية باعتبارها العلة الأونطولوجية للنص المسرحي.
والعنصر الأخير الذي تتكون منه بنية الفعل الدرامي حسب التصور المنهجي للتحليل الدراماتورجي هو الخطاب المسرحي وما يرتبط به من أشكال كما يتجلى من خلال التلفظ المزدوج لهذا الخطاب والمتمثل إما في الحوار dialogue أو المونولوغ، وما يرتبط به أيضا من شروط وافتراضات وتضمينات ومضمرات ولحظات صمت وجملة ما يندرج ضمن ما يطلق عليه براغماتية الخطاب.
وما يرتبط به ثالثا من رهانات أي جملة ما يتعلق بالوظائف التي يضطلع بها النص المسرحي سواء تعلق الأمر بالوظيفة الدرامية أو الوظيفة الشعرية أو الوظيفة التواصلية.
إذا كان هذا هو التحليل الدراماتورجي وكانت تلك هي عناصره بإيجاز شديد فما هي الكيفية التي تم بموجبها تطبيق هذه المنهجية من أجل تحليل دراماتورجي بهذا المعنى لنصي “الأقدام البيضاء” و”يا موجة غني” للمبدع الزبير بن بوشتة؟…
أول خطوة سيستهل بها الناقد تحليله للنص الأول، هي وكما أوضح ذلك في الجانب النظري من منهجية التحليل، هي وقوفه عند ما كان قد أطلق عليه النص الموازي le paratéxte، سواء تعلق الأمر بعبارة العنوان “الأقدام البيضاء” كدلالة على هجرة سكان شمال إفريقيا عموما نحو أوروبا، وهي العبارة التي ستجد ما يشبع مستواها التأشيري والدلالي داخل النص في تقابلها مع عبارة “الأقدام السوداء”les pieds noirs الدالة على المعمرين الذين استوطنوا المغرب العربي خلال المرحلة الاستعمارية، كما ستتم إضاءتها بالإحالة على صورة الغلاف والتي تضعنا أمام رجل عاري القدمين إلى ما فوق الركبة، وقد وقف على ضفة البحر وعيناه مشرئبتان إلى ما وراءه أي إلى الضفة الأخرى، وكأنه عازم على عبور البحر من بر الضياع الذي يقف عليه الآن إلى بر ” الأمان ” كَبَرٍّ استهامي يوجد في ” الهناك “، ولو سيرا على الأقدام.
العنصر الثاني الذي يتكون منه هذا النص الدرامي، هو النص ذاته، أي النص/ المتن، أي الحكاية المراد تبليغها للمتلقي، والتي هي في النص عبارة عن حكايتين متقاطعتين متداخلتين شكلا ومضمونا، حكاية الشخصية التي تحمل اسم “عرب لافرانس” وحكاية شخصية “عساس”.
الحكاية الأولى هي حكاية مغترب مغربي من الجيل الثاني، ولد بفرنسا وحامل للجنسية الفرنسية، يقرر السفر إلى مدينة مارسيليا بحثا عن حبيبته ماريا، ولكن لأسباب أمنية تتوقف حركة النقل، ليجد نفسه مضطرا إلى الاختباء داخل شاحنة، ظن أنها متجهة إلى مارسيليا، بينما هي متجهة إلى مدينة برشيد المغربية، فكانت نتيجة الرحلة أن وجد نفسه عالقا بمرأب بمدينة طنجة وحيث سيلتقي مع عساس صاحب الحكاية الثانية، والذي على الرغم من أن حكايته تبدأ بهذا المرأب الذي يشتغل فيه كحارس ليلي، فإننا سنعرف عن طريق الاسترجاع أنه نزح إلى طنجة منذ سنتين طمعا في الهجرة السرية إلى أوروبا.
بعد تحليل مستفيض لحكاية الحكايتين معا ودلالاتهما، وإيحاءاتها وتقاطعاتهما مع حكايات أخرى فرعية، سينتقل أحمد بلخيري، مستضيئا دائما بنظرية برونير في التحليل الدراماتورجي إلى الوقوف عند عنصر الشخصيات، مميزا بين الشخصيات الفاعلة، أي تلك الحاضرة نصا وعلى مستوى الأحداث، والشخصيات الحاضرة نصا والغائبة على مستوى الأحداث، والتي كان يتم استحضارها إلى النص من طرف الشخصيتين الفاعلتين “عرب لافرانس” و “عساس” عن طريق الاسترجاع، وبعد تحليل مستفيض جدا لهذين النوعين من الشخصيات سواء في أبعادها الداخلية، أو الخارجية، أو وظائفها داخل بنية العمل الدرامي، أو في علاقاتها ضمن النموذج الوظائفي لمورفولوجية الحكاية، سينتقل الناقد إلى الحديث عن عنصر الحوار الدرامي مميزا فيه بين الحوار المباشر بين “عرب” و”عساس” والحوار الاسترجاعي والذي يتم فيه استرجاع حوارات وقعت في اللحظة السابقة على الحدث الراهن مع الشخصيات الحاضرة نصا والغائبة على مستوى الأحداث، علما بأن لغة هذا الحوار بنوعيه كانت هي اللهجة العامية المغربية، ممزوجة عند عرب لافرانس بالخصوص بكلمات أو عبارات فرنسية،
ولم يفت الناقد في هذا السياق أن يقف عند الدور الذي لعبه الصمت في تعميق النفس الدرامي، وإلى الدور الذي لعبته الاستعارة والكناية والمجاز والتناص في توفير البعد الجمالي لهذا الحوار. وبما أن الحوار بين الشخصيات والذي هو قوام الحدث، يحدث في زمان ومكان معينين، فقد كان من الضروري أن يقف الناقد عند الزمن الدرامي لحكاية “الأقدام البيضاء” وهنا أيضا تم التمييز بين الزمن الرئيسي، زمن الفعل الدرامي والذي هو عبارة عن ليلة بكاملها في مرأب بمدينة طنجة، وبين أزمنة إسترجاعية هي تلك المرتبطة بالشخصيات الحاضرة نصا والغائبة على مستوى الحدث تم فيها التعويل على السرد، ونفس الشيء يمكن قوله عن الفضاء الدرامي بحيث يمكن التمييز داخل هذا النص الدرامي بين الفضاء الراهن وهو الفضاء الذي يجري فيه الحدث الدرامي والذي هو عبارة عن مرأب بمدينة طنجة، وبين فضاءات افتراضية والتي ليس لها من وجود إلا عبر الاسترجاع (فضاء الدوار بالنسبة لعساس، ومختلف الفضاءات الفرنسية بالنسبة لـ “عرب لافرانس” على سبيل الذكر لا الحصر. وما فعله الناقد مع العناصر الآنفة الذكر، سيفعله وبنفس الدرجة من الدقة والتفصيل مع عناصر أخرى لا يمكن بدونها استكمال مغزى وجدوى النص الدرامي، وذلك من قبيل الإشارات المشهدية على اختلاف أشكالها، واللباس على اختلاف أنواعه وإحالاته، والإضاءة والإظلام والأغاني والألوان وغير ذلك مما وقف عنده الناقد أحمد بلخيري وقفات تفصيلية لا يتسع المقام للتوسع فيها، عاملا بفضل كل ذلك على أن يقدم لنا صورة نموذجية عما يمكن لمنهج التحليل الدراماتورجي أن يحققه في استجلائه للنصوص الدرامية التي تتوفر فيها سمة الإبداعية من قبيل “الأقدام البيضاء” علما بأن هذا المنهج نفسه هو الذي سيتوسله الأستاذ أحمد بلخيري في مقاربته النقدية للمسرحية الثانية “يا موجة غني”.
في الأخير دعوني أقتبس قولة جميلة وعميقة في دلالتها وبلاغتها: لـ “ميشيل تورنيي” صاحب الرواية الشهيرة « Vendredi ou les limbes du pacific » “جمعة أو تخوم المحيط الهادي” والذي يقول في كتاب أخر له بعنوان: “le vol du vampire “تحليق مصاص الدماء” في نهاية الكتاب بالضبط يقول: “أن ننشر كتابا، فذلك يعني أننا نُقدم على إطلاق سراح مصاص دماء، لأن الكتاب هو بمثابة خفاش جاف منزوف، متعطش للإرتواء، متلهف للدفء البشري، وإذا حلق فإنه يبحث عن قارئ، كائن من لحم ودم، وحيث بإمكانه أن يحط ليغتدي من حياته وأحلامه، وهكذا يبلغ الكتاب غايته أي أن يتحقق كأثر حي”.. وما أتمناه لهذا الكتاب هو أن يجد عند الحضور الكرام وعند القراء بصفة عامة ما يبحث عنه من دفء بشري ومن أنس ورفقة.