مقالات ودراسات

الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي.. يكتب عن العرض الليبي..موت رجل تافه!


مجدي الحمزاوي

كاتب وناقد مسرحي مصري

ـ

وهذا الموت للرجل التافه جاء في العرض المسرحي الذي قدمه مسرح الفكر القومي بالجماهيرية الليبية ضمن إطار فعاليات الدورة العشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ؛ والعرض عن نص للكاتب المسرحي العراقي قاسم مطرود( الجرافات لا تعزف اللحن) وقام بهذا الإعداد والإخراج أيضا وليد العبد ؛ ومن الطبيعي أن يتبادر إلى ذهنك هذا السؤال ؛ كيف تتحول الجرافات التي لا تعزف اللحن إلى هذا العنوان ؛

ومن خلال المشاهدة للعرض تتأكد من شيئين أولهما أن المخرج / المعد قد قرأ جيدا موت بائع متجول وأيضا موت فوضوي قضاء وقدرا وبحث في الجرافات عما هو من الممكن أن يتشابه معهما لدرجة أنه قد اختار العنوان للعرض مشابها لما أعجب وقرأه من قبل ؛ ومن ثم تسأل نفسك إذا كان هناك كل هذا الإعجاب فلماذا لم يتناول نصا منهما وكفى الله المؤمنين شر الإعداد ؛

وبما أننا في التجريبي ؛ إذن يجب الخروج على المألوف ولا مانع إذا لو أن هناك خروجا عن الأصول أو عن منطقية العمل الفني ذاته ؛ ويجب أن يكون للصالة دور! يجب أن يكون هناك أيضا استعراض للعضلات الإخراجية والتمثيلية ؛. فالعرض المسرحي يبدأ بأحدهم يدخل من باب الصالة الأوسط ( فقد كان العرض مقدما على مسرح السلام) ويخبرنا بكم هو مخيف هذا الصمت! إلى أن يجرنا للاسترجاع أو الفلاش باك الذي سيتم على خشبة المسرح ؛

وطبيعي انه سيعود لمرحلة شبابه على هذه الخشبة ؛وهناك صندوق كبير يخرج منه اثنان يأخذان الشكل الآدمي مع آلية في الحركة ؛ ثم تعرف بمرور الوقت أن هذان الاثنان ما هما إلا أفكار وذكريات هذا الشخص ؛ وأيضا يحملان السلال الخاصة بمستودع الذكريات والأحداث التي يمر بها هذا الشخص ويساعدانه في هذا الاسترجاع سواء عن طريق أداءه هو التمثيلي أو بمساعدته على التذكر بحيث يكونا في بعض الأحيان هما المحركان أو الأشخاص التي قابلها قبلا ؛ وبأعلى خشبة المسرح هناك مقعد يعطي ظهره للصالة بحيث لا نري إلا ظهر من يجلس عليه ؛ وحقيقة الأمر وللحق فإن هذا التناول للمقعد من جانب المخرج كان في الكثير من الأحيان متسقا مع ما يقدم ؛ خاصة في تعدد أشكال القهر ومن يقوم به ؛ وبحيث أنه لا فارق بين الشخوص القاهرة وأنه يمكن جعهما في كيان واحد لابد من التخلص منه ؛

كما أن أفكاره وذكرياته قد تعامل معها بصورة جيدة لا سيما في اللقطة التي فرت منها هذه الأفكار وخافت من مجرد تذكرها أو استرجاعها بما يمثله هذا من تصوير لبشاعة ما تم ؛ ,أيضا حين هذا الشخص الفرار من هذه الذكريات المحركة فما كان منها أي الذكريات إلا أن وضعته داخل الصندوق التي خرجت منه ؛ وفي هذا إشارة _ مع أنها لم تكن واضحة كفاية _ إلى دخوله لنفسه هو وجره إلى التوحد مع ذاته بكل ماضيها لمحاولة الوصول إلى تفسير للحاضر أو محاولة التغيير ؛ وتتوالى التداعيات والمواقف التي من الممكن أن يكون لها دلالتها على كل الواقع العربي ممثلا في سيف الجد الذي لم يكن يتصور أبدا أن يشهر هذا السيف في وجهه ! ولكنه حدث ؛

وقد كان من الممكن أن تحمل هذه الدلالة الكثير من الإشارات للقوة/ التقاليد/ الموروث .. الخ و في إشارة إلى أن هناك من استلب هذا السيف/ الإرث الشرعي ؛ وأيضا من الممكن أن يكون في عدم حفاظ هذا الوارث على قيمية هذا السيف وما يمثله لذا فقد انقلب عليه ؛ ثم ندخل في مرحلة التذكر للطفولة أو الشاب المبكر من حيث قيام الأسرة في إعطائه النصائح الواجبة ؛ وإرشاده للأماني المستقبلية سواء لذاته أو لهذه الأسرة ؛

ولكن تصطدم هذه الأماني بوضعية كونه دائما متهما في مشاهد التحقيق التي وزعت على كافة أجزاء العرض ح ومع أن مشاهد التحقيق هذه كما قلنا قبلا تتشابه كثيرا مع مشاهد موت فوضوي قضاء وقدرا ؛ إلا أن المخرج/ المعد قد حاول في طرحه من خلال العرض أن يشير إلى أن الإنسان العربي في الأغلب بمجرد وجوده في الحياة وهو داخل دائرة الاتهام من القوى المسيطرة ؛ سواء كانت قوى داخلية أو خارجية ؛ وأن عليه في كل لحظة أن يثبت أنه برئ من كل شيء من النخوة/ التطلع للحرية/الشرف .. الخ وأن عليه لو كان يأمل في الخروج من قفص الاتهام هذا أن يسير وراء الركب المنافق الداخلي أو الخارجي ؛

ولكنه أي المخرج / المعد يحاول أن يكون للأمر بعدا اكبر وأن يخرج من خلال الإطار العربي أو ما يسمى حتى بعالم الجنوب إلى ما هو أكثر اتساعا وشمولا؛ أي إلى الخروج إلى الإنسانية كلها من خلال الإشارة إلى تلك الحية التي غافلت الجميع وركبت السفينة ؛ وهذا بالطبع إشارة واضحة إلى الشر/ الشيطان الموجود بصفة دائمة مع الوجود الإنساني ؛ فهذه السفينة ما هي إلا سفينة نوح ؛ وبالطبع المقصود بهذه الحية معروف ؛ ومع توالي الأحداث ؛

وأيضا طقس لزواج ومع أن الزغاريد منطلقة فإن من يجلس في المقعد الموجود بأعلى منتصف المسرح له وجوده؛ وتفشل عملية الزواج في الإتيان بثمارها المنشودة أو حتى الاستقرار ؛ لنجد نفسنا أمام الأم والابن في حالة تلاشي وتضاؤل مع البكاء على ما لم يتحقق والبكاء على بشاعة ما كان ؛ إلى أن نصل لمرحلة الموت على يد المحقق لهذا الرجل التافه ؛ وأشار المخرج / المعد من خلال عنوانه ومعالجته أن هذه القوى دائما ما تنظر إلى المواطن العربي الموجود داخل هذا القفص ولا يسير بركبها على أنه تافه لا قيمة له ؛
ولكننا في نفس الوقت نجد أنفسنا في مرحلة ثورة على هذا المقعد ومن يجلس عليه ونكتشف أنه مجرد دمية كبيرة ؛ ولم يكون هناك تأكيد على ماهية هذه الدمية هل هي إشارة إلى أن من يخيفنا هو أداة بيد الغير الخارجي ؛ أو أن من يخيفنا أصلا لا وجود له وأننا صنعنا خوفنا بأنفسنا من شيء لا وجود له وإن كان له وجود فهو وجود هش ينكسر وينكشف لو كانت هناك مواجهة ؛ وقد نقبل هذا الازدواج في النهاية والحيرة بين هل الثورة تمت أم أن هذا الرجل التافه قد مات؟! ولكن المخرج / يأبى أن يتركنا نتمتع بهذا التساؤل وهذا العرض ونحن نحاول أن ننسى هذا الدخول الغير مبرر بأول العرض لشخصيته من الصالة ؛ فوجدنا أنفسنا فجأة أمام حوار آخر ؛ وتساؤل إذا كان ما قدم تمثيلا جيدا ؟؛ وكلام كثير لا داعي له إلا أن ينهي المخرج / المعد العرض كما بدأه وأن ينزل الممثل من على الخشبة متجها للصالة خارجا من مكان دخوله؛؛ نعم هو معنى جيد ودلالة لا بأس بها ولكن في عرض آخر غير هذا العرض ؛ فالعرض في المجمل يأخذ صفة أكثر من الجودة لو حذفت هذه المقدمة وهذه النهاية ؛ خاصة أن المخرج يملك حاسة التعامل مع خشبة المسرح متمثله في صوره المتعددة التي خلقها بحركة شخوصه على الخشبة بما يعطى الإيحاء الذي يريده ؛ ولم تكن هناك أي زاوية مهملة ؛ فقد كانت كل خشبة المسرح مرتعا للذكريات والأفكار مع تحديد لأماكن الشخص والأب والأم وهذا طبعا شيء يدل على الوعي والنضج ؛ وجاءت الإضاءة أيضا تعطي بعدا من الجو الشبحي حين نتطرق إلى هذه القوى أيا كانت بالإضافة إلى الوضوح فيما يتعلق بما يعيشه هذا الرجل التافه واستعمال الألوان في الإضاءة كان معبرا بالصورة المعروفة فقد كانت الألوان الحمراء مع القوة والشبحية والصفراء مع الخمول والتأسي وغلبت الإضاءة الصريحة على بقية العرض ؛ أما الديكور الذي وضعه محمد عوكيش فقد كان مناسبا وأدى الغرض منه بدون فذلكة وبدون إبهار ونجح في أن يكون البعد المرئي على نسق واحد ممتزجا ببعضه مع حركة الممثلين واستخدامهم ومع الصورة الديكورية الموضوعة وإن كان هذا يحسب ل عوكيش فهو أيضا نقطة بصالح المخرج ؛ أما موسيقى عمر الفيتوري فقد أكدت على البعد العربي والشرقي أكثر مما أكدت على تصوير حالة إنسانية عامة ؛ فقد كانت المقامات الشرقية هي الغالبة إلا في بعض المناطق التي تتسم بالشمولية والتي يريد لها أن يوصل إحساسا أو حالة انسيابية تأخذ الجميع؛ وبالطبع فإن هناك حديث عن الأداء التمثيلي لأحمد العيساوي وحاتم قرقوم وتوفيق الفيتوري ؛ والحديث أنهم فعلا ممثلون جيدون ومبشرون لولا هذه الأوقات التي كان فيها استعراض لهذه القدرات التمثلية فخرجت بشكل مبالغ فيه وإن كان لهم بعض العذر في أن الإعداد والإخراج قد ارتكز أساسا على هذه النقطة سواء فيما يخصه أو فما يخص التمثيل


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock