المخرج المسرحي المهاجر “حسن خيون” يكتب عن المخرج المسرحي المعاصر ..ما بين الواقع وزوبعة الألقاب!
المسرح نيوز ـ القاهرة ـ مقالات ودراسات| حسن خيون
ـ
لا يوجد هنالك من شك في حرفية وعلمية، ومنهجية المخرج المسرحي، الباحث المعاصر الذي يمتلك أدوات كثيرة وعديدة تتعدى الأليات (الكلاسيكية) واعني التقليدية المتعارف عليها على مستوى الاشتغال لدى أصحاب الاختصاص، بالاضافة الى السعي الدئوب في التنقيب عميقاً في فضاءات الحياة الرحبة، لأكتشاف وأقتناص أفكارا جديدةً ومغايرة تكمن فيها المتعة، وتكتمل وتتحقق فيها الدهشة، اعتمادا على رؤى وأفكار شمولية (كونسبت) يستطيع من خلالها المخرج المعاصر تقديم هذا المنجز المغاير، وصولا الى إدارة علمية، مهنية، وإحترافية للعملية الإبداعية المسرحية برمتها.
ولقد نوّهت في كتاباتٍ سابقة عن تقنيات الخشبة الحديثة وأعني بها (التكنولوجيا) المتطورة! وهي منظومة عمل يعتمدها الكثير من المخرجين المعاصرين، والتي للاسف الشديد لا وجود لها في مسارحنا العربية، ولا يسعى البعض من اجل الحصول عليها وهي التي ساهمت في إغناء الشكل والمضمون على حد سواء، حتى أن في بعض الاعمال المسرحية تكاد لا تصدق ما ترى، من فخامة صور، وأجهزة إضاءة متطورة تقوم بمهام متعددة، ناهيك عن تصاميمها الديكورية المبهرة!
وأن هذه الأعمال، او العروض التي تعود لأسماء مسرحية عالمية معاصرة لا شك فيها، ولا في منجزها الطويل.. ولمَ لا؟ وهي صاحبة الخبرة المتراكمة، لاسيما أنها أسماء مدعومة طيلة المواسم من قبل حكوماتها على المستوى المالي والمعنوي والدعائي.. والبعض من هذه الأسماء هو بحدّ ذاته مؤسسة فنية، مسرحية كبيرة ومالية غاية في الإمكانيات، وغاية في الاحترافية، ومع كل هذا لا يملك هذا المخرج الجرأة ليصف نفسه: “بالمخرج العالمي” أويرضى أن يصفهُ الاخر بهذا الوصف، وهنا يكمن بيت القصيد!!
إننا نعلم جميعاً بمساحة الحرية، والتنقل، والسفر، والمشاركات المتكررة لبعض المسرحيين العرب والعراقيين الذين يمتلكون التواصل ودوائر علاقات على مستوى العمل الاحترافي المسرحي، وهذا هو في غاية الأهمية، بل هو امر يدعوا للبهجة والفخر في أن نكون ويكون لنا علاقات مهمة مع بلدان العالم على مستوى المسرح، والعمل فيه، والوصول اليه، وأكتساب الخبرة والمهارة وتقييم الذات والمنجز، وأعتقد هذا الامر هو غاية المخرج المعاصر الباحث، صاحب الهم الحقيقي والتطلع الى تمتين العلاقات، وتعزيزها ورفدها وجعلها تنمو بشكل مهني، إحترافي، عالي المستوى ..
وهنا تثار جملة من الاسئلة وأهمها هو: هل أن كل من شارك في مهرجان دولي ما، عبرمنجز مسرحي ما، يكون مخرجا عالميا؟ والجواب طبعا لا.. والسبب في ذلك هو، ليس هناك في منطقة الشرق الأوسط، مخرج مسرحي معاصر عالمي يتمتع بهذه الصفة! للاسف الشديد هذه حقيقة، وواقع حال.
أما العالمية على مستوى المسرح فهي تعني منجز مسرحي غني، ومتواصل، وبحث مستمر، لا يعرف الملل ولا الكلل .. عقود متراكمة من الخبرة العملية، والنظرية التطبيقية، ومنهاج عمل سنوي واضح، وأحيانا يتعدى الثلاث سنوات ومؤسسات حكومية داعمة، و غير حكومية وضمانات اجتماعية، وصحية (ولوكيشنات) عمل ثابتة تُمنح لهذا المخرج أو ذاك، وأعني بها مسرح، وقاعات للبروفات، وإداريين وكاست عمل متكامل وبرتوكولات مشتركة مع مسارح من الصف الاول على مستوى العالم، والتي لا يعتلي خشباتها الا من كان رقما عالميا مهما، اضافة الى مناهج دراسية متعلقة بطريقة عمل هذا المخرج، ودور طباعة تتبنى منجزه، وتسعى الى نشره، وترجمته الى كل اللغات الحية، وجمهور يعرفة في الشرق والغرب، ومختصون يتابعون منجزه، ودراماتورج ينظر له، ومدراء أعمال، وشركات، و مكاتب تسويق المنجز، والا ما كان لدينا كونستانتين ستانيسلافسكى، و فسيفولد مايرهولد، وبرتولت بريشت، و ارفن بسكاتور، و بيتر بروك، و أنطونان أرطـــــــو، و ييجي غروتوفسكي، و إجينو باربا، و يانفابرا، و روميو كاستيلوتشي .. وآخرون من مَنْ صنعوا منجزهم ، ومجدهم بصمت وحكمة.
على المخرج المسرحي الشرق أوسطي ألّا يسعى لاهثاً وراء المسميات لأنها زائله! المنجز المتفرد والنوعي هو فقط الذي لا يزول، ولا يغادر الذاكرة، فيأخذ بذلك الصفة العالمية فهي ليست مجرد رحلة من عشرة ايّام، ولا هي مجرد عرض يقدم في الصين، او الهند، او نيويورك، او باريس، او جنيف .. كما هي ليست مجرد ورشة عمل تُقامهنا وهناك او مجرد حديث في إذاعة او لقاء في صحيفة وما الى ذلك .. العالمية هي نتاج حياة، وعمل حقيقي وصادق لا يخلو من نكران الذات .. وهي بحث مستمر وواقع ملموس وليست، زوبعة ألقاب وفقاعات ما تلبث ان تتطاير وتتبخر وتضيع في النسيان. أيّها المسرحيون .. تواضعوا فيرحمكم جمهور المسرح ..
العمل الإبداعي هو صمت وحكمة ..
حسن خيون
مسرحي عراقي
بلجيكا