مقالات ودراسات

الناقدة رنا عبدالقوي تكتب عن العرض الإيراني: “عندما تنتهي؛ تسقط “.. حيرة المخرج بين النص وآليات العرض!

من عروض مهرجان مسرح الدن الدولي في دورته الرابعة بمسقط، سلطنة عمان


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

رنا عبدالقوي

ناقدة وباحثة ـ مصر

مسقط| سلطنة عمان

 

الحرب .. الموت .. القبور .. الفردوس؛ أربع مترادفات تلزمن إنسان هذا العصر، ففي كل بقاع الأرض أصبحت رائحة الموت بديلاً عن رائحة ندى الصباح، حيث ننام ونصحو على القتل والعنف والإرهاب والمشردين بلا منازل.

 

هذا ما يتطرق له العرض الإيراني الاهواذي (عندما تنتهي تسقط) قضية إنسانية شديدة التماس مع واقعنا الإنساني العالمي، من خلال خمس شخصيات، تجسد الأم وطفليها، و رجلٍ أشعث يظهر مُعلقا على الأحداث، و شخص دخيل يدفع الصراع، وشخصٍ خامس يخفيه قناع  يرتديه يرمز ـ ربما ـ إلى الشيطان الموسوس للانسان على الارض.

 

كل هؤلاء يلتقون في مساحة حددها المخرج/ المؤلف عبد الهادي عبد الرزاق الجرف، كقبر كبير، هو الدنيا، حيث تلد الأم/ الوطن طفليها، اللذين يكبران و يعشان على خيرها وعطائها، ويبدآن في الإنصات إلى المحتل الذي يُحركه الشيطان، حتى  يصل بهم الأمر إلى أن يتاجرون في وطنهم ببيعه قطعة تلو أخرى ويقبضون الثمن، ومن ثم؛ يبدأون في رسم الحدود المسموح لهم بالبقاء فيها، حتى يتخلوا عن كامل الوطن.

وإنْ طرَحَ النص/ العرض في البداية قضية إنسانية عامة، إلا إنه دمرها؛ بتخصيصها وتوجيهها نحو قضية فلسطين فقط، خاصة فيما يخص  الأداء الصامت للممثلين في مشهد قامت فيه الأم برفع ذراعها بطريقة هتلر الشهيرة، كناية عن إبادة هتلر لليهود في أورربا وهروبهم نحو الشرق، و قيامهم برسم الحدود بالطباشير على مساحة الأداء وإسقاطة على الأسوار الفاصلة التي يضعها الصهاينة عبر أرض فلسطين .

ورغم أن العرض اعتمد كذلك على بعض الجمل الحوارية المنطوقة على لسان الشخصيات الدرامية الرمزية، منها ما هى مستهلكة، ومتكررة في غير مكان؛ مثل: (الله سلام، الله وطن، ابحثو عن الله فيكم)، و منها ما هى جمل رنانة مثل: (خلو التراتيل تقول سلام، فبالسلام وحده يحيا الانسان) وهي جملة تُحيلنا إلى خطاب شهير للرئيس الراحل محمد أنور السادات، وهو خطاب تلاه بعد حرب 73، واتفاقية السلام. إلا أنه أهدر حق الكلمة لصالح  المشهد البصري الذي أراد تحقيقه على الخشبة، وهنا يأتي السؤال: هل نجح المخرج/ المؤلف في توظيف آليات العرض المسرحي  لإيصال رسالته؟  أم أنه باعتباره مؤلف النص المكتوب؛ ونص العرض قد تشتت بين هذا وذاك؟!

الواقع، وهو ما شاهدناه أمام أعيننا أن مخرج العرض جعل الأولوية لجماليات الصورة، والكيروجراف/ الدراما الحركية، و الأزياء و الماكياج؛ والاضاءة، ظالما بذلك السياق الدرامي، بما يحمله من رسالة، فسبح في فضاء من التكوينات الحركية ، والإضائية، والتي بدت في لحظات درامية كثيرة خالية من المعنى، وإن كان في لحظات تُعد على أصابع اليد الواحدة استطاع التعبير بالمايم والبانتو مايم عن طبيعة الصراع بين الشخصيات دون حوار. و لكنه كان دائماً ما يعود بنا إلى نقطة البداية، وإعادة المعنى، وترجمته بأكثر من طريقة، وبشكل مباشر، طوال العرض الساعة؛ من دون جدوى إضافة جديد، وأرى أن الرسالة الحقيقية للعرض قد وصلت للمتلقي من النصف ساعة الأولى. وإن كنا دائما ما نقول ونؤكد، وقالها و أكد عليها قبلنا أساتذة المسرح: “أن المسرح فن التكثيف، وأن للكلمة ثقلها ودورها على منصة الأداء التمثيلي” .

فالعرض تأرجح بين الكلمة والمعني المُجسّد.. مما أدى إلى ضياع هيبة الكلمة التي تنطق بها الشخصيات في الفراغ المسرحي، حيث أتت بعد كل مشهد تمثيلي حركي جملة منطوقة لا تُضيف على المعنى شئ بقدر ما تنتقص منه و تقلل من أهميته بسبب التكرار .

وعلى جانبٍ أخر لا يمكن إنكار جهود الممثلين، فكل من على منصة الأداء أعطى كل ما يستطيع . فالعمل المسرحي شاق ويتطلب الكثير من الجهد الذي أقدره بشدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: العدد السادس من النشرة المصاحبة للمهرجان


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock