الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي يكتب: لفهاماتور “المغربي” .. عدم الخبرة وتعارض الدلالات وكثرتها

مجدي الحمزاوي

ناقد وكاتب مسرحي

ـ

 

 التساؤلات التي لا جدوى منها سوى شغل الرأس بتفاهات ؛ ربما تحقق للشخص المتسائل نشوى الأهمية أو أنه فطن إلى ما لم يفطن إليه الآخرون ؛ مع أنها تساؤلات عبثية عقيمة؛ لا تؤدي إلى حقيقة أو اكتشاف أو تواصل؛ مع التمسك بالرأي دون مبرر  أو منطق والمجادلة لمجرد المجادلة؛ كأن أنشطة الحياة انحصرت في مجرد إخراج أصوات  من الفم قد لا يكون لها معاني أو دلالات ؛ وإنما هي أصوات فقط تعبر عن هذا الوجود المحدود الأفق ؛ وبما أن اللغة ليست وسيلة للتفاهم وإنما وسيلة لمجرد إثبات وجود الذات الفردية في مواجهة الآخر ؛ فإن حتمية الصراع أمر لابد منه ؛ ولكن على أي شيء يكون هذه الصراع؟ بالتأكيد أنه سيكون على التوافه أو لأشياء لا ضرورة منها أو لها ؛ وربما يكون عدم الصراع في مرحلة ما هو الأنسب لكل أطراف التصارع ؛ لأنه أي عدم الصراع يحقق الحالة الوجود الآمن لكل طرف.

 هذه كانت الرسالة أو المضمون الرئيسي لعرض لفيا ماطور الذي قدمته فرقة ( نحن نلعب للفنون المسرحية ) المغربية على خشبة المسرح الحديث ؛ في فعاليات الدورة الواحدة والعشرين لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي؛ صحيح أن هناك داخل سياق العرض إشارات لمضامين أخرى أكثر عمقا وأكثر اقترابا من الواقع العربي الآني ؛ ولكنها أتت إشارات سريعة ربما أتت عفوا ؛ أو كانت موجودة في ذهن المنفذين للعرض ولكنها لم تجد التأكيد الكافي ؛ وهذا سنتعرض له في حينه.

فاسم العرض هو نحت صوتي ليس له_ على ما أعلم _ أي معنى سواء في العربية أو غيرها؛  ولكنه اسم ربما يشير إلى ما تحدثنا عنه ؛ بالإضافة إلى أنه سيخلق الفضول لدى المتفرج لمحاولة الوصول إلى معنى أو دلالة . يبدأ العرض بهذا الجدل أو الحوار أو البيانات الصوتية ؛ التي تتم في الإظلام التام بين صوتين احدهم رجالي والآخر نسائي يدور  حول هذه التساؤلات التي لا معنى لها ويبين أن الأصوات البشرية في حد ذاتها ليست وسيلة للتفاهم ؛ مع انعدام رغبة الأطراف مخرجة الأصوات في تحوير هذه الأصوات وإعطائها معاني مشتركة للوصول إلى نسق معرفي أو دلالي ؛ ولسنا نعرف لماذا تم في الظلام التام ؛ بل ما هي الجدوى من وجود هذه المقدمة ؛ التي ستتضح بشكل أكثر عمقا وأيضا متكررا فيما بعد.

 ثم تدخل تلك الفتاة التي ترتدي ملابس أقرب للعروس ؛ وتتجه لوسط المسرح ثم تقف في ترقب ؛ لأن الموسيقى المصاحبة لرقصتها لم يكن لها وجود ؛ وتنير الصالة حيث نسمع أصوات الاستحسان والمعاكسة في نفس الوقت وأيضا المطالبة بتشغيل الموسيقى _ لاحظ أن هذه الأصوات جاءت من صالة المتفرجين أي انها من الممكن أن تعبر ال نحن جميعه _ ثم يشرع هؤلاء الأشخاص في الصفير فترقص الفتاة بطريقة تشبه  رقص عرائس الساعات القديمة ؛ ولكن الملاحظ  أن الموسيقى خرجت من المنابع الصوتية بعد الصفير ؛ مما افقد الصفير/ الموسيقى الذاتية مضمونه ووظيفته في آن واحد؛ ثم وربما اتساقا مع اسم الفرقة ( تحت نلعب ) خرج ثلاثة من الشخصيات التي ترتدي ملابس غير مهندمة أشبه بملابس مضحكي السيرك ؛ من عدم غلق الأزرار .. الخ ؛ يلعبون في صالة المتفرجين لأكثر من خمسة من الدقائق دون توصيل أو معنى أو إضافة أي شيء ؛ ثم يصعدون على خشبة المسرح الذي تتوسطه تماما منضدة مستطيلة بيضاء عليها ثلاثة من الأواني أشبه بأواني الزهور وكان بها فعلا بعض الأزهار الصناعية ؛ وتخرج الفتاة  ونجد أنفسنا أمام شخصيتين يمارسان على بعضهما أشكال الصراع من وقفات التحدي إلى تبادل الصفعات  ؛ويدور الصوت بين البشري بينهما  لتفهم منه أن أحدهما موافق أو يقول نعم على شيء ما ؛ والآخر مصر على الرفض لهذا على الشيء ؛الى أن يدخل الثالث وهو يرتدي ملابس أكثر هنداما ويدخن سيجارة ؛  ليدور الصراع اللحظي على أحقية كلا من الطرفين الأخريين في سيجارة مثل التي يدخنها الثالث! قم نعود إلى الصراع الرئيسي بين الموافقة وعدمها على ما نجهله ؛ فيكون الاحتكام للشخص الثالث ليبين من منهما على الحق ؛ ثم تحرج الأصوات والإيماءات ؛ ليقول الثالث أن كلا منهما لم يقل شيئا أساسا ؛ وهنا يتحد الاثنان ضده فكلا منهما يريد ان يثبت أنه قال شيئا ؛ ويدخلا في عراك صوتي معه ؛ ثم يتجها للصالة لمحاولة جذي الأنصار اليهما ؛ في الوقت الذي يخرج فيه هذا الثالث ثم يدخل وهو يرتدي ملابس سوداء عريضة جدا بها بعض  الفتحات ولا نعرف لماذا ؛ الى أن يصعد الاثنان ويدخلان معه في نفس العباءة! فتسأل نفسك هل اتحدوا في شخص واحد أم سجنوا معا ؛ أم أن هناك دالة أخرى ستنكشف فيما بعد؛ وتدخل الفتاة للمرة الثانية بالملابس البيضاء ذاتها وهي تمسك في يدها حبلا ح ولا نعرف لماذا هذا الحبل هل لسحب هذا الكائن ذو الثلاث رؤوس وستة من الأذرع؟ ثم نفاجأ بأن كلا من الثلاثة يقول أنها خطيبته هو ؛ دون توضيح هل الثلاثة هنا يمثلون شخصا واحدا ؛ أم أن هناك تصارعا على الفتاة ؛ ثم يعطي هذا الكائن المجمع وردة للفتاة ويطلب منها قبلة ؛ لنعرق بعدها ما هو الغرض الذي وضعت من أجله هذه المنضدة التي لم تستخدم إلى ألان ؛ فقد وضعت ليتم ورائها عملية انتهاك هذه الفتاة ؛ ويتحرر الثلاثة من الرداء المجمع وهو يقوم بعملية الانتهاك هذه!! في نشوى غريبة ربما غير بشرية ؛ ثم يتصاعد الأمر فيخرج واحدا منهما وقد انتزع ساق الفتاة؛ ويخرج الأخر وقد انتزع صدرها ؛ والأخير وهو قد انتزع الأرداف! ويطل وجه الفتاة المذعور مما حدث ثم تخرج علينا لتقف في وسط المسرح حيث وقفتها الأولى في البداية وهي على قدم واحدة فقد انتزع ساقها؛ ولكتها في نفس الوقت بصدر وأرداف مع أنهما قد انتزعا مع الساق؟! فهل لم يجد  المنفذون حلا لهذا ؛ وإن لم يجدوا فكان مجرد انتزاع الساق كاف للدال الذي يريدونه  بدلا من إعطاء معنى مغايرا لما حدث يؤدي لعدم  المصداقية ؛ وترقص الفتاة نفس رقصة عروس الساعة ؛ ثم تقف في الثبات. ليدخل عمال النظافة يحملونها إلى الخارج ؛ في نفس القوت الذي انقسمت فيه المنضدة إلى ثلاثة أجزاء ؛ أشبه بالصناديق ؛ كل شخص من الثلاثة في واحد منها ؛ ويتوزعون على مناطق المسرح الرئيسية × ليعطوا دالة أنهم أشبه بالصناديق الفارغة ؛ ليدخل أيضا عمال النظافة ؛ وهذه المرة لن يأخذوهم خارجا ؛ بل سيلبسونهم أمامنا أقمصة المجانين ويدفعونهم للخارج مع إشارة بانتهاء العرض يقوم بها عمال النظافة هؤلاء ! فمن هم هؤلاء العمال ومن يمثلون خصوصا أنهم خرجوا من الصالة أيضا ؛ أي من نفس مكان خروج الأشخاص الثلاثة ؛ أي من نفس ال نحن الجمعي ؛ مع مما في هذا من دالات عديدة ومتناقضة في نفس الوقت مع ذاتها وربما مع فكرة العرض الرئيسية .

وبما أنه لم تكن هناك أي معلومات مسبقة عن العرض؛ فلا وجود  لبامفلت أو حتى لافتة ؛ فقد اتجهت بعض العرض لواحد منهم وكان لحست الحظ هو الدراماتورج والمخرج في نفس الوقت واسمع عادل أبا تراب  لأعرف منه أن الشخصيات الموجودة لها أسماء وهي بهمان وبهيم وبهوم. أي أن الأسماء كلها اشتقاق من اسم البهيمة ؛ وهو يؤكد صحة التفسير الذي وصل الينا ؛  مع وجود الغصة من جراء خروج كل هذه البهم من ال نحن الجمعي ؛ كما أن الشخصية النسائية تحمل اسم توتة ؛

صحيح أن العرض في مدلوله الأخير أي في اللوحة الأخيرة اتساقا مع الأسماء يبين كيف أن هؤلاء قد أكلوا توتهم الوحيدة؛ ولكن هناك أيضا في اللوحات السابقة مضامين متعددة ربما تشير إلى الواقع المعاش على المستوى العربي بين القبول والرفض دون أسباب منطقية ؛ وشغل النفس بقضايا لا طائل من ورائها ؛ ولكنها معاني كان لابد لها أن تؤكد إلى حد ما ولا تترك لمجرد التفسير أو التخمين ؛ ربما يعود الخلل الذي تتكرر في منطقة الإظلام الأولى وتضارب الدالات ومحاولة التعرض لأكبر قدر من المكلات التي تواجه المجتمع  والفرد في نفس الوقت؛ إلى حداثة عمر القائمين على فأكبرهم سنا وهو المخرج لم يتعدى السابعة والعشرين بعد ؛ وهي مشكلات يقع فيها الكثير من شباب المبدعين  ؛ وهي قضية وإن كانت تنم عن قلة الخبرة ؛ إلا ان لها مدلولها الأكثر  إيلاما ؛ إلا وهو عدم تواصل الشباب مع من سبقوهم ومحاولة الطل الابتداء من رأسه هو لا من حيث انتهى الآخرون ؛ وأيضا جدير بالذكر أنها ربما المرة الأولى التي يكون فيها صعوبة التواصل مع اللهجة العامية المغربية في صالح العرض ؛ فهو قد اعتمد على اللا معنى للكلمات في الكثير منه ؛ ولكن المثير أنني أستوعب بصعوبة ما يقال على خشبة المسرح ؛ ولكنه أكثر يسرا في الحديث العادي مع نفس الأشخاص! وعامة هي مجموعة من الشاب لو وضعت المسح أمامها والتفتت قليلا لتجارب من سبقوهم سيكون لهم شأن ؛ مع الإشارة الى جودة أداء الممثلين الثلاثة العربي أجبار ؛ ومحمد الرميشي وخالد بهني ؛ وأيضا الممثلة أمال بن حدو؛ أما ملابس وإضاءة طارق الربح فقد أديا ما طلب منهما ؛ ولكن والسينوجراف رشيد خطابي فيبدو أنه في أول الطريق وأن أمامه الكثير ليجد الحلول البصرية المعادلة للفكرة دون أن يكون هناك خلل بصري يتعارض مع الرسالة الرئيسية ؛ وإذا كنا في مصر نشكو من أن الشباب يصرون في عروضهم الأولى أن يكون التأليف والإخراج من جانب فرد واحد ؛ فيبدو أن الحال في المغرب لا يختلف كثيرا ؛ وهي كلمة للجميع في البدايات الأولى وهي ان المسرح فن جماعي ؛ وإن اكتساب الخبرة في فرع منه يتطلب الكثير ؛ ولا ضير للمخرج في أن يتعامل مع دراماتورج أكثر خبرة منه في هذا المجال ؛ والعكس صحيح ؛ صحيح أن هناك  فلتات قليلة تحرج عن هذا ولكنهها كما يقال استثناء يؤكد القاعدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock