مقالات ودراسات

المخرج العراقي “حسن خيون” يكتب: المـسرح التـجريبي والمعـاصر وأيديولوجيـة العقـل الحديث ” المخـرج المسرحي أنـموذجاً”.


المسرح نيوز ـ القاهرةـ مقالات ودراسات| حـسن خـيـون*

*مخـرج مسـرحي عـراقـي ـ بلـجيكا

 

 

عندما ننظر الى المسرح على أنه علاقة عقلانية بين الواقع والمتخيل ولا سِيما أنه عملية فكرية وجمالية ذات أبعاد فلسفية لخلق عوالم مبهرة تحاكي وتشاكس وتساند وتنتقد أشكالا وأنماطا معينة من الحياة والمجتمع والانسان على حد سواء، وهذا يعني أنها تستند على أيديولوجيا أي نظام من الأفكار الاجتماعية والسياسية والفنية والدينية التي تعكس وبوضوح عال مدى قدرة وعي المخرج ” المبدع” في بلورة رؤاه وأفكاره وتحويل المتخيل إلى واقع معاش على خشبة المسرح مستندا ومستثمرا كل الطروحات المعاصرة في قراءة وتحليل وفهم الواقع والتي لها علاقة مباشرة بنظام العيش والعمل ومواكبة التطور وتسخير وجلب التكولوجيا الحديثة المعاصرة إلى المسرح وتوظيفها بشكل علمي دقيق لتنصهر في العملية الإبداعية ولتصبح مكملا غنيا وأساسيا  في الاشتغال على مستوى فضاءات المسرح في حين لم تعد سلطة القوالب الثابتة ذات تأثير قوي ومباشر على ذهنية المخرج المعاصرالذي يمتلك خطاب أبداعي آخر و رؤى وأفكار ومعالجات وأستراتيجيةعمل وتكنيك وهو الذي سعى ويسعى دوما لتطوير ذاته ونتاجه الإبداعي والتنقيب عميقاً لإيجاد واكتشاف ثوابت أخرى تمثل سمة المعاصرة لتكون منطلقا نحو الدهشة وتجليات اللحظة المسرحية لاطلاع الفكر الانساني المعاصر المنفتح على تجارب العالم المختلفة وصولا الى جذبه وإقناعه ، أي أنه سعى من هذا كله الى تجاوز التجاوز المتمثل بالقوالب المسرحيةذات الطابع العملي التقلدي” الاستهلاكي” وكيفية أدارة العملية المسرحية الابداعيةبرمتها وهذه القوالب وأن كانت ثوابت في الماضي القريب او البعيد.

ولذا علينا هنا أن نعلم أيضا أن المسرح المعاصر الان يخوض تجارب عملية واعية وناضجة  أكثر من كونها  نظرية لكسر السائد الذي استعمرنا لأجيال طويلة لاختراق قوالب الشكل والمضون وابتكار طرائق وأساليب جديدة للشغل المسرحي وصولا إلى خطاب إبداعي مسرحي عصري و رصين.

من هنا نجد العروض المسرحية العالمية المعاصرة قد تخطت الحداثة وما بعد الحداثة على مستويات عديدة التي كانت سائده في العقود الماضية علما أن هناك الكثير من المختصين الذين ما زالوا يضعون التجريب في خانة المعاصر وهذا الأمر من وجهة نظري الشخصية غير دقيق بالرغم من الاختلافات الكثيرة بهذا الخصوص لأن عروض المسرح التجريبي لا تلتقي بالضرورة مع عروض المسرح المعاصر “رغم أنهما يسبحان في نفس الفلك الزمني إذا جاز لي التعبير”.

إن قفزات المسرح ومراحل تطوره وطرائق العمل فيه تغيرت وتبدلت وتجذرت لتصبح قادرة على مواكبة الزمن وتحولاته السريعة على جميع الاصعدة وهي تناج ظروف حياتية جديدة يمر بها المجتمع ولهذا  نجد كثيرا من الأسماء العالمية “المعاصرة” التي تنتج وتقدم عروضا مسرحية تجريبية ومعاصره تحاكي الواقع ومعطياته  وتعمل ضمن فرضياته وواحد من أهم هذه الاسماء التي شاهدت لها أعمالا وعبر فترات زمنية متفرقة  ألا وهو المخرج المسرحي العالمي الإيطالي روميو كاستلوجي Romeo Castellucci,حيث تجد وتلمس بمجرد مشاهدتك لأحد أعماله المسرحية سمة المعاصرة حاضرة وبقوه بل امتزجت بأغلب أعماله المسرحية  فنون متعددة لتحقيق التأيثر الكلي على الرغم من أن أعماله تعد  فنا بصريا معقدا وغنيا على مستوى الرؤية ولهذا السبب  يعده النقاد في اوربا من المخرجين القلائل  الذين سعوا وحققوا وطوروا وابتكروا  لغة ذات مفهوم جديد ومعاصر على مستوى صناعة وإنجاز وقراءة العرض المسرحي.

أما التجريب في المسرح فله عوالمه الأخرى وأسسه العملية والنظرية المنهجية المعروفة لذوي الاختصاص ومستويات الاشتغال فيه التي تمتلك بدايات مفتوحة وواسعة وليست لها نهايات محددة ومنطلقاته الطليعية ونظريات بريخت ومسرحه الملحمي إلى جانب اتجاهات مسرح اللامعقول والسريالية وغيرها ..

إن التجريب في المسرح له أهداف واضحة وأولى هذه الاهداف هجر و تجاوز وتهديم الطروحات والأشكال السائدة التي تدور في حلقة واحدة  من حيث الشكل والمضمون وصولا إلى منصة يخاطب بها ومن خلالها مختلف أشكال وشرائح المجتمع بالإضافة إلى النخبة المثقفة من ذوي الاختصاص .

ولذا أذكر هنا مثالا آخر  لمخرج عالمي آخر وهو البلجيكيJan Fabre و  الذي يعد واحد من رومز المسرح التجريبي “البحثي” وهو الذي يحتل لاكثر من ٤٠ عاما مكانة مرموقة و رائدة كواحد من اكثر الفنانين أبتكار في الساحة الفنية العالمية المعاصرة .وكـ فنان بصري ومخرج مسرحي ومؤلف عالي الخصوصية  و باحث حقيقي في عالم الحشرات والمخلوقات الصغيرة حيث تجدفي معظم أعماله بصمات تشير الى هذه العوالم وهو مخرج متمرد بكل ما تعينه هذه الكلمة ولا يمتلك حدود في طرح المواضيع على خشبة المسرح ناهيك عن جرأته على صعيد الجسد وكيفية تقديمة وتوظيفة ،حيث يشكل جسد الممثل “الراقص ” بالنسبة له علامة محورية  فارقة ومهمة وعوالم  تأخذك الى متاهات الدهشة والصدمة وهو الذي  يسعى دوما في عروضه المسرحية  إلى أخذ المتلقي إلى ما وراء الحدود مخترقا كل رموز المسرح التقليدية ، متجاوزا الزمن المسرحي التقليدي السائد في صناعة و إنجاز وتقديم العروض المسرحية ، ولهذا نجد عامل الوقت لدية متحرك و دائري وينطلق من نقطة البداية ولا يقف عند نقطة معينه ليصل في أحدى عروضهالمسرحية الى ٢٤ ساعة متواصلة بلا أنقطاع.

أن النظام الحياتي الكامل قد تطور بشكل كبير وكبير جدا نتيجة المتغيرات العصرية  والمنظومة التكنولوجية والمعلوماتية التي قلبت كل الموازين وهجرت السائد وأوجدت فرضيات آخرى للحياة والعمل والاتصال والتواصل  وبالتالي هي نتاج ما توصل اليه العقل البشري إلى يومنا هذا ، وعليه فإن المسرح هو جزء من النظام الحياتي فهو يؤثر ويتأثر ومن البديهي أن يتقبل المختص و الباحث هذا النظام الحياتي” العصري الجديد” والتماشي معه والانتماء  إليه والايمانبه من أجل المسرح وفضاءاته الرحبة وإلا سوف تصبح هناك هوة كبيرة بين الواقع المعاصر وإنسانه وبين الذين ما زالوا يصرون على العيش والعمل فوق بقايا الأطلال.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock