الناقدة العمانية عزة القصابي تكتب عن .. المؤلف.. وجدلية حرية التعبير .
المسرح نيوز ـ القاهرة | عزة القصابي
*ناقدة ..من سلطنة عمان
ـ
هناك مزاوجة واضحة بين المبدع والرقابة بأشكالها المختلفة على مر الأزمان أثرت على حرية التعبير أو الرأي…مما كان له الأثر السلبي في استيعاب “العملية الإبداعية”، وقد ولد ذلك روحًا منكسرة في أوساط الكتُّاب الذين ظلوا يشعرون أن مسألة تقييم المنجز الإبداعي أصعب ما تكون.
ويتصف مقص الرقيب بحساسيته المفرطة للقضايا المقدمة إليه ضمن مشروع المنتج الإبداعي الجمعي، مما جعله لا يلاقي ترحيبا من المبدعين أنفسهم، فهو بمثابة المعول الذي ظل ينخر في نسيج الأعمال الإبداعية المقدمة، و تسبب ذلك في أزمة حقيقية تحتاج إلى حلول وسطى، خاصة في ضوء ما نعيشه من انفتاح عالمي وثورة رقمية بلا حدود ولا قيود.
ولكن هذا لا ينفي أن هناك ترحيبا بالرقابة الذاتية للكاتب من منطلق المسؤولية الاجتماعية، وكان لذلك أثرا إيجابيا في اختيار وانتقاء الأعمال الإبداعية التي قد تتفق مع فكر وعادات المجتمع، كما تحفظه من المدخلات والشوائب التي يمكن أن تفسده خاصة في ظل الانفتاح على الآخر.
ومع تقدم التقنية الحديثة وتطور وسائل الاتصال الرقمية، ظهر النشر الالكتروني الذي يتمتع بخصائص كثيرة من ضمنها التعليقات وردود الأفعال ازاء المواد المنشورة في الشبكة الالكترونية بالكلمة والصورة والصوت… وأصبحت حرية الرأي بلا حدود حيث يمكن للمادة المنشورة أن تصل إلى ملايين البشر في غمضة عين .
ورغم ذلك فإن هذا النوع من النشر لم يسلم أيضا من الرقابة، فقد ظهرت أشكال جديدة بمثابة الخطوط الحمراء التي يصعب تجاوزها، وهذا بدوره قلص مساحة حرية الرأي من خلال السيطرة على الكثير من المواقع الالكترونية ، و حذف المواد التي من شأنها أن تتنافى مع توجهات الدولة أو المجتمع.
ويلقى الكثير من المشتغلين في الفنون اليوم باللوم على الرقابة كونها المسؤولة عن محاصرة المبدع عن تقديم قضاياه المهمة ، ولقد استطاعت النخب المفكرة في الغرب مواجهة الرقابة منذ عصور النهضة والتنوير و تجاوزتها .
ولقد ظل كثير من مبدعي العرب يعانون من ظلال الرقابة الجاثمة على صدورهم منذ أمد بعيد، و تسبب ذلك في تضييق الخناق على حرية التعبير فقد تراجع دور المفكر والمبدع العربي ، نتيجة توجيه الكثير من اللوم والنقد إليه ، إذ أصبح غير قادر على التعبير عن نفسه وهو عادة يبتعد عن موضوعاته الضرورية، وقد يلجأ إلى الطرق الملتوية للتعبير رأيه… وهذا جعلهم يعيشون ارتدادات ذاتية ويغرقون في عالم الاحلام والخيال .
ونتيجة ذلك التراجع ، أصبحوا غير قادرين على المشاركة الفعلية في التغيير واصلاح الأنظمة الفاسدة لديهم ، أو محاولة التطاول على جدران السلطة العالية، وخاصة في ظل هيمنة المؤسسة الرسمية على مصادر الابداع ، وهذا بدوره أضعف صوت المؤلف ، وأصبح لا يقارن بذلك السياسي أو الاقتصادي ، طبعا مع وجود استثناءات للبعض الذين استطاعوا التصدي لإشكالية الواقع السياسي، بل كان لهم دور فاعل في المشاركة السياسية والثورات وحراك المجتمع واستشراف المستقبل.
ولا يفوتنا أن نذكر، أن هناك تفاوتا في نسب “حرية التعبير” من دولة إلى أخرى ومن وسيلة إبداعية إلى أخرى، وهذا بدوره قلل من فرص التعبير والانطلاق الحر في ثنايا العمل الفكري والثقافي بفعل انعدام عنصر المصداقية، وتخضع الكثير من الحـكومات العربية لقوانين إزالة الحرية أو قانـون حريـة المعلـومات التي تستخدم في تحديد المصالح العامة .
ورغم تعدد أشكال الرقابة بغية الحد من حرية التعبير ، إلا أن المبدعين والمفكرين والمثقفين وجدوا في أروقة الثقافة والفنون وسيلة مثُلى للتنفيس عن ذواتهم، والتعبير عن قضاياهم السياسية والاجتماعية والفكرية، و المطالبة بحلول وسطى ما أمكن ذلك.