المؤرخ والناقد الكبير سمير حنفي محمود يكتب عن: زكريا الحجاوى.. سقراط الفن الشعبى ( 1915 – 1975 )

المسرح نيوز ـ القاهرة | سمير حنفي محمود

مؤرخ وناقد مسرحي

ـ

 

زكريا الحجاوى

سقراط الفن الشعبى

( 1915 – 1975 )

———

قصة كفاح سياسى .. وفنى

 

زكريا عبد الرحمن الحجاوى … قال عنه صلاح جاهين “إنه يشبه سقراط والحواريون حوله ” ووصفه يوسف إدريس بأنه رائد القصة القصيرة الواقعية، ولقبه النقاد بعاشق المداحين، ووصفه نجيب محفوظ بأنه كالوردة اليانعة ذات العبير الدائم، ووصفه خيرى شلبى فى كتاب صحبة العاشقين بأنه سخى كالماء، مبذول كالهواء، غامر كالضياء، على وجهه قنديل من الضياءوأستطرد خيرى شلبى بوصفه بعمله الغزير، وقلبه كبير، ذو حنان، وعلاقات واسعة، وهو ما سوف تؤكده سيرته الذاتية.

 

لماذا زكريا الحجاوى ؟؟

لم يكن زكريا الحجاوى فقط سقراط الفن الشعبى فى مصر، ولم يكن فقط، هو الأب الروحى لهذا الفن، بمختلف فروعه، بل كان أيضاً لبنة من لبنات تاريخ الفن المصرى، جسد ملامح الشخصية المصرية، التى كانت مدفونة فى أعماق القرى، والنجوع، لم تكن الثقافة عنده مجرد أحتفالية، أو أغنية، أنما كانت مبطنه بمعانى، ومنهج حياه، ليس لفرد، وأنما لأمه بأسرها، لهذا ليس عجيباً أن نجده جزء هام ليس فى تاريخ الفن المصرى فحسب، ولكن أيضاً فى تاريخ السياسة والكفاح المصرى ضد الأحتلال الأنجليزى، كما سيأتى.

زكريا الحجاوى .. هو حالة ومرحلة من المراحل الفنية التى مرت بمصر، ثم أهملت، أو تم نسيانها، أو تناسيها مع سبق الأصرار والترصد، ليس فى عصرنا الحالى فقط، وأنما فى عصور الأذدهار الفنى، التى نقب فيها عن لآلئ الفن الشعبى المصرى، وأظهرها، زكريا الحجاوى .. هو مرحلة يجب أن تُؤخذ بعين الأعتبار، بل وأن نتباحث فيها، وندرس تطورها وتفاعلها الجماهيرى الناجح، ذلك إن أردنا الخروج من بؤرة التعريفات العبثية والكوميدية للفن الشعبى، والتى أعتبرت، كل نغمة صاخبة، أو شاذه، هى لون من ألوان الفن الشعبى، وللأسف صنفت تلك التلويات التى ليس لها أى معنى ضمن الإطار العابث للفن الشعبى، دعونا نخرج من هذا الإطار العابث المقزز، إلى بؤرة الفن الشعبى الحقيقى،  ونحاول ان نجد نماذج فعالة للتطور الثقافى، إن كنا نريد تطور ثقافى حقيقى.

أستطاع زكريا الحجاوى أن يحدث بمجهوده وبأيمانه بأهمية الفن، خدمه المرحلة أو خدمة أيدولوجية الدوله وقتذاك، تلك الأيدلوجية التى كان يؤمن بها، والتى أوقعته فى فخها، لكنه فى نفس الوقت، لم يهمل الأيدولوجية الأنسانية، لطبيعة الأنسان المصرى، وأستطاع أن يحدث نقله نوعية وبلورة جديدة وفعالة لفن كان فى طى النسيان، بل والأهمال، وهو الفن الشعبى بصرف النظر عن الأنتماءات السياسية أو الأيدلوجية للمرحلة السياسية، أستطاع زكريا الحجاوى أن يلقى بالضؤ على نوع من الفنون، يعبر ويبحث عن مكنون الشخصية المصرية، ويعيد تعريفه، من كونه فن من فنون الطبقات الفقيرة، والبيئات الشعبية، والفلاحين، والمهمشين، إلى فن لكافة الأنماط والطبقات الشعبية والأرستقراطية المصرية، ويربطه أرتباطاً وثيقاً بطبيعة الشخصية المصرية، وأحلامها وتطلعاتها، بل ومعتقداتها، جاء زكريا الحجاوى لينطلق بالفن الشعبى لا من خلال المنظومة الأيدلوجية للدولة المصرية، حتى وإن خدمها بطريقة غير مباشر، لكنه لم يؤثر على مكنون هذا الفن، وأحتفظ فيه بالروح الريفية الجميلة.

وهب زكريا الحجاوى حياته، ليتجول بين النجوع والأقاليم، ليكتشف من هنا ورده ، ومن هناك زهرة، من بين المغنيين، أو المداحين، أو الغوازى، وحتى العازفين الشعبين، لينطلق بالفن الشعبى المصرى، من بعده، إلى سائر أرجاء العالم، ليجنى تلاميذه ثمار جهده، ولكن لم يهمل أحد ذكره، وفضله على تاريخ الفن المصرى.

مولده ونشأته : نشأ فى أسرة ذات تقاليد راسخة، ترجع أصولها إلى قبيلة الحجاوية بالعريش، ويعمل أغلب أفرادها فى صيد السمك، أما والدته فكانت شرقاوية من منيا القمح، ولد زكريا الحجاوى بالمطرية، محافظة الدقهلية ، عام 1914، ولأن قرية المطرية، كانت تشتهر بصيد السمك، فقد أرتسمت فى مخيلته وفى وجدانه أغانيهم ورقاصتهم وهم يستعدون أو يقومون لصيد السمك، فشكلت أغانيهم ورقصاتهم الشعبية، اللبنه الأولى فى وجدان زكريا الحجاوى، وشكل المداحون اللذين كانوا ينشدون بموروث الأدعية والتواشيح، وسيرة الرسول (ص ) ، ومن ناحية اخرى، كان والده عاشقاً لالجرامفون، وأغانى سيد درويش.

دراسته:   أتم زكريا الحجاوى دراسته الأولية بمدرسة المطرية الأبتدائية، وفى المدرسة الأبتدائية، تعلق الحجاوى بأستاذ اللغة العربية، عبد العال الحيمى، الذى كان يتبنى نبوغ الحجاوىّ فكان يشجعه، ويأتى له بالكتب والقصص، ثم يناقشها معه، وحصل الحجاوى على الشهادة الأبتدائية بتفوق، وكان الأول على قريته، فأستحق مكافأة من الملك فؤاد الأول، أربعين جنيهاً ذهبياً، بالأضافة إلى ساعة حائط ألمانية الصنع.

انتقثل الحجاول إلى مدرسة أميرية فى بورسعيد لأتمام دراسته، وفى خلال هذه الفترة، ألتحق بمدرسة أيطالية حرة لتعليم الموسيقى، وفيها تعلم العزف على البيانو،   وكان يذهب يومياً من المطرية إلى بورسعيد عبر قارب يعبر به شمالاً، داخل بحيرة المنزلة، فكان يعايش، ويتواصل مع أغانى الصيادين، كما سبق الأشارة، فأنطبعت لهجته بالنبرة البورسعيدية.

ثم ألتحق بمدرسة الفنون والصنايع الملكية بالقاهرة، وكان مواظباً على نبوغه، وأتصل من خلال وجوده بالقاهرة بالمسرح، والغناء.

ويشاء القدر ويتوفى شقيقه محمد وكعادة مجتمع الصيادين الشهم يقوم الأخ الأصغر بالزواج من أرملة شقيقه، وكانت هذه السيدة تثير خياله بما ترويه من حكايات أصبحت أحد مصادر دراسته للفن الشعبى .

نشأته وبداية تكوينه الفنى:

يرتبط تاريخ ميلاد زكريا الحجاوى عام 1914، بثورة 1919، بمعنى أن الحجاوى ارتبط منذ ولادته ونشأته، بالشعور القومى، الذى ظهر قبيل، وأثناء، وبعد ثورة 1919، وتلك الفترة التى ولد فيها ارتبطت بنشأة المسرح المصرى، أو بمعنى أدقث، بداية أذدهاره، وتطوره، ذلك التطور الذى خبا فى سنوات الثورة، ليعود من جديد، ساطعاً عام 1921، مع تبنى طلعت حرب، وكبار الأقتصاديين المصريين لفرقة عكاشة، وإعادة بناء مسرح حديقة الأزبكية، فأحتل الفن مكانته الرفيعة، بعد أن كان الفنان مزموماً من المجتمع، لأرتباطة بالحكائين الشعبين، ولاعبى الأراجوز، وخيال الظل، وفى هذه الفترة، بدأ المسرح المصرى يتخلص من سيطرة الشوام على إدارته، ثم التطور الفنى، والمسرحى فى هذا الوقت، الذى ساعد على ظهور سيد درويش، وعبقرى الأغنية المصرية، بديع خيرى، الذى كان يستمد أغانيه، وأشعاره من داخل البيئة، المصرية الأصلية، وعلى سبيل المثال نذكر أغنية

  • الحلوه دى قامت تعجن م الفجرية
  • والديك بيدن كوكو كوكو م الفجرية
  • يالا بينا على باب الله يا صنايعية
  • يجعل صباحك صباح الخير يا أسطى عطية …. ألخ

وأغنيات عديدة مثل يا حلاوة أم أسماعيل فى وسط عيالها، بالأضافة للأغانى الوطنية عديدة مثل قوم يا مصرى ، أهو دا اللى صار ، بلادى بلادى.

ومن حسن الحظ أن فترة الثلاثيات والأربعينات، وهى مرحلة النضوج الفنى والفكرى لزكريا الحجاوى، كانت هى نفسها فترة النضوج الفكرى والفنى للشعب المصرى، الذى تزاوج فيه الفن، مع الفكر الثورى، والفكر الأجتماعى، ساعدت الظروف أن يكون الفن حلقة وصل بين التطور الحضارى ، والتطور الفكرى والفنى، للمنطقة العربية كلها، ومن هنا يتضح لنا، أن النبت الفنى الحسن، كان متاحاً فى أعماق الطفل الوليد، ولا ننسى أرتباط الفترة، بحركات التحرر الوطنى، من الأستعمار الأنجليزى، ومحاولة التأصيل المصرى، تلك الحركة التى بدأها طلعت حرب، فى عشرينات القرن العشرين، والتى بدأها ببناء بنك مصر، ومصانع الغزل والنسيج، وتبعها بخطوات فنية، بأنشاْ الفرقة القومية، وبناء أستديو مصر، مما رسخ فى الوجدان أهمية الفن، وبضرورة أن يرتبط التطور الأقتصادى، بالتطور الفكرى والفنى، لتشكيل الوجدان الشعبى، وهو للأسف ما نفتقد معناه اليوم، بأفتقادنا المعنى الحقيقى للثقافة، وأهميتها، عندما سقط الربط بين الفن والتطور الحضارى للمجتمع،  وهو ما أنطبع فى ذكريات زكريا الحجاوى وقتذاك.

زكريا الحجاوى قبل الثورة: عندما نزح زكريا الحجاوى إلى مصر، للدراسة بمدرسة الفنون والصنايع  تعلق بحكم تكوينه للتطورات الفنية التى لاحقت المسرح المصرى وقتذاك، إلى حد أنه كتب بعض الأعمال الغنائية، التى ذاع صيتها، حتى أن المطربة ملك، طلبت منه أن يكتب خصيصاً لها، فكتب لها عدداً من الأوبريتات لمسرحها الخاص، كما كتب بعض الأسكتشات، ومسرحيات، لفرقة أحمد المسيرى الجوالة، وفى منتصف الأربعينات صدرت مسرحية بيجماليون، وفى مطلع الخمسينات إصدر كتاباً بعنوان “ملك ضد الشعب” عن الملك فاروق، ولكن الأمر لم يكن ليقف عند هذا الحد، فطبيعة زكريا الحجاوى، كانت تأبى أن تقف متوارية أمام الأشتعال الثورى، وكان يأبى وفى نفس الوقت أن يلعب دور التابع، كان زكريا الحجاوى زعيماً طلابياً، يقود المظاهرات، بل ويطالب علنياً بأنهاء الملكية، وجلاء الأنجليز، وسقوط حكومة أسماعيل صدقى، وقاد مظاهرة ضخمة، تطالب بهذه المطالب، ووقف خطيباً فى فناء مدرسته، وبكل جراءة يخطب مهاجماً زعماء مصر السياسين، وكان أبرز ما قاله فى خطبته، إن الشعب المصرى في حاجة إلى بطاطين أكثر من حاجته إلى زعماء سياسيين، ثم قام بمظاهرة طلابية، يطالب بأسقاط الملكية، كخطوة أولى لآجلاء الأستعمار الأنجليزى، وقام بأنشاء جمية الأطواق، نسبة إلى أطواق النجاة، فصدر أمر من النحاس باشا، بتحديد إقامه زكريا الحجاوى داخل في قريته بالمطرية، وبالطبع تم فصله من المدرسة، وهو بالسنة النهائية فيها، ولم يكمل دراسته.

وتجلى بنفس الأهداف الأشتراكية فى فترة السيتنات، من نفس القرن، التى رغم ما بها من أيدولوجيات، صحيح أن الفن، بوجه عام، والدراما بوجه خاص، كانت تستخدم فى بث أيدلوجيات المرحلة، إلا أن تعدد الأيدلوجيات، وصراعاتها، جعلت الفن هو المستفيد الحقيقى من صراع الأيدلوجيات فى هذه الفترة.

أتجاهاته الفنية: ظهرت ميوله الفنية فى مرحلة مبكرة، وهو دون العشرين من عمره، فبعد فصله من مدرسة الفنون والصنايع، أستطاع أن يعبر الطريق ، للعمل فى مجال الصحافة، قدم خلالها مجموعة من التحقيقات، حول الحرف والصناعات الشعبية، وكتب مجموعة من الحكايات الشعبية، مما رشحه لتقديم بعض الأعمال الأذاعية، وخلال عمله فى الأذاعة تعرف بعدد من المخرجيين، وكانت المرحلة تتطلب تأصيل العمل الأذاعى، بأذاعة كل ما هو مصرى، والأبتعاد قدر الأمكان عن الترجمات، فقدم زكريا الحجاوى رائعته الأولى، أيوب المصرى، التى كانت السبب الأول لشهرته، مع محافظته على الكتابه للصحافة، وأستقر به المقام فى جريدة المصرى، حتى تم تعيينه بها كسكرتير تحرير، وأفردت له جريدة المصرى، صفحة كاملة ليحررها بعنوان الأنابيش قدم فيها دراسات للفنون الشعبية خاصة الصناعات اليدوية، والأغانى الشعبية، كما تحدث عن سيد درويش، وكان من أوائل من كتبوا على صفحات الجريدة القصة، ثم تغلق المصرى أبوابها إلى الأبد بعد الثورة، لخلاف حاد مع ثورة يوليو، التى كانت قد أسست جريدة الجمهورية، وكان فى نفس الوقت يداوم على البحث الفنى فى مجال المسرح والغناء، وكان يكتب القصص القصيرة، متناثرة بين صفحات الصحف، فجمعها فى كتاب “نهر البنفسج” ضمن سلسلة الكتاب الذهبى،

علاقته الفنية بالثورة:

بدأت علاقة زكريا الحجاوى بالثورة من خلال الأديب يحيى حقى، الذى كان مسئولاً عن قطاع الفنون، وكانت أيدلوجية الثورة فى هذا الوقت، الأرتباط بالجماهير، من خلال فنونهم، طلب يحيى حقى من زكريا الحجاوى، مساعدته على احياء الفنون الشعبية، التى كانت وقتها فى طى النسيان، فأسس أول فرقة للفنون الشعبية فى مصر، تابعه لأشراف الدولة.

فرقة الفلاحين : كان زكريا الحجاوى خير عون ليحيى حقى، فقد كان كان يجوب النجوع والكفور والقرى، من أقصاها، إلى أدناها، راهباً جوالاً للبحث عن المواهب فى مجال الفنون الشعبية، وكون أول فرقة للفنون الشعبية فى مصر، هى فرقة الفلاحين جمع فيها خير المواهب التى جمعها من تجولاته العديدة، فى كل أنحاء مصر، وكان من ضمن أعضاء فرقة الفلاحين خضره محمد خضر

  • جمالات شيحه
  • – فاطمه سرحان
  • رضا شيحه
  • خضره محمد خضر
  • محجوب صبره
  • محمد صبره أبو الحسن عبد الغفار … وغيرهم كثيرُ

كانت فرقة الفلاحين التى ألفها زكريا الحجاوى هى المرحلة الأولى من حياتها، وكان بدايتها فى مسرح أنشئ خصيصاً بالمقطم، وكان ملحق به مبنى من ثلاثة أدور كل فرقة من فرق الفلاحين تشغل دوراً من الأدوار.

ثم أنتقلت بعد ذلك لسرادق أُقيم خصيصاً بحى الحسين لتقديم الفن الشعبى بألوانه المختلفة

فرقة الفلاحين وأبو سمبل : ونجحت فرقة الفلاحين نجاحاً لفت الأنظار أليه ، وإلى هذا اللون الجديد من الغناء الشعبى الذى لم يكن يألفه القاهريين من قبل، فكانت الفرقة تقدم أعمالها ما بين مسرح المقطم وسرادق الحسين، ومسرح تمت أقامته ما بين الجامعة العربية، وفندق الهيلتون، ليخصص دخل حفلاته لأنقاذ معبد أبو سمبل بأسوان.

وبدأت الأذاعة تفتح أبوابها لأعضاء فرقة الفلاحين

ورغم كل هذا النجاح لفرقة الفلاحين فقد قرر الدكتور عبد القادر حاتم ألغاء الفرقة، وغلق مسارحها، فلم يعد للفرقة أى مورد مالى، ولكن زكريا الحجاوى تحدى القرار، وكان يتحصل على أيراد الشباك ليمنحه لأعضاء الفرقة بدلاً عن مراتباتهم مما أدخله فى مشاكل عديدة، وأجبروه أن يعيد لخزينة الدوله، ما صرفه من رواتب للفرقة.

وأستطاع الحجاوى مع يحيى حقى، تقديم عدد كبير من الفنون الشعبية، لقطاع النشر، ولكن هذا وحده لم يكن كاف، ولم يكن ليرضى ضموحات الدولة ولا زكريا الحجاوى، فى أحياء الفنون الشعبية، كان الهدف عمل يجمع الفنون الشعبية، فوق خشبة المسرح .. فكان أوبريت يا ليل يا عين.

أوبريت يا ليل يا عين : كان الغرض تقديم فن شعبى حقيقى للجماهير بخلاف المكتوب، فن يقدمه أصحاب الفن الشعبى، بعيداً عن المغنيين والمطروبين، اللذين آلفتهم الآذان، وتدور المسرحية حول فتى من الصعيد أسمه ليل ويعمل صياداً، وينتظر تتويج حبه من أبنة عمه خضره، لكن حورية البحر عين تشاهده فتقع فى غرامه، وتحاول عرقلة زوجه، لكن حب ليل لخضرة ينتصر فى النهاية، عبر عدد كبير من اللوحات الغنائية الراقصة، من داخل البيئة المصرية، وتعتبر هذه الأوبريت أول عمل يستمد مادته من التراث الشعبى، ويعتمد على الفنون الشعبية، بوجه عام، والغريب أن الحجاوى طاف لمدة شهر ونصف، أواخر عام 1956، بمنطقة القناة، ودمياط، صاحباً معه عبد الحليم نويرة، بعدها قام عبد الحليم نويرة بوضع الألحان، وسط أصرار من الحجاوى، على أن يقدم الفنانين الشعبين أدوارهم على المسرح بملابسهم وآلاتهم الشعبية البسيطة، ورغم أن العمل من تأليف، أو بمعنى أصح إعداد على أحمد باكثير، عن أسطورة فرعونية، إلا أن زكريا الحجاوى ساهم معه بشكل كبير فى هذا الأعداد، عن طريق تقديم النصح، والأقتراحات، وهو ما ذكرة يحيى حقى فى كتاب سهراية مع الفن الشعبى.

قصته مع أنور السادات: عرفنا تواجد زكريا الحجاوى الدئم ومشاركته فى الحركات الثورية، حتى أنه كون جمية الأطواق فى اربعينيات القرن العشرين، نسبة إلى أطواق النجاة من الغرق، وكانت تعنى بفضح ألاعيب القصر، ومقاومة الأنجليز، ووضع البرامج والدراسات التى تعالج مشاكل مصر، وكان محمد أنور السادات أن ضمن مؤسسيها، وعندما تم أتهام السادات بأغتيال أمين عثمان عام 1946، كان زكريا الحجاوى عنصر أساسى لهروب السادات من مستشفى القصر العينى، فقد كانت الخطة أدعاء السادات المرض، أدخاله مستشفى القصر العينى، وكان محمد على ماهر يعمل معاون للمستشفى، وأرتدى السادات زى ممرض بالمستشفى، وكان دور محمد على ماهر، تهريب السادات إلى قبو بالمستشفى، ومنه إلى الشارع، عبر ممرات وخبايا لا يعرفها إلا القليلون، ومنها إلى شارع جانبى بحى المنيرة، وفى ظلام أحد شوارع المنيرة أستبدل السادات ملابس الممرض بأفرول عامل، وفى سيارة لورى، انطلق السادات إلى منزل زكريا الجاوى بالمطرية، حيثُ تقرر أخفاه هناك، وتخفى السادات تحت مسمى الأسطى أبراهيم، وظل السادات قابعاً فى منزل الحجاوى يلقى كل الترحاب.

ولكن يبدو أن السادات لم يحفظ هذا الجميل للحجاوى، فقد نال الحجاوى منه جزاء سنمار، فمع قيام الثورة، كانت هناك عدة جرائد فى مصر، وهى المصرى، والأهرام، والأخبار، وكان رجال الثورة، لا يطمئنون لهذه الجرائد، خاصة جريدة المصرى، التى كان يعمل بها زكريا الحجاوى، كسكرتير تحير، رغم أن رئيس تحريرها، أحمد أبو الفتوح، كان صديقاً لجمال عبد الناصر، إلا أنها كانت تعتبر الجريدة المعارضة الأولى فى مصر، فكان تفكير قيادت الثورة فى أنشاء جريدة خاصة بهم، وهى جريدة الجمهورية، التى تولى إدارتها أنور السادات، وأختار الحجاوى، كمساعد أول له، نظراً لخبرته الصحفية، وبذل الحجاوى جهداً ضخماً لجذب الكفاءات الصحفية وتجهيز الجريدة، لكنه، وقبيل الأفتتاح بأيام، أنقلب الحال تماماً، فقد حدثت وشاية بينه وبين السادات، وجد بعدها الحجاوى ورقة على باب الجريدة، تمنع دخول زكريا الحجاوى، وأصيب الحجاوى بصدمة كبيرة وأصبح بلا عمل، فرغم مجهوده، تم عزله من عمله، كمستشار لوزارة الثقافة لشئون الفنون الشعبية، وتم أغلاق مكتبه، وأنتقل بمقعد وحيد يجلس عليه بين طرقات وزارة الثقافة، وانفض من حوله المريدون، ولم يعد إلى الصحافة حتى وفاته فى عام 1975.

ولكن يبدو أن السادات شعر بوخز الضمير لما فعله مع الحجاوى، فما أن علم السادات بخبر وفاته فى الدوحة، حتى أمر بتشييع جنازته فى جنازة عسكرية، وتعيين أبنه أسامة ضابطاً فى الحرس الجمهورى، وقام بزيارة منزل الحجاوى بالمطرية، فى 28 ديسمبر 1979، وطلب أن يتجول بين أزقته، ويشير لبعض المبانى ذاكراً أسماء أصحابها، اللذين بادلوه الود، بل أنه أصر أن يستقل مركب، ويتجه به إلى جزيرة سلام، وطاف بها بعيداً عن الحراسة، ليجد عدداً كبيراً من أهلها مازالوا يذكرونه، وأمر بتحويل منزل الحجاوى فى المطرية إلى متحف بعنوان “فنان الشعب”، وتبديل أسم مسرح السامر إلى مسرح زكريا أحمد، الذى قدم تحية له أوبريت عاشق المداحين، من إعداد عبد لعزيز عبد الظاهر، ويسرى الجندى، واخراج عبد الرحمن الشافعى، وشارك فى التمثيل فيها، عزيزة راشد، ومحمد أبو العنين، بجانب عدد كبير من الفنانين اللذين أكتشفهم الحجاوى، فى ربوع ، وكفور مصر، وقام أنور السادات بحضور هذا العروض وقام بمصافحة كل ابطال العرضن والغريب ان مكان العرض، كان دار الوبرا المصرية، بمشاركة 120 فنان وفنانة.

أهم أعماله: من الصعب حصر كل أعمال الحجاوى، فقد بدأ رحلته الأبداعية منذ الثامنة عشر من عمره، وقدم 120 مسلسلاً إذاعياً، بجانب 72 ملحمة،  لكن أقدم بعض، وربما أهم أعماله

مؤلفاته:

بيجماليون (مسرحية)

ملك ضد الشعب (مسرحية)

نهر البنفسج (جمع فيها مجموعه من قصصه القصيرة)

حكاية اليهود

موسوعة التراث الشعبي (الجزء الأول(

كما كتب الحجاوي العديد من الدراسات حول الفولكلور المصري نشرت في جريدة المصري ومجلة الرسالة الجديدة.

أما أعماله الفنية :

الحضور الأبرز للحجاوي كان من خلال الاذاعة وتجسد ذلك بأكثر من سبعين عملا اذاعيا مابين سيرة شعبية و ملحمة وأوبريت مازجا من خلالها بين الحقيقة و الأسطورة مع توظيفه لأغاني التراث الشعبي التي جمعها ،من هذه الأعمال و المسلسلات ما كان من تأليفه وتلحينه معا مثل ”ابن عروس ” و“ سداح مداح ” و ” الأرملة العذراء ” و ” الحب الأسير ” ،واعمال أخرى من تأليفه حصرا مثل «ايوب المصري» و»ادهم الشرقاوي» و «سيد درويش و ”سعد اليتيم“ و“كيد النسا“ و ”أنس الوجود“ و ”ليالي شهريار“ و ”ابوالعري” و ” عطشان يا صبايا ” و ” قصة بنت السلطان ” و “ابن الهيثم“ و التمثيلية الإذاعية ” الأم ” ، ولاينسى بعض من عاش تلك الفترة كيف كانت الشوارع تخلو من المارة عند بث هذه المسلسلات و الأوبريتات ، دليل شغف الناس وحبهم لأعماله ، ومن اعماله التي صورت للتلفزيون مسلسل ” ملاعيب شيحة ” 2004 و ” كيد النسا ” و ” ادهم الشرقاوي ” الذي تم تصويره سينمائياً في اواسط ستينات القرن الماضي وأعيد انتاجه في التلفزيون في مسلسل ” ادهم ” 1983 و ” ادهم الشرقاوي ” 2009، ومسلسل « سعد اليتيم» تم اعادة تقديمه بإنتاج تلفزيوني و سينمائي أيضاً ، الملاحظ انه وفي معظم اعماله هذه ركز على أهمية و دور المرأة في المجتمع المصري ،الجدير بالذكر ان صلاح جاهين تتلمذ على يد زكريا الحجاوي وكثيرا مارافقه في جولاته وهو ينقب عن كنور الفن الشعبي ليعود صلاح جاهين وعلى إثرها بكتابة ” الليلة الكبيرة ” التي هي من اروع الأوبريتات التي قدمتها الاذاعة المصرية .

كما قدم للتليفزيون للتلفزيون: مسلسلات سيد درويش وأدهم الشرقاوي.

كما قدم للسينما أفلام «سيد درويش»، و«أدهم الشرقاوي» و«أحبك يا حسن».

 

أنتقاله إلى قطر: قضى الحجاوي آخر سنوات حياته في قطر التي سافر إليها سنة 1971 للعمل كمستشار لوزارة الإعلام القطرية، وهناك أيضاً أسس مركزاً لتجميع الفنون الشعبية، وتوفي بقطر فى 7 ديسمبر عام  1975.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock