مقالات ودراسات

المخرج د. جمال ياقوت: مسرحية “أمل لجواد الأسدي: جماليات التناقض


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم : د. جمال ياقوت

“أمل” من تأليف وإخراج الدكتور جواد الأسدي، تمثيل حيدر جمعة، رضاب أحمد، سينوغرافيا د. علي محمود السوداني، إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية.

يقدم العرض لمأساة زوج وزوجته يعيشان في بغداد في الفترة التي سيطرت فيها “داعش” على مقدّرات الأمور، والمعاناة التي يلاقيانها من جراء فقد الأهل والأصدقاء، وفقدان الأمان، والخوف من المستقبل.

وتعد الصورة المسرحية أحد أبطال هذا العرض، فالصورة تتكون من المنظر المسرحي بما يشمله من موجودات مادية، وإضاءة مسرحية، وإكسسوارات، وأزياء مسرحية، وأخيرًا، تتضمن الصورة المسرحية عنصر جسد الممثل في علاقته بالمساحات الفارغة عل خشبة المسرح، وهو في رأيي العنصر الذي يؤكد  – بحضوره الحي وبتفاعله مع باقي عناصر الصوت والصورة المسرحية –  الوحدة العضوية، التي تعنى  بإيجاد علاقة بين أجزاء العمل المسرحي بعضها ببعض تقوم على التكامل لتشكل كلًا واحدًا متسقةً أجزاؤه، ويمكن في هذا الصدد أن نشير إلى الصورة البصرية التي يطل منها العرض علينا، والتي تتمثل في مجموعة الموجودات المادية التي تشكل المنظر المسرحي مثل: صالة البيت والبرميل والمكتبة…

وتؤكد أشعة الشمس التي تدخل عبر شق في السقف فكرة أن هذا البيت ليس في حالته المستقرة وأن البيئة الخارجية ألقت بظلالها بعنف وقسوة على البيئة الداخلية أو على البيت بالداخل فهناك أخطار ودمار وحروب وانتهاكات والكثير من الأمور المرعبة التي ألقت بظلالها على البيت ولكن أكثر ما ألقت عليه الظلال كان هو مظهر الكتب ومظهر الشخصيتين – الزوج والزوجة – أما الإضاءة فقد لعبت دورًا كبيرًا في إضفاء جو من الظلمة على المكان…  ومن حين إلى آخر تظهر أشعة الشمس التي تدخل المكان وهي رغم أنها قد تحمل بصيصًا من أمل فإن هذا البصيص سرعان ما يتلاشى مع عنف الكلمات التي يتبادلها الزوجان.

في هذا العرض مجموعة من الصور الجمالية البليغة التي اعتمدت على التناقض في المقام الأول.. ويمكن أن نوجزها فيما يلي:

– جمالية تحطيم الكتاب على رأس باسم.

– شعاع الشمس وسط الظلام.

– التناقض الصوتي بين صراخ أمل وصمت باسم.

– التناقض في الأسماء: “أمل” بلا أمل، “باسم” لم يبتسم مرةً.

– الحديث عن تخيله لمستقبل ابنه الذي سيعلمه الموسيقى والرقص في مجتمع يقتل أبناءه لممارستهم الموسيقى والرقص.

 

ملاحظات عامة حول العرض:

 

ـ العرض يؤكد فكرة أن العرض هو استكمال لحياة النص، والقارئ للنص يدرك المساحة التي تركها المؤلف للمخرج، قد يكون هذا هو السبب الرئيس الذي جعل النص المسرحي يختفي منه الإرشاد تمامًا، فلا توجد جملة إرشادية واحدة، إنما ولوج مباشر للحوار … حتى أن القارئ للنص لا يتخيل كمّ الصور والأفعال المسرحية الموازية التي يمكن أن يتضمنها العرض، إن عناصر المنظر المسرحي والأزياء وحركة الممثل ومنهج الأداء التمثيلي.. كانت موجودة وبالتفاصيل في ذهن الكاتب الذي جسدها عندما تصدى لإخراج النص، في حين أنه لم يضمّن أيا منها بالنص، وهو ما يؤكد فكرة أن النص المسرحي دائمًا هو حياة لا تكتمل إلا بالتجسيد على خشبة المسرح، لكن هذه الحالة تطرح سؤالًا، هل يحق للمؤلف ألا يكتب جملة إرشادية واحدة إذا كان هو القائم بفعل الإخراج؟ وهل انتفاء صفة المخرج عن المؤلف يمكن أن تقود لنص فيه الكثير من تفاصيل تتعلق بتفسير المواقف الدرامية، وتفاصيل المنظر المسرحي والحركة ومنهج الأداء التمثيلي؟

ـ هناك اهتمام كبير من المؤلف/ المخرج بفكرة الوحدة العضوية لعناصر العرض، فالمنظر المسرحي متسق الأجزاء، تغلب على مفرداته المعنى الكامل للقتامة، المكتبة المائلة التي تنذر بخطر السقوط، الكتب المبعثرة على الأرض والكراسي والمنضدة، برميل المياه الذي زاد المكان قذارة بالطين الناتج عن اختلاط الماء بالأتربة، الإضاءة المعتمة التي لا تتغير إلا بدخول شعاع النهار من سقف صالة البيت، والموسيقى تمضي على وتيرة شبه ثابتة تعبر عن البطء الذي يمر به الوقت على الشخصيتين، كما أن المنهج الصوتي الذي يتناوب بين الصراخ والصوت المتهدج من أثر التعب يؤكد حالة الموات التدريجي للشخصيتين بوصفه استجابة عفوية لما يحدث بالمجتمع الخارجي الذي يعد البيت وحدة مصغرة منه.

ـ الإيقاع: إذا قمنا برسم خط مستقيم يمثل “فعل أول” يستغرق “زمن أول”، ثم رسمنا خطًا آخر يمثل “فعلا ثانيا” يتم التعبير عنه بالصمت يستغرق “زمنا ثانيا” يفصل بين الفعل الأول والفعل الثالث الذي يمثل رد الفعل الأول في الغالب، وهو يستغرق “زمنا ثالثا”، هنا نكون أمام ثلاثة أفعال درامية مكتملة، الثاني فيها هو فعل صامت يستخدم للتعبير، وكذلك يكون لدينا ثلاثة أزمنة.

إن دراسة العلاقات المتشابكة بين الأزمنة الثلاثة وطبيعة الفعل الأول والثالث، يمكن أن تنبأ بطبيعة الإيقاع في هذا العرض، فالفعل الأول والثالث في الغالب يكون في حالة تناقض على مستوى الصوت والصورة، والفعل الثاني هو الصمت الدرامي المعبر المشحون بالمشاعر الناتجة عن الفعل الأول، وبالتالي فإن الزمن الثاني هو زمن صمت والمعادلة في الغالب تكون:

صراخ – صمت – هدوء

أو

هدوء – صمت – صراخ

هذا التباين في مستويات الصوت إذا ما تم صياغته في معادلات زمنية ملائمة يحقق التباين الصوتي. الذي هو جوهر الإيقاع الجيد، وهو ما يحقق جوهر المسرح الذي يتمركز حول الإيقاع المنضبط.

ـ منهج الأداء التمثيلي تجسدت فيه روح التباين، وبالرغم من استخدام نبر عال من الممثلين؛ فإن هذا النبر كان مناسبًا للحالة الدرامية التي فرضتها طبيعة النص، وخطة الإيقاع التي اعتمدت على التباينات الصوتية وما بينها من لحظات صمت.

ـ بذل مصمم السينوغرافيًا جهدًا  فكريًّا مميزًا في أن تأتي الصورة المسرحية معبرة عن قيم درامية تتسق مع الموضوع الذي يطرحه العرض، وقد يكون الميل في المكتبة والكتب التي انزلقت – أو ألقيت على الأرض –  هي أحد أهم عوامل تأكيد الحركة التي أضفتها الصورة المسرحية على العرض، فالسينوغرافيا أبعدت العرض عن حالة السكون وأدخلته بفاعلية في حالة من الحركة الدائبة… الأمر نفسه ينطبق على حركة الدخان المنبعث من بخاخة باسم وتعانقه مع الضوء الآتي من سقف البيت، كذلك الغبار الناتج عن ضرب الكتاب برأس باسم، وأخيراً رزاز الماء الذي يتعانق مع الضوء… كل هذه التباينات حققت حركة دائبة، وأبعدت العرض عن السكون الذي يؤثر بالسلب على الإيقاع. وقد ساعد على تحقيق هذه الحالات الموسيقى التي مضت على وتيرة شبه واحدة في سرعة بطيء يعبر عن حالة السكون والملل التي يعيشها باسم وأمل دون أن تدع هذا الملل يتسرب للجمهور، وهذا هو الفارق الكبير أن توصل حالة الملل للجمهور، دون أن تصيب الجمهور ذاته بالملل.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock